الجمعة، 1 مارس 2013

الأستاذ عز الدين المختار مربيا وإداريا وإنسانا



الأستاذ عز الدين المختار مربيا وإداريا وإنسانا

ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل

حين يوجه لي سؤال يتعلق بمن تأثرت من المدرسين والأساتذة في مسيرتي التربوية والتعليمية والوظيفية، أقول أنني كنت محظوظا لأني تعلمت وعرفت وشاهدت خيرة الأساتذة والمدراء والعمداء ورؤساء الأقسام ورؤساء الجامعات والوزراء .

ففي المدرسة الابتدائية، وكانت مدرسة أبي تمام تعلمت من أساتذة أفذاذ يقف على رأسهم مديرنا الأستاذ القدير والمربي الكبير عزالدين محمد سليمان المختار .

وفي متوسطة الجمهورية تتلمذت على خيرة التدريسيين ، وفي مقدمتهم الأستاذ عبد الرزاق الشماع وعندما انتقلت إلى المتوسطة المركزية أعجبت بالأستاذ محمود عطار باشي وعامر داؤود نادر وعزالدين السردار.

وفي الإعدادية الشرقية كان هناك الأستاذ غانم سعد الله حمودات والأستاذ عمر الطالب والأستاذ هاشم سليم والأستاذ شاكر النعمة والأستاذ عبد الله القليه جي.

وفي كلية التربية ببغداد درست على أيدي الدكتور جواد علي والدكتور فاضل حسين والدكتور زكي صالح والدكتورة نعيمة الشماع.

وفي الجامعة اقصد جامعة الموصل عملت مع الدكتور محمد صادق المشاط والدكتور عبد الاله الخشاب والدكتور توفيق اليوزبكي والدكتور محيي الدين توفيق والدكتور خضر الدوري والدكتور قبيس عبد الفتاح والدكتور رياض الدباغ والدكتور زهير محمد عبد الله الشاروك وهكذا تعلمت وعلمت فنحن التربويون جسور نربط بين الأجيال ولدينا رسالة في الحياة لابد أن نؤديها وهي خلق جيل يؤمن بالله وبالوطن وبالأمة ويعمل في سبيل التقدم والوحدة.

وقبل أيام كنت أتحدث هاتفيا مع أخي وصديقي الغالي المربي الكبيرالاستاذ نزار المختار وقلت له إني مقصر بحق أستاذي عزالدين المختار وهو بالمناسبة أخاه وما أكاد انهي المكالمة حتى بدأت بكتابة هذه المقالة عن هذا الرجل الذي تربينا على يديه ونحن أطفالا صغارا..

انه الأستاذ عزالدين المختار (والد صديقنا وزميلنا الأستاذ الدكتور سعد وهو من جيلي الأستاذ في قسم الكيمياء –جامعة الموصل حاليا ) .

ولد الأستاذ عزالدين في محلة الجامع الكبير في الموصل سنة 1912 وهو الولد البكر لوالده محمد سليمان المختار عميد آل المختار.. الأسرة الموصلية العريقة والتي قدمت للعراق الكثيرين ممن أسهموا في بناءه وتكوينه في مختلف مجالات الحياة .

كان محمد سليمان مختارا لمحلة الجامع الكبير. وقد انتخب بعد إنهاءه الخدمة العسكرية في حلب إبان الحرب العالمية الأولى، وضمن وحدات الجيش العثماني مختارا .وكان محمد المختار والذي اكتسب التسمية من مهنته مختارا محبا للعلم ويطمح أن يكون أولاده من الأفندية لذلك حرص على إدخال ولده عزالدين المدرسة الرسمية وكانت المدرسة القحطانية للبنين، وللسنة الدراسية 1921-1922، وتخرج فيها سنة 1926-1927 وكان مدير المدرسة انذاك الأستاذ عبد العزيز النوري .

لم تكن في الموصل في العشرينات من القرن الماضي سوى مدرسة ثانوية واحدة تعرف ب(ثانوية الموصل ) ،وقد التحق عزالدين بها، وللعام الدراسي 1927-1928 وتخرج في القسم المتوسط العام الدراسي 1927-1929 إذ كانت مدة الدراسة المتوسطة سنتان وكان مدير ثانوية الموصل الأستاذ داؤود سليم .

