الأربعاء، 5 أبريل 2023

علوة سوق الحنطة القديم والجديد وجمعية العلافين بقلم : ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل




علوة سوق الحنطة القديم والجديد وجمعية العلافين

ا.د.ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

                              مقدمة

أجاب ابن المعمار صاحب كتاب (الفتوة) وقد عاش في القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي على سؤال يتعلق بعدد اصدقائه فقال :" ان اصدقائي اكثر من ...حنطة الموصل " . وهو في هذا الجواب يؤكد بأن الموصل من ابرز المدن العربية التي اشتهرت بإنتاج الحنطة حتى انها صارت مضرب المثل في كثرة الانتاج وجودة النوع وليس هذا غريبا عن الموصل فهي التي ضمت بين حناياها اقدم القرى الزراعية في العالم وهما قريتي حسونة والاربجية .

وفي هذا البحث الذي اقدم لكم ملخصه فقط وهو منشور احاول الوقوف عن علوتي سوق الحنطة القديم والجديد في الموصل واللتين للأسف هدمتا منذ اكثر من نصف قرن . وكانت لهاتين العلوتين مكانة مهمة في مجال تلبية متطلبات سكان الموصل واجزاء اخرى من العراق بما يحتاجون اليه من الحنطة (القمح) والشعير .

ولم يقف الامر عند هذا الحد بل ان تجار الحبوب في الموصل اقدموا خلال فترات مختلفة وخاصة منذ اندماج اقتصاد الموصل بالسوق الرأسمالية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على تصدير كميات كبيرة من محصولي الحنطة والشعير الى خارج العراق خاصة عندما يكون هناك فائض من هذين المحصولين .

وقد تفرغ لهذه المهنة اقصد مهنة (العلافّة ) أناس عرفوا ب(العلافين) وكانت لهم نشاطاتهم المهنية والسياسية والاجتماعية من خلال جمعية اسسوها سنة 1930 بإسم ( جمعية العلافين) استمرت تعمل حتى صدور مرسوم اغلاق الجمعيات والاحزاب والنوادي رقم (19) لسنة 1954 .

         

              أهمية الموصل الجغرافية وقيمتها الاقتصادية

 

لقد تحدث المؤرخون والجغرافيون العراقيون والعرب والاجانب عن اهمية  موقع الموصل وطبيعتها الجغرافية وقيمتها الاقتصادية والتي كان لها اثر كبير في مجرى تاريخها الحضاري .واتفق الجميع على ان الموصل واحدة من اكبر اسواق الشرق ..وان غلتها تكفي لا  بل تفيض عن حاجتها وربما تكفي لسد حاجة الولايات المجاورة ،وان اهلها معروفون بزراعة الحنطة والشعير وان ميرة بغداد تعتمد على ما يردها من الموصل واذا مُنعت سببت شُحا في الطعام وارتفاعا فاحشا في الاسعار .

                    علوتي الموصل القديمة والجديدة

كان لتقدم الزراعة والتجارة الذي شهدته الموصل خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين اثر كبير في تنشيط بناء  المرافق الاقتصادية الحيوية في المدينة والاقليم اقصد اقليم الجزيرة الفراتية وهي مركزه . فبعد ازدهار الحركة التجارية وازدياد نشاط القوافل بين الموصل وسائر المدن الاخرى وتحول الموصل الى سوق كبيرة اتجه عدد من ابناء الاسر الثرية وصاحبة النفوذ الاقتصادي والسياسي الى بناء الاسواق والخانات والعلاوي والقيصريات .

كان هناك (خان العلوة) يقع قرب الجامع المعروف بجامع سوق الحنطة ثم هجر واقدم ايوب بك  الجليلي سنة 1897 على انشاء العلوة القديمة قرب باب الجسر وبعد ان ضاقت بشاغليها من العلاف ومساعديهم من (الوزانين ) و(الحواطيط ) و(الحمالين ) قام عبد الباقي جلبي حمو القدو ببناء علوة جديدة في باب  الطوب سنة 1901 والعلوتان تقعان ضمن ما يسمى عند المورفولوجيين ب(منطقة الاسواق الموروثة) التي تتميز بالتخصص والتركز السلعي والخدمي .

والعلوة عبارة عن خان فيه طابقين في كل طابق مجموعة كبيرة من الغرف والاروقة والقناطر ولها بابين كبيرين وساحة واسعة في وسطها .ويخصص لكل (علاف) غرفة (حجرة) او اكثر مع رواق ليعرض فيه كمية الحنطة التي يروم بيعها ويكون الوزان ومساعده الحاطوط الذي يوضع الحنطة او الشعير في عين الميزان مستعدا لوزن ما يحتاجه الزبون ويتهيأ الحمالون لنقل ما اشتراه الزبون الى بيته هذا اذا كان البيع بالمفرد . وقد قدر عدد العلافين بأنه كان يتراوح في هذه العلوة ، والعلوة القديمة  ما بين (80-90) علافا .وفي البحث اسماء ابرزهم .

                           جمعية العلافين ونشاطاتها

شعر العلافون بأهمية تنظيم انفسهم شأنهم شأن زملائهم من ابناء المهن والاصناف الاخرى في جمعية وتقدموا الى متصرفية لواء الموصل يوم 21 مايس 1930 بطلب تأسيس جمعية بإسم (جمعية العلافين) وارفقوا بطلبهم صورة من النظام الداخلي للجمعية .وقد وقع على الطلب 7 سبعة من العلافين شكلوا الهيئة المؤسسة وهم :

1.   ذنون بن الحاج احمد النوح

2.   احمد حمدي بن عبدالله

3.   احمد بن ذنون حماوي

4.   ايوب بن سليم

5.   يونس بن حموكة

6.   نوح بن مجمد النوح

7.   سيد عزيز بن سيد مصطاوي

8.   وافقت وزارة الداخلية على الطلب في 12 حزيران سنة 1930 وجرت انتخابات الهيئة الادارية ففاز ذنون بن الحاج احمد النوح برئاسة الهيئة واتخذت الجمعية من مقهى كان يملكها احمد بك الجليلي 1898-1968 مقرا لها .

9.   وتضمن النظام الداخلي (26) مادة ولخص النظام هدف الجمعية بما يلي :

1.   بث روح التعاون بين اعضاء الجمعية

2.   السعي لتعليم المنتسبين اليها

3.   صيانة حقوق الاعضاء

4.   السعي لترقية (مهنة العلافة) بالطرق العصرية

انصرفت الجمعية لتحقيق نوع من التكافل الاجتماعي بين اعضائها .وقدمت المساعدات المالية للعلافين الذين يتعرضون للخسارة وتبادلت الجمعية الزيارات واللقاءات المهنية والاجتماعية مع الاصناف والجمعيات الاخرى ومنها الصياغ والقصابين والخشابين وحاول عدد من اعضائها تأسيس (حزب العمال) في 14 اذار سنة 1931 الا ان وزارة الداخلية لم توافق فأصدروا بدل الحزب جريدة هي (جريدة العمال ) وقد برز عددها الاول في الخامس عشر من ايلول سنة 1931 ونقلت الجريدة نشاطات الجمعيات والاصناف في الموصل آنذاك .

قامت الجمعية بجهود كبيرة في مواجهة حوادث الغلاء والاحتكار ومن ذلك ما حدث في الموصل في اعقاب الحرب العالمية الثانية حينما ارتفعت اسعار الحبوب فتعاونت مع الحكومة لحصر المحتكرين الذين لم يكونوا يمتون بصلة الى العلافين ومحاسبتهم .

كما قدمت الجمعية الاستشارة المهنية للدوائر الرسمية كالبلدية والمحاكم والمتصرفية ، وعينت خبراء لتحديد اسعار المواد الغذائية او لتقدير قيمة العرصات او لتقدير سعر الحنطة والشعير والتبن .

كما شاركت في الفعاليات الاقتصادية ومن ذلك مشاركتها في (المعرض الزراعي والصناعي) الذي افتتح في الموصل في اذار سنة 1934 . ودعمت جمعية العلافين ،(جمعية اصحاب الصناع ) في بغداد  وجهود محمد صالح القزاز لجمع العمال والمهنيين واصحاب الاصناف في تنظيم نقابي موحد .

كما اسهمت في كل الاحتفالات الدينية كالمولد النبوي الشريف وفي الاحتفالات الوطنية واقامت السرادقات  الخاصة لهذا الغرض . واحتفت بالجيش ابان استعراضات عيد الجيش في السادس من كانون الثاني من كل سنة .كما نظمت العديد من الانشطة الترفيهية لاعضائها وخاصة ايام الربيع .

كان لبعض ابناء صنف العلافين دور في النشاطات الوطنية والقومية ومن ذلك الاسهام في انشاء (النادي الادبي ) 1921 والانتماء الى (حزب الاستقلال) وكان له فرع فتح في الموصل يوم 8 آذار سنة 1948 وفي (الحزب الوطني الديموقراطي) وفتح له فرع في الموصل في اذار 1948 واسهم العلافون في بعض الاحزاب السرية العقائدية ومنها الحزب الشيوعي وحركة القوميين العرب وحزب البعث وكان للعلافين مواقف من كل ما شهده العراق من احداث منذ اواخر الثلاثينات حتى ثورة 14 من تموز سنة 1958 كما وقفوا داعمين للقضايا العربية ومنها قضايا مصر وفلسطين والمغرب والجزائر والخليج العربي .

_______________________________________

*ملخص لبحث الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف بعنوان ( علوة سوق الحنطة القديم والجديد وجمعية العلافين) ، منشور في مجلة (اوراق موصلية ) ، وهي مجلة علمية محكمة يُصدرها مركز دراسات الموصل – جامعة الموصل ، العدد (3) 2002 الصفحات 3-28

**الصورة : علوة سوق الحنطة ) في باب الطوب في الخمسينات من القرن الماضي .. كان لها مدخلان الاول من جهة مركز الشرطة العام والثاني من جهة البانق العثماني (البنك العثماني ) وايسترن بانك (البنك الشرقي البريطاني) من جهة باب الطوب

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...