الثلاثاء، 18 أبريل 2023

حكايات الموصل الشعبية ...........بقلم : ا.د. ابراهيم خليل العلاف







 


حكايات الموصل الشعبية
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
ولعل من ابرز الذين اهتموا بتوثيق ، وتدوين ( حكايات الموصل الشعبية) ،  هو المرحوم الاستاذ احمد الصوفي 1893-1982  المربي والكاتب والمؤرخ التراثي الموصلي وذلك في كتابه ( حكايات الموصل الشعبية ) .

ومن الطريف انني  عاتبت  المرحوم الاستاذ عبد الحميد العلوجي وكان مديرا عاما للمكتبة الوطنية لأنه  تجاوز في مقالة له عن الحكايات الشعبية الاستاذ احمد الصوفي ونشرت ذلك في جريدة (الجمهورية ) وقلتْ انه  في 28 آب 1991 أجرت معه الصحفية هدى جاسم حواراً  معه حول (الحكايات الشعبية العراقية) نشر في جريدة الجمهورية . وقد ذكر في الحوار أن الأب أنستاس الكرملي أول من جمع الحكايات الشعبية من أفواه النساء في بغداد سنة 1911، وان الليدي دراور ليست أول من قام بجمع هذه الحكايات، واستطرد العلوجي للحديث عن مجهودات من قام بتوثيق هذا اللون من الأدب العراقي، وللأسف، فانه لم يتطرق إلى جهود أستاذنا المؤرخ والكاتب الموصلي المرحوم احمد علي الصوفي (1897- 1982) في مجال توثيق عدد كبير من حكايات الموصل الشعبية في كتابه الذي ألفه سنة 1953 عندما كان يعمل مدرسا للتاريخ في متوسطة المثنى في الموصل، ولم يتح لهذا الكتاب الظهور إلا في سنة 1962 وقد صدر بعنوان : (حكايات الموصل الشعبية) وفي هذا الكتاب جمع الصوفي (22) حكاية من الحكايات المتداولة وهي حكايات ذات بعد أخلاقي وتربوي بالدرجة الأولى، كما أنها تتناول شتى مناحي الحياة ومن ابرز هذه الحكايات: حكاية المطلقات السبع، وحكاية ابن الملك والبنات الثلاث، وحكاية الخنفساء، حكاية حديدان مع الدامية، حكاية السعلوة وابنها مع النساجين، وتعالج بعض هذه الحكايات مواضيع فساد نظام الحكم، وسيادة الرشوة، وعاقبة الظلم والجور، وخيانة العهد، ونبذ الكسل، والدعوة إلى العمل والتأكيد على الإخلاص والشجاعة.
كتبتُ مقالة في جريدة الجمهورية في عددها الصادر يوم 14 أيلول 1991 وقلت أن أستاذنا العلوجي اغفل، كمعظم من ارخ للحكايات الشعبية، جهود الأستاذ احمد الصوفي ، وفي عدد الجمهورية الصادر يوم 24 أيلول 1991  بعث الأستاذ عبدالحميد العلوجي برسالة الى محرر جريدة الجمهورية قال فيها بالحرف " قرأـ صباح يوم 14 أيلول.. جريدتنا الجمهورية ، ما يستقيم عقوقا جارحا في رسالة الصديق المؤرخ الدكتور إبراهيم خليل احمد من جامعة الموصل .. وقد أسعدني أن أجد رسالته تضج بالعتاب على أمثالي ممن اساغوا لأنفسهم العقوق وحجب الريادة في مواجهة الجهد اللامع الذي غرسه المرحوم احمد علي الصوفي في مضمار الحكايات الشعبية ". وأضاف العلوجي يقول: " والدكتور إبراهيم في هذا العتاب معه الحق، ولايزعجني الاعتراف بجدارة المرحوم الصوفي على ذلكم الصعيد، وأنا أعجب لقلمي يجتاز الصوفي بصمت على الرغم من الروابط التي كانت تشدني به يوم يغادر الموصل إلى بغداد ليبثني همومه التراثية "  .
وختم العلوجي رسالته وهو يردد "  دفعا لعقوقي غير المقصود سأقدم لمؤرخي الحكاية الشعبية مااحسبه كفارة قادرة على تشريد الغبن وعقيدتي أن هذه الكفارة تستق ان تكون المعلومة كما للباحثين في الموروث الشعبي" . وكانت المعلومة كما ألخصها الآن تتضمن خبرا عن كتاب صدر في السويد سنة 1965 الفته امرأة مستشرقة دانماركية دخلت الإسلام واطلقت على نفسها (سامية الأزهرية) بعنوان Arab Rakonti وفي هذا الكتاب حللت بعض الحكايات التي ذكرها الصوفي في كتابه وهي حكاية حديدان وهذا يدل على أن المرحوم الصوفي اقتحم العالم الأرحب وقال العلوجي "  إنني بعد ذلك أجدني في غاية القناعة بأنني عاقبت ضميري بما يدين الغفلة التي صرفته عن التغني بريادة احمد علي الصوفي أسوة بالأب انستاس الكرملي "   .     
سردت هذه الواقعة لأذكر بان أخلاق العلماء والمبدعين ينبغي أن تكون هكذا.. فالعلوجي كان بحق عالما جليلاً، وباحثا متميزا، وإنسانا فاضلاً يعترف بجهود الآخرين ويعتذر عندما يغفل عن ذكر ذوي الفضل وخاصة أولئك الذين خدموا التراث الشعبي العراقي من اجل إحيائه وفي مقدمتهم الأستاذ احمد علي الصوفي.

وقد كتبتُ  عن الكتاب وما كتبته منشور .  كما اشرفت على رسالة ماجستير حول مجهودات الاستاذ احمد الصوفي في الكتابة التاريخية ونوقشت الرسالة  في جامعة الموصل ومما قلته ان الاستاذ احمد الصوفي لجأ الى التاريخ الشفهي فجمع حكاياته من (الصدور التي أنهكها كبر السن) ، ولم يكتف بما هو مسطور في الكتب، فتحرى الروايات وحلل مضامينها.
كما كتبتُ عن كتاب اصدره الكاتب التراثي اللواء الركن المتقاعد ازهر سعد الله العبيدي بعنوان (الحكايات الشعبية الموصلية ) وقلتُ :" بين يدي الان كتاب الصديق الاستاذ ازهر العبيدي الباحث ، والكاتب الموصلي والموسوم : "الحكايات الشعبية الموصلية باللهجتين الفصحى والعامية "، ويقع في جزئين وطبع على نفقة الباحث في دار ابن الاثير للطباعة والنشر التابعة لجامعة الموصل ، وصدر سنة 2011 . والكتاب بحق محاولة جادة لتوثيق الحكايات الشعبية الموصلية بعد عقود من محاولة المرحوم الاستاذ احمد علي الصوفي (1897- 1982) الذي وثق حكايات الموصل الشعبية في كتابه الذي اصدره سنة 1962 .
يقول استاذنا الدكتور عمر الطالب رحمه الله ، وهو ايضا ممن له باع في جمع حكايات الموصل الشعبية والكتابة عنها :" تبدأ الحكاية الشعبية في الموصل بداية تقليدية، يقول الراوي :" كان يا ما كان على الله والتكلان"  أو " كان يا ما كان الله ينصر السلطان" ،  او " اكو ما اكو.. يا عاشقين النبي صلوا عليه" .

 ويواصل الراوي حكايته بقوله (كان أكو فرد واحد). وتبرز في الحكاية الشعبية في الموصل ظاهرتان: التعميم ، والتجهيل. حيث تتجنب الحكاية اعطاء حدود معينة للزمان والمكان اللذين يلعبان دوراً مهماً في الحكاية. وكل هذه البدايات واشباهها يحاول ان يلغي الوجود الزمني للحكاية .. وللنهاية اهمية خاصة، فهي التي تقدم العظة  أو العبرة ، او الحكمة او الهدف التعليمي النهائي للحكاية، من حيث المضمون.. كما ترتبط ارتباطاً اساسياً بالبداية، فهي التي تحل العقد الصعبة ، وسلسلة الاهوال التي تقابلها الشخصية منذ بداية الحكاية، و( التفاؤل)  سمة اساسية فيها، ومعظم الحكايات في الموصل تنتهي نهايات سعيدة ، وتكون غالباً الزواج او جمع الشمل، وهي تعويض عن الحياة الصعبة التي عاشها الموصليون خلال عصور التاريخ المختلفة " .
