“عملاء النفوذ” وتفكيك الاتحاد السوفييتي
بقلم : الدكتور خلف الجراد
المركز الوطني للابحاث واستطلاع الرأي -دمشق
مقدمة
عشرات المؤلفات ومئات المقالات والدراسات والتحليلات الموضوعية وغير الموضوعية، تناولت مسألة انهيار الاتحاد السوفييتي (في نهاية عام 1991)، سواء من ناحية الأسباب أو النتائج الكبيرة، التي ترتبت على هذا الزلزال السياسي والاستراتيجي والإيديولوجي الخطير، أو لجهة التركيز على عامل محوري دون غيره، داخلياً كان أم خارجياً. ومايزال النقاش محتدماً بقوة حول هذه القضية الكونية وأبعادها ومنعكساتها، ولا نعتقد أنه سيحسم وينتهي في وقت زمني قريب.
لقد تابعت عن كثب كثيراً مما كتب وقيل –عربياً وروسياً- بشأن عوامل انهيار الاتحاد السوفييتي ونتائج ذلك على بلدانه وشعوبه قبل كل شيء، وعلى بلدان “المنظومة الاشتراكية” السابقة، وطبعاً على حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأمريكيا اللاتينية عامة، وعلى منطقتنا، الجار الأقرب جغرافياً وجيوسياسياً للاتحاد السوفييتي السابق وروسيا خاصة. ولفتني في سياق متابعتي هذه عدد من المؤلفات والدراسات الروسية الجادة والموثقة، ولاسيما التي نشرت في العقدين الأخيرين، سواء لمؤرخين أو اقتصاديين أو صحافيين معروفين، أو لضباط سابقين في جهاز “أمن الدولة” السوفييتية (كي. جي. بي/ K G B) ممن أتيح لهم الاطلاع المباشر على خفايا وأسرار البلاد والمنظمات والأفراد، أو شهدوا عن قرب آليات وأساليب تفكيك وتحطيم بنيان هذه الدولة العظمى.
وقد وجدت في هذا السياق مقاربة مهمة لدى عدد من الباحثين الروس، تتمحور حول تتبع حركة وأعمال من يسمون “عملاء النفوذ” والماسونيين وغيرهم من الذين تبؤوا مناصب كبيرة ومفصلية في الدولة السوفييتة ومن بعدها في روسيا الاتحادية. وهو أمر أحسب أنه يمكن أن يحدث في بلدان وأنظمة كثيرة في العالم، ومنها البلدان العربية طبعاً.
من هنا جاءت فكرة هذه الدراسة، التي نحاول من خلالها تقصي مسألة “عملاء النفوذ” ودورهم التخريبي والتدميري في مسار النظام السوفييتي أولاً، وثانياً في خلق الفوضى المتعمدة بعد ذلك في روسيا الاتحادية، ونهب ثرواتها الضخمة واستنزافها بشكل رهيب طيلة فترة عهد يلتسن وحاشيته المافيوية الإجرامية الخطيرة، المرتبطة عضوياً بدوائر الغرب الماسونية والصهيونية والاحتكارات النهبية العولمية المعروفة.
فما الذي جرى في هذا المجال بالضبط، ومن هم “عملاء النفوذ” هؤلاء؟ّ!
هل كانوا موجودين حقيقة أم أن القصة لاتتعدى أوهاماً نسجتها أخيلة بعض ضباط جهاز أمن الدولة السوفييتي (كي. جي. بي) المتقاعدين من الخدمة، تبريراً للفشل في التنبؤ بسيرورة الأمور ومآلاتها الكارثية المعروفة؟! أو هي مجرد مقاربة أخرى تقوم على فكرة التفسير التآمري للأحداث، واستسهال أتباع هذه النظرية بإلصاق التهم الجاهزة ضد الشخصيات “الإصلاحية-الديمقراطية” والقادة والمفكرين ذوي النزعة “الليبرالية” في النظام السوفييتي المتسم بالمحافظة والجمود العقائدي، وعدم قدره قياداته الهرمة على فهم حركة التاريخ ومتطلبات العصر والتطور؟ّ!.
أسئلة عديدة متشابكة تبرز في الأذهان وتطرح نفسها فور قراءة عنوان الدراسة ومحورها الأساسي، مايقتضي بحثها وتحليل عناصرها التكوينية من بداياتها الأولى، وصولاً إلى الخلاصات العلمية-الموضوعية، المترتبة على ذلك كله، من وجهة نظرنا المؤيدة إلى حد كبير للباحثين الروس، الذين أتيح لهم الإطلاع الدقيق والمباشر على وثائق ومحفوظات في غاية الخطورة والأهمية في سياق المسألة المطروحة، تاركين للباحث الجدي المدقق والقارئ الحصيف المتبصر… الحكم النهائي والأخير.
أولاً: نظرة مفاهيمية
جاء في “موسوعة علم الاجتماع” الروسية (لعام 2009) مايلي:
- “عميل النفوذ” :
1 – المنشأ من اللاتينية : agens . في الانكليزية : Agent وinfluence. ويقصد به شخصاً موظفاً، أو شخصاً يستثمر ثقة المجتمع والوسط المحيط ومكانته الاجتماعية أو الوظيفية أو المهنية أو العلمية أو الدينية… إلخ، بغية القيام بنشاط منتظم لتحقيق أهداف سياسية لدولة أجنبية أخرى.
2 – قد يطلق وصف “عميل النفوذ” بمعنى “صاحب النفوذ” على شخصية معينة في المجتمع، تقوم بنشاط سياسي، سواء في حزب أو منظمة ما، دون أن يكون من أعضائها أو المنتمين إلى تشكيلاتها أساساً.
وجاء في قواميس أخرى:
عميل النفوذ- تعبير، يستخدم عادة لوصف بعض أحداث ووقائع العقود الثلاثة (من 1960-1990)، وخلافاً للتفسير الضبابي الدارج، فإن عميل النفوذ لا يخص شخصاً بعينه، وإنما مؤسسة بأكملها، وهو ماينطبق على حالة الانهيار (القضاء والتحطيم) للاتحاد السوفييتي (1).
3 – دلالته في الولايات المتحدة الأمريكية :
في الولايات المتحدة الأمريكية أطلق المصطلح الانكليزي agent of influence للدلالة على عملاء الدول الأخرى (في زمن الحرب الباردة، كان المقصود بالدرجة الأولى الاتحاد السوفييتي)، وهم ليسوا من العاملين في استخبارات تلك الدول، حيث يستعملون تأثيرهم ونفوذهم بعد تجنيدهم لتنفيذ الأهداف، عبر وسائل يصعب إلصاقها بموسكو (2). عملاء النفوذ (للاتحاد السوفييتي) يمكن أن يكونوا من الصحافيين الأمريكيين، الموظفين، الشخصيات النقابية، العلماء، أو ببساطة مجرد أشخاص من عامة الناس المؤثرين في محيطهم. وقد أشار القاموس الرسمي الأمريكي “لمكا فحة الجاسوسية” إلى المنشأ السوفييتي (الروسي) لهذا المصطلح (3).
وقد رأى الأمريكيون في عملاء النفوذ “أسلوباً بسيطاً ومباشراً” للتأثير على سياسة حكومة أخرى (4).
مع أنه من حيث المبدأ يمكن أن يجتمع في شخص واحد صفة “عميل للنفود” وجاسوس عادي، يصطاد المعلومات، وهو أمر غير مستحسن بالنسبة إلى أجهزة الاستخبارات، لأن ذلك من شأنه أن يلفت الأنظار لعميل النفوذ، وهو ما لا يناسب عمل الجاسوس، بل يتناقض تماماً مع طبيعة مهمته السرية الخطيرة. أما إذا كان عميل النفوذ يشغل منصباً عالياً في حكومة أو قيادة بلده، فإن بإمكانه شخصياً اتخاذ ما يراه مفيداً للدولة التي يعمل لصالحها من قرارات أو إجراءات أو توجهات.
ولكن، عادة، في الدولة ذات البيروقراطية الكبيرة والمعقدة، فإن عمل أو نشاط عميل النفوذ، يتمثل بتغيير وجهة نظر زملائه، بحيث يصبحون مؤيدين لرؤيته ويتخذون بصورة اعتيادية المواقف المفيدة والضرورية إزاء المسائل والقضايا المطروحة. مثلاً، الاقتصادي الأمريكي هاري ديكستروايت (Harry Dexter White ) في أثناء الحرب العالمية الثانية وضع برنامجاً سرياً لتخريب الصناعة الألمانية (4). هذا البرنامج وتسريبه لألمانيا نظر إليه كعملية ناجحة لعميل النفوذ للاتحاد السوفييتي لخلق هوة بين ألمانيا والحلفاء الغربيين للاتحاد السوفييتي (5).
وهناك مثال آخر لعميل النفوذ في فرنسا قام به ب – ش. بات، بين عامي 1976 و 1978، حيث نشر مطبوعة مؤثرة جماهيرياً بعنوان “تداخلات”، والتي وصلت قائمة مشتركيها إلى نصف برلمانيي فرنسا. وقد أظهرت تحقيقات أجهزة الأمن الفرنسية التي بدأت في عام 1978، أن “بات” أصدر بأموال جهاز أمن الدولة السوفييتي (كي. جي. بي/ KGB )مجلة أخرى ونشر مقالات بإسم مستعار منذ عام 1961.
4 – دلالة المصطلح في الاتحاد السوفييتي
في الاتحاد السوفييتي أطلقت صفة “عملاء النفوذ” على أنصاره ومؤيديه في الخارج، ممن لم يقوموا بأنشطة وأعمال تجسسية لقاء المال، مثال، “ولفريد بيرتشيت”(Wilfred Burchett) ، “كريستوفر هيل” (Christopher Hill)، وشخص ثالث بقي مخفياً إلى اليوم، أطلق عليه اسماً رمزياً “عميل DAN”. والحقيقة أن المعنى السوفييتي للمصطلح في الأدب الروسي المكتوب بالانكليزية، وبغية إعطائه خصوصية كبيرة، فإنه يجري كتابته أحياناً كما يلفظ بالروسية، ولكن بأحرف إنكليزية، هكذا: (agent vliyaniya)، بدلاً من استخدام المصطلح الأمريكي الخاص بقاموس “مكافحة الجاسوسية” المترجم من الانكليزية (agent of influence) (6). ويقصد به الأشخاص، المتعاطفين مع الشيوعية، لكنهم لم ينخرطوا في الحزب الشيوعي، من أجل أن يحافظوا على مكانتهم المؤثرة في الوسط الذي ينشطون في إطاره.
في المرحلة السياسية الأخيرة من العهد السوفييتي، استخدم مصطلح “عملاء النفوذ” كذلك لوصف أعداء الدولة السوفييتية، الذين لم يكونوا، من وجهة نظر جهاز أمن الدولة السوفييتي (كي. جي. بي) جواسيساً تقليديين (7). أي بمعنى أنهم لم يجروا –مثلاً- لقاءات سرية مع ممثلي الاستخبارات الأجنبية، ولم يحاولوا أن يحصلوا على معلومات ومعطيات سرية. هذا الاستخدام لمصطلح “عملاء النفوذ” جرى استعماله للمرة الأولى- وفق عدد من المؤرخين والباحثين- من قبل رئيس جهاز أمن الدولة السوفييتي (كي. جي. بي /KGB) يوري أندروبوف في تقرير سري قدمه للمكتب السياسي (للحزب الشيوعي السوفييتي) في عام 1972 (8).
ويؤيد الباحث الروسي فاسيلي دروجين (9)مسألة استخدام يوري أندروبوف لهذا المصطلح للمرة الأولى، ولكن تظهر الوثائق الخاصة بالحزب الشيوعي السوفييتي، التي استطاع دروجين الاطلاع المباشر عليها حديثاً أن يوري أندروبوف رئيس جهاز أمن الدولة السوفييتي (كي. جي. بي /KGB ) قدّم في 24 كانون الثاني /يناير 1977 مذكرة سرية لقيادة الحزب الشيوعي السوفييتي حول “مخططات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لامتلاك مجموعات من عملاء النفوذ بين المواطنين السوفييت ” (10)، حيث جاء فيها أنه “بناء على معلومات موثقة… فإن الاستخبارات الأمريكية وضعت نصب أعينها القيام بعمليات تجنيد لمجموعات من عملاء النفوذ من المواطنين السوفييت، ثم إخضاعهم للتدريب، ودفعهم في مرحلة لاحقة إلى ميدان القيادة السياسية، والإدارات الاقتصادية والعلمية للاتحاد السوفييتي ” (11).
مع الإشارة في هذا السياق إلى أن “عميل النفوذ” في الاصطلاحات المتداولة في أجهزة الاستخبارات، هو مواطن دولة معينة، يستخدم لأجل المهمة المكلف بها من دولة أخرى، مركزه الوظيفي الرفيع في الدوائر والأوساط العليا للسلطة في وطنه، مثل:قيادة البلاد، الحزب السياسي الحاكم، البرلمان، وسائل الإتصال الجماهيري، والمعلومات المهمة التي يطلع عليها، وكذلك استغلال مكانته وتأثيره في الأوساط العلمية والفنية والثقافية (لتنفيذ المهمة الموكولة إليه).
دراستنا هذه تتطرق بصفة حصرية إلى ذلك الجزء من الشخصيات، التي عملت (في روسيا والاتحاد السوفييتي) لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن جرى تحضيرها وإعدادها من “وكالة المخابرات المركزية الأمريكية” (CIA).
