الجمعة، 7 أبريل 2023

الحركة النورسية في تركيا المعاصرة * ا.د.ابراهيم خليل العلاف


 



 

الحركة النورسية في تركيا المعاصرة *

ا.د.ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل 

 

مقدمـة :

 

      الحركة النورسية ( النورجية : نور جيلر Nur Gluk ) ([1]) . أو أصحاب النور في تركيا ، حركة دينية ذات طابع سياسي وهي لا تختلف عن الحركات التجديدية التي شهدها العالم الاسلامي منذ منتصف القرن الثامن عشر ، كالوهابية والسنوسية والمهدية ، وتنتسب الحركة النورسية إلى مؤسسها سعيد النورسي 1873 ـ 1960 المعروف بـ ( بديع الزمان) وقد ظهرت النورسية في تركيا في أواخر القرن التاسع عشر ، ونمت في العشرينات من القرن العشرين،ثم انتشرت بحيث صار لها اتباع ومؤيدون في تركيا وخارجها منذ الخمسينات والستينات .

 

      إنّ بحثنا هذا ، محاولة للوقوف على هذه الحركة ، ومتابعة نشأتها من خلال سيرة وحياة مؤسسها ، وتوضيح مرتكزاتها الفكرية ، وأخيراً طبيعتها وآثارها في تركيا المعاصرة .

ــــــــــــــ

قدّم هذا البحث لأول مرة في المؤتمر الأول لمركز الدراسات التركية
     ( الأقليمية حالياً ) والذي انعقد بين 30مايس إلى 1 حزيران 1989 ولم ينشر  
     في حينه،وقد نشر مؤخراً في مجلة علوم انسانية ( الألكترونية ) العدد (22) ،
     السنة (4) ، التي تصدر في هولندا وموقعها
WWW . ulum . nl   وبتاريخ
     22 كانون الثاني 2007 .

أوضاع تركيا السياسية قبل ظهور الحركة النورسية :

 

      شهدت الدولة العثمانية منذ منتصف القرن الثامن عشر محاولات عديدة لاصلاح نظمها ومؤسساتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ولقد انقسم دعاة الاصلاح إلى فريقين ذهب كل منهما مذهب في أسباب الاصلاح ، فالفريق الأول ، كان يرى أن العلاج يكمن في تطبيق الأنظمة الاسلامية والتقاليد العثمانية الأصيلة ، أما الفريق الثاني ، فقد ارتأى أن الاصلاح يستلزم اقتباس النظم الأوربية واستلهامها ،ويبدو أن نجاح الدول الأوربية في الأمور العسكرية ، وفي تطوير أنظمتها الاقتصادية ، واندفاعها في سبل النهضة ، رجّح رأي الفريق الثاني ، وصارت حركة الاصلاح تستهدف تطبيق الأنظمة الأوربية الحديثة في مجالات الحياة العثمانية المختلفة مع عدم التفريط بأحكام الشريعة الاسلامية ([2]) .

 

       وفي 23 تموز 1908 قامت مجموعة من الضباط المنتمين إلى جمعية الاتحاد والترقي السرية ، بثورة دستورية كان من نتائجها اجبار السلطان عبد الحميد الثاني ( 1876 ـ 1909 ) على اعلان اعادة العمل بدستور 1876 المعطل منذ سنة 1877 ، وقد رفع الانقلابيون شعارات : الحرية والاخاء والمساواة ([3]) ، ولم يتسلموا الحكم مباشرة ، بالرغم من أنهم شكّلوا الأكثرية في البرلمان العثماني ( مجلس المبعوثان ) ، ولكنهم حرصوا على أن يكون السلطان والصدر الأعظم ، تحت رقابتهم الشديدة واشرافهم المستمر ([4]) .

 

      لقد أخذت قوى الثورة المضادة تتهم الاتحاديين بالخروج على مبادئ الاسلام ، ومخالفة الشريعة ، وتحقير رجال الدين ، وقد تمثلت هذه القوى بمنظمة أطلقت على نفسها اسم ( اتحادي محمدي ) أي الجمعية المحمدية ، وقد تألفت هذه الجمعية في استانبول ، وكانت ذات مظهر ديني ، لكنها ذات هدف سياسي ، ومن زعمائها : حمدي جاويش ، ويسانده واعظ استانبول : درويش وحدتي ([5]) ، وقد تركزت دعوة الجمعية على وجوب الوقوف ضد
( الدستور ) لمخالفته ، على حد اعتقاد زعماء الجمعية ، الشريعة الاسلامية، وفي 13 مارت ( آذار ) 1325 رومية الموافق 13 نيسان 1909 ، تجمع عدد من الجنود وطلبة المدارس الدينية بقيادة حمدي جاويش في ميدان أيا صوفيا في استانبول ، وأعلنوا تمردهم وانطلقوا في تظاهرة ضمت عدداً من مؤيديهم وهم يهتفون : " شريعت ايسترز ، شريعت ايسترز " أي : " نريد الشريعة ، نريد الشريعة " ، وقد حاصر المتظاهرين البرلمان ، وأعلنوا مطالبهم التي كانت تتلخص بالدعوة إلى استقالة وزارة حسين حلمي ، وتطبيق الشريعة ، والغاء الدستور ، ونفي أعضاء الاتحاد والترقي من الخارجين على الشرع الشريف ([6]) .

 

       استقالت وزارة حسين حلمي ، وخلفتها وزارة توفيق باشا ، وهرب معظم قادة جمعية الاتحاد والترقي ، وقتل عدد منهم في استانبول ([7]) ، ولكن الكتل السياسية الأخرى المؤيدة للدستور ، سرعان ما تداركت الموقف ، وأعلنت تشكيل تجمع عام باسم ( جمعية الاتحاد العثماني ) ضم بعض النواب ، وجمعية العلماء ، وهدف التجمع : الحفاظ على الدستور ([8]) .

 

      أبرق محمود شوكت ، قائد حامية مقدونيا إلى استانبول في 16 نيسان 1909 ، بأنه عائد إليها لاقرار النظام ، وأنه سيبذل كل جهوده في سبيل الدستور ، وقد تحرك من سلانيك يرافقه كل من أنور ونيازي وهما من كبار قادة جمعية الاتحاد والترقي ودخل العاصمة ، وأصدر بيانات عامة بتوقيع : " قائد الجيش الثالث ، قائد الحركة الانقلابية " ، أشار فيها إلى " أن الجيش قد اتخذ الاجراءات التي تحول دون انتشار الحركات الرجعية إلى الولايات العثمانية " وتعهد بالمحافظة على الأمن والانضباط وتقديم الأشخاص المسؤولين عن الاضطرابات إلى المحاكمة " لمحاسبتهم على الدماء البريئة بموجب الشرع الشريف " ([9]) .

 

       أخذت جمعية الاتحاد والترقي ، تنادي بالويل والثبور قائلة : " ان السلطان عبد الحميد يريد أن يمحو الدستور ، ويفتك بحماته وابطاله ، وأنه وراء تلك النشاطات الرجعية، ليسترد ما كان يتمتع به من الحكم المطلق ([10])، وفي 27 نيسان 1909 ، اجتمع مجلس الأعيان والمبعوثان في جلسة مشتركة قرروا فيها خلع السلطان عبد الحميد واجلاس أخيه محمد رشاد ( 1909 ـ 1918 ) باسم السلطان محمد الخامس على عرش الدولة العثمانية ، ونفي السلطان السابق إلى سلانيك ، وقد أصبح الاتحاديون ، بعد خلع عبد الحميد السلطة الحقيقية في البلاد ([11]) .

 

      واثر نشوب الحرب العالمية الأولة ، قرر الاتحاديون دخولها في 4 تشرين الثاني 1914 بجانب دول الحلف المركزي ، وذلك تنفيذاً للمعاهدة السرية المعقودة بينهم وبين الأمان في 2 آب 1914 ، وانتهت الحرب ، بهزيمة الألمان والدولة العثمانية ([12]) . وقد غزت جيوش الحلفاء ، وهي جيوش بريطانيا وفرنسا واليونان ، الأناضول،وعند ذاك بدأ الجنرال مصطفى كمال ( 1880 ـ 1938 ) وهو مفتش الجيش الثالث ، في 19 مايس 1919 حرب تحرير وطنية في سهول الأناضول وهضابه ، وفي 20 حزيران 1919 عقد مصطفى كمال اجتماعاً في أماسية مع عدد من قادة الجيش ، أكد غبيه أن السلطان ، وكان آنذاك وحيد الدين الملقب بـ ( محمد الخامس 1918 ـ 1922 ) وأتباعه يتعاونون مع أعداء البلاد من المحتلين والغزاة ،وأثناء مؤتمر أرضروم المنعقد بين 23 تموز و7 آب 1919، طلب مصطفى كمال من سلطان تركيا النهوض للدفاع عن استقلال البلاد ([13]) .

 

      ولم يجد السلطان محمد السادس ، والذي أصبح يعيش في قصره باستانبول ، تحت حماية حراب الأنكليز ، ما يقاوم به مصطفى كمال سوى اشهار سلاح الدين في وجهه واتهامه وأنصاره بالكفر والزندقة ، لذلك استصدر من شيخ الاسلام آنذاك : ( در زادة عبد الله ) فتوى توجب على
" المؤمنين " محاربة " الكماليين " أي أنصار مصطفى كمال ، وتحلل سفك دماء زعيمهم ([14]) ، أما مصطفى كمال ، فإنه لم يلتفت إلى هذه الفتوى ، وإنما راح يكرر في بياناته آيات قرآنية وعبارات تثير حماس مواطنيه وتدفعهم إلى النضال والتضحية في سبيل الوطن وخوض المعارك لطرد الغزاة ([15]) .

 

      وعندما احتل البريطانيون استانبول ، دعا مصطفى كمال إلى قيام
( المجلس الوطني الكبير ) ، وقد استمر هذا المجلس بالانعقاد بين 23 نيسان 1920 و 23 نيسان 1922 ، وفي 3 مايس 1920 شكّل مصطفى كمال حكومة برئاسته ، وبين1920 و 1923 خاض الكماليون المعارك الضارية وتمكنوا من دحر الغزاة وتطهير استانبول منهم والحصول على صلح مشرف ضمَنَ استقلال تركيا ووحدة أراضيها ([16]) .

 

       وفي الأول من تشرين الثاني 1922 شرع المجلس الوطني الكبير ، قانوناً عدّ فيه نفسه صاحب السلطة العليا في البلاد ، وألغى السلطنة ، وبذلك انتهت الدولة العثمانية رسمياً ، وفي 16 تشرين الثاني 1922 اتهم المجلس الوطني الكبير السلطان محمد السادس بالخيانة ، لكنه هرب إلى مالطة ، لذلك تكونت هيئة لعرض مقام الخلافة على عبد الحميد الثاني بن السلطان
عبد العزيز ( 1922 ـ 1924 ) ([17]) ، وفي 3 آذار 1924 وافق المجلس الوطني الكبير ( البرلمان ) على مقترح مصطفى كمال بخلع الخليفة ، والغاء الخلافة ، كما وافق على قرار بالغاء وزارة الأوقاف،وتشكيل ( رئاسة الأمور الدينية ) وربطها بمكتب رئيس الوزراء على أن تتولى إدارة الجوامع والمساجد والزوايا في البلاد ،وكان مصطفى كمال يرمي من وراء هذه الإجراءات قمع معارضة الفئات الدينية ، لذلك ما أن تم له إلغاء الخلافة حتى أجرى سلسلة من التغييرات التي استهدفـت تحقيق فكرة " فصل الدين عن الدولة " ومن ذلك ، إلغاء وظيفة شيخ الإسلام ،وإلغاء المحاكم الشرعية ([18]) ، ولقد أثارت اجراءات مصطفى كمال ( العلمانية ) سخط بعض رفاقه الذين انشقوا عليه ، كما نشبت حركة كردية مسلحة في المناطق الجنوبية الشرقية في الأناضول بقيادة الشيخ سعيد بالو سنة 1925 ، وقد اتخذت هذه الحركة من الدعوة إلى إعادة الخلافة شعراً لها ، كما بدأت بعض العناصر المؤيدة للتوجه الديني العمل ضد مصطفى كمال ، ونشط علماء الدين،وأخذوا يدعون الناس إلى إعلان احتجاجهم على إجراءات الحكومة ، ووزعت بين سكان الأناضول ، منشورات معادية لقرار إلغاء الخلافة واعتبار هذا القرار بمثابة " الاعتداء الصريح على الدين الإسلامي " ([19]) .

 

      أما مصطفى كمال ، فقد أدرك ، أنه لابد من اتخاذ خطوات أخرى في طريق تأكيد " علمانية تركيا وتحديثها " ووجد أن الطرق الصوفية المنتشرة في تركيا آنذاك ، وراء تحريض السكان للعمل على ما أسموه بـ ( اسقاط الجمهورية الملحدة ) ، ولذلك قرر توجيه ضربته إلى الطرق الصوفية ، وألقى يوم 30 آب 1925 خطاباً في مدينة قسطموني الواقعة شمال الأناضول ، قال فيه : " ان الجمهورية التركية العلمانية لا يمكن أن تكون بعد اليوم ارضاً خصبة للمشايخ والدراويش وأتباعهم من أصحاب الطريق  وعلى مشايخ الطرق أن يفهموا هذا الكلام بوضوح وبالتالي أن يعلقوا زواياهم وتكاياهم عن طيبة خاطر ، وإلى الأبد ، قبل أن أدمرها فوق رؤوسهم " ([20]) . وما أن عاد من قسطموني ، حتى ترأس اجتماعاً لمجلس الوزراء في الأول من أيلول 1925 ، وقد تقرر في هذا الاجتماع اغلاق التكايا والزوايا ([21])،وما لبثت هذه الاجراءات أن تطورت ،فحرم على العلماء أن يلبسوا زيهم الديني إلاّ في داخل المسجد ، كما خفض عدد الوعاظ ، وأصبح هؤلاء يقبضون رواتبهم من الحكومة ، وفرض عليهم ألاّ يقصروا خطبة الجمعة على المسائل الدينية ([22]) .

 

       وفي 17 شباط 1926 ، ألغى المجلس الوطني الكبير العمل بالشريعة الاسلامية حتى في الأحوال الشخصية على اعتبار أن الشريعة تلك " وجدت لتجيب مطالب الحياة في الجزيرة العربية منذ أربعة عشر قرناً " وسارت الحكومة الكمالية في سياستها العلمانية أكثر عندما ألغت في نيسان 1928 المادة الثانية من دستور 1924 والتي كانت تنص على أن ( الاسلام هو دين الدولة الرسمي ) ، كما حذفت العبارة الواردة في صدر المادة (26) ، التي تعدد اختصاصات المجلس الوطني الكبير ، وتنص على أن من واجباته
" تنفيذ أسس الشريعة " ، وحينما شعر مصطفى كمال ، أن بعض العناصر المؤيدة للتيار الديني ، عادت إلى نشاطها السياسي المعادي للدولة العلمانية ، أدخل في قانون العقوبات مادة تنص على أن " الذين يحرضون الشعب على القيام بأعمال مخلة بأمن الدولة ، متسترين بلباس رجال الدين أو يدفعونهم إلى عصيان القوانين والأنظمة العلمانية ، بحجة أن نظام العلمنة يسيء إلى المقدسات الدينية ، يعاقبون وفقاً للقوانين المرعية ، وكذلك يعاقب كل من يؤلف حزباً سياسياً يستند إلى التعاليم الدينية " ، وتضمن القانون مواداً تنص على معاقبة جميع الوعاظ في المساجد وسائر رجال الدين الذين يحولون دون تطبيق قوانين الدولة وأنظمتها ، أو يحرضون الناس على عدم اطاعة هذه القوانين والأنظمة ، كما يعاقب كل من يقيم احتفالاً دينياً خارج الأماكن المخصصة للعبادة ([23]) .

 

     لم يكن باستطاعة إجراءات الحكومة التركية ، من الناحية العملية ، القضاء على تأثيرات الاسلام الروحية والاجتماعية ، إذ سرعان ما واجهت تلك الاجراءات معارضة شديدة من بعض علماء الدين ، وشيوخ الطرق الصوفية والمثقفين المتدينين،الذين قرروا العمل ضد سياسة الكماليين العلمانية وبدأت منذ العشرينات تتردد في أنحاء كثيرة من تركيا أصداء منشورات ، ومطبوعات دينية ، سياسية سرية يهاجم فيها كاتبوها العلمنة المرادفة في نظرهم للكفر والالحاد  ([24]) .

 

      وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، ودخول تركيا في مرحلة تعدد الأحزاب ، تنامت المعارضة الدينية ، كما بدأت ظاهرة استغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية من قبل بعض الأحزاب السياسية ، اتجهت بعض الأحزاب ، إلى تأكيد احترامها للافقار والتعاليم الدينية للسكان وتضمين ذلك في برامجها السياسية ، وخلال السنوات 1946 ـ 1948ظهرت منظمات وجمعيات ذات طابع ديني ، كما صدرت جرائد ومجلات دينية كان الكماليون قد منعوها عند وصولهم السلطة ، وقد دعت هذه التجمعات حزب الشعب الجمهوري ، وهو الحزب الحاكم بالتخلي عن سياسته العلمانية ، وتدخله في شؤون الناس الدينية ومعتقداتهم كما طالب البعض ، بإلغاء القوانين العلمانية ، وتربية النشيء الجديد تربية دينية ([25]) .

 

      لقد أظهرت انتخابات سنة 1946 تنامي دور الظاهرة الدينية ـ السياسية في تركيا ، وفي ظروف المواجهة بين حزب الشعب الجمهوري ، وقوى المعارضة بعد الحرب العالمية الثانية اضطرت قيادة حزب الشعب الجمهوري ، إلى التخفيف من سياستها العلمانية ، ومن ذلك قرارها في سنة 1948 السماح بتخصيص الأموال للراغبين باداء فريضة الحج ، وفي كانون الثاني 1949 نظمت دورات لاعداد ( الأئمة والخطباء ) وتقرر في السنة ذاتها تدريس المواد الدينية في المدارس الابتدائية ، ورحبت كذلك في الوقت ذاته ،بمشروع قرار تقدم به مجلس جامعة أنقرة،لفتح كلية للعلوم الدينية ([26]) .

 

      إنّ تلك الاجراءات لم تؤدِ إلى إرضاء حركات المعارضة الدينية التي أخذت تتنامى منذ سنة 1950 ، وكان من أبرز قوى المعارضة ، النورسية ، إذ دعا مؤسسها سعيد النورسي ، إلى إعادة العمل بالشريعة الاسلامية ، وبدأ يسعى لما اسماه بـ ( انقاذ الاسلام في تركيا ، وذلك بالدعوة إلى تجديد الايمان ) ([27]) ، وقد اتسعت نشاطاته ، وكثر اتباعه الذين أصبحوا يعرفون بأصحاب النور أو جماعة النور ( نورجيلر ) فمن هو النورسي ؟ ، وما مرتكزات حركته ؟ ، وما طبيعتها وتأثيرها في المجتمع التركي المعاصر ؟ .

 

حياة النورسي وسيرته :

 

       تنتسب الحركة النورسية إلى سعيد النورسي..وقد ولد من أبوين كرديين في قرية نورس التابعة لقضاء حيزان من ولاية بدليس القريبة من مدينة وان ([28])،وتقع نورس جنوب شرقي الأناضول وذلك سنة 1293هجرية ( 1873 ميلادية ) ، وكان أبوه حمالاً ، وقد اتجه منذ مطلع حياته إلى طلب العلم ، متأثراً بتوجهات أخيه الكبير ( الملا عبد الله ) الدينية ، فراح يدرس في الكتاتيب والمدارس الدينية المنتشرة في قريته والقرى المجاورة ، وقد عرف منذ ذلك الوقت بـ ( الملا سعيد ) ([29]) ، ولم ينتظم النورسي في مدرسة حكومية ، وبالتالي ، فإنه لم يحصل على تعليم نظامي ، ولم ينل أي شهادة ([30]) ، وقد كان النورسي يتمتع بحافظة عجيبة ، كما أنه لم يكتف بما درسه من علوم دينية ، وإنما انصرف يدرس العلوم الصرفة كذلك ، وذلك بجهوده الذاتية ، حتى أصبح يعرف بين أصدقائه بـ ( سعيدي مشهور ) أي سعيد المشهور ([31]) .

 

     وفي 1892 ذهب الملا سعيد إلى مدينة ماردين ، حيث بدأ يلقي دروسه في جامع المدينة ، إلاّ أن الوالي طرده ، وسيق إلى بدليس وهناك تفرغ لمطالعة الكتب الدينية والعلمية ، حتى بلغ محفوظه من متون هذه العلوم ثمانون متناً ([32]) ، وفي هذه المدينة ، استفاد النورسي من حضوره لدروس الشيخ محمد الكفراوي ([33]) ، وفي سنة 1894 ذهب النورسي إلى مدينة وان، واحتك ببعض علماء الدين ، وطلبة المدارس الدينية ، ودخل معهم في مناظرات عديدة ، جعلت بعضهم يطلق عليه لقب " بديع الزمان " ([34]) ، وحينما بلغ السابعة والعشرين من عمره ، كان النورسي معروفاً بين أصحابه بالعلم ، والشجاعة حتى أنه اتقن استخدام الأسلحة النارية ، وهوى لعبة المصارعة ([35]) ، وقد قضى النورسي في مدينة وان قرابة (15) سنة ، وإبان وجوده هناك قام بمهمة تنوير العشائر الكردية في شرق الأناضول ، واطلاعهم على أمور دينهم ، وكان يردد بينهم أنه كان يعمل من أجل اعلاء شأن الاسلام ، وكشف الحقائق الايمانية في القرآن الكريم ([36]) ، وقد اتخذ النورسي ، من مبدأ " دع ما يريبك إلى مالا يريبك " شعاراَ له .. لذلك اتجه نحو الزهد والورع والحيطة في جميع شؤونه ([37]) .

 

     انصرف النورسي ، منذ مطلع شبابه إلى السياسة ، وقد اتضح ذلك ، من خلال انتقاده للحكومة ، واتهامها بالتقصير في الاهتمام بالمسائل الدينية ، وقد تعرض سنة 1892 للاعتقال ، من قبل والي ماردين ، بسبب تعرضه للحكومة في خطبة التي كان يلقيها في جامع المدينة ، وقد أرسله الوالي مع اثنين من الجندرمة منها إلى بدليس([38]) . وفي سنة 1896 ذهب النورسي إلى استانبول وعرض على السلطان عبد الحميد الثاني مشروعاً لانشاء جامعة اسلامية باسم ( الزهراء ) في الأناضول على غرار جامعة الأزهر الشريف في مصر ، وكان يطمح إلى أن تقوم الجامعة هذه بنشر فضائل الاسلام ، وتعليم الأجيال " نور القرآن السماوي " ([39]) ، فضلاً عن اهتمامها بالعلوم الصرفة، وبصدد اللغات التي تدرس في هذه الجامعة ، كان النورسي يقول : " أن لسان العرب فيها واجب ، ولسان الكرد جائز ، ولسان الترك لازم " ، ويبدو أن السلطان لم يتحمس للمشروع،وقد ذهب النورسي ثانية إلى استانبول سنة 1907 للعمل على انشاء الجامعة ، إلاّ أنه لم يوفق ([40]) .

      وحينما كان السلطان عبد الحميد ينادي بفكرة الجامعة الاسلامية ، فإن النورسي عارض تلك الفكرة ووجد فيها وسيلة جديدة لاستغلال شعوب الأمبراطورية العثمانية وتسهيل السيطرة عليهم ، وكان لهذا الموقف المضاد، أثر كبير في فرض السلطان عبد الحميد عليه الاقامة الجبرية ، في استانبول ولم يطلق سراحه إلاّ بعد انتصار ثورة 1908([41]) .

 

    رحب النورسي باعلان عودة العمل بدستور 1876 وكان من أبرز المؤيدين المتحمسين للحكومة الدستورية ([42]) . حتى أنه أرسل نيفاً وخمسين برقية إلى زعماء العشائر الكردية في الولايات الشرقية ، قال فيها : " أنه إذا كانت مسألة الدستور والحرية التي سمعتم بها عبارة عن العدالة والمشورة الشرعية الحقيقية ، فاستقبلوا ذلك بقبول حسن ، وسعوا للمحافظة عليه ، ذلك لأن سعادتنا الدنيوية إنما هي باتباع دستور عادل ، ونحن من أشد الناس فراراً من الاستعباد وأضراره " ([43]) .

 

     ومع أنه رحب بالدستور ، لكنه رفض الانتماء إلى جمعية الاتحاد والترقي ، وانصرف إلى توضيح فضائل الدستور وتشجيع الناس على التمسك بالحرية ([44]) ، وبدأ النورسي يكتب المقالات في بعض الصحف التي كانت تصدر باستنبول مثل جريدة البركان Volkan ([45]) ، وجريدة كورد تعاون وترقي جمعيتي غزة تي سي ، ويتضح من المقالات التي نشرها حرصه الشديد على مراعاة حقوق الأكراد واحتياجاتهم للنهوض وتأكيد مسألة مهمة وهي أن النهوض لا يمكن أن يتحقق إلاّ بالاتحاد والعلم وتطبيق الشريعة الاسلامية ([46]) .

 

      لذلك أكد النورسي على أن الحرية الصحيحة ، لا يمكن أن تتحقق إلاّ بالاستناد إلى جوهر الاسلام وحقيقته ، وقد عارض النورسي ، فطرة الدستور كبديل لقوانين الشريعة ، وقال أن الحكم البرلماني إذا لم يطبق وفقاً للشريعة الاسلامية ، فإن الفرصة سوف تفلت من أيدينا ، ويعود الحكم الاستبدادي إلى البلاد ثانية .. وقد تحققت مخاوف النورسي حين كشف الاتحاديون عن حقيقتهم ، وبدأوا يحاربون الحرية وعندئذٍ أخذ النورسي يحذر أتباعه من أن ينخدعوا بدعايات الاتحاديين وأعوانهم التي يروجونها حول الدستور مؤكداً أن كل ما فيه من محاسن تتضمنها الشريعة ، وأنه من الكفر والخروج من دائرة الاسلام استبدال قوانين مستوردة من الغرب بأي نص من نصوص الشريعة الاسلامية ([47]) ، وقد أسهم النورسي في الثورة المضادة في 31 آذار 1909 ، وذلك من خلال عمله في جمعية ( اتحاد محمدي ) ([48]) ، وحينما فشلت الثورة ، قدّم إلى المحاكمة بتهمة العمل على " تقويض نظام الحكم الجديد " و " الدعوة إلى عودة العهد الرجعي " ([49]) ، وقد دافع النورسي عن قضيته بشجاعة ، وقال أن هذه الحكومة كانت تخاصم العقل أيام الاستبداد ، وهي الآن ، تعادي الحياة ، وأضاف بأنه انتمى إلى جمعية
( اتحاد محمدي ) بقصد احياء السّنة المحمدية وتعريف الناس بها ، وانه لا علاقة لهذه الجمعية بالسياسة .. وبدأ النورسي يعدد التهم التي وجهت إليه واستوجبت وقوفه أمام المحكمة ومنها أنه كان يسعى لتنبيه أبناء الولايات الشرقية من أن تنخدع بالشعارات البراقة للأتحاديين ، وقال أنه كان يدعو لاصلاح هذه الولايات التي يقطنها الأكراد ، لأنه يشعر بأنها لم تنل حظها من الاهتمام ولم تفتح أعينها على شيء من المدنية الحديثة ، وقد حكم على النورسي بالسجن لمدة عام ([50]) ، وفي سنة 1911 قام بزيارة الشام والتقى بعدد من الشخصيات العلمية ودخل في حوار معهم حول التوحيد والايمان ، وفي الجامع الأموي بدمشق ، ألقى سلسلة من الخطب باللغة العربية ([51]) ، وبعد ذلك ذهب إلى استانبول ، وعرض مشروعه لانشاء جامعة الزهراء ووعده السلطان محمد رشاد بدعم المشروع، إلاّ أن حرب البلقان سنة 1913 حال دون تنفيذه ([52]) .

 

       أسهم النورسي في الدفاع عن الدولة العثمانية ، والمحافظة على وحدة أراضيها ومحاربة أعدائها ، وذلك من خلال مشاركته في منظمة عسكرية ـ سياسية سرية تشكلت 1911 و 1912 باسم " تشكيلاتي مخصوصة " ، وقد انتمى إلى هذه المنظمة ، عدد من العسكريين والسياسيين وعلماء الدين ورجال الفكر والثقافة ، وكمان لها دور كبير في نشر الوعي الديني وتنبيه الأذهان ، إلى أهمية المحافظة على كيان الدولة العثمانية والسعي لمقاومة وزعزعة التسلط الاستعماري الأوربي والدعوة إلى الجهاد ضد المحتلين ([53]).

 

     وخلال الحرب العالمية الأولى شارك النورسي في جبهة القفقاس ، كقائد لفرقة المتطوعين القادمين من الولايات الشرقية ، وقد جرح وأسر من قبل الروس ، حين احتلالهم لمدينة بدليس ، وتم ترحيله إلى شرق روسيا مع عدد من طلبته ، ومرت سنتان ونصف وهو في الأسر في سيبريا ، لكنه استطاع الهروب إلى بطرسبورغ ( لينغراد ) ثم إلى وارشو ( بولندة ) وسافر بعد ذلك إلى فينا ، ووصل استانبول سنة 1916 ، وقد منح بعد وصوله وسام الحرب ، واستقبل من قبل السلطان وشيخ الاسلام وطلبة العلوم الدينية بحفاوة شديدة ([54]) .

 

     في سنة 1918 عيّن النورسي عضواً في دار الحكمة الاسلامية ، وكان من أسباب ترشيحه تضلعه بعلم الحديث النبوي الشريف ([55]) ، وبعد دخول الغزاة البريطانيين إلى استانبول أحس النورسي أن طعنة كبيرة وجهت إلى العالم الاسلامي لذلك ، ساهم في فرقة المقاومة وبدأ يكتب المقالات ويوزع المنشورات التي تعرض نوايا الغزاة ضد الاسلام ، وقد أصدر مع مائة واثنتي عشر عالماً فتوى تجيز الحرب والجهاد ضد المستعمرين ، وهاجم في كتاب أصدره بعنوان : ( الخطوات الست في دفع الغزاة بشدة ) ([56]) .

 

      وحينما دعي إلى أنقرة ، سنة 1920 ، استقبل بحفاوة لكنه لم يجد الجو المناسب الذي كان يتوقَ إليه ، وحزن لأن كثيراً من أعضاء المجلس الوطني الكبير لا يصلون ولا يهمهم من أمر الاسلام شيئاً ، بل وجد بأنهم يريدون ابعاد تركيا عن الاسلام لذلك ، نشر تصريحاً دعا فيه اعضاء البرلمان إلى تطبيق أصول الشريعة ، وحذرهم من أن اهمال واجباتهم الدينية سوف يؤدي إلى فقدان ثقة الناس بهم وقال مخاطباً رجال البرلمان:اعلموا أيها المبعوثون: أنكم مبعوثون ليوم عظيم ([57]) ، وأخذ النورسي يتحين الفرص لتوجيه النصح لمصطفى كمال ، إلاّ أن مصطفى كمال أتهمه بالسعي إلى بث الفرقة ، وبذل معه جهوداً كبيرة من التعاون معه ، وعرض عليه عروضاً مغرية منها عضوية البرلمان ورئاسة الوعاظ في الولايات الشرقية ، كما منحه داراً فخمة ، لكنه رفضها جميعها وترك أنقرة واعتزل في كهف يقع في جبل ارك القريب من مدينة وان ، واستمر في اعتزاله قرابة سنتين ([58]) ، وتعد الفترة من 1923 ـ 1925 ، المنعطف الأساسي في أفكاره إذ قرر بعدها ترك الاشتغال بالسياسة والتفرغ لنشر الوعي الديني والايمان بين الناس ، واتخذ من قوله : " اللهم إني أعوذ بك من الشيطان والسياسة " شعاراً لمستقبل
حياته ([59]) ، ومن هذا المنطلق ، فإنه رفض الاشتراك في الحركة الكردية المسلحة التي قادها الشيخ سعيد باولو سنة 1925 ودعا المتمردين ألاّ يحاربوا ضد الأتراك ، ونصحهم بوجوب الابتعاد عن القوة في تحقيق المطالب ([60]) ، ومع هذا فقد اتهم بالتآمر على الدولة ، والتحريض على قلب نظام الحكم ، ونفي إلى بارلا ، وهي ناحية تقع في ولاية اسبارطة جنوب غربي تركيا،وكان نفيه إلى بارلا التي قضى فيها قرابة ثماني سنوات ونصف بداية لمرحلة جديدة من حياته ، وقد أطلق فيها على نفسه خلال هذه المرحلة اسم ( سعيد الجديد ) ([61]) ، ويذكر الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي أن سعيد الجديد انتهج في مقاومته للسلطة أسلوباً جديداً يقوم على الابتعاد عن الحكام والسياسيين ([62]) ، وتميزت الفترة التي أعقبت نفيه إلى بارلا ، بظهور حركة رسائل النور وهي الموسوعة الايمانية التي بدأ النورسي بتأليفها ونشرها ، ولا تعدو هذه الرسائل أن يكون تفسيراً لمعاني القرآن الكريم واثبات لحقائقه الايمانية أكثر مما هي تفسير للألفاظ واللهجات،وكانت هذه الرسائل ، تدعو إلى الاسلام بنقائه الأصيل ، وقد انتقاها النورسي في سبيل نور القرآن ([63]) ، ولما لم يكن لديه ما يساعده على طباعة هذه الرسائل ولضمان سريتها واخفائها عن أعين السلطات ، فإنه اتجاه نحو تشجيع طلبته على استنساخها باليد ونشرها في مختلف أنحاء تركيا ([64]) ، وقد استمر النورسي في تأليف هذه الرسائل حتى سنة 1950 وأصبح عددها (130) رسالة جمعت فيما بعد وطبعت سنة 1954 بعنوان: كليات رسائل النور ([65]) .

        أثارت نشاطات النورسي اهتمام السلطات الحكومية ، فاتخذت اجراءات قاسية لتثبيط همته ، ولكن الرسائل سرعان ما أنتشرت ، وكانت استجابة الناس إليها كبيرة ([66]) ، لذلك قُدّمَ النورسي مع (120) من طلابه سنة 1934 إلى محكمة الجزاء في أسكي شهر ، وطلب المدعي العام تنفيذ حكم الاعـدام فيه بدعوى أنه أقام منظمة سياسية سرية لمناهضة الحكم وقلب نظامه ، ولكن النورسي دحض هذه التهمة في دفاع طويل قال فيه : " لقد بلغكم تقرير عن أمكانية وقوع محاولة رجعية باستغلال الدين مما يعرض الأمن العالم للخطر ، فأولاً وقبل كل شيء فما هو في الامكان شيء والواقع شيء آخر ، ففي امكان أي شخص أن يقتل أناساً كثيرين ، ولكن هل يتعرض المرء للمحاكمة بسبب هذه الامكانية ، وفي امكان عود الثقاب أن يحرق البيت هل نلقي به جانباً تحاشياً لاحتمال الحريق " ([67]) .

 

      ومع أن المحكمة لم تجد من الأدلة المادية الكافية لادانته ، إلاّ أنها حكمت عليه بالسجن أحد عشر شهراً ، وبعد ذلك نفي إلى مدينة قسطموني ، الواقعة على شاطيء البحر الأسود ، ولكنه ظلّ يكتب الرسائل ويتصل بطلبته الذين نظّموا ( بريداً ) خاصاً لنقل الرسائل ، وقد وصلت بعض نصوص هذه الرسائل إلى صفوف الجامعات ، ومعسكرات الجيش ودواوين الحكومة ([68]) .

 

      وفي سنة 1943 قدّم إلى المحاكمة في دنيزلي Denizli بتهمة تأسيس جمعية سرية تعمل من أجل تحريض الرأي العالم ضد الحكومة ، والاساءة إلى مصطفى كمال ووصفه بالدجال ([69]) ، وقد تألفت لجنة من الأساتذة والقانونيين لدراسة بعض رسائل النور التي وقعت بأيديهم وانتهت اللجنة إلى أن تلك الرسائل ، ليست إلاّ بحوثاً دينية مجردة لا علاقة لها بالحزبية والسياسة ، لذلك برأت المحكمة ساحة النورسي وأطلقت سراحه في 16 حزيران 1944 ([70]) .

      استفاد النورسي من فرصة تقديمه للمحاكمة ، ليصوغ دفاعاً طويلاً ، يتطرق فيه إلى آراءه وأفكاره ، وقد انتشر هذا الدفاع بين طلابته الذين ازداد عددهم آنذاك على المليون نسمة ، وقد جاء في الدفاع،أنه يعمل ضمن جمعية اعضاؤها ثلاثمائة وخمسون مليوناً من المسلمين ، وأن هدفهم هو تعريف المؤمنين بحقيقة عقيدة الاسلام ، وخاطب النورسي أعضـاء المحكمة قائلاً : " بأي وجه تستطيعون ايقاف حركة رسالة النور، انكم تدورون ثم تقولون أن اعمالي الدينية ما هي إلاّ استغلال ووسيلة للاخلال بالأمن ، ولكني أقول لكم بالمقابل أن دعواكم هذه إلاّ استغلالاً ووسيلة لاعدام الدين باسم المحافظة على الأمن ، انكم تعلمون أن رسالة النور تضيء منذ عشرين عاماً ، فهل سجلتم منذ ذلك اليوم إلى الآن حادثة واحدة أخلت بالأمن ؟ ، إنّ غاية ما نتمناه أن نجعل رؤوسنا فداء لأصغر حقيقة من حقائق الاسلام " ([71]) .

 

      وبرغم صدور براءة النورسي ، إلاّ أنه نفي إلى قضاء أمير داغ التابع لولاية آفيون في غرب الأناضول ، وقد جرت هناك محاولة لاغتياله بالسم ، لكنه نجا منها ، وظلّ على هذا الحال حتى أوائل 1947 حين سمحت له الحكومة بالاتصال بطلابه وطبع رسائله على الآلة الكاتبة ، وقد بعث للحكومة برسالة عن طريق طلبته ، استنكر فيها محاولة الحكومة " لتجريده من حقوقه الانسانية " وقال أن ذلك ، إلاّ خطة تتسم بأشد أنواع الظلم ، غير أن هذا كله حينما يكون في سبيل دعوتي التي هيأتني الأقدار بها ، فإنه يعطيني مزيداً من الصبر والثبات ، أن مما يعوضني عن عشرة من الناس يحال بيني وبينهم ، أن مليوناً من المسلمين يعكفون على دراسة النور التي انتشرت فيما بينهم ، أنهم إن استطاعوا أن يسكتوا أمام الناس ، فلن يستطيعوا اسكات رسائل النور التي تصل إلى شغاف القلوب ، ولن تسكتها أي قوة في الأرض " ([72]) .

 

      لم تكد السلطات التركية تأذن لجماعة النور بالاتصال برائدهم وبطبع رسائله وكتبه ، حتى راحت حركة النور تنتشر في كل مكان ، الأمر الذي جعل هذه السلطات تضيق بنشاط النورسيين وتلقي القبض على عدد من أبرز اتباع النورسي ، وقد أحيل النورسي نفسه إلى محكمة جزاء ولاية آفيون سنة 1048 بالتهم السابقة نفسها ، وقد تدخل عدد من المحامين ورجال القانون لصالحه حينما أعلنوا عدم شرعية المحاكمة ، بسبب أنها أنبنت على التهم نفسها التي حُوكم النورسي بموجبها من قبل ، وما دامت الأحكام السابقة قد أعلنت براءته من تلك التهم ، فلا يجوز تجريمه بعد ذلك بها ، وهكذا احيلت القضية إلى محكمة التمييز .

 

      ولكن السلطات ظلّت تماطل وكان قصدها ابقاء النورسي في الحجز واستمر الحال على هذا المنوال حتى سنة 1950 حين جرت أول انتخابات حرة ، في ظلّ نظام تعدد الأحزاب ، وفاز فيها الحزب الديمقراطي ([73]) ، وقد بدأ هذا الحزب يخفف من ملاحقة النورسي ، كما أنه لم يتوانَ عن استخدام الدين لتحقيق مكاسب سياسية ، ومن ذلك أنه سمح للنورسي بالحركة المحدودة بين المدن التركية ، وقد استغل النورسي مجيء هذا الحزب ، وسياسته المرنة تجاه النشاطات الدينية ، فبدأ يكتب المقالات التي يهاجم فيها
" العلمانية " ويدعو إلى إقامة الدولة على أسس الشريعة الاسلامية ، وقد فتح الخطاب الذي ألقاه عدنان مندريس رئيس الوزراء ، وزعيم الحزب الديمقراطي في أزمير وقال فيه أن تركيا بلد اسلامي وستبقى كذلك للنورسي الأمل في الاتصال بمندريس ([74]) ، كما بعث إليه برسالة تضمنت حديثاً عن الأخوة الاسلامية ووصف بالبطل الاسلامي وقال له : " من أجل الديمقراطية الدينية وشخصيات معينة مثل عدنان مندريس ، نظرت ساعة أو ساعتين في السياسة التي تركتها طوال الخمس والثلاثين سنة الماضية " ([75]) .

 

      وقد استفاد الحزب الديمقراطي من موقف النورسي ، في مجال كسب الأصوات في الانتخابات ، ويبدو أن اهتمام النورسي بالسياسة خلال هذه الفترة ، جاء بسبب تفاقم المسألة الأرمنية في تركيا من جهة ، وتنامي النشاط الشيوعي من جهة أخرى ، وقد وثّق مندريس علاقاته بالنورسيين ، حتى أنه كان يذيل رسائله التي يبعث بها إلى أحد زعمائهم في ديار بكر بعبارة
" وأقبل أياديكم "  ([76]) .

 

      واجهت سياسة الديمقراطيين إزاء التيار الديني ، معارضة شديدة من قادة حزب الشعب الجمهوري الذين أكدوا بأن تلك السياسة ، أدت إلى تنامي هذا التيار الذي بات يهدد أركان الجمهورية العلمانية ، إذا لم يوقف عند حده،  لذلك التجأ الديمقراطيون إلى التدابير التشريعية من جهة ، وإلى قوى الشرطة والأصول القضائية الممكنة من جهة أخرى ([77]) ، وقد حظيت هذه السياسة في بادئ الأمر بالتأييد التام من قادة حزب الشعب الجمهوري ، ففي 21 كانون الأول 1953 أعلن عصمت اينونو زعيم حزب الشعب الجمهوري أنه " ليس في وسعنا سوى أن نؤيد الحكومة في الاجراءات التي اتخذتها لحماية كيان الأمة من الحركات الرجعية "،وأضاف في خطاب آخر إلى ذلك قوله : " لقد أحسنت الحكومة صنعاً إذ قررت الدفاع عن اصلاحات الجمهورية ، فإن واجب الحكومة هو أن تمنع اتخاذ الدين وسيلة لتحقيق أغراض سياسية ، كما أن واجب المعارضة هو أن تساعد الحكومة في هذه المهمة " ([78]) ، ولكن أنصار حزب الشعب سرعان ما صوّتوا ضد لائحة قانون عرضه الديمقراطيون في 23 تموز 1952 وينص على منع اتخاذ الدين وسيلة للأغراض السياسية ([79]) .

 

     وبينما كان الديمقراطيون يحاولون اسكات المعارضة ، بدأوا يعانون من الانقسام الحاصل في صفوفهم ، فقد ظهر جناح يمني في الحزب ، يعارض الجماعة المتزعمة برئاسة مندريس ، ولم يتردد مندريس أن يعاقب بصرامة أولئك الذين كانت ميولهم الدينية المتطرفة تجعلهم قريبين من الخارجين التقليديين على القانون ([80]) . وقد أعلن مندريس " أن لا رجوع عن فصل الدين عن الدولة " ([81]) ،ومعنى هذا أن الديمقراطيين كانوا كالشعبيين مخلصين للمبادئ الكمالية ، لذلك طرد الحزب الديمقراطي في أوائل 1953 عدداً من النواب ، لانتسابهم إلى بعض الجمعيات غير القانونية التي كانت تعد من الهيئات الميالة للدين ، وفي مؤتمر الحزب المنعقد في شباط 1953 هاجم مندريس بشدة الميول الدينية في الحزب قائلاً : " أن الحزب الديمقراطي يوافق على جميع المظاهر الدالة على احترام الاسلام في تركيا ، لكنه يعارض الأحكام الشرعية ، لأن العمل من جديد بمقتضاها يؤدي إلى ارباك الدين بالسياسة وبلبلة بالشؤون الدينية "  ([82]) .

 

      ومهما يكن من أمر ، فإن النورسي ، سرعان ما أخذ يلاقي الاضطهاد والعنت من السلطات الحكومية ، فقد قدّم إلى محكمة الجزاء الكبرى في استانبول في 22 كانون الثاني 1952 وذلك بتهمة تشجيعه عدد من أتباعه في جامعة استانبول بطبع رسالة ( قائد الشباب Geuclik Rohberi ) ، وقد ملء طلابه وأتباعه قاعة المحكمة التي أصدرت حكمها ببراءته ، وتضمن قرار المحكمة نصاً يقول : " إنّ النورسية ليست طريقة أو مذهب ، وبأنها لا تتضمن شيئاً مناقضاً لأنظمة الدولة ، وإن مدح وثناء النورسية ليس ذنباً وإن أكبر شعار لدى النورسيين ، هو عدم الاشتغال بالسياسة "  ([83]) .

 

       عاش النورسي ، بعد ذلك بقية عمره منعزلاً عن الناس في مدينة اسبارطة ، وقد حظّرت عليه السلطات الانتقال من بلدة إلى آخرى ، بدون الحصول على اذن منها ، وقد غادر النورسي مع عدد من طلبته اسبارطة متجهاً إلى أورفه ، وبعد يومين من دخوله إليها توفي في 27 رمضان 1379 هـ ( المصادف 23 آذار 1960 ) وذلك عن عمر يناهز السابعة والثمانين ، وقد دفن النورسي في ( اولو جامع ) ثم أخرج جثمانه بأمر من السلطات الحكومية ، ودفن في مكان مجهول ، ويبدو أن ذلك ، قد تمَّ خوفاً من أن يتخذ قبره مزاراً لأتباعه فيما بعد ([84]) .

 

مرتكزات الحركة النوسية :

 

          استندت الحركة النورسية إلى عدد من الأسس الفكرية ، وسنعرض هذه الأسس من وجهة نظر النورسيين أنفسهم وهي كما يلي :

 

      1 ـ  العودة إلى الاسلام بنقائه الأصيل وطهره : وذلـك بالعمل على ( تجديد الدعوى إلى الإيمان ) و ( تقويته عند البعض ، وانقاذه عند البعض الآخر ) ، وكان النورسي يردد أمام طلبته وفي رسائل النور ، بأن مهمته ليست إلاّ خدمة الإيمان وإن غايته هي ( اصلاح الأسس التي يبنى عليها الإيمان ، فإذا أصبح الأساس صلباً قوياً فلا يؤثر فيه مؤثر ) . وكان النورسي يعتقد بأن الاسلام قد أصبح في مواجهة خطر أكيد،وأن غزواً فكرياً منظماً يشن على العقيدة الاسلامية وأن علاج ذلك لا يمكن إلاّ بالعودة إلى أساس الايمان و(الاعتداد بالفكرة الاسلامية)للوقوف أمام تلك الموجات العاتية من الدوائر الاستعمارية والصهيونية والماسونية . وكان يرى بأن تأليف
( رسائل النور ) ، خطوة في دحض ( شبهات القوم ) واثبات حقائق الايمان بأسلوب علمي عصري قريب إلى روح العصر ، وفهم الناس جميعاً ) ([85]) .

 

    2 ـ  التوحيد ، وتأكيد وجود الله : وكان النورسي يعتقد أن الالحاد ليس مبنياً على علم يقيني ، ولا حتى على علم تخميني ، لأنه يعتمد النفي .. الذي يستند إلى مجموعة من النظريات المتفرقة ، بينما الايمان يعتمد على الاثبات الذي كلما تعدد ثبوته فإن النتيجة تكون أقوى لأنهم يتساندون جميعاً . ويسلك النورسي ، مسلكاً علمياً استقرائياً في اثبات وجود الله . أما عن توحيد الله ، فيعتقد النورسي أن الايمان العقلي المجرد من وجود الله لا يعطي الثمرة المرجوة ، إلاّ إذا كان صاحبه موحداً لا يشرك به ، ويتوجه بكله إليه يعبده ولا يعبد سواه . وعند ذاك تتحول عقيدة الوحدانية إلى سلوك واقعي يومي تنفعل به نفس الانسان المؤمن فيوجهها إلى اتخاذ الأنماط السلوكية المستقيمة المنسجمة مع الفطرة الاسلامية  ([86]) .

       3 ـ  الحشر :  وقد خص النورسي لموضوع ( الحشر ) رسائل عديدة ، وذلك انطلاقاً من اعتقاده بأن المسلمين في هذا العصر قد نسوا الآخرة ، وابتعدوا عنها ، بعكس السلف الصالح الذين دفعتهم شدة ايمانهم بالحشر الأعظم إلى العمل الجدي في هذه الحياة ، لأنهم كانوا يعتقدون أنها مزرعة الآخرة ، ويعتقد النورسي أن الانسان لن يستطيع تغيير حركته أو صياغة حياته ( صياغة ربانية جديدة ) ما لم تتولد عنده حرارة الايمان بالآخرة ، والعيش كل لحظة من لحظات حياته في انتظار يوم الحشر . وهنا ينبغي القول أن النورسي أراد أن يتخذ من الايمان بالحشر ، مدرسة تربوية يستطيع من خلالها أن يربي طلبته وأتباعه على معاني الخير والفضيلة والعمل الصالح ([87]) .

 

       4 ـ  الاجتهاد :  وللنورسي موقف واضح من مسألة الاجتهاد ، فمع أنه كان يرى بأن باب الاجتهاد ينبغي أن يكون مفتوحاً ، إلاّ أن هناك موانع عديدة تحول دون ذلك في العصر الراهن ، ففضلاً عن عدم وجود العلماء الذين لا يملكون شروط الاجتهاد ، فإن فتح باب الاجتهاد سيكون وسيلة لتسرب ( المخربين ) وبالأخص في زمن المنكرات الذي غلبت عليه العادات الأجنبية والبدع . ومن هنا كان النورسي يرى بأن الانشغال بتقوية أصول الايمان أفضل من الانشغال بأمور نظرية جزئية . كما أن أي حديث عن الاجتهاد في مثل هذا العصر الذي غلبت عليه ( ضوابط الحياة الغربية الحديثة ) لا يكون مبنياً إلاّ على أسس قوية من الورع والتقوى . ([88]) .

 

       5 ـ  التغيير المنظم : ويؤمن النورسي بالنظام ويبتعد عن الفوضى ، ويعتقد بالتدرج ويرفض الطفرة ، فالنظام والتدرج هو أساس الوجود كله ، وإن أي خروج عليه يعني ادخال الفساد عليه ،وفي ضوء ذلك يدعو النورسي إلى تغيير اجتماعي منظم متمسك بقانون التطور الفطري التدريجي ، ويجب أن يبدأ من القاعدة ويصعد إلى القمة ، وليس بالعكس .. لأن العكس سيؤدي إلى زعزعة الحياة الاجتماعية ويحمل معه شر مستطير وتخريب كبير ، وقد يؤدي إلى اختلال توازن الحياة ([89]) .

 

      6 ـ  الجهـاد :  ولايمان النورسي بالتغيير المنظم ، فإنه لا يبيح الجهاد المسلح الداخلي الموجه إلى حكام المسلمين ، لأن ذلك برأيه ، لا يخدم إلاّ العدو الخارجي المتربص بالمجتمع الاسلامي من حيث هو كل ، فهو يقول : ( أن الجهاد المسلح لا يحشد كلياً إلاّ ضد العدو الخارجي ، فالصراع المسلح داخل البلاد الاسلامي هو ما يصبو إليه العدو الخارجي ومن هنا فإنه كان يحرص على تجنب الفتن بين المسلمين ) .. وعندما كان النورسي يسكن في منطقة فاتح، أحد أحياء استانبول سُئل عن عدد طلابه فأجاب بأن له منهم نصف مليون ، فرد عليه السائل إذن ماذا تنتظر ولماذا لا تبدأ الجهاد ؟ فأجابه النورسي : أن دعوتنا هي الايمان ، والجهاد يلي الايمان . ويذهب النورسي إلى " أن الجهاد في أي مجتمع مسلم ، إنما هو جهاد معنوي يوصل إليه عن طريق تنوير الأفكار وإصلاح القلوب والأرواح ، ويكون جهاداً ايجابياً بناءً لصد التخريبات المعنوية ويتصرف فيه وفق سر الاخلاص " ويضيف بأن " هناك بون شاسع بين الجهاد في الخارج والجهاد في الداخل ، فنحن نبذل قصارى جهودنا للحفاظ على استقرار البلاد وأمنها وفق العمل الايجابي البناء " ([90]) .

 

     7 ـ  رفض الأسس الثقافية للحضارة الغربية : وكان للنورسي موقف رافض للأسس الثقافية الغربية ، وقد تجسد ذلك في رفضه لحركة التغريب التي شهدتها تركيا ، هذا فضلاً عن اعتقاده بأن تحكم الفلسفة المادية ومظاهر الحضارة الغربية في حياة المسلمين اليوم قد أقحمتهم في ( الحياة الدنيا ) وأنستهم رضى الله ، وذلك لأن الحضارة الغربية ترتكز على مبادئ الفلسفات الجاحدة التي أوجدت حالة من القلق والفوضى الفكرية والتشكيك والالحاد في العالم الاسلامي مستغلة تخلف المسلمين من جهة ، وجهلهم بأمور دينهم من جهة أخرى ، لكن هذا لا يعني عدم الاستفادة من الجوانب العملية في الحضارة الغربية ، فالنورسي يدعو المسلمين إلى الأخذ بأسباب الحضارة الصناعية والاستفادة منها في بناء المجتمع المسلم . ويعتقد النورسي بأن تجديد المجتمع المسلم يحتاج إلى تبني ( التكنولوجيا ) الحديثة مع المحافظة على القيم الذاتية ([91]) .

 

      وهنا يعرض النورسي برنامجاً اصلاحياً شاملاً لاصلاح أحوال المسلمين . وقد أورد في بدايته مجموعة العوامل ، التي رأى بأنها وراء تخلف المسلمين وانحطاطهم وضعفهم . ثم عقب عليها بمجموعة من المبادئ التي اعتقد بأنها كفيلة باصلاح أوضاعهم ونهضتهم من كبوتهم لاستئناف مسيرتهم نحو القوة والوحدة والتكامل والعزة ([92]) .

 

       ويعتقد النورسي بأن " سمو الأوربيين في مدارج الرقي المادي بشتى مظاهره وأنواعه ، وتخلفنا نحن المسلمين عن آخر محطة من محطات قروننا الوسطى ، وجمودنا على تلك الحالة نفسها يرجع إلى ستة أمراض خطيرة سرت في كياننا " وهذه الأمراض هي : اليأس ، وفقدان الصدق ، وحب العداوة والبغضاء ، وتجاهل الروابط التي تربط المؤمنين بعضهم بعضاً ، والاستبداد المنتشر انتشار الأمراض السارية ، وأخيراً حصر الهمة في اطار المنفعة الشخصية وعدم الالتفات إلى المنفعة العامة " ([93]) .

 

      ويوضح النورسي ، ذلك ويقول أن تلك الظروف لابد وأن تقابل بستة مبادئ وهي : الأمل ، والصدق ، والصحبة ، وتحقيق الرابطة الأخوية بين المؤمنين ، وإقامة الشورى الشرعية ، والتصدي للخطط المرسومة ضد الاسلام من قبل الغرب والشيوعية والصهيونية والماسونية "  ([94]) .

 

      لقد ذهب النورسي إلى أن المستقبل لن يكون إلاّ بالاسلام ، وان الحكم لن يكون إلاّ لحقائق القرآن .. وهذا لا يتحقق إلاّ عندما يصبح المسلمون أسرة واحدة متضامنة ، ويرى النورسي أن تحقيق الرابطة الإيمانية يعتمد على القوى الاسلامية الكبيرة مثل العرب والأتراك ، لذلك فهو يدعو هذه القوى لأن تبتعد عن الكسل ، لما يسببه ذلك من أضرار بالغة للقضية الاسلامية ([95]) .

       ويخاطب النورسي العرب قائلاً : " وأنتم يا أمة العرب العظيمة التي استيقظت او ستستيقظ حالاً ، أولاً وقبل كل شيء أود أن أخاطبكم بهذه الكلمات ، لقد كنتم أساتذة المجتمعات الاسلامية وقادتها وكنتم المجاهدين في الاسلام ، ثم أتت أمة الأتراك العظام ، وأمدتكم بالمساعدة اللازمة لتحقيق مهمتكم ، ولهذا السبب فإن خطأكم بسبب الكسل خطأ عظيم ، كما أن جزاءكم جزاء عظيم كذلك .. اننا نرجو من الرحمة والعناية الالهية أن تجعل من العرب قوة عظمى لتحرير الاسلام من الأسر ، ولنشر حكم الاسلام في معظم أجزاء الكرة الأرضية وستشهده الأجيال المستقبلية هذا إن امتد أجل العالم ، ولم تحل نهايته بعد "  ([96]) .

 

طبيعة الحركة النورسية وآثارها : 

 

      1 ـ  طبيعتها :

 

                إن استعراضنا لأسباب الحركة النورسية وظروف نشأتها وعناصر قيادتها وأهدافها يقودنا إلى معرفة طبيعتها وآثارها السياسية والاجتماعية . وتنبغي الاشارة إلى أن أنصار هذه الحركة لا يستسيغون تسميتها بالنورسية ، ويرون أن القصد عن هذه التسمية ، تنفير الناس منها أو اتهامها بأنها تدعو إلى مذهب جديد ، ويفضل أنصارها بأن تسمى بأصحاب النور . لكن هذا لم يمنع ، على أية حال ، الكتّاب والباحثين من تفسير طبيعتها فاختلفوا في تقويمها ، فالدكتور فيروز احمد يرى : بأن النورسية ليست طريقة دينية ، كما يعتقد البعض ، ولكنها حركة دينية سياسية هدفها جلب الأتراك المسلمين لمعارضة مبدأ العلمانية ، وكمحاولة لتجديد أو بعث الدولة الاسلامية وهي تطمح للانتشار ليس في تركيا ، وإنما في جميع العالم الاسلامي ([97]) .

 

      أما الدكتور احمد السعيد سليمان فيرى : بأن النورسية " جماعة اسلامية سنية نقشبندية المشرب " ([98]) . ويقول لنشوفسكي بأنها : " طريقة صوفية تعتنق فلسفة متطرفة في ميلها للاسلام " ([99]) . ويذهب الدكتور ابراهيم الداقوقي إلى أن : " النورسية طريقة دينية وضع أساسها سعيد النورسي الكردي ، الذي دعا إلى نبذ كل مظاهر الحضارة الحديثة، والرجوع إلى منابع الدين الاسلامي ، ولكن بتفسيرات غير علمية مع الأخذ ببعض الخرافات " ([100]) .

 

    ويقول مصطفى الزين أن النورسية : " حركة عنصرية انفصالية " ([101]) . أما البروفسور صالح طوغ ، والذي كان طوال السنوات الماضية خبيراً رسمياً في النظر إلى كتابات بديع الزمان عند محاكمة بعض طلبته في تركيا فيقول : " أنه لم يجد في كل ما كتبه النورسي ما يشير ولو بكلمة إلى مفهوم الاسلام في الدين والدولة . أنه وجّه همّه الأول إلى الدفاع عن الايمان .. أنه يتحدث عن الايمان والشريعة لكنه لم يوضح ماذا يقصد بالشريعة " ([102]) . ويضيف البروفسور طوغ إلى ذلك قوله : " أن هدف النورسي في كل ما كتبه هو المحافظة على العقيدة والايمان في نفوس الناس وعدم وجود مفهوم للدولة الاسلامية اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً عند النورسي يجعلها تختلف عن الحركات الاسلامية الأخرى في تركيا " ([103]) . وخلص البروفسور صالح طوغ إلى " أن الحركة النورسية ليست حزباً سياسياً ولا جمعية ثقافية ولا مدرسة منظمة ، وإنما هي عبارة عن أستاذ وطلبة " . ويقول ان النورسيين لم يفكروا في إقامة حزب خاص بهم ، ولكنهم كثيراً ما كانوا يعطون أصواتهم للحزب الذي يطابق مبادئهم في الانتخابات العامة ([104]) .

 

       وعلى كل حال ، فالنورسية ليست طريقة صوفية ، ذلك أن النورسي عالج موضوع التصوف والطرق الصوفية وقال : " إن هذا العصر ليس بعصر التصوف ، وإنما هو عصر انقاذ الايمان وتقويته أمام الغزو الفكري الأجنبي المركز الذي تشنه الدوائر الاستعمارية والشيوعية والصهيونية على الاسلام " ([105]) . كما " أن الطرق الصوفية غير قادرة على الوقوف أمام قوة الهجوم المشكك في الاسلام ، بأنها تعتمد على التجربة الذاتية ولا تعتمد في ادراك الحقائق على البراهين المنطقية والحجج العقلية والأدلة العلمية التي هي صفة هذا العصر وما يموج فيه من تيارات وفلسفات " ، كما أن معرفة الله الناشئة عن طريق التصوف ناقصة ومتبلورة . وانتهى النورسي في معالجته لموضوع التصوف إلى أن هذه الدنيا ، هي دار حركة وعمل وسعي وليس دار جزاء وثواب ، لذا فلا تطلب فيها اللذائذ والأذواق ولا يقصد فيها الكرامات ، وإنما ينبغي فيها الالتزام بالشريعة لأن الحقيقة والطريقة وسيلتان لخدمة الشريعة([106]).وكان النورسي يردد بأنه ليس شيخاً وإنما هو عالم([107]).

 

  كما أن النورسية ، ليست ، كما قال البعض ، حركة كردية انفصالية ([108]). فبالرغم من أن النورسي ، كان كردياً ، وأنه في مطلع حياته ، كان يطيل الجلوس عند قبر الشاعر الكردي أحمدي خاني ، وأنه قد دعا ، مراراً وتكراراً إلى تحسين أوضاع المناطق التي تسكنها أكثرية كردية ، وأنه عندما كانت يدرس مواضيع الفداء والتضحية يذكّر طلابه في الولايات الشرقية ، وان ، بدليس ، سعرد وغيرها ذكراً حسناً ويضرب بهم الأمثال ، فإنه رفض التعاون مع الشيخ سعيد في حركته ضد الكماليين سنة 1925 ، وقد استنكر النورسي قيام الحركة المسلحة ورد على مندوب الشيخ سعيد إليه ، بأنه
لا يجوز محاربة الجنود الأتراك باعتبارهم أبناء الوطن ، وإن الجهاد ينبغي أن يتوجه ضد العدو الخارجي وأنه يبذل جهده في الحفاظ على استقرار البلاد وأمنها ([109]) .

 

      إنّ دراسة كتـب النورسي ورسائله دراسة عميقة تكشف لنا عن حقيقة فهمه وهي أن هدف النورسي الوحيد في الحياة هو " اعادة المسلمين إلى الاسلام وفق تعاليم القرآن الكريم ، والسنة النبوية " ([110]) . وكان يعتقد بأن
 " الايمان يرفع قدر البشرية ومكانتها ، وفي الواقع فإن الإيمان يجعل الرجل قويـاً ، فالمرء الذي يعرف طعم الايمان بحق يستطيع أن يتحدى العالم بأسره " ([111]) .

 

      وكان النورسي يدعو أساساً إلى ( الوسطية ) و ( الاعتدال ) و
( التسامح ) مع المسلمين ، حتى لو انتقدوه وكان منهجه في حل المسائل الخلافية بين المسلمين يعتمد على الحجة والصبر والاخلاص ([112]) .

 

      أما بشأن موقف النورسي من السياسة ، فيمكن القول بأنه على الرغم من أن الشعار الذي أكده بعد سنة 1926 والقاضي بعدم الاشتغال بالسياسة ، فإن الواقع والأحداث أثبتت انغماس النورسي والنورسيين بالسياسة ، لكنه ، على ما يبدو ، لم يكن يمتلك مفهوماً سياسياً واضحاً للدولة ([113]) .

 

       ولم يشر لطلبته بأهداف سياسية ، وكانت فكرة العمل السياسي المباشر بعيدة عن تفكيره ، فعندما سُئل عن قلة اهتمامه بالعمل السياسي قال : " إن الوقت الراهن ليس هو الوقت المناسب لخدمة القضية السياسية ، وإنما هو وقت انقاذ إيمان الناس وعقيدتهم " ([114]) .

      كما أن الظروف السائدة في تركيا ، لم تكن مواتية لقيادة حركة سياسية أو حزب سياسي يعتمد الدين في توجهاته دون أن يتعرض للمطاردة .. ويمكن أن نضيف عاملاً آخر ، وهو عدم التكافؤ بينه وبين خصومه ، فبينما كان خصومه يتكلمون من موقع السلطة السياسية الظاهرة والقدرة العسكرية والمادية ، لم يكن في استطاعته سوى القيام بجهاد سلمي من أجل الحياة وكان يردد أمام زائريه : إنّ طلاب النور ليس لهم أية علاقة سياسية ، ويجب والحالة هذه لا يتوجس أهل الدنيا من طلاب النور خيفة أبداً لأننا نعمل للآخرة وليس للدنيا " ([115]) .

 

      وعلى أية حال ، فإن سوء الفهم ، وسوء تفسير الواقع السياسي في أيام النورسي الأخيرة أسلم كل ذلك نفسه للتناقضات حتى بين أتباعه اليوم . ونتيجة لذلك فإن بعض اتباعه حرموا على أنفسهم أي نوع من الانغماس بالسياسة ، بينما انغمس آخرون في نشاطات حزبية سياسية بطرق محدودة ، مع التظاهر بالالتزام بالشعار المعهود : انني أعوذ بالله من الشيطان والسياسة ([116]) .

 

       إنّ هذه الأزدواجية ، لم تظهر ، بعد وفاة النورسي ، فحسب ، بل وانها كانت واضحة أبان حياته كلها ، إذ بماذا تفسر دعوته إلى ادخال بند في الدستور ينص على أن دين الدولة هو ( الاسلام ) وكذلك بماذا نفسر حرصه على انتشار رسائل النور في كل أنحاء العالم الاسلامي .. وبماذا نفسر وصفه لمصطفى كمال بالدجال ، وبأن عهد الجمهورية ، في تركيا ، عهد
( لا ديني ) ويبدو أن النورسي كان منتبهاً إلى هذه المسألة ، فقد أشار في أحد دروسه إلى أن طلبته قد تحملوا المشاق لكي لا يكون ( النور ) آلة لأي شيء ، فلم يمدوا أيديهم إلى السياسة ، ولكن بما أن رسائل النور قد حطمت الكفر المطلق ، وحملت الفوضى المستترة تحت الكفر المطلق ، وقامت الاستبداد المطلق ، الذي يلبسه الكفر المطلق ، فإنها من هذه الجهة فقط قد تمس السياسة ([117]) .

 

      لقد كانت حياة النورسي مليئة بالتناقضات ، إذ كان يردد القول بعدم التدخل في السياسة ، وكان يمنع طلبته من التخل فيها ، لكنه كان يدعو إلى الوقوف ضد الشيوعية والصهيونية والماسونية ، وقد رفض مغادرة تركيا قائلاً : " أن الداء الذي دبّ في جسم العالم الاسلامي( يقصد الحكم العلماني ) انما نبع من هذا المكان بالذات ، ولا جدوى من أي محاولة تكون بعيدة عن مكمن الداء ، إن الفساد الذي ينتشر اليوم في العالم الاسلامي ، انما انطلق من هنا ( من تركيا ) حيث الخطط الصهيونية والأفكار الشيوعية والمؤامرات الماسونية ،وأن من الخيانة أن أهرب من وجه هذا كله إلى مكان آخر" ([118]) .

 

      وهكذا ، فإن النورسية ، حركة دينية ـ سياسية ذات طابع تجديدي ، وهي كغيرها من حركات التجديد حاولت الاجابة على سؤال يتعلق بأسباب تخلف المسلمين وتقدم غيرهم ، ومن هذا فهي تهدف إلى بناء مجتمع جديد على أسس اسلامية : وهي بهذا تشبه ، برأينا ، حركة الأخوان المسلمين التي ترى بأن الابتعاد عن الاسلام ، أدى بالمسلمين إلى الانهزام الروحي والحضاري لذلك لابد من العودة إلى الاسلام ، والعمل على تطبيقه كوسيلة لبناء المجتمع المنشود فـ ( طريق الاسلام وقواعد وأصوله ) ، الطريق الوحيد الذي يجب أن يسلك وأن توجه إليه الأمة الحاضرة والمستقبلية ([119]) .

 

      ب ـ  آثارهـا :

 

                          ترك سعيد النورسي ، حتى بعد وفاته ، آثاراً كبيرة على الحياة الفكرية والثقافية في المجتمع التركي، إذ نمت حركته على مر السنين ، وازداد اتباعه حتى وصلوا إلى ستة ملايين نسمة ([120]) ، ولم تزل رسائل النور ، حتى يومنا هذا تثير الحماس بين مؤيديه . ويذكر الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي أن النورسي استطاع أن يستقطب حوله ملايين الشباب الأتراك المسلمين .. وعندما مات مصطفى كمال سنة 1938 كان أتباع النورسي يكثرون ويزيدون .. وحينما توفي النورسي سنة 1960 كان أتباعه يطرقون باب الحكم في تركيا من جميع أطرافه متخذين من التعليم والصحافة والجيش منطلقاً إلى الهدف .. ([121]) .

 

      وبالتأكيد ، فإن الحركة النورسية استفادت من المرونة التي أظهرها الديمقراطيون ازاء التيارات الدينية ، فعملوا على نشر رسائل النور وتوجيه الشباب إلى الدين ، ويذكر الدكتور طالب الب ، بأن النورسي وطلبته ، لهم الفضل في تمكن المسلمين في تركيا من الاحتفاظ بدينهم ، وكان للنورسي وطلبته كذلك دور كبير في الحفاظ على التعليم الديني ([122]) .

 

     أما البروفسور فيروز أحمد ، فيشير إلى أن الحركة النورسية قد نمت في الستينات من القرن العشرين ، ووجدت لها صدى في بعض الأقطار الاسلامية كباكستان ، كما صار لها أنصار عديدون في أوربا ، إذ انتشرت بين العمال المسلمين وخاصة الأتراك منهم في المانيا الغربية،ولم يكن انتشار النورسية بين الأميين أو أصناف المتعلمين فحسب ، بل صار لها نفوذ بين الطلبة والأساتذة الجامعيين ، وحتى بين أفراد من الطبقة الارستقراطية ([123]) .

 

      لقد لقيت الحركة النورسية ، تأييداً واسع النطاق من أبناء الولايات الشرقية ، وخاصة الولايات الواقعة في منطقة الأناضول مثل وان وبدليس وسعرد وغيرها ، والسبب في ذلك يرجع إلى قوة الشعور الديني في هذه الولايات من جهة ، ولكون هذه الولايات ، لا تزال تعاني من الفقر
 والتخلف ([124]) .

 

    إن انتشار الحركة النورسية ، أدى إلى قيام عصمت اينونو ، زعيم حزب الشعب الجمهوري ، في تشرين الأول 1965 لتحذير الحكومة التركية من النشاطات الدينية ، وقال بأنها لا تختلف عن المخاطر الشيوعية ، لذلك بدأت الحركة النورسية تواجه ملاحقة السلطة لها بحجة أنها تعمل من أجل تغيير الحكم واقامة الدولة الدينية ، هذا فضلاً عن اتهام التجمعات الدينية ، ومنها النورسية بوجود صلات لها مع القوى الأمبريالية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية .. ([125]) .

 

      وبقدر ما يتعلق بانقسام الحركة النورسية وتعدد الجماعات النورسية ، فلقد كان لهذا الانقسام أثره في اضعاف الحركة والتقليل من تأثيرها ، فبعد وفاة النورسي ، تعددت الجماعات النورسية فهنالك مجموعة تتعاون مع حزب العدالة ، ومجموعة تتعاون مع أحد التيارات الدينية التي ظهرت في الستينات باسم ( السليمانية ) ، ويهدف هذا التيار ، ومؤسسة سليمان سيف الله إلى إقامة الدولة الاسلامية في تركيا ، كما كشف النقاب مؤخراً عن وجود تعاون بين مجموعة من النورسيين ، وحزب التحرير الاسلامي ويدعى هذا الحزب ومقره الأردن ، وله فرع في تركيا ، أنه يعمل من أجل انقاذ العالم الاسلامي مما يعانيه ، وبالرغم من حملة الاعتقالات التي تعرضوا لها في سنتي 1968 ـ 1969 ، إلاّ أنهم ما زالوا يعملون على توزيع مطبوعهم المسمى ( دستور اسلامي ) في أنحاء مختلفة من تركيا ([126]) .

 

       كما وجد بأن ثمة علاقة بين مجموعة من النورسية و ( رابطة العالم الاسلامي ) وهي عبارة عن تنظيم تأسس سنة 1939 ومؤسسه سليمان حلمي تونهات ، وقد بلغ التعاون ذروته بين الطرفين سنة 1967 ، وكان هذا التجمع وراء حركة اقامة ( مدارس الأئمة والخطباء ) في معظم أنحاء تركيا .. ويتهم هذا التنظيم بأنه في ربيع  سنة 1969 ، كان يمول من قبل الشركة العربية الأمريكية للبترول ARAMCO أرامكو ([127]) .

 

        وهنا ، لابد من الاشارة إلى أنه قد دخل ، منذ منتصف الستينات من القرن العشرين عامل جديد إلى ما يسمى بـ ( مسألة الاسلام والسياسة في تركيا ) ، وذلك هو قيام شركات النفط العالمية بدعم وتمويل الاتجاهات الدينية ـ السياسية . وقد كتب ( نسيم جلك ) في جريدة ( يني طنين ) في 12 نيسان 1966 مقالاً قال فيه : " أن مؤسسة مسائل النور في برلين كثفت نشاطاتها بين العمال الأتراك في أوربا الغربية وذلك بمساعدة بعض العاملين من الألمان والهولنديين والأمريكان ، وكان لهذه المؤسسة كذلك دعاية شديدة في مجال خلق الاضطرابات في تركيا وأن هذه المؤسسة قد تلقت دعماً من شركات النفط الهولندية المعروفة بمجموعة ( شل ) . وأشار المقال إلى أن الدعم الأميركي والألماني امتد إلى ما سماه بـ ( هذه الحركة الكردية ) في منفاها ببرلين ، هذا فضلاً عن تورط رجال الأسطول الأميركي في دعم المظاهرات المضادة للحكومة إبان زيارته المياه التركية ، ويورد كاتب المقال مثالاً على هذا الدعم فيقول : أنه وجدته في الاجتماع الذي انعقد في 16 شباط 1966 للاحتجاج على زيارة الأسطول الأميركي السادس هجوماً بالقنابل في منطقة تقسيم من قبل من اسماهم بـ ( المسلمين الأتراك ) على المتظاهرين ، وقد قتل اثنين من الشباب وجرح أكثر من 200 شخص ، وقد أصبح هذا اليوم يعرف في تركيا باسم ( الأحد الدامي ) . ويقول أن المسؤولين عن هذه الكارثة هم عناصر من المتدينين الأتراك .. ([128]) .

 

     أما بصدد ملاحقة الحكومة للنورسيين ، فيمكن القول أنها اشتدت بعد الانقلاب العسكري سنة 1960 ، وقد انتقد جمال كورسيل ، قائد الانقلاب عدنان مندريس ، رئيس الوزراء الأسبق ،بأنه وراء تشجيع النشاطات الدينية وسخر منه لكونه قد وثّق علاقاته بجماعة النور وأنه كان يقبل أيادي أحد زعمائهم وقال عنه أنه كان يشجع القومية الكردية ([129]) .

 

     ومع أن العسكريين ، أدركوا فعالية الاسلام وأثره في المجتمع التركي ، إلاّ أنهم لم يحاولوا أن يلغوا النظام العلماني باستانبول لكنهم دعوا إلى أن تتم قراءة القرآن بالتركية ، وبأن الأذان يجب أن يظل بالتركية كذلك ([130]) .

 

       لقد ساعدت التغييرات الدستورية التي جاء بها الانقلاب ، بعد الاطاحة بحكومة مندريس واعدامه سنة 1960 ، على انتشار الأفكار الاشتراكية ، تحت غطاء السماح للأحزاب السياسية ، مما خلق وعياً سياسياً بين مختلف قطاعات المجتمع ، وخاصةً في جنوب شرقي الأناضول ، حيث استمر النورسيون في نشاطهم بعد موت مؤسس حركتهم ([131]) .

 

       وقد بلغ هذا النشاط ذروته في الفترة التي تلت الانقلاب ، إذ بدأوا بخرق القوانين المرعية في البلاد ، والقيام باداء الطقوس والشعائر الدينية المحظورة ، مما لفت انظار السلطات الحكومية إلى هذا الخرق ، فقامت قوات الأمن بالقاء القبض على العديد منهم في إحدى القرى التابعة لولاية اسبارطة . وتم الكشف فيها عن وجود مدارس دينية سرية يتلقى فيه الطلبة دروساً دينية باللغة العربية . كما كشف التحقيق بأن هؤلاء الطلبة ، منتظمين في الوقت ذاته بالمدارس الرسمية في المنطقة ذاتها ([132]) .

 

       لقد خلق موت النورسي فراغاً كبيراً في صفوف أتباعه ومؤيديه ، إذ تبع ذلك سلسلة أزمات متتالية تتعلق بالزعامة ، لذلك تعددت الجماعات النورسية بمرور الوقت ، ومع أن النورسي لم يترك خليفة له ظاهراً بين أتباعه ، إلاّ أن أحدهم ، وهو علي عثمان من أهالي قونية ، يتزعم أكبر الجماعات النورسية ([133]) .

 

        وحينما تأسس حزب العدالة في شباط 1961 ، باركت ذلك بعض الجماعات النورسية ([134]) . واستمر قسم كبير من النورسيين في دعم زعيم الحزب ، سليمان ديميريل خلال حياته السياسية ، ومع تأسيس حزب الخلاص الوطني بزعامة نجم الدين أربكان في كانون الثاني 1970 شعرت بعض الجماعات النورسية ، بضرورة التعاون مع هذا الحزب ، بينما عارضته جماعات نورسية أخرى . ويبدو أن النورسيين المتعاونين مع حزب الخلاص ، قد وجدوا في تأسيس هذا الحزب ، فرصة ذهبية لقيام حركة سياسية ، بمضمون اسلامي . وفي الواقع ، فإن بعض الشخصيات النورسية المعروفة ، قد أخذت مواقعها في حملة انتخابات تشرين الأول 1963 لدعم حزب الخلاص الوطني .. وقد اختار ( اربكان ) بعض هؤلاء وزراء في الحكومة الائتلافية التي شكلها سنة 1974 مع حزب الشعب
الجمهوري ..([135]) .

 

    وسرعان ما دبّ الخلاف بين النورسيين وقادة حزب الخلاص ، إذ أدعى كل طرف ،بأنه يمثل الفكرة الاسلامية الصحيحة في مجال الدولة والمجتمع . وفي الوقت الحاضر ، تسعى بعض قطاعات حزب الخلاص ، للمحافظة على الصورة الكلاسيكية للحركة النورسية وتتطلع في الوقت نفسه إلى أن يكون لها تأثير أكبر في حياة المجتمع التركي المعاصر ([136]) .


خاتمــة :

 

         وأخيراً ، فإن الحركة النورسية اليوم تعاني من مشكلات عديدة ، ففضلاً عن افتقارها الزعامة الموجودة ، فإنها لا تزال تواجه اتهامات السلطة لها ، بأنها تعمل من أجل تغيير نظام الحكم واقامة الدولة الاسلامية ، على الرغم من صدور قرارات عديدة من هيئة المشاورة والتدقيق في رئاسة الشؤون الدينية أو المحاكم والادارات العرفية ، والتي تؤكد بأن النورسية لا تتضمن في أفكارها ومبادئها أي شيء مناقض لأنظمة الدولة ([137]) . كما أن اهتمام النورسي والنورسيين بالمسائل الايمانية والعقائدية ، أكثر من اهتمامهم بالبنية الاجتماعية والاقتصادية ، ونظم الدولة ، ومشكلاتها ، له أثر بعيد في اضعاف الحركة ، لكن هذا لا يعني أن النورسيين بعيدين عن الاسهام في تشكيل المصير السياسي للدولة التركية المعاصرة  ([138]) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هوامـش البحث :



  ([1])  قال النورسي لأحد طلبته مرة بأنه محاط بالأنوار ، فالقرية التي ولد فيها اسمها  
       ( نورس ) ، واسم والدته ( نورية ) ، وجده ( نور الدين ) والجامع الذي يبيت فيه
       اسمه ( نورشين ) ، لذلك سمى أصحابه باسم ( جماعة النور ) والرسائل التي
       كتبها ( رسائل النور ) ، وكان النورسي يؤكد بأنه يهدف إلى تعليم الأجيال ( نور
       القرآن ) . أنظر : نجم الدين شاهين أر ، ذكريات عن النورسي ، ترجمة عن
       التركية أسيد احسان قاسم الصالحي ، ( بغداد 1968 ) ، ص 23 .   

  ([2])  للتفاصيل أنظر : ابراهيم خليل أحمد ، تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني
        1516 ـ 1916 ، ( الموصل 1983 ) ، ص ص 178 ـ 179 .

([3]  WILLAM Miller , The Ottoman Empire and it is Sucossors ,   
        1801 – 1900 , M Camb – vidye , P. 467 .

  ([4])  أنظر : ابراهيم خليل أحمد ، ولاية الموصل : دراسة في تطوراتها السياسية
        1918  ـ  1922 ، رسالة ماجستير غير منشورة قدمت إلى كلية الآداب في
        جامعة بغداد ، 1975 ، ص 48 .

  ([5])  أنظر : محمود شوكت باشا وأسباب ... ، ( استانبول 1330 ) ، ص ص 3ـ4 .

  ([6])  أنظر : فؤاد طلعت ،31 مارت ، ارتجاع ، ( استانبول 1327 ) ،
        ص ص 2 ـ 3 .

  ([7])  المصدر نفسه ، ص 11 .

  ([8])  توفيق علي برو ، العرب والترك في العهد العثماني الدستوري العثماني ،   
        ( القاهرة 1960 ) ، ص 128 .

  ([9])  مجاهد حرية محمود شةكت أو حركت اردوسي ، ( استانبول 1327 ) ، ص ص
        30 ـ 33 .

([10])  أحمد عزة الأعظمي ، القضية العربية ، ج 1 ، ( بغداد 1931 ) ، ص 91 .

([11])  المصدر نفسه ، ج 1 ، ص 91 .

([12])   Tonis L – Snyder , Historis Documents of World 1 , ( New
         Gersey 1958 ) . PP . 86 – 87 .
 

([13])  للتفاصيل أنظر : عبد الجبار قادر غفور ، تاريخ تركيا المعاصرة 1928 ـ
        1980 من ابراهيم أحمد وآخرون ، تركيا المعاصرة ، ( الموصل 1987 ) ،
        ص ص 25 ـ 26 .

([14])  أنظر : مصطفى الزين ، أتاتورك وخلفائه ، ( بيروت 1982 ) ، ص 276 .

([15])  المصدر نفسه ، ص 277 .

([16])  أنظر : أحمد عبد الرحيم مصطفى ، أصول التاريخ العثماني، ( بيروت 1982 ) ،
        ص 312 .

([17])  أنظر : فاضل حسين ، مشكلة الموصل ، ط 2 ، ( بغداد 1067 ) ، ص ص 27
       ـ 28 .

([18])  أنظر : عبد الجبار قادر غفور ، الديانة والطرائق الصوفية في تركيا في ابراهيم
       خليل أحمد وآخرون ، تركيا المعاصرة ، ص 62 .

([19])  للتفاصيل أنظر : قاسم خلف عاصي الجميلي ، تطورات واتجاهات السياسة
        الداخلية التركية 1923 ـ 1928 ، رسالة ماجستير غير منشورة قدّمت إلى كلية
        الآداب ، ( جامعة بغداد 1985 ) ، ص ص 94 ـ 96 .

([20])  الزين ، المصدر السابق ، ص 279 .

([21])  أنظر : احمد السيد سليمان ، التيارات القومية والدينية في تركيا المعاصرة
       ( القاهرة ، لا . ت ) ، ص 64 .

([22])  مصطفى ، المصدر السابق ، ص 315 .

([23])  الزين ، المصدر السابق ، ص ص 279 ـ 280 ، وكذلك أنظر : غفور ، الديانة
       والطرائق الصوفية ، ص 90 .

([24])  غفور ، الديانة والطرائق الصوفية ، ص 93 .

([25])  المصدر السابق ، ص ص 93 .

([26])  المصدر نفسه ، ص 95 .

([27]

([28])     Necip Fazil , Kisakurek Son Devrin Din Mazlumlar : (Istanul
        1969 ) . p .

([29]   Ibid . P . 84 . 

([30] Adulbaki Golpinarli , 100 Suruda teaikatle , ( Istanbul, 1969).
         P . 226 .

([31])  محسن عبد الحميد ، النورسي الرائد الاسلامي الكبير ، ( بغداد 1987 ) ،
        ص 13 .

([32])  المصدر نفسه ، ص 128 .

([33])  عبد الحميد ، المصدر السابق ، ص 13 .

([34])  أنظر : طالب ألب " بديع الزمان والحركة النورسية " بحث القي بالأنكليزية في
        ندوة اتجاهات الفكر الاسلامي المعاصر المنعقدة في البحرين للفترة من 22 ـ
        25 شباط 1985 ، وترجمة كمال توفيق الهلباوي ، س 409 .

([35])  أنظر : محمد سعيد رمضان البوطي في الفكر والقلب ، ( دمشق 1969 ) ،
        ص 269 .

([36])  أحمد فهد بركات الشوابكة ، حركة الجامعة الاسلامية ، ( الزرقاء 1984 ) ،
       ص 55 .

([37])  البوطي ، المصدر السابق ، ص 269 .

([38]  Fazil , op . cit , P . 84 .

([39])   Colpinarli op . cit , P.227 .

  ([40])  Colpinarli op . cit , P.229 .

([41])   Colpinarli op . cit , P.226 .

([42])   Fazil , op . cit , P . 96 .

([43])  البوطي ، المصدر السابق ، ص 274 .

([44])  المصدر نفسه ، ص 272 .

([45])  Colpinarli op . cit , P.295 .

([46])  للتفاصيل أنظر : عبد الجبار قادر غفور، " أضواء جديدة على جريدة كورد "
       ترجمة ياسين خضر شريف ، مجلة كاروان ، العدد 72 ، 1989 ، ص ص 174
       ـ 175 .

([47])  الشوابكة والمصدر السابق ، ص 55 .

([48])  يذكر البعض أن النورسي هو الذي أسس الجمعية .

([49])  طالب ألب ، المصدر السابق ، ص 411 .

([50])  أنظر : نص دفاعه في البوطي ، المصدر السابق ، ص ص 273 ـ 279 .

([51])  بديع الزمان سعيد النورسي ، الخطبة الشامية ، تعريب محمد سعيد رمضان
       البوطي ، ( دمشق ، لا . ت ) .

([52])  عبد الحميد ، المصدر السابق ، ص 20 .

([53]منظمة تشكيلات مخصوصة : منظمة عثمانية سرية غامضة مهمتها الأساسية
       الأمن الخارجي للدولة ومكافحة التجسس الأجنبي عليها ، ولم يفصح عن هويتها
       للرأي العام العثماني في شهر تشرين الثاني 1918 عقب اجراء عملية تحقيق
       واسعة النطاق عن المخالفات السياسية التي ارتكبها اعضاء جمعية الاتحاد والترقي
       في الفترة التي سيطروا فيها على مقاليد الحكم بين سنتي 1913 و 1918 .
       وأبرز مؤسسيها سليمان العسكري وأنور باشا وأشرف كوشو باشي . وقد أشار
       وزير الخارجية خليل بك امام لجنة التحقيق أن المنظمة انشئت في اقليم القوقاز عند
       بداية الحرب وذلك لمعاضدة الجيش النظامي ، ومن جهة ما توصل إليه التحقيق
       في شأن هذه المنظمة ، أنها كانت ذات طبيعة فدائية ودعائية وكانت ذات صلة
       بوزارة الحربية،ولها ميزانية خاصة . أنظر : عبد المولي صالح الحرير " منظمة
       تشكيلات مخصوصة وأدوارها في حركة النضال الوطني 1911 ـ 1918 " ،
       مجلة البحوث التاريخية ، طرابلس ، ليبيا ، العدد (1) 1979 ، ص ص 14 ـ
       50 .

([54])  طالب ألب ، المصدر السابق ، ص 413 ؛ وكذلك : بديع الزمان سعيد النورسي
       حقيقة التوحيد ، ترجمة احسان قاسم الصالحي ، ( بغداد 1985 ) ، ص 7 .

([55])  المصدر نفسه ، ص 413 .

([56])  عبد الحميد ، المصدر السابق ، ص ص 23 ـ 24 .

([57])  طالب ألب ، المصدر السابق ، ص 414 ؛ البوطي ، المصدر السابق ،
       ص 282 .

([58])  طالب ألب ، المصدر السابق ، ص 414 ؛ البوطي ، المصدر السابق ،
        ص ص282 ـ 283 .

([59])  نجم الدين شاهين ، المصدر السابق ، ص 9 .

([60])  عبد الحميد ، المصدر السابق ، ص ص 63 ـ 65 .

([61])  طالب ألب ، المصدر السابق ، ص 414 .

([62])  البوطي ، المصدر السابق ، ص 283 .

([63])  جاءت تسميتها برسائل النور في السورة (24 ) ، الآية (35) في القرآن الكريم
      
] اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأََرْضِ [ .

([64])  طالب ألب ، المصدر السابق ، ص 414 .

([65])  تتألف رسائل النور من الكلمات (                        ) وتضم (33) رسالة ، 
       والمكتوبات (                           ) ، وتضم (33) رسالة كذلك واللمعات
       (                    ) وتضم (33) رسالة ، والشعاعات (                    )
       وتضم (15) رسالة ، ولديه ملاحق فيها ملاحق بالا وملاحق قطموني وملاحق
       أمير داغ . وللنورسي كتب بالعربية منها : اشارات الاعجاز في الايجاز والخطبة
       الشامية . أنظر : عبد الحميد ، ص ص 33 ـ 34 .

([66])  طالب ألب ، المصدر السابق ، ص 415 .

([67])  المصدر نفسه ، ص ص 415 ـ 416 .

([68])  المصدر نفسه ، ص 416 .

   ([69])  Fazil , op . cit , P . 147 .

([70]  Ibid .

([71])  أنظر : نص الرسالة في البوطي ، المصدر السابق ، ص ص 293 ـ 295 .

([72])  أنظر نص الدفاع في البوطي ، المصدر السابق ، ص ص 289 ـ 292 .

([73])  اطلق سراح النورسي بعد وصول الحزب الديمقراطي إلى السلطة سنة 1950 ،
        وبدأ يتجول في سيارة أعطيت له من الحكومة .

([74]

([75]

([76])  سليمان ، المصدر السابق ، ص 83 .

([77])  أنظر : جورج لنشوفسكي ، الشرق الأوسط في الشؤون العالمية ، ترجمة جعفر
        خياط ، ج 1 ( بغداد 1964 ) ، ص 210 .

([78])  المصدر نفسه ، ص 210 .

([79])  المصدر نفسه .

([80])  لنشوفسكي ، المصدر السابق ، ص 212 .

([81])  المصدر نفسه ، ص 212 .

([82])  المصدر نفسه ، هامش ص 212 .

([83])  Fazil , op . cit , P . 148 .

([84])  سعيد النورسي ، اللسنة النبوية سنة كونية وحقيقة روحية ، ترجمة احسان قاسم
       الصالحي ، ( بغداد 1985 ) ، ص  6 .

([85])  أنظر : نجم الدين شاهين ، المصدر السابق ، ص 21 .

([86])  أنظر : عبد الحميد ، المصدر السابق ، ص ص 46 ـ 50 .

([87])  المصدر نفسه ، ص ص 58 ـ 65 .

([88])  المصدر نفسه ، ص 58 ـ 60 .

([89])  المصدر نفسه ، ص 60 ـ 62 .

([90])  المصدر نفسه ، ص ص 62 ـ 66 ؛ وكذلك أنظر : نجم الدين شاهين ،
        المصدر السابق ، ص 126 .

  ([91])  عبد الحميد ، المصدر السابق ، ص ص 71 ـ 73 .

  ([92])  الشوابكة ، المصدر السابق ، ص 56 .

  ([93])  النورسي ، الخطبة الشامية ، ص 10 .

  ([94])  المصدر نفسه ، ص ص 10 ـ 11 .

  ([95])  الشوابكة ، المصدر السابق ، ص 57 .

  ([96])  طالب ألب ، المصدر السابق ، ص 411 .

([97])   F . ahmad , the Turkish experment in democracy 1950 – 1975 ,

         ( London 1977 ) p . 379 .

  ([98]) سليمان ، المصدر السابق ، ص 83 .

  ([99])  لنشوفسكي ، المصدر السابق ، ج 1 ، ص 208 .

([100])  ابراهيم الداقوقي ، فلسطين والصهيونية في وسائل الاعلام التركية ، ( بغداد
         1987 ) ، هامش ص 83 .

([101])  الزين ، المصدر السابق ، ص 291 .

([102])  صالح طوغ ، مناقشة بحث بديع الزمان والحركة النورسية القي في ندوة
         اتجاهات الفكر الاسلامي مارة الذكر ,

([103])  المصدر نفسه .

([104])  المصدر نفسه .

([105])  عبد الحميد ، المصدر السابق ، ص ص 66 ـ 67 .

([106])  المصدر نفسه ، ص 67 ؛ وكذلك طالب ألب ، المصدر السابق ، ص ص 417
         ـ 418 .

([107])  نجم الدين شاهين أر ، المصدر السابق ، ص 24 .

([108])  الزين ، المصدر السابق ، ص 291 .

([109])  عبد الحميد ، المصدر السابق ، ص 63 .

([110])  طالب ألب ، المصدر نفسه ، ص 417 .

([111])  المصدر والصفحة نفسها .

([112])  المصدر والصفحة نفسها .

([113])  طوغ ، المصدر السابق ، ص 436 .

([114])  طالب ألب ، المصدر السابق ، ص 418 .

([115])  نجم الدين شاهين أر ، المصدر السابق ، ص 101 .

([116])  طالب ألب ، المصدر السابق ، ص 419 .

([117])  نجم الدين شاهين أر ، المصدر السابق ، ص 107 .

([118])   Golpinarli op . cit , P . 227 .

        وكذلك البوطي ، المصدر السابق ، ص 298 .

([119])  عنون حسن البنا مؤسس حركة أو جماعة الأخوان المسلمين التي ظهرت في
         الثلاثينات في مصر بعض كتاباته بعبارة( نحو النور ) وهي بهيئة رسائل كذلك .
         أنظر : فهمي جدعان ، أسس التقدم عند منفكري الاسلام في العالم الاسلامي ،
         ( بيروت 1979 ) ، ص ص 348 ـ 349 .

([120])  أحمد نوري النعيمي ، محاضرة خاصة ألقيت في مركز الدراسات التركية
         بجامعة الموصل يوم 263 تشرين الأول 1988 .

([121])  البوطي ، المصدر السابق ، ص 267 .

([122])  طوغ ، المصدر السابق ، ص 426 .

([123]  Ahmad , p . 379 .

 ([124])   Ibid , p . 380 .

([125])  طوغ ، المصدر السابق ، ص 426 .

([126])  أنظر : هشام رشيد حويش " نشاط الأحزاب والتيارات الدينية في تركيا " ،
         مركز البحوث والمعلومات ، ( بغداد 1978 ) ، ص 11 ، وحول نشاطات
         حزب التحرير في تركيا . أنظر : ميتيت توكر ، مناضلوا اليسار ومناضلوا
         اليمين ، ترجمة خاصة عن التركية ( أنقرة 1971 ) ، ص ص 137 ـ 140 )

([127])  أنظر                                                Ahmad , p . 381 .

([128])  Ibid ,

([129])  سليمان ، المصدر السابق ، ص 83 .

([130])  المصدر نفسه ، ص 86 .

([131])  طالب ألب ، المصدر السابق ، ص 420 .

([132])  حويش ، المصدر السابق ، ص 10 .

([133])  طالب ألب ، المصدر السابق ، ص 420 ؛ وكذلك : غفور ، الديانة والطرائق
         الصوفية ، ص 95 .

([134])  طالب ألب ، المصدر السابق ، ص 420 .

([135])  المصدر نفسه ، ص 420 .

([136])  المصدر نفسه ، ص 420 .

([137]

([138])  أنظر : طوغ ، المصدر السابق ، ص 425 . وثمة ما يشير إلى أن الحركة
         النورسية استفادت من تعاطف السلطات الحكومية في بعض الفترات ، وخاصةً
         بعد الانقلاب العسكري سنة 1980 في توسيع شبكة نشاطاتهم ، كما أنهم
         يحتفظون بعلاقات وثيقة مع دوائر سياسية متعددة ، كذلك شكلت خلايا ومراكز
         من من تلاقيه النورسية بمساعدات مالية من مصادر أجنبية وسلامية وأوربية
         مختلفة ويمتلك النورسيون اليوم ( جريدة يومية ) و ( مؤسسات تعليمية ومقاهٍ
         مهمة في الخارج ) وخاصة في المانيا وهولندا والولايات المتحدة  ودوائر للنشر
         ومراكز للدعاية ، ويبدو أن هذا الازدهار يعود في قسم كبير منه إلى حقيقة أن
         حركتهم كانت وما تزال احدى رؤوس الرمح الرئيسة في النضال المعادي لليسار
         في تركيا .

         أنظر : توكر ، المصدر السابق ، ص ص 137 ـ 140 ؛ وكذلك محمد علي
         أغولاري والاسلام في الحسياة السياسية التركية ، ( أنقرة 1982 ) ، ص ص
         1985 ـ 1988  ( بالتركية ) .  

___________________________________________________________________

*الفصل الثاني عشر من كتاب الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف ، نحن وتركيا ..دراسات وبحوث ، دار ابن الاثير للطباعة والنشر -جامعة الموصل ، الموصل 2008 الصفحات 325- 365

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...