التحق بدار المعلمين الابتدائية في بغداد السنة الدراسية 1929-1930 وتخرج فيها السنة 1930-1931 وعين معلما في مدرسة باب البيض الابتدائية للبنين ومن خلال اطلاعي على سجلات درجاته في دار المعلمين الابتدائية، اتضح لي انه كان متفوقا ومعدل درجاته لم يكن يقل عن أل 80% وكانت سمعة الدار طيبة ومستواها متقدما كيف لا ومديرها كان الأستاذ متي عقراوي الذي عين فيما بعد أول رئيس لجامعة بغداد 1958.

من التقاليد الجميلة في العراق آنذاك أن المتخرج من الدار أو الكلية يتلقى اثر قبول تعيينه كتابا من مدير معارف منطقته التربوية يخبره بالموافقة على تعيينه.. وفي الوثائق المتوفرة لدي وجدت أن الأستاذ عزالدين تلقى كتابا من مدير معارف منطقة الموصل برقم 23-1671 في 27 أيلول –سبتمبر 1931 جاء فيه :

"إلى حضرة عزالدين محمد المختار خريج دار المعلمين الابتدائية
جرى تعيينكم لمعلمية مدرسة باب البيض للبنين براتب قدره(12 -137) روبية شهريا( والروبية عملة هندية كانت تساوي 75 فلسا) اعتبارا من تاريخ مباشرتكم العمل ...وان المدارس تفتح في 1 تشرين الأول –أكتوبر 1931 ،فعليكم الحضور بمحل وظيفتكم بالوقت المعين " .

باشر الأستاذ عزالدين المختار في عمله.. وتدل التقارير التي كان يرفعها عنه المفتشون (المشرفون التربويون ) انه كان معلما ناجحا ومربيا متميزا ،وكانت علاقاته بزملائه وتلاميذه ممتازة .كما كان ملما بمادته يستخدم الوسائل التعليمية لذلك اختير مديرا لأكثر من مدرسة وقد أدركته أنا عندما كنت تلميذا بمدرسة أبي تمام للبنين أوائل الخمسينيات من القرن الماضي مديرا للمدرسة التي كانت من أفضل مدارس الموصل الابتدائية آنذاك .

عمل مديرا للمدرسة العراقية ومديرا للمدرسة القحطانية ،ومديرا لمدرسة الحدباء ومديرا للخزرجية المسائية ومديرا لمدرسة الأحرار.كما عمل معلما في مدارس عديدة داخل الموصل وخارجها وقد اكتسب من خلال عمله الكثير من الخبرات التربوية التي انعكست ايجابا مع تلاميذه .خدم في تلعفر وخدم في العمادية وعمل محاضرا في المدارس المسائية المخصصة لمحو الامية واسهم في هذا المشروع التعليمي كأحسن ما يكون وقد اتضح هذا لنا من الكتاب الذي وجههه مدير معارف لواء الموصل في الأول من تشرين الأول –أكتوبر 1933 والذي التمس منه أن يسهم في مكافحة (محو ) الأمية والقضاء عليها وبالفعل قام بذلك في مدرسة النجاح المسائية .

ومن الطريف أن تلجأ إليه مديرية تربية الموصل للعمل في مقر المديرية وقد كلف رحمه الله بمهام ذاتية معارف لواء الموصل وملاحظيتها مرتان ،إلى جانب قيامه بالتعليم أو الإدارة أحيانا الأولى في الأول من تموز-يوليو 1937 والى الأول من شباط-فبراير 1942.والثانية سنة 1953 .كما استعانت به كأمين سر(سكرتير ) للجنة ترفيعات موظفي الخدمة التعليمية المشكلة في متصرفية لواء الموصل، وقد قام بواجبه بكل جد وإخلاص وأمانة وقد تلقى كتاب شكر وتقدير من مدير معارف (تربية ) الموصل الأستاذ سعيد نعمان .

للأستاذ عزالدين المختار نشاطات عامة، فقد كان ،رحمه الله ،عضوا في لجان اكساء الطلبة الفقراء في لواء الموصل سنة 1942.. وكان منتخبا ثانويا في انتخابات أعضاء المجلس النيابي لدورات عديدة عن المنطقة التي تقع ضمنها محلة الجامع الكبير..

