قادة الامم في نظر المؤرخ البريطاني الكبير آرنولد توينبي
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
ولمن لايعرف المؤرخ البريطاني الكبير البروفيسور الدكتور آرنولد توينبي 1889-1975 ، أقول انه مؤرخ كبير ، ومفكر وفيلسوف للتاريخ له تاريخ ثر والف عددا كبيرا من الكتب ، ومن ابرز كتبه (دراسة للتاريخ) بعدة مجلدات ترجم ملخصه الى اللغة العربية وقدكتبتُ عن توينبي كثيرا .توفي سنة 1975 وكان متعاطفا مع الفلسطينيين وله آراء ناضجة في القضية الفلسطينية والصراع العربي -الاسرائيلي .
ما يهمني اليوم أن أُلخص لكم مضمون دراسة مهمة له بعنوان : (قادة الامم وامتحان التاريخ ) منشورة في شباط -فبراير سنة 1975 في ( PHP Magazin .Japan feb 1975 ) ، وطبيعي للمؤرخ الكلمة الفصل في مثل هكذا امور خاصة عندما تصدر من مؤرخ خبر الدنيا . والدراسة هذه ترجمها الاستاذ محمد درويش ونشرت في مجلة ( الجامعة ) التي كانت تصدرها جامعة الموصل عدد ايار - حزيران سنة 1976 أي انها ترجمت ونشرت بعد سنة واحدة من صدورها .
ماقاله المؤرخ آرنولد توينبي مهم ويحتاج منا ان نتعلم ، ونستفيد ، ونتعظ فهو يقول انه لابد لنا ان ندرس الظروف التي تهيأ لها قادة عظام قدر لهم ان يقودوا أُممهم نحو ما آلت اليه من امور كان لها تأثيرها في مجرى الاحداث ، وسياق التاريخ .
وقال انه سيبدأ دراسته بذكر اسماء بعض القادة الذين عرفهم في حياتهم ويعرف انهم كانوا قادة ناجحين وهم الذين حققوا نجاحات بصورة واضحة منذ سنة 1914 وهم : لويد جورج - لينين - اتاتورك - عبد العزيز بن سعود -هيلا سيلاسي - غاندي - روزفلت - تشرشل - ماوتسي تونغ - ديغول .
يرى ان ثمة قادوا لكنهم فاشلون منهم وودرو ويلسون - تروتسكي - موسليني - هتلر - ستالين .
يضيف انه يعرف ان ثمة شرطين ضرورين للقيادة كانا متلازمين في امريكا وانكلترا هما (القوة البدنية ، والمال) لكنه يرى ان القيادة الناجحة تحتاج الى : اولا الشجاعة والاقدام وعدم التردد ، وثانيا القدرة على استلهام ما تحتاجه الجماهير ، واستلهام مشاعر الجماهير وحثهم على السير وراء القائد حتى الموت ان تطلب ذلك يعود الى ما يسميه (جاذبية القائد) . ومن هنا قال ان مصطفى كمال اتاتورك ، وونستون تشرشل ايقظا شعوبهما وبلديهما من السبات واستلهما فيهم الاختيار البطولي بخطر الابادة على الخضوع والاستسلام للعدو .
الغوغائية ، والديماغوغية لا تجدي نفعا . القائد مثل تروتسكي وهتلر وستالين فشلوا مع انهم اي هؤلاء القادة كانوا اقوياء ، لكن لم يستطيعوا كسب رضى شعوبهم ، ففقدوا القدرة على التواصل النفسي مع الجماهير ، واحيانا عنجهية القائد وتسلطه وتسلط من حوله على الجماهير سبب مباشر لسقوطه .القوة والشجاعة مهمة لكن عندما يفشل القائد في كبح جماح من يدور في فلكه او من يتآمر عليه يفشل . فالقوة المطلقة لاتستطيع دوما ان تُديم سلطانا ، واحيانا القائد ليست لديه دراية بميكانيكيات العمل السياسي واحيانا كثيرة فإن ( القائد المثالي الحالم) يفشل .لينين مثلا كان قائدا واقعيا يسير على اسس منهجية واقعية ساعدته في تسيير دفة الامور في وطنه ، لذلك فهو خالد حتى في ذاكرة مواطنيه . واتاتورك كان بسمارك تركيا ، وضع له هدفين اولهما اعادة بناء استقلال تركيا وبناء تركيا العصرية في فترة زمنية قياسية .
أنصح من لديه ( مسؤولية قيادية) ان يقرأ هذه الدراسة وان كان قائدا فليتحلى بالقوة والحزم وعدم التردد ، والشجاعة ، والنزاهة الشخصية وان يدرك ما تريده الجماهير .. ما يريده الناس منه ، وان يضع اهدافا وافكارا وخططا بسيطة وواضحة ومحددة ويبدأ بتنفيذها واحدا بعد الاخر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق