آثار (خنس) ومشروع سنحاريب الاروائي
- ابراهيم العلاف
لعل من اهم ما انجزه الاشوريون عبر تاريخهم الطويل ، وعاصمتهم الاخيرة (نينوى) ، هو اهتمامهم بالمشاريع الاروائية . وابرز ملوك الاشوريين الذين اهتموا بذلك آشور ناصر بال الثاني ، وسنحاريب فقد حفر الاول قناة اروائية هي قناة النكوب طولها (25) كيلومترا تأخذ الماء من نهر الزاب الكبير والهدف ارواء العاصمة كلخو اي النمرود الحالية والقناة سماها قناة الخير وبالاشورية (باتي خيكا للي) .
اما مشروع الملك سنحاريب الاروائي ؛ فهدفه توفير الماء العذب لمدينتي نينوى واربيئيلو أي اربيل مدينة الالهة الاربعة . وقد كتب الاستاذ الدكتور سامي سعيد الاحمد الاثاري المعروف رحمه الله مبحثا في الجزء الاول من (موسوعة الموصل الحضارية ) التي اصدرتها جامعة الموصل سنة 1992 بخمسة اجزاء وكنت محررا للجزئين الرابع والخامس ، قال فيه ان سنحاريب حفر ثلاثة انهار في (جبل خاتي ) وهي جبال صلاح الدين وسفين وباني باوه داغ ، واضاف اليها مياه الينابيع الواقعة على يمين وشمال الانهار وحفر بعدها قناة تسير بإستقامة تصل وسط مدينة اربيل .
كما ان سنحاريب تمكن من ايصال المياه العذبة الى عاصمته نينوى بالطريقة السيحية ، واستغرق عمله ثلاث عشرة سنة من 703-690 قبل الميلاد وبدأ عمله بتطهير نهر الخوصر ابتداء من قرية كيسيري مئة عشر كيلو مترا شمال نينوى ، وحتى مدينة نينوى المواجهة لمدينة الموصل ثم انشأ سدا على مجرى النهر قرب قرية كيسيري لتحويل مياهه الى قناة حفرها تستمد الماء من امام السد وتسير موازية للنهر غربا حتى لساتين نينوى ووسع العيون التي تغذي النهر في شمال مدينة نينوى واجراها بقنوات تنتهي بالقناة الجديدة .
ولري مساحات اوسع من الاراضي ، قام سنحاريب بتحويل المياه من ينابيع ( نهر الكومل ) في جبال بافيان باقليم كردستان العراق حاليا واجراها في قنوات بلغ مجموعها (18) ثمانية عشر تنتهي اليه .
ثم شيد سدا في (مضيق بافيان) ، لحجز المياه وخزنها امام السد وشق نهرا من امام السد يتفرع من جانب نهر الكومل الغربي قرب (قرية خنس) وينتهي بنهر الخوصر فنينوى لمسافة تربو على الخمسين ميلا وربطت الاودية العميقة التي تعترض مجرى نهر الكومل في طريقه الى نهر الخوصر بقناطر حجرية واجرى فوقها الجدول واضخم هذه القناطر كانت قرب (قرية جروانة ) في الشيخان - شرق عين سفني وتعرف الان بعبارة جروانة .وهي مشيدة من حجر الكلس الابيض طولها 280 مترا وارتفاعها تسعة امتار وتتألف من ثلاث عشرة فتحة عرض كل منها خمسة عشر مترا وفتحة واحدة في الوسط عرضها ثلاثون مترا مقسمة الى اربع فتحات عميقة في وسط الوادي كما ترون في الصور المرفقة .
الشيء الطريف ان الفتحة الوسطية أعدت لمرور المياه الصيفية ، ويضم المشروع ما يقارب (مليوني ) حجارة بحجم نصف متر ووزن (ربع طن) للواحدة .كما حفر سواق ٍ تتفرع الى البساتين من تلك القناة .ولتصريف المياه الفائضة من القناة التي تسقي نينوى اخبرنا الملك سنحاريب في منحوتة بأنه اقام (بحيرة) للاستفادة من تجميع المياه فيها والدكتور احمد سوسة يجعل هذه البحيرة او هذا المنخفض قرب تربيصو - قرية شريفخان قرب مدينة نينوى .
قرب قرية خنس ، آثار منحوتة ظاهرة للعيان ومديرية اثار اقليم كردستان العراق كما ترون في الصورة تقوم بصيانة الاثار واعادة اظهارها بمظهر لائق اثاريا وسياحيا وقد استطلع الصحفي الاستاذ معد فياض في قناة راداو كما ترون في الرابط التالي : https://www.facebook.com/
هذه المنطقة عند (قرية خنس) ، والتقى احد المتخصصين بآثار خنس وآثار اقليم كردستان العراق الدكتور بيكه س بريفكاني مدير آثار محافظة دهوك ، والذي تحدث عن آثار خنس التي تعود الى قرابة ثلاثة الاف سنة . وودت ان اقدم لكم نبذة عن ما هو موجود في هذه القرية التاريخية الاثرية السياحية اعتمادا على ما هو متوفر في المدونات التاريخية فبارك الله بالجهود الطيبة لإعلاء شأن الاثار في بلادنا العراق بلد الرافدين والحضارات العريقة .
مما قاله الدكتور بيكه س بريفكاني، ان موقع خنس ، واثار خنس التي ترون صورتها الى جانب هذه السطور ، ذات اهمية كبيرة ، واثار خنس في الحقيقة ما هي الا متحف طبيعي اثري كبير ، والملك سنحاريب اراد من خلال مشروعه ايصال المياه العذبة الى مدينة نينوى عاصمته . وخنس تبعد عن نينوى (80) كيلومترا ، وطول القنوات التي يتألف منها مشروع سنحاريب يصل الى (340) كيلومترا .قال الدكتور بريفكاني ان مما دفع سنحاريب الى اقامة مشروعه الاروائي تلوث مياه دجلة القريبة وانخفاض منسوبها لذلك فكر بأقامة هذا المشروع الاروائي المؤلف من قناطر ودهاليز وملايين الاحجار ويعد من اكبر المشاريع الاروائية القديمة في العالم واراد الملك سنحاريب تخليد هذا المنشور من خلال المنحوتات ووجود ثور مجنح ضخم ملقى على الارض كان بفعل زلزال حدث في المنطقة قبل اكثر من 500 سنة والجهود تبذل مع جامعة اودن الايطالية لاعادة الثور الى مكانه الاصلي ، فالثور يصل وزنه الى (375) طنا ، ويحتاج الى رافعات خاصة ، ومما يلحظ انه فوق الثور توجد منحوتات منها صورة الملك سنحاريب في الوسط فضلا عن صورة الاله اشور وزوجته موليس وصورة البطل كلكامش وهو يمسك بواحدة من يديه شبل اسد وبالاخرى صولجان الحكم ، والفنان الاشوري ابدع في نحت كل هذا وبطريقة ثلاثية الابعاد ؛ فأنت ترى كل هذه المنحوتات من زوايا عديدة .
طبعا هناك في خنس منحوتات رائعة اراد سنحاريب من خلالها اظهار هيبة وقوة الامبراطورية الاشورية ؛ ففضلا عن منحوتات تمثل الملك سنحاريب وولي عهده ولده اسرحدون هناك منحوتات للاله اشور والنحات كان دقيقا وعمله متقن بحيث تظهر الكثير من التفاصيل في ملامح الوجه ، والملابس ، وعضلات اليد .الفتحات يرجح الدكتوربريفكاني وهو مدير اثار دهوك انها استخدمت لاحقا من قبل اهالي الديانات القديمة كالزرداشتية والمسيحية فهي اقرب الى الصوامع صوامع الرهبان، ففيها مساطب واماكن لوضع الموتى ودكاك للنار وخلوات للتعبد ، وخنس هي بداية المشروع الاروائي ومنها تتدفق المياه نحو بافيان ومن ثم هناك معابر ومجار وقنوات فرعية وتدفق الماء كان قويا جدا ، والملك سنحاريب كان ملكا قويا مُهابا ، يهمه ان يكون محبوبا عند شعبه مخلدا في التاريخ وهكذا كان الامر كما اراد من خلال المشاريع التي قام بها وابرزها هذا المشروع الاروائي التاريخي العظيم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق