الثلاثاء، 25 يونيو 2024

يوسف المحمداوي بين أُم عوفٍ والجواهري


 


يوسف المحمداوي بين أُم عوفٍ والجواهري
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل
وكما تعرفون فإن لشاعر العرب الاكبر محمدمهدي الجواهري (1903-1997) قصيدة رائعة يؤرخ فيها لامرأة كريمة من قرية الكبسون بقضاء علي الغربي -محافظة ميسان -العمارة كنيتها ( أُم عوف ) ، واسمها السيدة (زنوبة حواس زبون) .وقصيدته في مطلعها يقول :
يا أم عوف عجيبات ليالينا *** يُدنين اهواءنا القصوى ويدنينا
يا ام عوف وما كنا صيارفة ***فيما نحب وما كنا مرابينا
إنا أتيناك من ارض ملائكها *** بالعُهرِ ترجمْ أو تُرضي الشياطينا
وللقصيدة قصة طريفة ، ومعبرة ، يرويها الشاعر والكاتب الاستاذ يوسف المحمداوي في ملحق (بين نهرين) الذي كان يصدر عن شبكة الاعلام العراقي عدد2 آب 2018 ، ويقول ان الجواهري كان مُبعدا الى قضاء علي الغربي من سنة 1953 الى سنة 1957 بسبب نشاطه السياسي وقد منحته السلطة قطعة ارض زراعية هناك (مزرعة) حتى ان خط الكهرباء الذي يربط بين قرية الكبسون ومركز القضاء امتد الى مزرعته وما يزال يسمى خط الجواهري .وفي يوم14 تموز 1958 حين وقعت الثورة وسقط النظام الملكي عاد الى بغداد ، وكان يأتي الى مدينة العمارة ويرتاد المكتبة العصرية وصاحبها السيد حيدر اللامي صديقه ، ويعود ليملأ حقيبته بالكتب والصحف والمجلات .
في قرية الكبسون ، كانت ثمة امرأة هي (أم عوف ) ، وتبعد القرية عن مركز القضاء (7) كيلومترات ، وصادف أن زار الجواهري وعدد ممن رافقه ، القرية ونزل في خيمة كانت فيها ام عوف ، والتي قامت بذبح خروف له واربع دجاجات. كان مع الجواهري (25) شخصا منهم شرطة ومنهم مدنيين ومجيئه الى (اصهوة ) بيت ام عوف في الشتاء ، وام عوف كانت لوحدها وزوجها واولادها في الرعي وعندما عادوا وجدوها قد أدت الواجب ـ وهكذا كان لهذا الموقف الكريم تأثير في الجواهري الذي قال قصيدته الشهيرة ( ام عوف) وتقع في (109) ابيات .
ام عوف المرأة العراقية الاصيلة الكريمة ، انموذجا لكل امرأة عراقية خلدها الجواهري بقصيدته الرائعة (أم عوف) والقصيدة متوفرة في موقع ( ديوان) والرابط التالي :
يقول :
يا أُمّ عوفٍ عجيباتٌ ليالينا
يُدنين أهواءَنا القُصوى ويُقصينا
في كلِّ يومٍ بلا وعيٍ ولا سببٍ
يُنزلنَ ناساً على حُكمٍ ويُعلينا
يَدِفْنَ شَهْدَ ابتسامٍ في مراشفنا
عَذْباً بعلقم دمعٍ في مآقينا
ويقترِحْنَ علينا أنْ نُجرَّعَهُ
كالسمِّ يجرعُه سُقراطُ تَوْطينا
يا أُمَّ عوفٍ وما يُدريكِ ما خَبَأتْ
لنا المقاديرُ من عُقبى ويُدرينا
أنَّى وكيف سيُرخي من أعنَّتنا
تَطوافُنا ومتى تُلقى مَراسينا
أزرى بأبيات أشعارٍ تقاذَفُنا
بيتٌ من الشَعَرِ المفتول يَؤوينا
عِشنا لها حِقَباً جُلَّى ندلِّلُها
فتجتوينا ونُعليها فتُدنينا
تقتاتُ من لحمنا غضًّا وتُسغِبنا
وتستقي دَمنا محضاً وتُظمينا
يا أُمَّ عوفٍ حُرمنا كلَّ جارحةٍ
فينا لِنُسرِجَ هاتيكَ الدواوينا
لم يدرِ أنَّا دُفِنَّا تحتَ جاحِمها
مطالعٌ يتملاها بَراكينا
يا أُمَّ عوفٍ بِلَوْح الغيب موعدُنا
هنا وعندك أضيافاً تَلاقِينا
لم يبرحِ العامُ تِلوَ العامِ يَقذِفُنا
في كلِّ يومٍ بمَوماةِ ويرمينا
زواحفاً نرتمي آناً وآونةً
مصعِّدين بأجواءٍ شواهينا
مُزعزَعينَ كأنَّ الجنَّ تُسلمنا
للرّيحِ تَنشُرنا حيناً وتَطوينا
حتى نزلنا بساحٍ منكِ مُحتضِنٍ
رأد الضُحى والنَّدى والرملَ والطّينا
مفييءٍ بالجواء الطلقِ مُنصلِتٍ
للشمس تجدعُ منه الريحُ عِرنينا
خِلْتُ السماءَ بها تهوي لتلثَمَهُ
والنجمَ يسمحُ من أعطافه لِينا
فيه عطفنا لميدانِ الصِّبا رسَناً
كادَ التصرُّمُ يَلويه ويَلوينا
يا أُمَّ عوفٍ وما آهٌ بنافعةٍ
آهٍ على عابثٍ رَخْصٍ لماضينا
على خضيلٍ أعارته طلاقَتها
شمسُ الربيع وأهدته الرياحينا
سالتْ لِطافاً به أصباحُنا ومشتْ
بالمنِّ تنطِفُ والسلوى ليالنا
سمحٍ نجرُّ به أذيالَنا مرَحاً
حِيناً ونعثُر في أذياله حينا
آهٍ على حائرٍ ساهٍ ويَرشُدنا
وجائرِ القصد ضِلِّيلٍ ويَهدينا
آهٍ على ملعبٍ أن نستبدَّ به
ويستبدَّ بنا أقصى أمانينا
مثلَ الطيورِ وما رِيشَتْ قوادمُنا
نطيرَ رهواً بما استطاعت خَوافينا
من ضحكة السَّحَرِ المشبوب ضحكتُنا
ومن رفيفِ الصِّبا فيه أغانينا
يا أُمَّ عوفٍ وكاد الحِلمُ يَسلُبنا
خيرَ الطِباع وكاد العقل يُردينا
خمسونَ زُنَتْ مليئاتٍ حقائبُها
من التجاريب بِعناها بعشرينا
إذ نحنُ مِن هذه الدنيا ضراوتُها
وإذ مغاني الصِّبا فيها مغانينا
يا أُمَّ عوفٍ بريئاتٌ جرائرُنا
كانت وآمِنةُ العقبى مَهاوبنا
نستلهِمُ الأمرَ عفواً لا نخرِّجُهُ
من الفحاوي ولا نَدري المضامينا
ولا نُعاني طوِّياتٍ معقَّدةً
كما يَحُلُّ تلاميذٌ تمارينا
نأتي المآتيَ من تلقاءِ أنفُسِنا
فيما تصرِّفنا منها وتُثنينا
إنْ نندفعْ فبعفوٍ من نوازعنا
أو نرتدعْ فبمحضٍ من نواهينا
ما إنْ يَرينُ علينا خوفُ منقلَبٍ
ولا نراقب ما تَجزي جوازينا
لا الأرض كانت مُغوَّاةً تَلقَّفُنا
غدراً ولا خاتلٌ فيها يُداجينا
إذا ارتكسنا إغاثتنا مَغاوينا
أوِ ارتكضنا أقلَّتنا مَذاكينا
أوِ انصببنا على غايٍ نُحاولها
عُدنا غُزاةً وإن طاشت مرامينا
كانت محاسنُنا شتَّى وأعظمُها
أنَّا نخافُ عليها مِن مَساوينا
واليومَ لم تألُ تَستشري مطامِحُنا
وتقتفيها على قدْرٍ مَعاصينا
فما نعالجُ خرقاً من مهازلنا
إلا بأوسعَ منه في مآسينا
يا أُمَّ عوفٍ أدالَ الدهرُ دولتَنا
وعاد غَمْزاً بنا ما كان يزهونا
خبا من العمر نوءٌ كان يَرزُمنا
وغابَ نجمُ شبابٍ كان يَهدينا
وغاضَ نبعُ صفا كنَّا نلوذ به
في الهاجرات فيّروينا ويُصفينا
يا أُمَّ عوفٍ وقد طال العناءُ بنا
آهٍ على حِقبةٍ كانت تعانينا
آهٍ على أيمنٍ من ربعِ صبوتنا
كنَّا نجولُ به غرًّا ميامينا
كانت تُجِدُّ لنا الأحلامُ حاشيةً
مذهوبةً كلَّما قُصَّت حواشينا
كنَّا نقول إذا ما فاتنا سَحَرٌ:
لا بُدَّ مِن سَحَرٍ ثانٍ يُواتينا
لا بُدَّ مِن مطلعٍ للشمس يُفرِحنا
ومن أصيلٍ على مهلٍ يُحيّينا
واليومَ نَرقُبُ في أسحارنا أجَلا
تقومُ من بَعدهِ عَجلى نواعينا
يا أُمَّ عوفٍ كوادٍ أنت نازلةٌ
دَمْثاً فَسيحاً ندّياً كان وادينا
في مثلِ رملتكِ الحمراءِ زاهيةً
كانت تخُبُّ عفاريتاً مَهارينا
ومثل خيمتكِ الدكناءِ فارهةً
كانت ترِفُّ على رملٍ صَوارينا
يا أُم عوف وما كنَّا صيارفةً
فيما نُحبُّ ولا كنا مُرابينا
لم نَدْرِ سُوقَ تِجارٍ في عواطفهم
ومُشترينَ مودّاتِ وشارينا
لا نعرِف الوِّد إلا أنَّه دنَفٌ
من الصبابةِ يعتاد المُحبينا
فما نُصابح إلا مَن يُماسينا
ولا نُراوح إلا مَن يُغادينا
يا أُمَّ عوف ولا تغرُرْكِ بارقةٌ
منَّا ولا زائفٌ من قولِ مُطرينا
غُفلا أتيناكِ لم تعلَقْ بنا غُرَرٌ
ولا حُجولٌ وإنْ رفَّتْ هوادينا
إنا أتيناكِ من أرضٍ ملائكُها
بالعُهِر تُرجم أو تُرضي الشياطينا
إنْ لم يَلُحْ شبحٌ للخوف يُفرعنا
فيها يَلُحْ شبحٌ للذل يُصمينا
يا أُمَّ عوف أأوهامٌ مضلِّلةٌ
أمِ الأساطيرُ يُبدعنَ الأساطينا
مِنْ عهد آدمَ والأقوامُ مزجيةٌ
خوفَ الشرورِ الضّحايا والقرابينا
أكُلَّما ابتدعَ الإنسانُ آلهةً
للخيرِ صيَّرها شرٌّ ثعابينا!؟
يا أُمَّ عوف سِئمنا عيشَ حاضرةٍ
تَرُبُّ سِقْطَينِ شِرِّيراً ومِسكينا
وحشٌ وإنْ روَّضَ الإِنسيُّ جامحَها
قفرٌ وإنْ مُلئتْ ورداً ونِسرينا
ضحَّاكةُ الثَّغرِ بُهتاناً وحاملةٌ
في الصدرِ للشرِّ أو للبؤس تنِّينا
وخانقاً من قراميدِ يحوّطنا
حوطَ السجون مناكيداً مساجينا
رانَ الخمولُ عليه واستبدَّ به
جذبُ الجواذب من هَنّا ومن هِينا
ولُقمةٍ ردَّها ما نسترقُّ به
وما نكافحُ زَقّوماً وغِسلينا
يا أُمَّ عوف وقد شِبْنا بمعتركٍ
نرعى المقاييسَ منه والموازينا
عُمياً نَدور على مرمى حوافره
معقودةٌ بتواليه نَواصينا
ما انفكَّ فُحْشُ تَظنِّيهِ يُلاحقنا
حتى عُدينا بفُحشٍ في تظنِّينا
فما نصدِّقُ أفواهاً بألسنةٍ
ما لم يُقمْنَ عليهنَّ البراهينا
ولا بأفئدةٍ حتى تُعاهدَنا
بأنَّ أنياطها ليست ثعابينا
وقد يشِمْنا بِمُودٍ من مراتعنا
يُغثي النفوس ومُوبٍ من مَراعينا
لا يلمسُ الروحَ فينا مَن يُصاحبنا
ولا تحدُّ حدودٌ مَن يُعادينا
ولا ينمُّ بسٍّ مَن يُضاحِكنا
ولا يَرفُّ بجَفنٍ مَن يُباكينا
ولا تسيلُ على اللَبَّات أنفسُنا
إلا ذِماً ثمّ تغشاها غواشينا
وآنِسٌ أنْ بَئِسنا فهو مادِحُنا