لقد لاحظ الخبراء والاختصاصيون، الذين عملوا على هذه المسألة، مجموعة علامات مميزة، يتصف بها عملاء النفوذ، العاملون في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية (13)، وهي:
أ- القدرة على التأثير في الرأي العام، والمجتمع كله، أو على مجموعات رسمية أو مهنية أو محلية (وهو أمر يمتلكه عملاء النفوذ كافة).
ب- الانخراط الحتمي والتام في شبكة محددة. فعميل النفوذ يجب أن يكون دائماً مجرد “برغي صغير” في آلة شديدة التعقيد “لصناعة السياسة”، والتي تدار ببرامج وتعليمات، وضعت في “وكالة المخابرات المركزية الأمريكية” في ستينيات-سبعينيات القرن الفائت.
ج- القدرة الموضوعية لبلوغ الأهداف، المرسومة والمحددة من جانب “المشغّل” (أو “المالك” )، وهو هنا “المخابرات المركزية الأمريكية” (CIA)، بوصفها المحرك الأساسي في الأروقة السرية السياسية الدولية. ومن أساليب التلاعب المتبعة أن يتم تقديم وتسويق هذه الأهداف وكأنها تتطابق مع مصالح بلدنا (الاتحاد السوفييتي)، ولكنها تشكل في حقيقة الأمر مجرد حلقات متوسطة وانتقالية على طريق تحقيق أهداف “المالك” (المشغّل)الأمريكي وحسب.
د- إلزامية التدريب والتأهيل، الذي يجب أن يجري للمجموعات أوللأفراد المنضوين في هذه الخلايا والشبكات. أما أشكال وطرائق التدريب فهي متعددة ومتنوعة:من محاضرات عادية إلى محادثات حميمة في موقف بعيد عن الرسميات. وبالنسبة لهذا التأهيل توجد برامج وتعليمات محددة ولازمة التنفيذ.
ه- إنضواء أو تابعية عملاء النفوذ لما يسمّى “منفذي المخطط الخلفي”. فكلما كان العميل أكثر قوة وتأثيراً، تخفى أو غاص بصورة أعمق. فهؤلاء الذين يوصفون بأنهم “رجال الظل” أو “زعماء الظلام” في السياسة، أو “الكرادلة الرماديون”لايقودون أو يديرون الشؤون اليومية العلنية على الملأ، وإنما يوجهون، ويعطون تعليماتهم، ويلقنون من الخلف، بالأمر المطلوب والهدف المبتغى من “المالك” (صاحب العمل)، بما في ذلك للمسائل الكبرى والخطيرة بالنسبة للبلاد.
و- الولاء، قبل كل شيء للأنانية والنرجسية والمصلحة الشخصية البحتة، المغلفة بشعارات “القيم الإنسانية” العامة، والسعي وراء مقولة “الحضارة العالمية”، التي يحتجب خلفها، كقاعدة عامة في أحسن الأحوال غياب الوعي القومي-الوطني الرسمي، القراءة السلبية لهذه المقولة الضبابية، فإنها تعني “روسو-فوبيا” (Russo-Phobia)، أي “الخوف المرضي النفسي من روسيا”والكراهية الحقودة للقيم التاريخية الروسية.
السمات أو الصفات الخمس الأولى، يمكن أن تكون متوافرة عند عملاء النفوذ بأشكال مختلفة ومتنوعة للغاية، أما السمة السادسة (الأخيرة)، فإنها متماثلة أو متطابقة بصورة مدهشة، سواء لدى عملاء النفوذ، المتدربين في “وكالة المخابرات المركزية الأمريكية” (CIA) في ستينيات القرن الماضي، أو في ما يخص المشرفين القياديين على عملية “البيريسترويكا” في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الفائت.
ثانياً: “عملاء النفوذ” والماسونية في الممارسة (إعداد وتأهيل الخونة، تشكيل “الطابور الخامس”)
في سفره الوثائقي المهم جداً الموسوم بـ”المؤامرة الماسونية في روسيا” (12) يؤكد الكاتب والباحث الروسي المعروف أوليغ أناتوليفيتش بلاتونوف، استناداً إلى مئات الوثائق والمحفوظات السرية الخاصة بأرشيف جهاز أمن الدولة السوفييتي (كي. جي. بي/KGB)، أن الخطوة السياسية الأولى لتنفيذ خطط وبرامج منظومة السياسة الدولية السرية ضد الاتحاد السوفييتي (في سبعينيات القرن الماضي)، تمثلت بالعمل الحثيث لإحياء وتنشيط الجمعيات السرية والخلوات الماسونية على الأراضي السوفييتية. حيث بدأت هذه العملية الواسعة والمعقدة والدقيقة بالبحث الحذر والصبور عن شخصيات، تملك القدرة والكفاءة بأن تكون جزءاً من فرق “عملاء النفوذ”.
برنامج نشاط عملاء النفوذ في الاتحاد السوفييتي، أعده شخصياً الماسوني آلان دالاس، المدير المستقبلي لـ”وكالة المخابرت المركزية الأمريكية” (CIA) والمعروف أنه أصبح ماسونياً في مرحلة الدراسة في “برينستون”، وبلغ في أواسط عشرينييات القرن الماضي الدرجة الماسونية 33 وغيرها من المناصب والألقاب الماسونية. في عام 1927 صار واحداً من مديري “مركز التنسيق الماسوني الدولي”-مجلس العلاقات الدولية في المنظمة الماسونية، وفي عام 1933 تسلّم منصب السكرتير الماسوني، وهو منصب مفصلي مهم. وقد أصبح من عام 1946 رئيساَ لهذه المنظمة. في واحد من الاجتماعات السرية (المغلقة) للمجلس المذكور في مطلع عام 1945 وبحضور قيادات الماسونية الأمريكية، مثل نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حينذاك هاري ترومان، ووزيرالخزانة (وزير المالية) غ. مورغينتاو وبرنارد باروخ (مستشار ترومان والشخصية الماسونية القوية، وأبرز زعماء مايسمى حكومة العالم الخفية) أعلن دالاس مايلي :
“ستنتهي الحرب… وتسّوى الأمور. ونحن سنلقي (للآخرين) كل شيء نملكه، من الذهب والثروة المادية والموارد المتاحة، من أجل تسفيه المدارك والتلاعب بالعقول… فالعقل الإنساني، العقل البشري، ووعي الناس مهيأة للتغيير. في سياق (أو على أرضية) الفوضى السائدة هناك، سنقوم وبشكل غير ملحوظ بتبديل قيم الناس إلى قيم زائفة، ودفعهم إلى الإيمان والتمسك بهذه القيم البديلة… كيف؟نحن سنعثر على مؤيدين فكريين لنا، على حلفاء لنا في روسيا ذاتها.
ومرحلة إثر أخرى ستتنامى وتتضخم قضية موت الشعب الروسي الذي لا يقهر، وعلى أساسها يجري إطفاء وعي هذا الشعب وحرف أنظاره بصورة نهائية… من خلال الأدب والفن، مثلاً، نقلب شيئاً فشيئاً الجوهر الاجتماعي للإبداع… نعزل الفنانين عن محيطهم، ونقتلع منهم الرغبة بالاشتغال وبتجسيد الحياة الحقيقية للكتلة الشعبية… وسنقدم كل الدعم لإشهار الفنانين، الذين يزرعون ويرسخون وينشرون في الوعي البشري، عبادة الجنس، العنف، السادية، الخيانة. وبكلمة أخرى كل ماهو غير أخلاقي… أما في إدارة الدولة (المعينة)فسنزرع الفوضى والارتباك، وستصبح النظافة الأخلاقية والتقيد بالقانون والنظام أموراً مضحكة، ولن تكون مطلوبة من أي مكان، بل ستتحول إلى بقايا ورواسب الماضي. وستحل بكل مكان قيم الغدر والحقارة والضعة والوقاحة، والكذب والغش، والإدمان على تعاطي المخدرات، ويسود الرعب الوحشي بين الناس، ويزدهر المجون بكل ألوانه وأشكاله من دون حياء أو خجل، وطبعاً، الخيانة، والتعصب، وكراهية الشعوب لبعضها بعضاً… كل هذه الأمور سنقوم بغرسها بتأن وصبر، ومن دون ضجيج أو لفت للانتباه. سنقوم بهذه التحولات وتنميتها من جيل لآخر… نحن سنسعى بصورة حثيثة من أجل السيطرة على الناس بدءاً من الطفولة، من سنوات المراهقة والشباب، سنركز جهودنا الأساسية باستمرار على الشباب بصفة خاصة، وسنعمد على إفسادهم بطرق شتى، ونصنع منهم جواسيس عالميين (وكوزموبوليتيين)… هكذا نحن سنعمل”(14).
في عام 1953 ولغاية عام 1962 وضع الماسوني آلان دالاس بصفته مديراً لوكالة “المخابرات المركزية الأمريكية” (CIA) مجموعة من البرامج السرية والخطط، التي صادق عليها وأقرها مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أدخلت فيها أفكار وآراء دالاس الماسونية. وبصرف النظر عما تنطوي عليه هذه المخططات والبرامج من رؤىً وضيعة وقحة، وازدرائية، فإنها شكلت في واقع الأمر استئنافاً ومتابعة مباشرة لأفكار وتوجهات تحطيم الاتحاد السوفييتي، التي طرحت في أعوام الحرب العالمية الثانية، من قبل الجنرال وايلد بيل دونوفان، الذي كان آنذاك قائداً لما كان يسمى “مكتب تنسيق الاستعلامات” الذي تحول إلى “مكتب الخدمات الاستراتيجية” ((OSS. وهو مكتب الاستعلامات الأمريكي أيام الحرب الذي أصبح “وكالة المخابرات المركزية الأمريكية” (CIA).
في هذا الاجتماع السرّي حددت التوجهات الأساسية للصراع ضد الشعب الروسي، والتي وجدت طريقها للعلن في مرحلة لاحقة، عبر الوثائق الرسمية لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة في مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة الأمريكية رقم 1/20 – SNB المصادق عليها من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هاري ترومان في الثامن عشر من آب عام 1948، الذي أعلن أنه :”يجب إجراء تغييرات جذرية في نظرية وممارسة السياسة الخارجية، التي تتبعها الحكومة، المتزعمة للسلطة في روسيا… وقبل كل شيء، من أجل جعل الاتحاد السوفييتي ضعيفاً، سواء في المجال السياسي، أو العسكري أو النفسي –المعنوي قياساً إلى القوى الخارجية، التي تقع خارج حدود الرقابة”.
أما الأمر SNB-68، الموقع من الرئيس ترومان في السابع من نيسان 1950، فإنه يرسم مايلي :
“يتوجب علينا أن نقود حرباً نفسية (بسيكولوجية) مفتوحة بهدف تكوين خيانة جماعية… نشر التفكك الأسري… تقوية الإجراءات الإيجابية الفورية والمناسبة والعمليات القائمة على الوسائل والأدوات السرية في قطاعات الاقتصاد، والسياسة والحرب النفسية بهدف خلق وتقوية الاضطربات… يجب علينا أن نقود عملية بناء النظام السياسي والاقتصادي للعالم الحر. ولكن إلى جانب تأكيد وترسيخ قيمنا، فإن سياستنا وممارستنا يجب أن تكونا موجهتين للدفع باتجاه إجراء تغييرات جذرية في طبيعة النظام السوفييتي… ومن الجلي تماماً، أن مثل هذه التغييرات هي قليلة التكلفة، ولكنها أكثر فعالية، إذا ما جرت في درجة قصوى نتيجة تأثير وعمل القوى الداخلية للمجتمع السوفييتي “.
وفي توجيه وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية جون فوستر دالاس للسفراء والبعثات الدبلوماسية الأمريكية في الخارج، بتاريخ 6 آذار 1953، فور إعلان وفاة ستالين، جرى التأكيد على أن :”هدفنا الأساسي الإبقاء على سيطرة/هيمنة الشكوك، والضبابية، وعدم الثقة في مايخص القيادة الجديدة، ليس فقط بين الدوائر الحاكمة والجماهير الشعبية في الاتحاد السوفييتي وبلدان المنظومة الإشتراكية، ولكن بين الأحزاب الشيوعية خارج حدود الاتحاد السوفييتي”.
وأخيراً، في القانون الخاص “بدعم الشعوب المستعبدة” الذي أقره الكونغرس في الولايات المتحدة الأمريكية في آب عام 1959، طرحت بصورة علنية مسألة تقسيم روسيا إلى 22 دويلة وإشعال الحقد القومي نحو الشعب الروسي.
بدءاً من عام 1947 تحت ذريعة مقاومة الشيوعية قامت الحكومة الأمريكية بتخصيص مئات ملايين الدولارات سنوياً، من أجل تنفيذ برامج وخطط الصراع ضد روسيا والشعب الروسي خاصة، والاتحاد السوفييتي عامة.
لقد تمثلت واحدة من النقاط الرئيسة لهذه البرامج والمخططات بإعداد “المؤيدين، والحلفاء والأعوان” في روسيا. حيث تبين لاحقاً أن المخابرات الأمريكية سعت لتجنيد بعض الأفراد المختارين من مجموعة الموفدين السوفييت لاتباع دورات تدريبية أو إطلاعية في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر الخمسينيات وبداية ستينيات القرن الماضي في “جامعة كولومبيا”، والذين كان من بينهم، بشكل خاص، عدد من “المشرفين في السنوات اللاحقة على عملية الإعداد والإدارة للبيريسترويكا”، مثل:ألكسندر ياكوفليف، وأوليغ كالوغين.
في هذا السياق، أكد الرئيس السابق لجهاز أمن الدولة للاتحاد السوفييتي (كي. جي. بي/ K G B) الجنرال فلاديمير كريوتشكوف:”أن ألكسندر ياكوفليف الذي أدرك بصورة ممتازة، أنه موضوع تحت مراقبة دقيقة من جانب الأمريكيين، وقد شعر بما يريد أن يجروه إليه أصدقاؤه الأمريكيون الجدد، ولكنه لم يصل إلى الاستنتاجات الصحيحة المترتبة على ذلك. لقد ذهب ياكوفليف باتجاه التواصل غير الرسمي وغير المسموح به مع الأمريكيين. وعندما صار هذا الأمر معروفاً لدينا، صور ياكوفليف المسألة وكأنه عمل ذلك بقصد الحصول على مواد ومعطيات ضرورية للجانب السوفييتي من المكتبة المغلقة….. “(15)
أما زميله في الدورة الإطلاية أوليغ كالوغين (الذي أصبح لاحقاً جنرالاً في جهاز أمن الدولة للاتحاد السوفييتي كي. جي. بي / K G B)، ومن أجل أن يبعد نفسه عن المسؤولية، فقد وشى برفيقه ياكوفليف، والذي حصلت معه بعد ذلك منغصات كبيرة.
من تلك المرحلة توجد صور عائدة لخمسينيات القرن الماضي، نشرت في الصحيفة الروسية. بالمهجر “الصوت الروسي“، وفيها يظهر ألكسندر ياكوفليف وأوليغ كالوغين ضمن مجموعة من كوادر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية”(16).
لكن الأجهزة السوفييتية المختصة لم تتمكن حينذاك من التأكد ما إذا كان الأمر قد وصل إلى حد التجنيد، أو أن عملية المخابرات المركزية الأمريكية لم تسر إلى أبعد من إجراء نوع من الاتصال التعارفي، ووضع بداية لاتصالات مستقبلية وحسب، لاسيّما أن سلوك ياكوفليف في النصف الثاني من ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، تتطابق بكثير من الدلالات والمؤشرات، مع الأنشطة والتحركات المطلوبة من عملاء النفوذ، طبقاً لتعليمات وتوجيهات آلان دالاس. ونخص منها هنا، ما ظهر في مقالة ياكوفليف، التي نشرت في “الصحيفة الأدبية” (“ليتراتورينا غازيتا”)، حيث تحدث فيها بنقد قاس وشديد ضد الأطروحات والأفكار المنادية بالانبعاث القومي الروسي، وشن تهجمات عنيفة معادية للمشاعر الروسية. وقد دعا ياكوفليف، من حيث الجوهر، إلى تطهير إداري لحملة هذه الأفكار والآراء، وهو ما حصل فعلاً وبسرعة كبيرة.
في مطلع سبعينيات القرن الماضي عيّن ياكوفليف سفيراً للاتحاد السوفييتي في كندا، حيث أقام هناك اتصالات قوية مع دوائر واسعة من الشخصيات الكندية النافذة، وبلغت بعض هذه الاتصالات والعلاقات درجة عميقة من الموثوقية والخصوصية، كما حصل بينه وبين رئيس وزراء كندا، الماسوني المعروف بيير ترودو. وكما يبدو، فإنه في هذه الفترة بالتحديد جرت عملية “مؤاخاة” ياكوفليف (انضمامه وانخراطه) في/مع المنظومة السياسية الماسونية العالمية.
في ستينيات- سبعينيات القرن الفائت، ظهرت في محيط قادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي مجموعة من عملاء النفوذ، التي ضمت، بشكل خاص:ف. م. بورلاتسكي(عمل لغاية عام 1964)، غ. خ. شاهنازاروف، غ. ي. غيراسيموف، غ. أ. أرباتوف، أ. ي. بوفين. وعبر تمويه أنشطتهم المضادة للدولة، من خلال استخدامهم الواسع للعبارات والمصطلحات الماركسية التقليدية، دفع تدريجياً هؤلاء المستشارون الحزبيون القيادة السياسية للبلاد، لاتخاذ قرارات وإجراءات، وضعت الخطوات الأولى على طريق تحطيم وزوال الاتحاد السوفييتي. والمثال الأكثر سطوعاً ووضوحاً في هذا الشأن، يتمثل بالمستشار-عميل النفوذ، الذي كان مديراً لـ”معهد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا” (في موسكو)غيورغي أرباتوف، حيث اتخذ آنذاك خطاً مؤيداً علناً للولايات المتحدة الأمريكية. وفي معرض تقديمه لمذكرات عميل النفوذ هذا، التي طبعت في الولايات المتحدة الأمريكية، اعترف صراحة مساعد وزير خارجية أمريكا تالبوت “أن السيد أرباتوف أصبح صديقاً للولايات المتحدة الأمريكية منذ سبعينيات القرن الماضي”.
في أواخر ستينيات القرن العشرين أصبح كل من أندريه ساخاروف ويليناغيورغيفنا بونير (زوجته الثانية بعد وفاة زوجته الأولى في عام 1969) عنصرين مهمين في بنية عملاء النفوذ للولايات المتحدة الأمريكية، حيث كانا يشيدان بصورة واسعة ودون تحفظ بالنظام الغربي، مقابل نقدهما الشديد والممنهج للنظام السوفييتي. وبمساعدة الدعاية (“البروباغاندا”) الممولة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، لعب (هذان الزوجان)مع غيرهما من عملاء النفوذ، دوراً كبيراً في إذكاء “الحرب الباردة” للغرب ضد الاتحاد السوفييتي. وقد قطع الدكتور أندريه ساخاروف العالم الفيزيائي السابق علاقته بالعلم، في حين كانت زوجته (يلينا بونير)وابنتها (من زواجها الأول)في عداد المنتمين إسمياً (للتمويه والتضليل) للحزب الشيوعي السوفييتي، من جملة اليهود المعادين، حيث شغلتا وساخاروف مكانة قيادية في تيار مايسمى “النشطاء الإجتماعيين”المنشقين من اليهود السوفييت(17)، والذي صار مثالاً لمعاداة القيم التاريخية الروسية، وعنواناً صارخاً “للكفاح” من أجل تقسيمها وإهانتها وتحقيرها.
إن التنامي الحاد لفاعلية عملاء النفوذ والتأثير في الاتحاد السوفييتي متصل مباشرة بمشاريع ومخططات منظومة السياسة الدولية السرية، التي جرى تنفيذها في إطار مراكز التنسيق الماسونية العالمية، وفي مقدمتها “نادي بيلدربرغ” (18) و”الهيئة الثلاثية”(19). ففي أواخر خمسينيات-ستينيات القرن الماضي، جرى التعبير (في الوثائق السرية)لهذه المراكز، عن المخاوف من التوجهات الحاصلة في الاتحاد السوفييتي ذات الطابع الوطني –القومي، والهادفة إلى تكثيف وتوحيد الجهود لتقوية التأثير (السوفييتي)في الأسرة الدولية، والذي تنامى بقوة نتيجة للحرب العالمية الثانية. فالشعور بالخوف الحقيقي في أروقة صناعة السياسة الدولية، دفعها إلى تصور إمكانية تحالف روسيا، الناهضة على أسس وطنية-قومية مع بلدان “العالم الثالث”، لأن مثل هذا التحالف فقط، بإمكانه أن يمنع النهب الوحشي الغربي الرهيب، للموارد الطبيعية، العائدة للبشرية جمعاء.
في الاجتماعات السرية لقادة منظومة السياسة العالمية أعيد التركيز مجدداً على الأطروحة الماسونية القديمة حول “إقامة نظام عالمي جديد”، يقوم على مبدأ أن السلطة العالمية كلها يجب أن تتركز بأيدي القوى الماسونية، أما استخدام الموارد فيجب أن يخضع للرقابة من خلال برامج خاصة لصالح مجموعة محدودة وضيقة من الدول الغربية. لكن المانع من إقامة هذا النظام الطفيلي، يتمثل (وفق قناعاتهم)بالاتحاد السوفييتي، الذي يملك جزءاً مهماً من موارد العالم الطبيعية. والذي يجب تحجيمه وإخضاعه لرقابة شديدة وتحطيم قدراته وإمكاناته بجميع الوسائل المتاحة. وتنفيذاً لذلك أقر مايسمى المذهب الاستراتيجي الأمريكي الجديد تجاه الاتحاد السوفييتي والمدرج تحت الرقم NSDD-75، والذي أعده للرئيس رونالد ريغان، أستاذ التاريخ في جامعة هارفارد، اليهودي البولوني ريتشارد بايبس، ويتضمن الاقتراح مضاعفة وتقوية الأعمال والأنشطة التخريبية ضد روسيا والإتحاد السوفييتي.
وقد كتب بهذا الشأن عالم السياسة الأمريكي بيوتر شفيتسير قائلاً:”التعليمات صيغت بوضوح ودقة، حيث أن هدفنا المحوري يتمثل ليس بالتعايش مع الاتحاد السوفييتي، وإنما بتغيير النظام السوفييتي. في جوهر التعليمات توجد قناعة تامة، أن تغيير النظام السوفييتي بمؤازرة ودعم الضغط الخارجي، أمر تستطيع قوانا أن تقوم به”(20).
رؤية أمريكية أخرى، أطلق عليها إسم “التحرير”، ونظرية “الحرب المعلوماتية”، تم إعدادهما وتقديمهما لإدارة الرئيس جورج بوش (الأب)، تدعوان علناً لتحقيق هدف الغرب الأساسي المتمثل بـ”تفكيك الاتحاد السوفييتي” و”تقطيع أوصال روسيا”، حيث رسمت هذه الوثائق والمخططات تصوراتها بشأن التشكيلات والهيئات الأمريكية العلنية وغير العلنية، التي يجري إعدادها وتجهيزها للقيام بالمتابعة الحثيثة للتغيرات والتحولات في الأمزجة المعادية للروح الروسية، والعمليات الجارية في الأقاليم والمقاطعات المكونة لروسيا ذاتها، ولمجمل جمهوريات الاتحاد السوفييتي، وإنشاء صندوق مالي بمليار دولار للعام الواحد، من أجل تقديم المساعدة اللازمة لما يسمى “حركة المقاومة” للنظام السوفييتي.
إلى جانب الأموال الهائلة التي خصصت للميزانيات العسكرية الأمريكية، الهادفة إلى تطوير الأسلحة والتقنيات المتقدمة لضمان التفوق على الأسلحة والتقنيات السوفييتية، نشير إلى المخططات الاستراتيجية الغربية المعادية للفكر الماركسي والشيوعية ولمجمل حركات التحرر الوطني في العالم، حيث شهد الغرب في ثمانينيات القرن الماضي عمل أكثر من 400 مركز للدراسات والأبحاث الفكرية والاستراتيجية.
وفي الولايات المتحدة وحدها اشتغل بشؤون الاتحاد السوفييتي 170 جامعة وعشرون معهداً ومركزاً بحثياً، شكلت قاعدة معلومات قوية بمتناول صناع القرار هناك. بل إن حوالي 200 قسماً جامعياً متخصصة إلى الآن في مختلف قطاعات الفكر المضاد للشيوعية والماركسية واليسار. إضافة إلى أنه يوجد في الولايات المتحدة 284 مركزاً للدراسات السوفييتية والروسية، وهي من المراكز التخصصية المتقدمة جداً في هذا المجال.
لقد لحظ التوجيه رقم (75) الصادر في كانون الثاني 1983 حول الأمن القومي في الولايات المتحدة الأمريكية زيادة كبيرة في الميزانية المخصصة لدعم ما سمي حركة “المعارضة الديمقراطية” في بلدان الكتلة الشرقية، لتبلغ 108 ملايين دولار. حيث وضعت الولايات المتحدة نصب عينيها هدفاً أساسياً، يتمثل بإحداث “تغييرات جذرية وبنيوية في بلدان أوروبا الشرقية وفي غيرها من البلدان ذات التوجه الإشتراكي”. وبغية الوصول لهذا الهدف الكبير، جرى التركيز على مجموعة من الوسائل والأساليب التمويهية الجديدة أو المعدّلة، وفي مقدمتها ما يسمى “الدبلوماسية العامة”، والترويج لمقولات “الإصلاح” و”الديمقراطية”، و”حقوق الإنسان”وغيرها.
ونتيجة لما تقدم، استخلص المراقبون والمحللون في تلك الفترة أن الولايات المتحدة عازمة على استخدام جميع الوسائل المتاحة للقضاء على الاتحاد السوفييتي وبلدان المنظومة الاشتراكية، والتفرد بالتحكم في مصير العالم والهيمنة عليه. ومن أبرز الوسائل التي أوصى بها الخبراء والمتخصصون بالشؤون السوفييتية، العمل المنهجي المنظم لإعداد وتحضير ما يسمى “عملاء النفوذ” ضمن الاتحاد السوفييتي نفسه.
في سبعينات – ثمانينيات القرن الماضي، اتسم البرنامج الأمريكي لإعداد “عملاء النفوذ” في الاتحاد السوفييتي، بطابعه الشامل والمتكامل.
والواقع، أنه لا يجوز القول إن هذا البرنامج لم يكن معروفاً للقيادة السوفييتية حينئذ، فالحقائق تؤكد عكس ذلك… ولكن جرى إغماض الأعين تجاهه، بصورة إرادية من جانب أولئك الأشخاص، الذين يطلق عليهم اليوم بموضوعية تامة صفة “عملاء النفوذ”.
لقد قدم جهاز أمن الدولة في الاتحاد السوفييتي (كي. جي. بي/ KGB) بهذا الشأن تقريراً دقيقاً وتفصيلياً، بعنوان “خطط وكالة المخابرات الأمريكية لتكوين عملاء للنفوذ بين المواطنين السوفييت”.
“ووفق المعطيات الموثوقة، التي حصل عليها جهاز أمن الدولة السوفييتي، قامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في الآونة الأخيرة، واستناداً إلى تحليل وتنبؤات اختصاصييها في مايتصل بالطرق والمراحل المستقبلية لتطور الاتحاد السوفييتي، بوضع مخططات تفصيلية لتفعيل الأعمال والأنشطة المعادية، الموجهة لتمزيق وتفتيت المجتمع السوفييتي، وخلق حالة من الفوضى في اقتصاد البلاد الإشتراكي.
وبغية تنفيذ هذه الأهداف وضعت الاستخبارات الأمريكية أمام أعينها مهمة تجنيد المواطنين السوفييت “كعملاء نفوذ” وتأثير، والقيام بتدريبهم كما يجب، ومن ثم دفعهم لاحقاً لتسلم مواقع مهمة في إدارات السياسة، والاقتصاد، والعلوم في الاتحاد السوفييتي. وقد وضعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية خطة متكاملة للإعداد الفردي لعملاء النفوذ، والتي انطلقت من الأخذ بالحسبان لخبرات الأنشطة التجسسية (الحاصلة ضد الإتحاد السوفييتي)، وكذلك عبر عملية إعادة التأهيل سياسياً وإيديولوجياً لهذه المجموعات ليكونوا عملاء نفوذ مؤثرين وفاعلين في بيئاتهم وأماكن عملهم. إضافة لذلك، فإن أحد الجوانب الأكثر أهمية في إعداد عملاء النفوذ، يتمثل في تدريس وسائل وأساليب الإدارة في الحلقة القيادية العليا للاقتصاد الوطني (السوفييتي). لقد برمجت قيادة الاستخبارات الأمريكية خططها بصورة موجهة ومركزة، بصرف النظر عن التكاليف المترتبة على ذلك، باحثة عن الشخصيات، التي تمتلك قدرات ومواهب شخصية متميزة، وآفاق لتسلم الوظائف والمناصب في جهاز الإدارة، ومدى قدرتها على تنفيذ المهمات الموكلة إليها ضد النظام. في هذا السياق، انطلقت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، من التركيز أيضاً على النشاط الذي يقوم به عملاء النفوذ المنفردون، غير المرتبطين ببعضهم، والذين ينفذون سياسة التخريب للاقتصاد الوطني، مع إخفاء وتمويه مهماتهم القيادية، وتخضع أعمالهم وأنشطتهم هذه لتوجيهات وأوامر مركز واحد، يعمل في إطار الاستخبارت الأمريكية. وتبعاً لرؤية وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، فإن النشاط الموجه لعملاء النفوذ يجب أن يساعد على إنشاء وإقامة أعمال محددة ذات طابع سياسي داخلي في الاتحاد السوفييتي، تهدف إلى إعاقة تقدم ونمو الاقتصاد الوطني للبلاد، وإيصال البحث العلمي فيها إلى طريق مسدود.
في إطار تنفيذ المخططات والبرامج المشار إليها، رأت الاستخبارت الأمريكية أن الاتصالات المتواترة بين الدول الغربية والاتحاد السوفييتي، ستشكل مقدمات مناسبة لتسهيل وتسريع وتائر تحقق هذه البرامج والمخططات في الظروف الراهنة.
وبحسب تصريحات موظفي الاستخبارت الأمريكية، الداعية للاشتغال المباشر مع عملاء النفوذ من المواطنين السوفييت، فإن البرنامج الذي وضعته أجهزة الاستخبارات الأمريكية، كان يهدف بالدرجة الأولى إلى إحداث تغييرات نوعية في مختلف مناحي ومجالات الحياة المجتمعية السوفييتية، وفي مقدمتها الاقتصاد. وهي تحولات ستؤدي في نهاية المطاف إلى تقبل الإتحاد السوفييتي لكثير من الأفكار والرؤى و”القيم” الغربية.
والحقيقة أن جهاز أمن الدولة السوفييتي (كي. جي. بي/ KGB) اتخذ في حينه كل ما يتوجب عليه القيام به من متابعة وتحقق لكشف خطط وأنشطة الاستخبارات الأمريكية، واقتراح الإجراءات العملياتية لإفشالها وإجهاضها “(21).
لقد نفذت برامج تأهيل “عملاء النفوذ” بموازاة وضع برامج ومخططات تقسيم وتقطيع أوصال روسيا، وإعداد الأرضية الملائمة للمد العنصري ضد الشعب الروسي.
فتبعاً لشهادة رئيس جهاز أمن الدولة السوفييتي، كريوتشكوف، فإن الأجهزة المعنية في الاتحاد السوفييتي علمت بهذه المخططات، حيث قال: ” إن سيلاً من المعلومات وردنا بشأن الأطروحات التحذيرية المبالغ بها في عدد من البلدان، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، في مايتصل ببلدنا والتي تزعم أن سكان الاتحاد السوفييتي يشكلون كتلة بشرية ضخمة، الأمر الذي يقتضي تقليصهم بطرق مختلفة. بل ووضعت جداول حسابية تعكس هذه الرؤية. وطبقاً لهذه الحسابات، فإن سكان الاتحاد السوفييتي يجب تقليصهم بصورة مبرمجة إلى 150-160 مليون نسمة (علماً أن تعدادهم كان حوالي 300 مليون نسمة). وحددت مرحلة التنفيذ لهذه الخطة- مابين 25-30 عاماً. أما مساحة البلاد، ومصادرها الطبيعية وثرواتها الباطنية، فيجب أن تكون “لصالح خير البشرية جمعاء”، ويجب أن تكون بمتناول وتصرف دول معينة في العالم، أي أننا يجب أن نتقاسم هذه المصادر والثروات مع غيرنا، ولا نستثمرها أو نتصرف بها وفق حاجات وطننا وشعبنا … لأنها (وفق المنظور الغربي) “خيرات للبشرية جمعاء” “.
اليوم يمكننا أن نؤكد بثقة كبيرة أنه جرى تنفيذ كثير من المخططات، التي وضعت في أروقة (كواليس) السياسة العالمية في مايخص الاتحاد السوفييتي، وبكل الأحوال، امتلكت الاستخبارات الأمريكية عشرات العملاء المعاونين والمؤازرين والمؤيدين في دوائر السلطة السوفييتية العليا. صحيح أن مهمات وأدوار عدد منهم مازالت غير واضحة تماماً، ولكن نتائج أعمالهم أصبحت جلية للعيان، أما المعطيات الخاصة بالتعاون بين هذه الشخصيات القيادية والاستخبارت الأجنبية فلا يمكن دحضها أبداً.
وتبعاً للمعطيات، التي أدلى بها وزير خارجية لاتفيا، فإنه من عام 1985ولغاية عام 1992، فإن الغرب (وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية) قدّم “من أجل عملية دمقرطة الإتحاد السوفييتي ” (أي من أجل عملية تحطيم الاتحاد السوفييتي وروسيا 90 مليار دولار(22).
صحيح أننا لا نعرف بدقة أنواع وأشكال وأحجام المبالغ والثروات المصروفة لإعداد وتحضير “عملاء النفوذ”، من جانب أصحاب ترتيبات السياسة الخفية العالمية ، ولكن المعروف للجميع أن أواسط ثمانينيات القرن الماضي، شهدت نشاط هؤلاء العملاء بصورة حادة وقوية في مختلف جمهوريات وأقاليم الاتحاد السوفييتي.
ثالثاً: ميخائيل غورباتشوف كنموذج لـ”عملاء النفوذ” القياديين وأتباع الماسونية والصهيونية العالمية
لقد أصبح مؤكداً تماماً (خاصة بعد مؤامرة/كارثة “البيريسترويكا”) بالأدلة القاطعة والحقائق السياسية والسلوكية الرسمية والشخصية، التي تابعها العالم برمته أن ميخائيل سيرغيفيتش غورباتشوف كان من كبار “عملاء النفوذ” السوفييت، الذين عملوا بإخلاص والتزام لصالح الغرب والماسونية والصهيونية العالمية، حيث تمحورت مهمته الأساسية في إنهاء قيادة الحزب الشيوعي والقضاء على النظام السوفييتي ومن ثم المعسكر الإشتراكي برمته. وتظهر قفزاته القيادية السريعة المشبوهة في هرمية الحزب الشيوعي السوفييتي على جثث عدد من القياديين الكبار والأمناء العامين للحزب الشيوعي السوفييتي، أنه كان معداً ومبرمجاً من قوى عالمية خطيرة، للوصول إلى أعلى منصب في النظام السوفييتي (الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي رئيس إتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفييتية)(24). فقد صرح غورباتشوف على الملأ وأمام وسائل الإعلام العالمية في كلمته بالجامعة الأمريكية في تركيا قائلاً: “إن هدف حياتي كلها، كان القضاء على الشيوعية، وعلى الديكتاتورية التي تمارس ضد الشعوب. ولتحقيق هذا الهدف بالذات استخدمت وضعي القيادي في الحزب والدولة. ولهذا السبب تحديداً كانت زوجتي تدفعني كل الوقت، لأصل بتصميم لمواقع أكثر رفعة في البلاد… إن الانتقال إلى اقتصاد السوق فقط من شأنه أن يوفر الإمكانية لأن يتطور بلدنا بشكل سريع دينامي. وقد أتيحت لي فرصة العمل الفعال مع فريق من الأنصار المخلصين والمؤيدين في تحقيق هذه الأهداف، ومن بينهم يشغل مكانة خاصة ألكسندر ياكوفليف وإدوارد شيفارنادزه، اللذين قدما لقضيتنا المشتركة خدمات لا تقدر بثمن“(25). وقد تلقى مكافأةً ماليةً نظير هذا اللقاء “التاريخي” واعترافاته الخطيرة فيه، مقدارها 70 ألف دولار أمريكي.
وبمناسبة حديث ميخائيل غورباتشوف في تركيا بشأن دور زوجته في تحريضه للوصول إلى أعلى منصب قيادي في الإتحاد السوفييتي، نشير إلى أنه في أثناء زيارة غورباتشوف (كأمين عام للحزب الشيوعي السوفييتي) إلى بريطانيا وبرفقته زوجته رايسا مكسيموفنا (غورباتشوفا)، (عام 1984) شمل برنامجهما زيارة معرض لنخبة رجال الأعمال في بريطانيا، وبعد الزيارة جرى لقاء في “بيت رجال الأعمال” (بلندن). أجرت رايسا مكسموفنا مقارنة بين المستوى الرفيع الذي وصلت إليه النخبة البريطانية وحياة أسرة الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي، قائلة: “ميشا : (إسم يطلق للتحبب ورفع الكلفة على ميخائيل عادة /خ. ج) إن استمرار العيش بهذا الشكل أمر غير ممكن، يجب عمل شيء ما… “(26).
لكن لا تعرف سوى قلة من الباحثين المتتبعين لسيرة حياة غورباتشوف الفكرية والسياسية أنه كان يقيم صداقة مع زدينيك ملينارج، الذي كان عندئذ، واحداً من زعماء “ربيع براغ”، والذي وصف غورباتشوف بأنه “معاد للستالينية”.
مع الإشارة إلى أن هذه الصفة لم تمنع ميخائيل غورباتشوف بعد القضاء على رفاقه “التشيك” في عام 1968 من سحق المتعاطفين معهم في إقليم “ستافروبول” الروسي، مثل فاغيم بنيامينوفيتش صديقوف، الذي كان غورباتشوف معجباً بأفكاره وأطروحاته “الإصلاحية-الديمقراطية”، الممهدة “للبيريسترويكا” وتدمير البلاد. وقد أخذ غورباتشوف كثيراً من أفكار ومقولات صديقوف في معرض تبشيره بالحركة التحريفية “للبيريسترويكا”. والحقيقة فإن فيروس التحريفية هذا بقي في مرحلة الكمون والحضانة لفترة زمنية معينة بانتظار توافر ظروف إضافية للانبعاث والنشاط. وقد شكلت أولى رحلات غورباتشوف وزوجته رايسا للعالم الخارجي، المناخ المناسب لبعث الحياة والفاعلية في تلك الأفكار، التي بقيت مخفية وطي الكتمان منذ عام 1968.
أولى الرحلات الخارجية في إطار الوفود الحزبية تمت باتجاه الغرب:إلى فرنسا، إيطاليا، بلجيكا، ألمانيا الغربية، شكلت بالنسبة لميخائيل غورباتشوف وزوجته رايسا مكسيموفنا (غورباتشوفا) التي كانت برفقته، تجربة جديدة ومؤثرة للغاية.
ففي “صقلية” (بإيطاليا)، حيث عقد مؤتمر “السياسيين الشباب” احتك ميخائيل غورباتشوف هناك للمرة الأولى وجهاً لوجه مع الماسونيين الأوروبيين ودعاة “الشيوعية الأوروبية”، الذين حاولوا إقناع الكوادر الحزبية (وفي مقدمتها غورباتشوف) ، المتوقع أن تشغل مواقع قيادية في الاتحاد السوفييتي بآرائها وأطروحاتها التحريفية للماركسية وقضايا بناء الدولة والإصلاح وغير ذلك.
وقد شكلت مسألة “الجرائم الستالينية” وضحاياها، وأسلوب الإدارة الديكتاتورية… إلخ، ذريعة قوية للنقاش حول ضرورة تحطيم بنيان النظام السوفييتي. ويمكن القول في هذا المجال إن اللقاءات التي جرت في “صقلية” في سبعينيات القرن الماضي، كانت نقطة الإنطلاق لسياسة “التفكير الجديد”، التي انتهت إلى تدمير الاتحاد السوفييتي في عام 1991. حيث نشطت هناك بصورة علنية وقوية المحافل والجمعيات الماسونية المختلفة تحت إشراف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، التي وضعت أمامها هدفاً أساسياً، يتمثل بوقف ما يسمى “المد الشيوعي”. وعمل في هذا المجال بفعالية كبيرة، المحفل الماسوني الشهير “بروباغاندا -2“، برئاسة عميل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ليتشيو جيللي(27).
في عام 1983 وأمام الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي يوري أندروبوف أشاد ميخائيل غورباتشوف والماسوني غيورغي أرباتوف (مدير معهد كندا والولايات المتحدة الأمريكية المرتبط بالمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي ولجنة تخطيط الدولة برئاسة مجلس الوزراء للاتحاد السوفييتي) بزميلهما و”أخيهما” في الماسونية، ألكسندر ياكوفليف الموجود في كندا سفيراً للاتحاد السوفييتي. وبغية الاستعانة به في “البيريسترويكا” المخطط القيام بها، اقترحا على أندروبوف استدعاء ياكوفليف من كندا إلى موسكو.
وبالفعل عاد ياكوفليف ليتسلم موقعاً أساسياً ومفصلياً في الأنشطة والأعمال المعادية للنظام والدولة في الإتحاد السوفييتي. وقد تشكلت لديه شخصياً مجموعة “لنواة صلبة”، قامت لاحقاً بدور كارثي مأسوي في تاريخ البلاد، تكونت من : فيتالي كوروتيش، يوري أفاناسييف، يغور ياكوفليف، غافرييل بوبوف، يفغيني بريماكوف، وغيورغي أرباتوف (28).
كانت الدائرة المحيطة بهذه “النواة” ضيقة جداً في بادىء الأمر، ولكن الدعم القوي الذي قدمه لها غورباتشوف جعلها مجموعة قوية نافذة لأبعد الحدود. وهناك مؤشرات عديدة تؤكد أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وسعت لأبعد الحدود أعمالها التخريبية بالاستفادة الكبيرة من مكانة ونفوذ هذه المجموعة المؤثرة في صناعة القرار القيادي. حتى أن إعداد وتحضير عملاء النفوذ أصبح يأخذ (بدعم هذه المجموعة) طابع العمل المؤسساتي المتكامل. وكانت المهمة الرئيسة للمخابرات الأمريكية في الإتحاد السوفييتي، تتلخص في تشكيل فيلق العملاء والخونة (بالدرجة الأولى من الجهاز الحزبي المتفرغ، والمؤسسات العلمية والثقافية)، ممن يتوجب العمل معهم، ويملكون إحساساً بعدم تعرضهم للمساءلة والمحاسبة، إما بإيحاء أو بتوجيه مباشر من أعلى المستويات في الحزب والدولة. إضافة إلى حملات واسعة ترويجية في وسائل الإعلام الخاضعة لمنظري “البيريسترويكا” تعمدت إظهار العملاء والخونة وكأنهم ثلة متميزة من المناضلين في سبيل “الديمقراطية وحقوق الإنسان” و “الفكر الحر”، المعاكس للتخلف و”الجمود العقائدي”… إلخ.
مليارات الدولارات صرفت للخونة عبر بنىً وهيئات وسيطة (مثل: الهيئة الاجتماعية للإصلاحات الروسية، الرابطة الأمريكية “للمساهمة القومية الديمقراطية”، معهد كريبل، ومختلف الصناديق والوقفيات واللجان)، التي انتشرت عشية “البيروسترويكا” في الاتحاد السوفييتي.
مثلاً “معهد كريبل”، والذي أعلن صاحبه ورئيسه الأمريكي روبرت كريبل صراحة وعلى رؤوس الأشهاد أنه قرر “تكريس كل طاقاته وقدراته لتحطيم الإمبراطورية الروسية” (29)، أنشأ شبكة كاملة للعاملين والمتعاونين معه في جمهوريات ومقاطعات الإتحاد السوفييتي السابق، وبمساعدة ودعم هؤلاء العاملين والممثلين والمتعاونين تم تنظيم حوالي خمسين “مؤتمراً تعليمياً”في مناطق مختلفة من الاتحاد السوفييتي مابين تشرين الثاني 1989 وآذار 1992، شملت موسكو، لينينغراد، سفيردلوفسك، فورونج، تالين، فيلنوس، ريغا، كييف، مينسك، لفوف، أوديسا، ييريفان، نيجني نوفغورد، يركوتسك، تومسك. وفي موسكو وحدها أقام المعهد ست ندوات تعليمية حول المناهج المدرسية وسبل تعديلها جذرياً (30).
عبر شبكة المشتغلين والمتعاونين مع “معهد كريبل” وما يمثله ويتقاطع معه من مؤسسات ووقفيات موجهة للإعداد المنهجي الشامل والمتكامل “لعملاء النفوذ”، مرّ وتدرب مئات الأشخاص ممن شكلوا العمود الفقري للكادر التدميري للاتحاد السوفييتي في حقبة “البيريسترويكا”، ونظام الرئيس يلتسن الذي أعقبها، ونخص منهم: غافرييل بوبوف، غالينا ستاروفويتوفا، ميخائيل بولتورانين، ألكسي موراشوف، سيرغي ستانكيفيتش، يغور غايدار، ميخائيل بوتشاروف، غريغوري يافلينسكي، يوري بوليدريف، فلاديمير لوكين، أناتولي تشوبايس، أندريه نويكين، أناتولي شاباد، فلاديمير بوكسير، إضافة إلى عدد كبير من عملاء “الظل” (المتخفين) من حاشية يلتسين، بمن في ذلك رئيس حملته الانتخابية في إقليم “يكاترينبرغ” ألكسي أورمانوف، وكذلك فيروتين و رزنيكوف وناتاليا أندرييفسكايا وألكسندر نازاروف، من الصحفيين المعروفين والإعلاميين العاملين في القنوات الفضائية الروسية المختلفة (31). وبهذا الشكل تكوّن في الاتحاد السوفييتي “الطابورالخامس” من خونة الوطن، وخاصة من مجموعة برلمانيي الأقاليم والمقاطعات، المنخرطين في مايسمى كتلة “روسيا الديمقراطية”(32).
من المؤكد تماماً، أن ميخائيل غورباتشوف عرف من خلال تقارير جهاز أمن الدولة في الإتحاد السوفييتي (كي، جي. بي) معطيات دقيقة وموثقة حول وجود مؤسسات خاصة بإعداد وتدريب “عملاء النفوذ” في البلاد، كما أنه اطلع على اللوائح والقوائم، التي ضمت أسماء “خريجي” هذه المؤسسات التخريبية الخطيرة، لكنه لم يفعل شيئاً، من شأنه ملاحقة هؤلاء العملاء والخونة، أو على الأقل وقف أنشطتهم الهدامة. بل إن غورباتشوف الذي تلقى تقارير قيادة جهاز أمن الدولة (كي. جي. بي)، التي تتضمن معطيات ومعلومات حول وجود شبكة تخريبية معادية للدولة، منع جهاز أمن الدولة (كي. جي. بي) من اتخاذ أية إجراءات لملاحقة المجرمين وإلقاء القبض عليهم بحالة التلبس. والأكثر من ذلك، فإنه غطى بكل قواه، وأظهر دعماً غير محدود “للأب الروحي” أو “عرّاب” عملاء النفوذ في الاتحاد السوفييتي ألكسندر ياكوفليف، بصرف النظر عن الأدلة المقدمة عنه، من الأجهزة الأمنية المختصة، التي لم تترك أي شك عن حقيقة نشاطه التخريبي السري والعلني.
فقد أعلن – على سبيل المثال – الرئيس السابق لجهاز أمن الدولة السوفييتي (كي. جي. بي/KGB) الجنرال كريوتشكوف، أنه : “في عام 1990 حصلت إدارة الجاسوسية ومكافحة التجسس من عدد من المصادر (المصنفة بالموثوقة) على حزمة معلومات شديدة الخطورة في ما يخص ألكسندر ياكوفيلف، تتمحور كلها حول التأكيد أن تقييمات أجهزة الاستخبارات الغربية تجمع على أن ألكسندر ياكوفليف يتخذ مواقف مفيدة للغرب، وأنه يواجه بشكل جيد “القوى المحافظة” في الاتحاد السوفييتي، وأنه يستحق بالفعل أن تبنى عليه الآمال بقوة في أي وضع كان. ولكن، على مايبدو، أنهم (في الغرب) يرون أن ياكوفليف يمكن أن يكون، بل يتوجب عليه أن يكون أكثر صلابة وفعالية، ولهذا جرى تكليف أحد ممثلي الاستخبارات الغربية بإجراء لقاء وحوار صريح ومناسب مع ياكوفليف، وأن يعلمه بأنهم ينتظرون منه المزيد ” (33).
وحتى بعد حصوله على هذه المعلومات، فقد رفض غورباتشوف إتخاذ إي إجراء. كل ذلك وغيره أكد بما لايقبل الشك ليس الصلة الخاصة بين ياكوفليف وغورباتشوف وحسب، وإنما العلاقة التشابكية والتنسيق المباشر بين قادة وزعماء “البيريسترويكا” (عملاء النفوذ) من جهة، ودوائر صناعة وتوجيه السياسة الدولية في الأروقة السرية، المتحكمة بالمال والأعمال وشبكات التخريب والتجسس، المتداخلة بحكم المصالح والتوجهات المشتركة مع الماسونية والصهيونية العالمية من جهة أخرى.
أما أولى الأخبار الصحفية المتعلقة بتبعية ميخائيل غورباتشوف “للبنّائين الأحرار” (الماسون) فقد نشرت في 1 شباط عام 1988 في مجلة ألمانية ذات توزيع محدود اسمها “ميرليخت” (“ضوء أكثر”). كما نشرت شهادات مماثلة في الصحيفة النيويوركية “الكلمة الروسية الجديدة” (في الرابع من كانون الأول عام 1989)، موثقة ومؤيدة بصور الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب) وغورباتشوف، يتصافحان وفق الطقس الماسوني المعروف (34).
لكن أقوى الأدلة القاطعة على ولاء غورباتشوف للماسونية، يتمثل باتصالاته الوثيقة جداً بكبار قادة الحكومة الماسونية العالمية، وإدخاله في عضوية واحدة من أعلى الهياكل الماسونية العالمية المسماة “الهيئة الثلاثية”، أو “اللجنة الثلاثية”
(The Trilateral Commission ).
وقد حدد الباحث الروسي المتخصص بدراسة الماسونية في روسيا، أوليغ أناتوليفيتش بلاتونوف، تاريخ منح غورباتشوف عضوية “الهيئة الثلاثية” (للماسونية العالمية)، بالأول من شهر كانون الثاني عام 1989، عندما جرى لقاء خاص (مغلق) في موسكو بين قادة ومنظري “البيريسترويكا” في الاتحاد السوفييتي، ومن يسمون “الإخوة” (الماسونيون)، العاملين حسب زعمهم لـ”خير وصالح البنّاء الكوني الأعظم”و “النظام العالمي الجديد” (35).
وقد مثّل “الهيئة الثلاثية” في ذلك الاجتماع رئيسها ديفيد روكفلر (وهو في الوقت نفسه رئيس “مجلس العلاقات الخارجية” للماسونية العالمية) وهنري كيسنجر، رئيس منظمة “بناي بريت” (36)، وضمت إضافة إليهما كلاً من جوزيف بيرتوان، فاليري جيسكار ديستان، ياسوهير ناكاسوني (الذي كان رئيساً لوزراء اليابان من عام 1982-1987 ) وغيرهم من زعماء عالميين ماسونيين من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وآسيا.
ومن الجانب السوفييتي، حضر إضافة إلى ميخائيل غورباتشوف الإجتماع كل من ألكسندر ياكوفليف، إدوارد شيفارنادزة، غيورغي أرباتوف، يفغيني بريماكوف، فاليري فيدفيديف وآخرون غيرهم. وبنتيجة المباحثات السرية جرى الإتفاق على القيام “بأنشطة مشتركة”، لكن لم تعرف طبيعتها وتفصيلاتها في ذلك الحين إلا لعدد محدود جداً من الشخصيات القيادية المقربة من غورباتشوف. غير أن الأمور أصبحت أكثر وضوحاً وجلاء في نهاية ذلك العام، عندما سافر غورباتشوف برئاسة وفد ضم المجموعة ذاتها (التي تباحثت مع “الهيئة الثلاثة” بموسكو)، إلى جزيرة مالطا، للقاء الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب). حيث يميل “كثير من الخبراء إلى الاعتقاد، بأن مالطا (لما لها من رمزية معروفة في الماسونية العالمية) أصبحت المكان الأساسي للقاءات الوجاهية المباشرة بين غورباتشوف وبوش (الأب)، والتي سرعان ما أدت إلى إنهاء الإتحاد السوفييتي وحصول الإنهيار المعروف في بلدان أوروبا الشرقية”(37).