ولضيق الحيز المخصص لنا يتعذر علينا أن نورد كتب الشكر والتقدير والتكريم التي تلقاها طيلة حياته الوظيفية ومن جهات كثيرة وكلها تؤكد على قابليته الفذة وأسلوبه المتميز وطيبته وأريحيته وإيمانه برسالته وقد أدى فريضة الحج مرتان الأولى سنة 1935 (1353 هجرية ) ،وضمن فريق كشفي عراقي كان من بينهم 14 من معلمي ومدرسي الموصل ،والثانية سنة 1980 ولابد أن نشير إلى جهود السيدة زوجته ناثرة محمد علي الفتحي رحمها الله والتي وقفت إلى جانبه ورعته ورعت ولده الوحيد الدكتور سعد وأخواته الست المتخرجات جميعهن من الكليات والمعاهد العالية .

وقد يكون من الطريف أن أشير إلى ما أفادني به الأستاذ نزار المختار حول البعثة الكشفية العراقية التي أرسلت إلى الديار المقدسة في الحجاز لأداء فريضة الحج وفي العام 1354 هجرية (آذار-مارس1935 ميلادية ) وقال في رسالة كتبها وأرسلها إلي في 12 تشرين الثاني –نوفمبر 2009 ،انه كان برفقة والده في استقبال أخيه عزالدين العائد من الديار المقدسة ضمن الوفد الكشفي الذي تظهر صورته إلى جانب هذه السطور، وقد أرسل لي –مشكورا - صورة من الأمر الإداري الصادر عن مديرية معارف لواء الموصل المرقم 4-1735 في 2-3-1345 الموافق 5-5-1935 موضوعه اجازة ومدرجة فيه اسماء المعلمين والمدرسين الذين أدوا فريضة الحج وعناوين مدارسهم ولم يرد اسم الأستاذ يحيى ق عبد الواحد في الأمر ، لأنه كان آنذاك لايعمل في مدارس لواء الموصل بل في لواء آخر .والمعلمين والمدرسين الموصليين كان عددهم 14 وهم كما يلي:


1.سعيد عبد الوهاب (الثانوية ) .
2.توفيق الدباغ (المتوسطة )
3.عبد الفتاح جليميران (المتوسطة )
4.عبد المجيد شوقي البكري (الميدان )
5.بشير حسن (الميدان )
6.محمود شيت الجومرد (القحطانية )
7.عبد السلام عبد الله (القحطانية ).
8 .محمود فوزي العريبي (العراقية )
9.شريف علي طاقة (العراقية )
10.عبد الرزاق السيد محمود (الوطن )
11.عزالدين المختار (باب البيض )
12.عبد العزيز نجم (باب البيض )
13 .احمد محمد عبد الله (النيلة ) (باب النبي )
14 .يحيى ق الشيخ عبد الواحد

وورد في هامش الأمر الإداري المذكور أعلاه إشارة إلى ضرورة إصدار أمر إجازة لطبيب الوفد، وموفد دائرة صحة المدارس الدكتور واصل رسلان ولمدة 34 يوما من قبل مديرية المعارف العامة ببغداد وقد أجيز جميع أعضاء الوفد براتب تام، وعدوا موفدين بصورة رسمية وقد وقع الأمر الإداري الأستاذ محمد عاصم ألجلبي مدير معارف لواء الموصل .

في الأول من حزيران –يونيو 1968 طلب الأستاذ عز الدين المختار إحالته على التقاعد وانصرف للقراءة، ومتابعة شؤون أسرته وارتياد المساجد والجوامع والإكثار من ممارسة الشعائر الدينية واستقبال الأهل والأصدقاء وقد تعرض في آذار –مارس 1993 لحادثة سقوط على الأرض واستوجب الأمر إجراء عملية جراحية، لكن حالته ساءت بسبب كبر سنه فتوفي بأجله الموعود يوم الجمعية 26 آذار مارس 1993 عن عمر ناهز أل 81 عاما، رحمه الله، وجزاه خيرا على ما قدم لوطنه ومدينته وأمته .
Top of Form

Bottom of Form

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 ...............أ.د إبراهيم خليل العلاف

                                                            الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 أ....