أغَمَّهُ أن نَعَمنا فهو هاجينا
يُضوي لئامتَه شرٌّ يَحيقُ بنا
حِقداً ويُسمنها خيرٌ يواتينا
لم يَدْرِ أنَّا على الحالين يُرمضنا
مِن بؤس خَلْقٍ سوانا يعنِّينا
وأنَّنا حين يُروي الناسَ نبعُهمُ
نُروى بنبعِ هُمومٍ فُجّرتْ فينا
وأنَّنا نحسبُ الخالينَ من ألمٍ
غَرثى عفاةً وإن كانوا قوارينا
لم يَدْرِ أنَّ النفوسَ العامراتُ بُنًى
تبقى على نكَدِ الدُّنيا عناوينا
يا رملةَ اللَّهِ رُدِّي عن تحيَّتِنا
بخيرِ ما فيكِ من لُطفٍ وحيّينا
وسامرينا فقد ألوى بنا سمرٌ
وطارِحينا فقد عَيَّت قوافينا
رُدِّي بما وَهِبَته الشاءُ من وتَرٍ
إذا ثَغا ردَّدته الروحُ تلحينا
ونبحةٍ من كُليبٍ خِلْتُ نبرتَها
من زُخرفِ القول تَحريكاً وتسكينا
وخُطبة تُسمع الرهطينِ مُلْفيةً
في الذئب والحمَلِ المرعوبِ مُصغينا
عَوَى هزيعاً فردَّتْ عنه ثاغيةٌ
كانت تقول له آمين آمينا
وحولَه الشاءُ والمِعزى مهوِّمةً
تُزجي الأكارع أو تُرخي العثانينا
تهَشَّ للمرج فَيناناً وتُرعدها
رؤيا تمثلُّ جزّاراً وسكينا
أغفى ونَصَّبَ خيشوماً يُحِسُّ به
خُطى اللصوص ويستاف السراحينا
ولفَّهُ وهجُ الأصواف يُوقِدها
عن صرِّ كانون تَنّوراً وكانونا
ويا بساطاً منَ الخضراءِ طرَّزهُ
صوبُ الغمام أفانيناً أفانينا
أوصِ المروجَ بنا خيراً لعَّل بها
من ضَنكةِ الروح فينا ما يُداوينا
جِئنا مغانيكِ نُسَّاكاً يُبرِّحهمْ
لُقيا حبيبٍ أقاموا حُبَّه دينا
ولاءَمتنا شِعابٌ منكِ طاهرةٌ
كما تضمُّ المحاريبُ المصلّينا
لم أُلفِ أحفلَ منها وهي مُوحشةٌ
بالمؤنسات ولا أزهى ميادينا
ولا أدقَّ بياناً مِن مجاهلها
ولا أرقَّ لما توحيه تبيينا
حتى كأنَّ الفِجاجَ الغُبرَ تَفهمُنا
والمبهماتِ من الوادي تُناغينا
تجاوبتْ بصدى الدُّنيا مفاوزُها
واستعرضت منَ بني الدنيا الملايينا
وانساب حشدُ الرمال السافياتِ بها
يُحصى الأناسيَّ منها والأحايينا
كم لَمَّتِ الشمسُ أوراساً وكم قطفتْ
من الأهلَّةِ عُرجوناً فعرجونا
وكم حوتْ من ربيع الدهر أخيلةً
فطِرْنَ رعباً وأفراساً فعُرِّينا
أحالها النور شيئاً غيرَ عالمها
حتى كأنَّا بوادٍ غيرِ وادينا
حتى كأنَّا وضوءُ البدر يَفرشها
نمشي على غيمةٍ منه تماشينا
قيمة القصيدة في فكرتها ووصفها الوضع خلال العهد الملكي والقصيدة تعد (وثيقة تاريخية) وهي واحدة من محطات الشاعر وفترات حياته والشاعر -في كل الاحوال- هو لسان وصوت اهله ...واللبيب بالاشارة يفهم.
رحم الله الجواهري رحم الله ام عوف وتحياتي للاخ الاستاذ يوسف المحمداوي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 ...............أ.د إبراهيم خليل العلاف

                                                            الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 أ....