إن عقد الاتفاقية في جزيرة مالطا بالذات، يحمل معنىً رمزياً كبيراً، حيث ارتبط اسمها تاريخياً بمحفل “فرسان مالطا”، وتعد عاصمته أو المقر الرئيس والعام له. وهو يشكل منظمة ماسونية على صلة وثيقة جداً بكل من “الهيئة الثلاثية” ومجموعة “نادي بيلدربرغ”، الأمر الذي يعني أن هذه الاتفاقية ترمز إلى مرحلة جديدة من هيمنة منظومة السياسة العالمية المشار إليها على سلوك وقرارات قادة الدولة والحزب من “عملاء النفو ذ” وخونة الوطن السوفييتي، وعلى رأسهم ميخائيل غورباتشوف وبطانته القريبة والمؤثرة.
والجدير بالذكر أن الوسيط بين غورباتشوف و “الهيئة الثلاثية” كان هو المضارب المالي العالمي، الماسوني وعميل جهاز “الموساد” الإسرائيلي جورج سوروس (38)، الذي أسس في عام 1987 مايسمى “صندوق سوروس – الإتحاد السوفييتي”، وتفرع عنه لاحقاً الصندوق السوفييتي – الأمريكي بعنوان “المبادرة الثقافية”، وهي مؤسسة معادية صراحة وعلانية للقيم الثقافية والحضارية والأخلاقية الروسية.
في عداد الموظفين والنشطاء في “صندوق سوروس” انخرط عدد من أبرز الشخصيات المعروفة باللاوطنية وكراهيتها الشديدة لتاريخ روسيا والثقافة الروسية (المصابة بما يسمى عقدة الخوف المرضي من كل مايتصل بروسيا)، مثل يوري أفاناسييف، رئيس تحرير مجلة “الراية” (“زناميا”)، غريغوري باكلانوف، المنظر لتحطيم ومحو القيم الروسية وروسيا التقليدية، تاتيانا زاسلافسكا الداعية الإيديولوجية والفكرية لعلم الاجتماع الغربي والليبرالية في المجتمع الروسي المعاصر، والمحامي الشهير بفضائحه الكبيرة والمخزية أندريه ماكاروف، وقاضي المحكمة الدستورية في روسيا الاتحادية والعضو الناشط في “نادي البيريسترويكا الديمقراطية” إرنست أميتيستوف. ومن أموال سوروس مولت أنشطة السياسيين المعادين لروسيا والإتحاد السوفييتي، ممن لعبوا دوراً كارثياً في مصير البلاد (39).
في عام 1989 دعا جورج سوروس في مجلة “الراية” (“زناميا”) بعددها رقم 6 للنضال ضد الحركة الوطنية الروسية، التي رأى فيها الخطر الأعظم في مواجهة منظومة السياسة العالمية وتوجهاتها المحددة (40).
في عام 1990 موّل سوروس تكاليف رحلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، خصصت لمجموعة اشتغلت ببرنامج لتحطيم الاقتصاد السوفييتي يدعى “500 يوم” برئاسة غريغوري يافلينسكي (الذي أصبح لاحقاً رئيساً لكتلة “يابلوكو” البرلمانية المعروفة)، وتبعها في مرحلة أخرى ترتيب وتمويل رحلة أعضاء “فريق غايدار” (عندما لم يصبحوا بعد أعضاء في الحكومة).
وكذلك موّل “صندوق سوروس” تأسيس عدد من دور النشر والأقنية الفضائية المعادية للإتحاد السوفييتي وروسيا، بالإضافة إلى إعداد وتدريب عدد كبير ممن أطلق عليهم تسمية “المتخصصين المستقلين بالبث الإذاعي- التلفزي” (41).
والحقيقة أنه لدى تتبعنا لأوجه الأنشطة والفعاليات المتعددة والكثيرة لـ “صندوق سوروس” في الإتحاد السوفييتي السابق، خاصة في مرحلة ما يسمى “البيريسترويكا” وما تلاها في روسيا (أيام يلتسين)، فقد فوجئنا ليس بالحجم الهائل لهذه الفعاليات واتساع خريطة المدن والبلدات والأقاليم التي غطتها، وإنما بالطابع المنهجي الدقيق والمنظم والتفصيلي لبرامجها المختلفة. وهوما يخلق انطباعاً حقيقياً واستنتاجاً منطقياً أن وراء جورج سوروس و”صندوقه” العالمي تقف منظمة شديدة التأثير والفعالية والدقة.
ولهذا فإننا لن نتفاجأ إذا ما عرفنا بعد بضع سنوات أن “صندوق سوروس” بأسمائه الفرعية الكثيرة إن هو إلا واجهة أخرى لأعمال وأنشطة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والتي قامت من خلالها الحكومة الأمريكية وأجهزتها المعنية بتوزيع الأموال الطائلة لشراء الأشخاص والمؤسسات والهيئات، لتشكيل “فيلق عملاء النفوذ”، الذي أنيطت به مهمة تحطيم الإتحاد السوفييتي وإزالته من الخارطة الجيوسياسية العالمية.
فمن دون أي عائق أو مانع نمت شبكة ممن أطلق عليهم صفة “العاملين الطوعيين في صندوق سوروس”، والذين كان الجزء الأعظم منهم يشكلون مزيجاً من العناصر الماسونية، والصهيونية، وعملاء أجهزة الاستخبارات الغربية. والواقع أنه بسبب الدعم المفتوح الذي تلقاه “الصندوق” من أعلى المستويات في عهد “البيريسترويكا” صار يتحرك بمنتهى الحرية والدينامية. ومن وجهة نظر المحللين والمراقبين (غير الروس)، فقد “أصبح جورج سوروس – في عهد غورباتشوف ويلتسين- من أكثر الشخصيات تأثيراً ونفوذاً في مساحة جغرافية هائلة، تمتد من شاطيء نهر الرين إلى جبال الأورال” (42). وكما بينت الوقائع الملموسة لتلك السنوات، فقد تحول “صندوق سوروس” بحقيقة الأمر إلى “القوة المتقدمة” للاستطلاع والتمهيد للانقضاض على الدولة والمجتمع السوفييتي، من خلال سلسلة مترابطة، مدروسة من الأنشطة والبرامج، الموجهة لتغيير أفكار الناس ورؤاهم بروح الماسونية، وغرس نمط الحياة الأمريكية، القائمة على النهب الطفيلي للاقتصاد السوفييتي وثروات روسيا وخيراتها، بما في ذلك العمل المنهجي الحثيث لتأمين عملية نزيف خطير للأدمغة العلمية الروسية باتجاه الكيان الإسرائيلي والغرب، لإفراغ البلاد من أعظم وأقوى ثرواتها وكفاءاتها التي لا تقدر بثمن (43).
رابعاً: العدّ النهائي لإعلان زعامة غورباتشوف
بالعودة إلى غورباتشوف، نشير إلى أنه قرأ في بداية ثمانينيات القرن الماضي كماً كبيراً من أدبيات التحريفية الماركسية والتخريب الفكري، ونقصد بها أفكار وأطروحات “الشيوعية الأوروبية” وما يماثلها في الاتجاه نفسه من أعمال ومؤلفات ماسونية معاصرة حول كيفية الوصول إلى للسلطة، وتشكيل الفرق المؤيدة، وإزاحة المناوئين، وتغيير اتجاه البلاد، وغير ذلك من الأساليب والتكتيكات السياسية.
وعندما زار غورباتشوف روما في عام 1984 التقى بأبرز أعضاء “نادي روما” الماسوني العالمي الشهير. وفي ذلك العام لفت غورباتشوف أنظار مارغريت تاتشر (رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك)، والتي صرحت: “إننا سنعمل شيئاً مشتركاً مع غورباتشوف”، ودعته لزيارة لندن.
وعند قيامه بتلبية دعوة “صديقته” الجديدة مارغريت تاتشر عام 1984، اقترحت عليه إرساء صداقة مع رونالد ريغان، حيث أجرى معه محادثة هاتفية مطولة من مكتب تاتشر.
وهكذا رأى أعداء وكارهو الاتحاد السوفييتي و روسيا في غورباتشوف قبل عام واحد من انتخابه أميناً عاماً للحزب الشيوعي السوفييتي “رجلهم” المستقبلي في موسكو. وكان الماسونيون – قادة العولمة وإمبرياليو الولايات المتحدة وبريطانيا الأكثر سعادة بوصول غورباتشوف للسلطة.
في اجتماع المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي في 11 آذار /مارس عام 1985 انتحب ميخائيل غورباتشوف أميناً عاماً للحزب. وجاءت المبادرة بطرح هذا المقترح من قبل أندريه غروميكو. وسار الاجتماع بحسب التقليد المتبع في مثل هذه الحالات، حيث انهالت عبارات المديح والثناء النفاقية المكشوفة على “مواهب” وشمائل “المالك” الجديد لشؤون الحزب والبلاد والناس. أما غورباتشوف فقد وعد أعضاء المكتب السياسي بأنه سيبقى متمسكاً “بالعمل الجماعي” و”وحدة” القيادة، ساعياً من أجل ترسيخ “أسس التعاون” وخلق مناخ موات للتفاهم الرفاقي البناء.
وأكد في هذا الاجتماع أنه “لا يلزمنا تغيير سياستنا. فهي جيدة وسليمة، سياسة لينينية صحيحة. لكن يلزمنا إيقاعات قوية. تدفع للأمام، وكشف الثغرات للتخلص منها وتجاوزها، وأن نرى بوضوح أكثر مستقبلنا الزاهر”.
والحقيقة أن غورباتشوف الذي أختير لهذا المنصب الكبير لم يكن مرتبطاً بالشعب الروسي، ولم يكن حتى ممتلكاً للحدود الأولية المطلوبة من الحس الوطني والوعي القومي، بل عرف في الأوساط الضيقة القريبة منه بعدائيته الشديدة للثقافة والذاكرة التاريخية الزطنية للشعب الروسي، مقابل إعجابه وانبهاره بما يسمى “بقيم الحضارة الغربية، وإنجازاتها الإنسانية العظيمة”. وقد رسم غورباتشوف لنفسه صورة “القائد العالمي”المتعالي على الأسس والمبادىء الوطنية والقومية، أو المحلق في فضاء العدمية، التي تبشر بها الماسونية المعادية لروسيا وثقافتها وجذورها السلافية المسيحية الحضارية. ولهذا وجد غورباتشوف بسهولة ويسر لغة مشتركة مع عدد من الشخصيات المعروفة بكراهيتها لروسيا والروس، مثل مارغريت تاتشر وجورج بوش (الأب)، وهيلموت كول وفرانسوا ميتيران.
لقد برهنت كثير من الدراسات والتحليلات النفسية والسلوكية أن غورباتشوف لم يكن ذكياً، ولم يكن عميق الثقافة، بل كانت ثقافته محدودة تماماً، ولا سيما في المجال السياسي والاقتصادي. حتى أن معظم “تحليلاته” وآرائه أقرب إلى الضحالة والجهالة والخفة والغباء.
وربما أسهمت هذه النقائص الكبيرة في تركيز الماسونية والصهيونية العالمية عليه، والنظر إليه كصيد سهل بالنسبة للسياسيين الغربيين المخضرمين، الذين عرفوا كيف يلعبون على نقاط الضعف العديدة في شخصية هذا المسؤول السوفييتي “الكبير”. وعندما تم تغطيسه تماماً في مستنقع الماسونية العالمية أظهر سذاجة حقيقية، والتزاماً مطلقاًَ بالإملاءات المباشرة التي انهمرت عليه من جانب قادة و”ملهمي” “النظام العالمي الجديد”.
ونظراً لعدم امتلاكه حتى البذور الأولية للإدراك والوعي الروسي الوطني – القومي، فقد أصبح مرّوجا وداعية نموذجياً لأفكار وأطروحات “الكوسمبوليتية” (44) العالمية.
إضافة إلى أنه بسبب محدوديته الفكرية والسياسية، التي أشرنا إليها، دعا غورباتشوف إلى أطروحة “التفكير السياسي الجديد”، دون إدراك أنه يكرر آراء وأفكار “الكوسمبوليتية” والماسونية العالمية. وفي إطار النقائص التي اتسمت بها شخصية غورباتشوف أصبح بالنسبة للاتحاد السوفييتي شديدة الخطورة في مرحلة تكثيف وتركيز الجهود للحرب ضد البلاد.
كموظف تقليدي في جهاز الحزب الشيوعي، فرز غورباتشوف الناس ليس بسبب قناعاتهم، بل بموقفهم منه شخصياً. وحتى عندما أصبح الشخصية الثانية في الحزب، استأنف غورباتشوف تقسيم الناس إلى “أوفياء شخصيين” له وغير أوفياء.
خلال عام واحد، من آذار 1985 ولغاية شباط 1986، أزاح بصورة تدريجية، ولكن بتصميم قوي من تشكيلة المكتب السياسي الأعضاء الأكثر خطراً عليه وأدخل بدلاً عنهم أصحابه الموثوقين .
ومن أجل أن يضمن الأكثرية أدخل في نيسان (1985) (دون المرور بمرحلة المرشح) نيكولاي ريجكوف وييغور كوزميتش ليغاتشوف وليف نيكولايفتش زايكوف.
وفي الاجتماع الكامل للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي في تموز 1985 تم إعفاء غيورغي رومانوف من عضوية المكتب السياسي، وفي اجتماع تشرين الأول/اكتوبر 1985 تم إزاحة نيكولاي تيخونوف، وفي الاجتماع الكامل للجنة المركزية في شهر شباط (1986) تم إعفاء فيكتور غريشين.
في السياسة اعتمد غورباتشوف مبدأ “فرّق تسد”. وفي المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي عين للعمل الإيديولوجي ييغور ليغاتشوف وألكسندر ياكوفليف الشخصين اللذين كانا في وضعية مجابهة حادة دائمة وكراهية متبادلة. وكما كتب فاليري إيفانوفيتش بولدين رئيس مكتب الرئاسة، أي رئيس مكتب غورباتشوف ” فإن الأمين العام للحزب لم يضرب أنصاره ببعضهم دون تفكير أو خطة مدروسة، بل إنه انطلق من إذكاء الصراع في مابينهم، ليجعلهم يضعفون بعضهم بعضاً… ويصبحون فاقدي القوة. وفي متابعته لهذا الصراع، ضحك غورباتشوف بهدوء وسعادة… “. فكل مصارع منهما شكل معسكره الخاص من أنصاره ومؤيديه، ولكن موضوعياً فإن كفة ياكوفليف أصبحت هي الراجحة.
وفق كلام غورباتشوف، فإن الجهاز الإدراي الحزبي المتفرغ كان يجب أن يتقلص من حيث المبدأ، ولكن غورباتشوف وسّع من حوله الكادر الوظيفي، الذي استغل إمكانياته في صراعه ضد منافسيه السياسيين.
وكان يعد نفسه نموذجاً في النظام والدقة والعمل المستقيم، لكنه لم يبخل باستعمال أي وسيلة، لتعريف الجميع بمنافسيه، ومناصريه وحاشيته، وفرض رقابته على أنشطتهم وتحركاتهم جميعاً.
ومع أن غورباتشوف تمتع بامتيازات هائلة بحكم موقعه القيادي في الحزب والدولة، ولم يكن بحاجة لأي شيء في أثناء رحلاته وزياراته الخارجية، فقد أمر بمنح نفسه وزوجته مهمات مالية ضخمة، جرى صرفها لمشتريات خاصة، إضافة إلى جلبهما مجوهرات ثمينة جداً وهدايا بأطقم كاملة.
وما يؤكد وجهة النظر القائلة إن غورباتشوف لم يعمل بمفرده أو مع ألكسندر ياكوفليف وغيورغي أرباتوف وحسب، فإن المؤتمر السابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي (المنعقد في عام 1985) لم يسفر عن انتخاب أي شخص في تركيبة الأجهزة القيادية، ممن أعربوا عن اهتمامهم بمصالح الشعب الروسي، حتى ولو بصورة غير مباشرة. وبالنتيجة فإن الكادر السياسي لغورباتشوف، المتمثل باللجنة المركزية، والمكتب السياسي وسكرتارية اللجنة المركزيةأصبحت أكثر تبعية للقوى العالمية. بل إنه حتى بعض الأشخاص الذين أصبحوا في عداد أعضاء المكتب السياسي، ومالوا مؤخراً إلى المعسكر الوطني (ليغاتشوف، ريجكوف، فوروتنيكوف)، في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، كانوا مجرد شيوعيين أمميين عاديين مع جهوزيتهم لتنفيذ أية تعليمات وتوجيهات “كوسمبوليتية” ماسونية يعطيها لهم “معلمهم” الجديد في الكرملين غورباتشوف.
- أما أولى التشكيلات (الماسونية العالمية)، التي ظهرت في الاتحاد السوفييتي، وحصلت على موافقة من السلطات الرسمية، فهي المنظمة اليهودية- الماسونية العالمية المسماة “بناي بريت”. حيث أعطى الموافقة على عملها غورباتشوف شخصياً، بطلب من رئيسها هنري كيسنجر. ففي أيار 1989 أعلنت المجلة الشهرية الباريسية “L‘Arche” ، أنه في الفترة مابين 23 ولغاية 29 كانون الأول / ديسمبر 1988 زار موسكو وفد من الفرع الفرنسي لمنظمة “بناي بريت” برئاسة مارك آرون. حيث افتتح أول فرع تابعة لهذا المحفل في أثناء زيارة الوفد المذكور ضم 63 عضواً. وفي ذلك الوقت جرى أيضاً تأسيس فرعين آخرين في كل من مدينتي “فيلنوس” و “ريغا” (عاصمتي إستونيا ولاتفيا)، تبعهما افتتاح خلوات أو فروع مماثلة في مرحلة لاحقة في كل من سانت بطرسبرغ (لينينغراد)، كييف، أوديسا، نيجني نوفغورود، ونوفوسيبيريسك (45). علماً أن جميع الناس، بمن في ذلك غورباتشوف نفسه، يعرفون ماهية وطبيعة هذه المنظمة العنصرية ، التي لا تقبل في عضويتها سوى اليهود. وقد وضع أمام هذه الخلوات أو فروع “بناي بريت” هدف أساسي يتمثل بتجزئة وتفتيت الاتحاد السوفييتي، ومن ثم روسيا بعد ذلك، والقضاء على الشعب الروسي. وهو مخطط مطلوب من منظمة “بناي بريت” الصهيونية، يتطابق تماماً ويتسق مع ما جاء في “بروتوكولات حكماء صهيون” وغيرها من البرامج والمخططات الصهيونية العالمية.
وبالتزامن مع إنشاء فروع “بناي بريت” المشار إليها، افتتح في بداية عام 1989 في موسكو “مركز سولومون ميخويليس الثقافي – التنويري” لإعداد الحاخامات اليهود. وكذلك بدئ بتنفيذ حملة لإنشاء المنظمات الصهيونية في مختلف مدن الاتحاد السوفييتي، مثل: “العودة لصهيون”، “حركة الصهاينة” (“إرغون تسيوني”)، “جمعية الصداقة مع إسرائيل” والجماعات الصهيونية الشبابية شبه العسكرية “بيتار”، بالإضافة إلى عدد كبير من النقاط الثقافية اليهودية العاملة بإسم مسرح “شالوم” (السلام) اليهودي في الإتحاد السوفييتي.
في عهد غورباتشوف وعصابة “البيريسترويكا” الماسونية المتصهينة ظهرت مجموعة كبيرة من الصحف الصهيونية، مثل ” اليهودي و البيريسترويكا” ، “شعبي” وغيرهما.
في هذا السياق افتتحت رسمياً في موسكو في شهر آب 1989 أعمال “المنظمة الصهيونية” (“إرغون تسيوني”). وهي منظمة تعمل بالدرجة الأولى في مجال تعليم ونشر اللغة العبرية للأطفال والناشئة اليهود. وفي هذا الإطار افتتحت “مدرسة الأحد” للأطفال (حيث يجري فيها تعليمهم اللغة العبرية والتاريخ اليهودي)، كما بدأت تطبع وتوزع الكتب المدرسية اليهودية، الموجهة لتحريض اليهود السوفييت على المغادرة والهجرة إلى “إسرائيل”.
وفي كانون الأول/ديسمبر 1990 عقد المؤتمر التأسيسي لما سمي “فيدرالية يهود الإتحاد السوفييتي”، الذي حضره مئة وخمسون مندوباً يمثلون 110 منظمات وجمعيات صهيونية من حوالي 60 مدينة سوفييتية، حيث جرت أعماله في مسرح “شالوم” اليهودي. وكان من أبرز أهدافه خلق رافعة يهودية- صهيونية “للإسهام الفعال في تحرير اليهود وإسقاط الإمبراطورية السوفييتية”. وبالفعل فقد لعبت هذه “الفيدرالية” الصهيونية دوراً خطيراً في تهجير اليهود السوفييت إلى “إسرائيل” بصورة جماعية. والإسهام في تفكيك الاتحاد السوفييتي في عام 1991 (46).
في ظل الأجواء ” الإيجابية جداً” التي وفرتها “البيريسترويكا”، نشطت بدءاً من عام 1989 بصورة علنية ومكشوفة في جميع أراضي الإتحاد السوفييتي، الدعايات والأفكار والشعارات التخريبية الماسونية، مترافقة مع حملات منظمة لتجنيد أعضاء جدد وخاصة من النشطاء في المجتمع والتجمعات المهنية والنقابية والشعبية، لصالح الجمعيات والمنظمات السرية المرتبط بالخارج.
وتحت مختلف العناوين جرى حشد الناس في أطر وهياكل متنوعة للإستماع إلى محاضرات ودراسات وتقارير قدمها أشخاص ماسونيون في قاعات ضخمة، أو من خلال المطبوعات والمنشورات الأنيقة، أو عبر إذاعات وأقنية فضائية خاصة، تزعم “الإستقلالية” و “الحوارات الحرة المفتوحة” و”نشر الوعي بالديمقراطية وحقوق الإنسان”… إلخ. وقد لعبت المجمعات الإعلامية الكبيرة المملوكة من قبل أسماء صهيونية معروفة، دوراً أساسياً في إذكاء الفتن والتوترات في مختلف أنحاء البلاد.
مثلاً، من خلال ” صندوق سوروس” (الذي تحت غطائه عملت أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية) مولت على أراضي الإتحاد السوفييتي كثير من الأنشطة والكتابات والتحليلات والدعوات المعادية للماركسية والشيوعية والفكر الإشتراكي وحتى للنظام السوفييتي ذاته، وذلك في صحف ومجلات: “زناميا” (الراية)، “أكتيابر” (تشرين الأول/ أكتوبر)، “زفيزدا” (النجمة)، “إنيسترانّيا ليتراتورا” (الآداب الأجنبية)، “دروجبا نارودف” (صداقة الشعوب)، “نوفي مير” (العالم الجديد)، “تيترالنيا جيزن” (الحياة المسرحية) وغيرها (47).
في أواسط تسعينيات القرن الماضي بلغ عدد المنظمات الصهيونية في الإتحاد السوفييتي أكثر من 500 منظمة، موجهة لتقسيم وتفتيت الإتحاد السوفييتي وروسيا من بعده، وكذلك لتحطيم الثقافة الروسية ومكونات الأمة الروسية. وبموازاة ذلك خلقت كل الظروف والإمكانات لتنشيط وتفعيل الخلوات والجمعيات الماسونية لاستيعاب الناس من مختلف القوميات والمعتقدات الدينية، ولكنها أخضعت كلها وبكل مكان للعناصر اليهودية الصهيونية (48).
وتنفيذاً لطلب “مرشديه الكبيرين” في الماسونية مارغريت تاتشر ورونالد ريغان، وبغية تأكيد ولائه التام لـ”إسرائيل” والصهيونية العالمية، أمر غورباتشوف في عام 1987 بالإفراج عن جميع السجناء والمعتقلين السياسيين من قياديي ونشطاء الحركة الصهيونية في الإتحاد السوفييتي. حيث غادر باتجاه الكيان في ذلك العام وحده أكثر من 8100 شخص. وقد ألغيت جميع القيود على هجرة اليهود في شباط 1988. ومن هذا التاريخ بدأت موجات من الهجرة اليهودية شبه الجماعية من الاتحاد السوفييتي إلى “إسرائيل”، وتقلصت لأبعد الحدود المنشورات والأدبيات الرسمية المعادية للصهيونية. وفي أواخر عام 1989 غادر عملياً كل الذين كان يحظر عليهم ذلك ممن كانوا يعملون في أماكن استراتيجية عسكرية، أو ممن لهم علاقة وظيفية بأسرار الدولة. وقد أدى انهيار الاتحاد السوفييتي، وما أعقب ذلك من مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية واسعة في “رابطة الدول المستقلة” إلى تعاظم موجات الهجرة اليهودية، الممولة عالمياً وصهيونياً. ففي الفترة مابين عامي 1989-1991 وصل إلى “إسرائيل” من الاتحاد السوفييتي أكثر من 343 ألفاً من طالبي الهجرة والإقامة.
ويقدر الحجم العام لما سمي “الموجة العالية” أو ” العودة الكبرى”من الاتحاد السوفييتي ومناطق “رابطة الدول المستقلة” إلى “إسرائيل” خلال سنوات حكم غورباتشوف (من آذار 1985 لغاية كانون الأول 1991) أكثر من مليون يهودي (49).
وطبقاً لما ذكره عوزي غدور مدير قسم خدمات الاستيعاب في “وزارة الاستيعاب” الإسرائيلية، فإنه منذ بداية الهجرة الواسعة (سنة 1989) إلى نهاية عام 1991، كان في “إسرائيل” بين المهاجرين الجدد: 10 آلاف عالم، 87 ألف مهندس، 45 ألف تقني، 38 ألف معلم، 21 ألف طبيب، 18 ألفاً من رجال الفن، 20 ألف أكاديمي في العلوم الإجتماعية (50). وبحسب البروفسور يرمياهو برنوبر من “جامعة تل أبيب” ورئيس قسم الأبحاث الإسرائيلية في قطاع الطاقة، فإن 20% من المهاجرين الجدد هم من حملة الشهادات العلمية في مجالات الهندسة والفيزياء والكيمياء والتكنولوجيا.
وفي إمكان طاقة كهذه أن تحول إسرائيل إلى ما يشبه اليابان من الناحية التكنولوجية (51).
هذه “الهدية” النوعية الكبرى التي قدمها غورباتشوف وعصابته الماسونية الصهيونية، جعلت رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بينيامين نتنياهو يتفاخر في حديث له أمام المؤتمر الإسرائيلي السنوي، الذي عقد في شهر حزيران عام 1998، قائلاً بصلافته المعهودة، إنه لا يضع قضية السلام مع العرب في رأس سلّم اهتماماته، مسوغاً ذلك بقوله : “إن إسرائيل أصبحت اليوم في المرتبة الرابعة والعشرين بين الدول المتقدمة، فهي في المرتبة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة، من حيث معاهد الأبحاث والعلوم، وفي المرتبة الثانية بعد ألمانيا في عدد المهندسين قياساً إلى السكان، وفي المرتبة الرابعة بعد اليابان والولايات المتحدة وفنلندا من حيث استيعاب التطورات التكنولوجية والدخل القومي” (52).
وللعلم نشير في هذا السياق إلى أن أعداد المهندسين مثلاً الذين استقبلهم الكيان الصهيوني من ضمن ” الموجة الكبرى” أو “العالية” القادمة من الاتحاد السوفييتي، تزيد أكثر من ثلاث مرات عن أعداد المهندسين الذين كانوا يعملون في “إسرائيل” قبل مجيء هؤلاء المهاجرين، والأمر نفسه تقريباً ينطبق على الاختصاصات والكوادر العلمية والمهنية الأخرى.
أما آخر”هدية” كبرى قدمها غورباتشوف لـ “إسرائيل” و الصهيونية العالمية، فقد جاءت قبل أقل من عشرة أيام فقط من إعلانه الكارثي القاضي بحل الاتحاد السوفييتي (في 25 كانون الأول/ديسمبر 1991)، من خلال طلبه للوفد السوفييتي في هيئة الأمم المتحدة، “الانخراط الفعال” والحاسم في العمل لإنجاح المشروع المطروح على الجمعية العامة للأمم المتحدة بإلغاء قرارها رقم 3379 (د- 30) تاريخ 10/11/1975، الذي يتضمن أن “الجمعية العامة للأمم المتحدة تقر بأن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”… وبالتالي إلغاء كا ما ترتب على” هذا القرار من إجراءات وأفعال وآثار” (53).
وقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها وأتباعها وعملاؤها القدامى والجدد، ومن بينهم غورباتشوف طبعاً بإجبار الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي خطوة غير مسبوقة، على إلغاء القرار المذكور، واستبداله بالقرار رقم 8646 تاريخ 16/12/1991، الذي صوتت لصالحه 111 دولة، وعارضته 25 دولة، وامتنعت 13 دولة عن التصويت، وتغيبت 17 دولة عن الحضور. وجاء قرار الإلغاء في كلمات معدودة صاغها نائب وزير الخارجية الأمريكية عندئذ لورنس إيغلبرغ، على النحو التالي: “تقرر الجمعية العامة للأمم المتحدة إلغاء (طي)الحكم الوارد في قرارها رقم 3379″.
وكان “صديق” غورباتشوف أو بعبارة أدق “معلمه الأعظم” خادم الصهوينية والماسونية الرئيس رونالد ريغان قد وجه في الذكرى الأربعين لإنشاء هيئة الأمم المتحدة، كلمة إلى المنظمة الدولية يبلغها فيها رسمياً بأن “القرار 3379 أبشع قرار أتخذته الأمم المتحدة في مجمل تاريخها”، وطالبها بالعمل الجاد والفوري على إلغائه.
لكن اللافت للانتباه في الموقع الرسمي “للمؤسسة الاجتماعية الدولية للدراسات الاجتماعية- الاقتصادية والسياسية” (“صندوق غورباتشوف”) على شبكة “الانترنت”، الذي يحتوي على آلاف الوثائق والخطب والمقابلات وصور الزيارات والأنشطة الرسمية وغير الرسمية لميخائيل غورباتشوف، غيبت بشكل مقصود تصريحاته المخزية، التي أدلى بها في أثناء زيارته (التي وصفت بـ”الخاصة”)للكيان الصهيوني في شهر حزيران من العام 1992. لكن بعض الصحفيين والباحثين الروس تتبعوا ونبشوا في هذه المسألة، ووجدوا في الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية أخباراً تتعلق بهذه الزيارة، مع تقرير عن “العمل الناجح المشترك” للطرفين (الصهيوني والغورباتشوفي)، المتمثل بتنفيذ خطة إسقاط الاتحاد السوفييتي، والقضاء على الشيوعية، لصالح الإيديولوجية الصهيونية، تحت شعار الحفاظ على حقوق الإنسان (اليهودي).
وقد جاء في الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية باللغة الإنكليزية الخبر التالي (54):
“ By June 1992…a week before the elections, Israel hosted former Soviet president Gorbachev…In his talks in Israel he admitted that in the struggle between Zionism and Communism Zionism triumphed and Communism collapsed. Israel paid tribute to Gorbachev for his role in opening the former USSR for massive Jewish emigration ’’
وترجمته كما يلي:
” في حزيران 1992… وقبل أسبوع من الانتخابات في إسرائيل استقبل (رئيس الوزراء اسحق شامير ووزير الخارجية ديفيد ليفي / خ. ج) الرئيس السابق للاتحاد السوفييتي غورباتشوف ، الذي اعترف في كلماته التي ألقاها في إسرائيل، أنه في الصراع بين الصهيونية والشيوعية، انتصرت الصهيونية وهزمت الشيوعية. إن إسرائيل تقدم واجب الامتنان لغورباتشوف، ولدوره في فتح أبواب الاتحاد السوفييتي السابق أمام الهجرة الجماعية لليهود”.
“خدمات غورباتشوف” الهائلة، التي قدمها للغرب والماسونية والصهيونية لا تعد ولا تحصى، ويصعب جداً التوقف عند تفاصيلها في دراسة واحدة. بعضها أصبح معروفاً ومتداولاً على نطاق واسع، في حين مايزال قسم منها طي السرية والكتمان، إذ أنه يشكل جزءاً من أسرار الأمن القومي للدول والمنظمات والأجهزة التي عملت مع غورباتشوف وفريقه الخياني، منذ سبعينيات القرن الماضي ولغاية تفكيك الإتحاد السوفييتي رسمياً في نهاية عام 1991، وصولاً إلى تتويج المؤامرة بمرحلة يلتسين التدميرية المفضوحة، التي قادها مباشرة فريقه الصهيوني النهبي، المعروف بعدائيته الشديدة للأمة الروسية وتاريخها وحضارتها ومستقبلها.
فلهذه ” الخدمات” الرهيبة، التي قدمها “خائن روسيا الأكبر” (كما يوصف في عموم روسيا وفي مختلف الأوساط السياسية والبرلمانية والحقوقية والأكاديمية والإعلامية والشعبية وبنسبة تجاوزت 80% من المواطنين الروس)، منحت جامعة بن غوريون” (مقرها في منطقة النقب بجنوب فلسطين المحتلة) خادم الصهيونية العالمية غورباتشوف ” في عام 1992 وسام “نجمة البطل”، كما منحته في العام نفسه “جمعة بار إيلان” (في مدينة رامات غان بفلسطين المحتلة) شهادة الدكتوراه في الفلسفة.
أما قيادة الجالية اليهودية في “نيويورك” (حيث المركز الرئيس للصهيونية العالمية)، فقد منحته في العام 1997 جائزة “الملك داود” بالنجمة السداسية الكريستالية، إعترافاً بـ”دوره العظيم في إنقاذ وتحرير اليهود في الإتحاد السوفييتي” (55). وفي حفل تتويجه بهذه الجائزة اليهودية الرفيعة، خاطبه الحاخام الأكبر في “نيويورك” أرتور شنايدر، قائلاً: “إنكم كمؤسس للشفافية والبيريسترويكا، شكلتم مبادرة سياسية، غيرت مسار الأحداث العالمية في عصرنا الراهن… لصالحنا” (56). كما أن غورباتشوف منح في العام 1998 جائزة “المنظمة النسائية الصهيونية العالمية” (57)، وذلك تقديراً لدعمه الكبير لنضال المرأة في روسيا.
خلاصة:
بعد أشهر قليلة فقط من انطلاق مؤامرة “البيريسترويكا” (في النصف الأول من عام 1985)، افتضحت أهدافها الخطيرة، وانكشفت أدوار ومهمات “عملاء النفوذ” المكلفين بتنفيذ المخططات التدميرية والتفكيكية، كل حسب موقفه ومكانته الوظيفية في الدولة السوفييتية أو في قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي، وعلى رأس هؤلاء الخونة كبيرهم ميخائيل غورباتشوف، الذي صعد على جثث عشرات أو مئات من أقرب رفاقه وأصدقائه في الحزب والدولة، ضمن سلسلة من التصفيات الجسدية أو المعنوية تحت حجج وذرائع وعناوين كثيرة، فصحّت فيه تماماً مقولة لينين الشهيرة “من خان رفيقه فقد خان القضية”. لقد نفذت خطة التفكيك والتدمير الممنهجة، التي تكشفت فصولها شهراً بعد شهر وسنة بعد سنة، ولم يعد بالإمكان أبداً تمويه أهدافها أو التستر على علاقات “أبطالها” المشغلين من الخارج، وفي مقدمتهم ميخائيل غورباتشوف، الذي اتضح الآن بصورة قاطعة وموثقة أنه جند في الماسونية منذ سبعينيات القرن الماضي، وكسحت كل المعوقات أو “المطبات” من أمامه إلى أن أصبح الرجل الأول في قيادة الحزب الشيوعي والدولة السوفييتية في عام 1985. حيث “نجح” في مهمته، واستطاع وفريقه المدرب المختار تنفيذ المطلوب منهم خلال مدة زمنية قياسية لم تتجاوز ست سنوات وعدة أشهر، في حين كان من المتوقع تنفيذ الخطة التدميرية خلال 10-15 سنة من بداية “عملية البيريسترويكا”، بحسب واضعي ومصممي “مشروع هارفارد” متعدد المراحل والوسائل، الذي عرف مؤخراً ، مع أنه أعد في أواسط ستينيات القرن الماضي (قد تكون لنا وقفة تفصيلية بشأنه في دراسة أخرى).
قبل أربع سنوات خلت وبمناسبة عيد ميلاده الثمانين، نظم “أصدقاء” غورباتشوف الجدد على شرفه حفلاً فخماً في قاعة ألبرت الملكية في لندن. بحضور 5500 شخصاً، كان في مقدمتهم نجوم الموسيقا والغناء والسينما العالميين، وكبار الشخصيات السياسية والمالية والاجتماعية. وقد استمر الحفل مدة أربع ساعات متواصلة، وأحيته فرقة “أوركسترا” لندن، وكل من ديمتري خفوروستوفسكي، إيغوركروتوي، كيرتين جينكينز، لارا فابيان، أندريه ماكاريفيتش، وعدد من المجموعات الغنائية الحديثة، مثل “آلة الزمن”، شارلي بيسي، ميل سي، برايان فيري و “الجوقة التركية”… إلخ.
إنه تكريم ملوكي عظيم “يليق بآخر أمين عام للحزب الشيوعي السوفييتي”، شارك فيه عدد كبير من الشرائح والشخصيات الخائنة لروسيا والاتحاد السوفييتي، ومنهم من ساهم في نهب الاقتصاد الروسي ونخره وتخريبه بصورة متعمدة، ضمن الخطة التدميرية الشاملة، التي وضعت لمساتها الأساسية مارغريت تاتشر، التي أكدت إمكانية غورباتشوف الكبيرة في القيام بهذه “المهمة التاريخية الجسيمة”.
وكانت “تزكية” تاتشر لغورباتشوف عند حليفها الأساسي ريغان، حاسمة في “اعتماده” على رأس “عملاء النفوذ الكبار”، المكلفين بالقضاء التام على الاتحاد السوفييتي دون قتال أو مغامرة عسكرية لم يجرؤ الغرب على مدى عقود طويلة أن يقوم بها أو يفكر بانتهاجها. وبعد تولي مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (С. I. A) السابق جورج بوش (الأب) رئاسة الولايات المتحدة أصبح هو المرشد الأعظم لغورباتشوف وموجه تصرفاته وراسم تحركاته، لاسيما في السياسة الخارجية والعلاقات الدولية.
لقد أصبح غورباتشوف في نظر الشعب الروسي والشعوب المتطلعة للتحرر من ربقة الاستعمار ورأس المال المعولم، رمزاً للخيانة العظمى في أخطر أشكالها وتجلياتها ونتائجها.
إنه يشكل “وصمة عار” في تاريخ الأمة الروسية الأرثوذوكسية، التي تعكس روح وقيم الإنسان الروسي خاصة.
لم يكتف “عملاء النفوذ” وعلى رأسهم ميخائيل غورباتشوف بما فعلوه داخل البلاد من تخريب وفساد وإبعاد ممنهج للكوادر الوطنية السوفييتية النزيهة والكفