السبت، 2 مارس 2013

مع الفنان التشكيلي الكوردي د. نوري مصطفى بهجت

حوار مع الفنان التشكيلي الكوردي د. نوري مصطفى بهجت: الانطباعية لا تشيخ... والطب قرين الابداع

  حاوره: حسب الله يحيى

 http://www.sotakhr.com/2006/index.php?id=2636

طبيب يؤهل مرضاه لمواجهة الحياة.. متجاوزين المرض والعوق واليأس، وتشكيلي مفتون بالطبيعة، وكوردي اصيل ينتمي الى جيل القيم والفضيلة، وموسيقي يمتلك قدرة غير اعتيادية على اتقان فن الاصغاء. هذا هو الدكتور: نوري مصطفى بهجت. تسللت الى بيته، واخترقت عزلته، اجتزت لوحاته وآلاته الموسيقية ومعداته الطبية ورفوف كتبه وفناجين قهوته.

استقبلني بابتسامة ترحيب بان صدقها في ملامحه... ثم ترحيب لاحق مع السيدة قرينته التي تبين لمساتها في كل مكان من هذا البيت الملتم على بعضه، وراحت تحتفي بي ضيفاً وعلى طريقتها الخاصة بحيث لم تترك لي حرية الاعتذار عن كرم اكبر لزيارة اولى. اعتذرت في البدء ان اكون قد اخترقت عليه صفو بيته وحديقته وكتبه ولوحاته وتأملاته كذلك.. كنت احترم عزلته، وكانت امنيتي الاعتزال.. لذلك اشفقت عليه من اختراقي تلك العزلة، لكن الفنان الذي فيه رحب، والطبيب الممتهن يعالج خجلي، وهمس الموسيقى الصباحية يحتفي... ودخلت. احتضنت كتبه التي كانت بعدة لغات، وحنوت على ارشيفه واداة معارضه والبومات صوره.

• د. نوري... انت من جيل لم يعتد تعليق الصور على الجدران، كيف علقت لوحتك الاولى؟

- انا من هواة الرسم والتمثيل والموسيقى... والجيل الذي عشت معه لم يعتد ان يعلق الصور على الجدران فعلاً.

نحن الرواد نعرف هذا. عشناه... في وقت كنا ندرس الفن في معهد الفنون الجميلة. كان الوحيد من بيننا الفنان عبد القادر رسام يبيع لوحاته.

تخرجت في معهد الفنون عام 1945/ القسم المسائي... كنت قد درست العزف على آلة الكمان... والموسيقى الكلاسيكية... في وقت كنت طالباً في كلية الطب القسم الصباحي.

كنت مع الفنان الراحل فائق حسن وهو يؤسس معهد الفنون، وكنت من خريجي الدفعة الاولى عام 1945.

• اسمعك تؤكد على تحديد الازمنة، هل تريد ان توثقها، هل تمتحن ذاكرتك من خلال استعادتها؟

- بالتأكيد... الشيخوخة تحاول ان تمسك بالزمن... احاول ان لا انسى.

• بعد هذه التجربة المديدة من العطاء... كيف تفهم اللوحة التشكيلية؟

- فهم اللوحة مهمة الناقد وليست مهمة الفنان.

• اعتقد ان اللوحة والقطعة الموسيقية.. يمكن الاحساس بهما.

- نعم هذا صحيح.

• والفنان يعبر عن احساسه... بينما الكتابة تعبر عن افكاره.

- اللوحة لا يمكن شرحها.

• وكذلك الموسيقى؟.

- نعم.

• هل يمكن تدريب الحواس؟

- لا..

• شخصياً.. اعتقد بأن من الممكن تهذيب الحواس، والارتقاء بالذوق العام... بالذائقة الجمالية.

- الاحساس مران وتراكم خبرة.

• وما الذي يجمع بين الطب والتشكيل والموسيقى.

- الاتجاهات والميول، ابي من شيوخ الكورد.. برزنجي.. اشترى لي عوداً لكنني استبدلته بالكمان، في الخامس الابتدائي تسلمت جائزة عن رسم لي... وفي كركوك تعرفت على الفنان زيد محمد صالح زكي... وهناك رحت ارسم الجبال والانهار والطواحين...

• ولكنني اعتقد ان الانسان مصدر المعرفة والابداع معاً.

- بالتأكيد... أنا ارسم ما ارى، وما ينطبع في ذاكرتي.

• انطباعي انت.... والطبع صورة والصورة تتجسد...

- نعم. أنا لا ارسم لهدف سياسي أو اجتماعي محدد... كما أنني لا ارسم اعمالاً تجارية، ارسم كل ما يبقى اثره في نفسي..

• ولكن هناك رسوماً لها قيم وتاثير... هل انت ضدها؟

- لا ابداً... الرسوم وردت فعلاً لتثبيت القيم، كما ان الموسيقى مورست في الطقوس الدينية.

• وما موقع المدارس الفنية منك... من فنك؟

- السريالية مثلاً خيال بعيد عن الواقع، وأنا انسان متعلق بالواقع.

انا لا اهوى اللوحات التي اجد فيها عناء الانسان... لا أحب الرعب، عموماً يكفي ان الواقع بذاته مرعب.

• الآن هناك اعمال تشوه الاشكال الواقعية.

- انها تعبير عن حالة معينة.

• هل ترى ان الرسم يمكن ان يؤثر في المجتمع؟.

- لا انتظر ردود فعل اجتماعي، الفنان ابن المجتمع... وعلاقته بالاخرين والطبيعة، انا ارسم ما يحيط بي... اهوى الطبيعة.

• وترفض الصدمة أو الدهشة في الفن.

- نعم ارسم ما يفتنني.. والفنان ابن بيئته... وافضل رسم الاشياء التي احبها.

• لكن بيكاسو مثلاً رسم الاشياء التي يكرهها.. يكره الحروب ورسمها... ادانها من خلال الجورنيكا... أليس كذلك؟

- نعم.. فلسفتي في الفن تختلف. انا لا ارسم الاشياء التي اكرهها، ارسم كل جميل.

اعتقد ان الفن سام وقائم على المحبة والوئام.

• لكن عدداً من الفنانين العراقيين الذين غادروا العراق وعاشوا في المنافي حملوا معهم تجارب جديدة... هل ترفضها؟

- اعتقد ان الفنان المبدع يجب ان يحتفظ لنفسه بجذر وطني. ان يبقى، ان يقاتل في ارضه وليس من الخارج.

انا انطلق من واقع مجتمعي لا من منطلق مجتمع لا افهمه ولا يفهمني. واعتقد ان دور الانطباعية ما زال قائماً....

• مهنتك الطبية الا تحول بينك وبين ممارسة الرسم والعزف الموسيقي؟

- لا... فأنا اول طبيب عراقي عمل في التأهيل الطبي منذ عام 1957.

لقد تعلمت على يد طبيب نمساوي زاملني في مدينة كركوك عام 1952 وكنت جراحاً فيما كان يعمل في التأهيل الطبي... وتنبهت الى اهمية الاستعداد لتأهيل نفسي في هذا المجال.. وما زلت امارس العمل في عيادتي الطبيبة التخصصية انطلاقاً من احترامي للمهنة.. خاصة واني اتعامل مع المريض بوصفه صديقاً ولا يمكن ان يكون عدواً... واعمل على تنسيق جسده من اي عوق أو تشويه عملي فني كذلك..

• هذا الجيل من الفنانين وحتى من المرضى الذين يراجعون عيادتك... الا تعتقد انهم من جيل مضى؟

- نعم... اعرف هذا، وجيلنا يعتمد على قيم نبيلة وانا شديد الاعتزاز بالانتماء إليها، وانا احترم مهنتي ومرضاي، كما احترم فني وزملائي وجمهوري ولكل منا تجاربه وهواه وتوجهاته وافكاره... وكلما احترم المرء الذي فيه احترم في الوقت نفسه رؤى الاخرين.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدينة طرسوس ودورها في التاريخ العربي الإسلامي (172-354 هـ -788-965 م كتاب للدكتورة سناء عبد الله عزيز الطائي

  مدينة طرسوس ودورها في التاريخ العربي الإسلامي (172-354 هـ -788-965 م كتاب للدكتورة سناء عبد الله عزيز الطائي عرض ومراجعة : الدكتور زياد ع...