وكما اشار الاستاذ ازهر العبيدي في مقدمة الجزء الاول من كتابه ان الحكايات الشعبية فن جميل من فنون الادب الشعبي ، وهي تعود الى المراحل الاولى لنشأة الانسان . ولكل الشعوب حكايات تعكس اخلاقها ومعتقداتها وثقافاتها ونفسيتها وحتى اوضاعها الاجتماعية . ومن الطريف ان بعض حكايات الشعوب تتشابه .. وقد اشار المؤلف انه وجد تشابها بين حكايات الموصل الشعبية وحكايات دمشق وحسنا فعل المؤلف عندما حافظ على اللهجة التي رويت بها الحكايات المقتنصة من صدور امهاتنا وجداتنا ويعد هذا الكتاب اضافة نوعية لما هو متوفر في مكتباتنا عن الحكايات الشعبية التي تحتاج الى التحليل والدرس والتقييم ... ويقينا ان صديقنا الدكتور علي العبيدي وهو متخصص بالادب الشعبي قادر على ان يكشف لنا مضامين واشكال هذه الحكايات الطريفة المليئة بالحكم والمعاني والعبر والدروس الانسانية .
مما ينبغي ذكره ان الاخ الاستاذ ازهر العبيدي ، لم يبخل على القراء فوضع صورا واشكالا زينت الكتاب . كما انه طلب من التشكيلي الموصلي الصديق الاستاذ احمد توحلة لتصميم غلاف كتابه ، فكان تصميما رائعا مستوحى من تراث مدينتنا المعطاء والعميق .كما ان المؤلف ادخل على الحكايات العامية مفردات ومصطلحات إضافية مما يحفظه هو في ذاكرته . فضلا عن وضعه جداول لغوية مهمة ومن المؤكد ان هذا الكتاب - الكنز ، ستظهر قيمته بعد سنوات طويلا تندثر فيها بعض مفردات الحياة المعاصرة وتستجد مفردات جديدة تلاءم العصر في المستقبل وعندئذ سيبحث القارئ عن الكتاب الذي ربما يصبح نادرا كالكبريت الاحمر .
بدر البدور -الطير الابيض- حسين النمنم والدامية - الكوكوختي  - بنت السلطان - العقل والمال - ست الستوت وعنبر المستوت -  العجوز والشيطان - الصبي الشاطر -البنات الخرساوات - الفقير والليرة -صراع الثعالب - هو الكركجي يعرف شغلو - ام خغم الابغا - بلبل هزار - مهنة الزوج - الضيف الثقيل -جنكر جنكر دوس - بنت السلطان- الابله والبادنجان المطلقات السبع - ابن الملك والبنات الثلاث - العصفور والشوكة - زوجة ملا نصر الدين -حديدان مع الدامية - جنجل ورباب- زمزم القبور -القملة والبرغوث وحكايات اخرى يضمها الكتاب بجزئيه .جهد طيب ومحاولة جادة يشكر عليها الاستاذ ازهر العبيدي وبارك الله به والى مزيد من التألق خدمة للتراث الشعبي الموصلي " .
ايضا فيما يتعلق بحكايات الموصل الشعبية كتبتُ مرة وقلت انني احتفظ بكل ملخصات الندوات والمؤتمرات التي حضرتها أو القيتُ فيها محاضرة افتتاحية او شاركتُ فيها ببحث او دراسة ومن هذه الندوات الندوة التي نظمها (مركز دراسات الموصل ) في جامعة الموصل عن (الحكاية الشعبية :الرؤية والمنهج ) عقدت على قاعة الراحل سعيد الديوه جي يوم 2 نيسان 2009 ، والقيتْ فيها بحوث منها بحث الاستاذ الدكتور علي كمال الدين الفهادي (الحكاية الشعبية الموصلية في الخيال الشعري في ديوان "لا فضاء سوى وحشتي لعبد الوهاب اسماعيل" وبحث الدكتور محمد صالح رشيد الحافظ (حكايات شعبية موصلية شفوية غير مدونة :قراءة في منظوماتها القيمية الاجتماعية والجمالية ) وبحث المرحومة الدكتورة بتول حمدي البستاني ( ثريا النص في حكايات الموصل الشعبية دراسة في التراكيب والدلالة ) وبحث الدكتور صالح العبيدي (مستويات المفارقة الادبية في حكاية القاضي والخباز ) وبحث الدكتور احمد جار الله ياسين ( تجليات الثقافة الموصلية في حكايات الموصل الشعبية ) وبحث الدكتور نبهان حسون السعدون ( الوصف في الحكاية الشعبية الموصلية )  وبحث الدكتور فارس عبد الله الرحاوي ( الحكاية الشعبية بين وعي الذاكرة واعادة الانتاج وبين خلق الذاكرة وانتاج النص)وبحث الدكتور بشار  ابراهيم نايف ( توظيف الحكاية الشعبية في ادب الاطفال ..ازهار العرب انموذجا ) وبحث الدكتورة بشرى البستاني (حكاية الفتاة الباسلة شمس النهار ..قراءة في الوظائف والدلالات ) وبحث الدكتور يوسف جرجيس الطوني (الموصل وبلدانها بين التاريخ والسرد العجائبي :دراسة في معجم البلدان لياقوت الحموي وبحث الدكتور احمد قتيبة يونس (السلطة في الحكاية الشعبية الموصلية) وبحث القاص والمربي الاستاذ فاضل محمد عبد الله ( المشاهد ونقائضها في الحكاية الشعبية الموصلية ..الابله والباذنجان انموذجا )وبحث المرحوم الاستاذ حسين رحيم (الحكاية الشعبية وتأليف الخيال) وبحث الدكتور محمد نزار الدباغ (المكان في حكايات الموصل الشعبية )وبحث الاستاذة مرح مؤيد حسن (الواقع الاجتماعي للحكاية الشعبية الموصلية)وبحث الاستاذة هناء جاسم السبعاوي (خصائص المجتمع الموصلي من خلال حكاياته الشعبية ).
دائما هكذا ندوات تنتهي بتوصيات منها الدعوة الى جمع الحكايات الشعبية الموصلية وجمع ما انتج من (حكي ) شعبي معاصر وبلهجته وتدوينه وحفظه للتاريخ والاجيال القادمة .
وللعلم ايضا وفيما يتعلق بالحكايات الشعبية الموصلية كتبتُ عن" اطروحة الدكتور علي أحمد محمد العبيدي الموسومة :" الحكاية الشعبية الموصلية :  مقاربة  بنيوية دلالية ،  " وقلتُ  ان هذه الاطروحة تقدم بها الصديق الدكتور علي أحمد محمد العبيدي الى كلية التربية - جامعة الموصل بإشراف الاستاذ الدكتور عمر الطالب في ايلول 2003 وكان رئيس لجنة مناقشتها في حينه الاستاذ الدكتور جميل نصيف التكريتي .واضفت :" موضوع الحكاية الشعبية موضوع عويص يحتاج الى قدرات بحثية كبيرة لا تتوفر الا في عدد من الباحثين المتمكنين من المناهج الحديثة وللأسف فإن الحكاية الشعبية العربية عموما لم تدرس في الجامعات العربية كما ينبغي والصديق الدكتور علي العبيدي يعرف ان ثمة من جمع الحكايات من أفواه الناس لكن دراستها لم تحظ بالدراسة وقد جمع في دراستها اكثر من منهج وقد اعتمد ما وضعه المؤرخ الموصلي الكبير الاستاذ احمد الصوفي جامع الحكايات الشعبية الموصلية منذ اكثر من نصف قرن اساسا لتحليلاته وفقا لمتطلبات المنهج البنيوي والدلالي في اطار السيميائية السردية او علم الدلالة البنيوي.
وقد درس في التمهيد ، الحكاية الشعبية الموصلية في اطار المفهوم والعلاقة والمنهج ثم درس الوحدات المؤسسة للأنموذج العاملي والمتمثلة بالفاعل والموضوع والمساعد والمعارض والمؤتي والمؤتى اليه . كما وقف عند المكون الدلالي في الحكاية الموصلية ودرس السياق والمرجع وبين تحولات المرجعية على مستوى السياق وكيف يمكن رؤية الاثر الرجعي في السياق والعكس .
ووصل الى نتائج مهمة منها ان حكايات الموصل الشعبية حكايات ذات اسلوب خاص مميز يجمع بين المحلية والادب الرسمي وهي تعبر عن المجتمع والاسرة وتخضع للمنطق الهادف بلا فحش ولا تجريح وهي ذات هدف اخلاقي تثقيفي ودعوة جادة الى العمل باعتباره عبادة فضلا عن ان عنصر التشويق والاثارة موجودا فيها وهي تعد نمطا حكائيا شعبيا يلتزم بخصائص ومميزات الجنس الحكائي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...