الاتجاه الفلسفي السياسي في الفكر العربي الاسلامي
ابراهيم العلاف
أما الاتجاه الفلسفي السياسي ؛ فقد جاء حصيلة تفاعل الثقافة العربية الاسلامية والثقافات الاخرى ومنها الثقافة اليونلنية والثقافة الفارسية والثقافة الرومانية والثقافة الهندية فضلا عن ثقافات العراق ومصر القديمة .وقد رأى ممثلو هذا الاتجاه ان الدولة تستمد أصولها من الشريعة .إذ ليس ثمة تناقضا بين العقل والشريعة .ويعد ابو نصر الفارابي ممن يمثل هذا الاتجاه وقد عبر عن أفكاره في كتابه :(المدينة الفاضلة ) . وقد بنى الفارابي فلسفته على قواعد سياسية إتخذت من الشريعة الاسلامية منطلقا رئيسا لها .وقد سبق الفارابي جان جاك روسو المفكر الفرنسي المعروف في طرح فكرة "العقد الاجتماعي " . وملخص ماقاله الفارابي أن الافراد يتنازلون عن بعض حقوقهم لمن يمثلهم في الحكم في عِقد يتفق عليه بفعل حاجتهم الى الاجتماع والتعاون .
ويمكن القول ان من ممثلي هذا الاتجاه ابن سينا ، وابو حامد الغزالي .فأما ابن سينا فيرى ان الرسالة الاسلامية جاءت لتقيم دولة العدل . ومن هنا تظهر أهمية ودور العقول المستنيرة في إصلاح المجتمع .ذلك أن إصلاح المجتمع لايتم إلا بالاصلاح النفسي الذي يبدأ بمعرفة النفس أي الوقوف على عيوبها التي تمنع السعادة ، ومعرفة العيوب لايمكن أن تدرك إلا بالفعل والعقل المستنير بالذات .
أما ابو حامد الغزالي (توفي سنة 1111 م ) ، فيعد من ابرز المفكرين الذين وضعوا نظريات محددة المعالم لقيام المجتمعات ،فلقد رأى ان الانسان لايمكن ان يعيش إلا من خلال التقارب مع الاخرين وتعاونه معهم وقد ادى التعاون الى قيام الصناعات والفنون والحرف ، ومن الطبيعي ان يتعاون ابناء الحرفة الواحدة لوضع قواعد لصناعتهم وللدفاع عن حرفهم وصناعتهم . كما ادى التعاون الى قيام الحكومات فوجود السلطة أمر ضروري لحفظ الامن والنظام . وقد وضع الغزالي شروطا ينبغي أن يتتوفر في (رئيس الدولة ) وفي مقدمتها الورع والتقوى والعلم والكفاية .
وهناك ابن رشد (توفي 1198 ) وهو من أوائل المفكرين العرب والمسلمين الذين قالوا بأن الانسان حيوان إجتماعي وأن العمل هو السبيل الى سعادة الانسان وان الفرد يحتاج لان يطور نفسه ويتعاون مع الاخرين وتطوير النفس لايتم الا بكمال العقل والوصول الى الكمال لايتم بمعزل عن المجتمع .
في هذا الاطار يقف المفكر ومؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون صاحب المقدمة وكتاب " العبر وديوان المبتدأ والخبر في أخبار العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الاكبر " . وفي المقدمة بلور ابن خلدون نظريته في نشوء وصعود وسقوط الحضارات بقوله : إن اجتماع الانسان بالانسان أمر ضروري وهذه الضرورة تسد حاجة الدفاع عن النفس ةحاجة الغذاء وان اجتماع الانسان مع الغير يولد التنازع وان مبدأ التنازع هو الطمع والجشع والعدوان والظلم المتأصل في النفس البشرية .
ويؤكد ابن خلدون ان الحضارات لايمكن ان تنشأ في الظروف السهلة ؛ فالخشونة مهمة في نشوء الحضارات وعندما يتسرب الترف تسقط الحضارات .وقد أخذ المؤرخ البريطاني آرنولد توينبي (توفي 1978 ) هذه الفكرة من ابن خلدون وقدمها في كتابه الموسوعي : "دراسة للتاريخ " عندما قال بنظرية "التحدي والاستجابة " .
وهكذا ومن خلال ما أوردناه ؛ فأن الفكر العربي في سماته العامة فكر أصيل ، عكس قيم المجتمع التي نشأ فيها واسلوب حياة تلك البيئة .كما ان الفكر العربي ربط بين السياسة والاخلاق واعتمد قكرة الشورى ، وابتعد عن التعصب والركون الى الماضي .كما أن الفكر العربي فكر عملي منفتح على الاخرين . وفوق هذا وذاك ؛ فالفكر العربي فكر ايجابي متفائل يعمل من اجل تغيير الواقع لاوصفه فقط ، والخير العام هو الهدف الاعلى له . وقد يكون من المناسب ان نشير الى ان الفكر العربي فكر متحضر يحرص على إقامة مجتمع الرفاهية والفكر العربي أولا وآخرا فكر له ابعاد شاملة كلية في فهم الحياة والكون والانسان ، وهناك تلازم قوي فيه بين الدولة والحضارة ، فللدولة رسالة حضارية وهذه الرسالة تتمثل في انه يذهب الى ان على الدولة ان تقوم بدورها الفاعل في تجسيد القيم الانسانية لللاسلام وخاصة في مجال إشاعة العدل ، والحق ، والسلام.
________________________
*من كتابي :" محاضرات في الفكر الفلسفي العربي المعاصر" ولم يطبع بعد .............ابراهيم العلاف
الصور :ابن خلدون -ابن رشد- الغزالي-الفارابي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق