الجمعة، 14 أبريل 2023

تل قوينجق بقلم : ا.د. ابراهيم خليل العلاف













 

تل قوينجق
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
وتل قاينجو ، هو تل قوينجق . هو وتل النبي يونس عليه السلام في مدينة نينوى عاصمة الامبراطورية الاشوية وهي اليوم في مدينة السلام صنوان ... تلان اشوريان : تل قوينجق وتل النبي يونس عليهما قامت حضارة الاشوريين ، وازدهرت في العاصمة الرابعة نينوى ..
واتذكر ما كتبه المرحوم الكاتب والقاص الاستاذ انور عبد العزيز عن تل قوينجق في كتابه ( أوراق العمر ) وقال تل قوينجق كنا نراه بعيدا وهو اليوم قريب نعم عندما كنا في الابتدائية قبل سبعين سنة كان معلم التاريخ يحرص على ان ينظم لنا سفرة الى تل قاينجو وكنا نراه بعيدا جدا ؛ فمدرستنا ابي تمام الابتدائية للبنين كانت في عبدو خوب بالمدينة القديمة المسورة وتل قوينجق في الجانب الايسر نعبر جسر نينوى ونصل الفيصلية وبعدها جسر الملك عبد الاله اي جسر السويس الذي فتح سنة 1958 وكان قبل ذلك كما ترون في الصورة جسرا من القناطر الحجرية .
نعم تل قوينجق او تل قوين جق اي تل الخراف ذلك ان كلمة (قُوْيْنْ) في التركية تعني (الخروف) ومنها تسمية دولة الخروف الاسود ( قره قوينلو ) ودولة الخروف الابيض ( آق قوينلو ) اللتان حكمتا العراق بعد الجلائريين وقبل الصفويين الفرس والناس تسميه تل قاينجو .وثمة معلومات تاريخية تشير الى معركة جرت قرب التل بين محمد باشا ميركور امير راوندوز في القرن التاسع عشر وبين عدد من المنتفضين اليزيدية راح ضحيتها عدد كبير من اليزيدية في يوم من ايام اذار سنة 1832 .
الذي اريد ان اقوله ان لتل قاينجو ، ويقع اليوم ضمن الحي الزراعي من احياء الجانب الايسر من مدينة الموصل قصة وحكاية وتاريخ ؛ ففيه قصور للملوك الاشوريين وفيه مكتبة اشور بانيبال اول مكتبة في العالم وفيه معابد وفيه جرت تنقيبات اثرية قام بها الانكليز الفرنسيين والالمان والاميركان وكل من هذه البعثات اخذت منها ما اخذت من الرقم الطينية والثيران المجنحة والالواح ولازالت تقول هل من مزيد .
وتل قاينجو جزء صغير من العاصمة العظيمة نينوى ، وحسنا فعل صديقنا الدكتور محمد عجاج جرجيس الجميلي حين ألف واصدر كتابا عن ( العاصمة نينوى )سنة 2013 ؛ فنينوى من اقدم المدن الاشورية وهي مدينة عاصرت جميع العهود التاريخية من العصر السومري والاكدي وقد كانت مدينة مكتملة عثر المنقبون فيها على ادوار تعود الى العصور الحجرية وقد اصبحت عاصمة للامبراطورية الاشورية .
في الكتب المقدسة ورد ذكر مدينة نينوى على انها المدينة العظيمة وخرائبها اليوم تتكون من تلين كبيرين هما تل النبي يونس وتل قوينجق . وتل قوينجق تل كبير محاط بنهر الخوصر ابتداء من قسمه الشمالي الى قسمه الشرقي ويمتد معه الى قسمه الجنوبي حيث يلتوي نهر الخوصر ليحيط بالتل ويشكل فاصلا مع تل النبي يونس عليه السلام .
اما من الجهة الغربية فيحد التل نهر دجلة وبذلك يكون تل قاينجو كما يسميه الناس في الموصل محاط بالمياه من ثلاث جهات وكان التل مركزا مهما لملوك اشور ويعرف ايضا ب( منطقة العرموشية) ويقال ان عرموش شيخ عربي سكن قربه وترك اسمه عليه .
ويذكر الاستاذ صباح حميد يونس محمد في رسالته للماجستير غير المنشورة التي قدمها الى كلية الاداب سنة 2003 بعنوان : (نينوى خلال عصر السلالة السرجونية ) أن كلمة قوينجق كلمة تركية تتألف من مقطعين كوي او قوي اي القرية وانجق او انجك اسم قبيلة تركمانية نزلت التل فسمي بإسمها الا انني اميل الى ما قاله الاستاذان طه باقر وفؤاد سفر في كتابهما (المرشد الى مواطن الاثار والحضارة ) من ان التسمية السابقة وهي قوين إنجق أي مذبحة الغنم او الخراف ادق ، وهي بالتأكيد تسمية ليس قديمة بل حديثة .
النصوص المكتشفة في تل قوينجق تفيد ان الملك الاشوري سنحاريب ( 704-681 قبل الميلاد ) أعاد بناء مدينة نينوى واسوارها وقد وقف عند ذلك الاستاذ طالب منعم حبيب في رسالته للماجستير التي قدمها سنة 1986 الى كلية الاداب بجامعة بغداد بعنوان ( سنحاريب سيرته وانجازاته 704- 681 قبل الميلاد ) .
كما اثبتت نتائج التنقيبات التي اجرتها بعثة جامعة الموصل ذلك وان سنحاريب بنى قصرا لامثيل له موقعه في تل قوينجق وزينه بالمنحوتات .طبعا اهتم بتحصين نينوى وجعل من نهر الخوصر حاجزا طبيعيا من جهة الجنوب وكان لموقع نينوى على نهر دجلة قد منحها اهمية ستراتيجية واقتصادية وعسكرية فضلا عن موقعها على نشز من الارض اعطاها سمة بارزة شامخة والنشز ليس الا تل قوينجق الذي اتحدث لكم عنه الان .
جاء في نص مسماري يتحدث فيه الملك سنحاريب عن سور نينوى وموقعها فيقول :" لقد وسعتُ مساحة نينوى واقمتُ السور الذي يرعب الاعداء بعظمته وجعلتُ في اتجاهات الريح الاربع خمسة عشر بوابة " .
وطبعا السور لم يهمل بعد سنحاريب بل ظل الملوك الاشوريين يرممونه . ومن هؤلاء الملك اشور بابينبال خليفة سنحاريب الذي رمم السور كله واعاد بناء الاجزاء المتهدمة منه من جراء الامطار الغزيرة .
طبعا هناك بوابة لمدينة نينوى قريبة من تل قوينجق هي بوابة المسقى وهي بالاصل تسمى ماشكي وسبب تشييدها هو تلبية حاجة نينوى من ماء نهر دجلة .
في تل قوينجق عدة قصور ملكية هي قصر سنحاريب اكتشفه الاثاري البريطاني الكبير هنري لايارد اثناء عمله في نينوى بين سنتي 1849 و1851 ويقع في القسم الجنوبي الغربي من التل ويسمى القصر الجنوبي وهناك قصر اشور بانيبال ويقع في القسم الشمالي الشرقي من تل قوينجق لذلك يسمى القصر الشمالي اكتشفه الاثاري الموصلي هرمز رسام سنة 1853 وهو القصر الذي كانت فيه مكتبة اشور بانيبال بناه وسماه بإسمه سنة 647 قبل الميلاد بمناسبة انتصاره على العيلاميين .
الذي اريد ان اقوله واختم به كلامي ان تل قوينجق يمتلك اهمية تايخية حضارية كبيرة فهم يضم قصور الملوك الأشوريين ومعابدهم وانه كان ميدانا من ميادين التنقيب عن الاثار منذ القرن التاسع عشر ولايزال بحاجة الى التنقيب فما نقب عن اثار العراق ومنذ 200 سنة لايزيد عن 5% من الاثار وان من اوائل الذين نقبوا في تل قوينجق القنصل البريطاني كلوديوس جيمس ريج، الذي رسم خارطة دقيقة لمدينة نينوى، وأجرى الكثير من عمليات التنقيب في تل قوينجق سنة 1820. كما اصدر كتبا عن نينوى وخرائبها كان لها اثر كبير في تشجيع الدول الاوربية على ارسال منقبيها وآثارييها للتنقيب في تل قوينجق فعلى سبيل المثال ارسل الفرنسيون إميل بوتا للتنقيب في نينوى سنة 1842، وأعقبه هنري لايارد المنقب البريطاني ومساعده هرمز رسام في سنة 1845 والذي استمرت حفرياته إلى سنة 1851. ولأهمية مكتشفاته التي تزيّن المتحف البريطاني، توالى المنقبون الإنكليز في حفرياتهم في هذا التل. ويقول الاستاذ الدكتور جابر خليل ابراهيم في بحث له ان تلك التنقيبات لم تكن علمية كما يجب لذلك بدأت في مطلع القرن العشرين تنقيبات جادة لمنقبين صححوا كثيرا من المفاهيم ومسار التنقيب ولعل من ابرز هؤلاء المنقبين ليونارد كينك ومن بعده كامبل طومسن و ماكس ملوان.
هذا جزء من قصة تل قوينجق وصلته بالحضارة الاشورية وبمنجزات الاشوريين العمرانية والعلمية والحضارية رويته لكم بإختصار شكرا لاصغائكم والى حلقة اخرى من برنامج (موصليات ) .
*الصورة لقصر آشور ناصر بال بعدسة المرحوم الفوتوغرافي الكبير الاستاذ نور الدين حسين وهي محفوظة في ارشيفي وهناك صورة بعدسة شاكر مادو وهناك بوستكارد بريدي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...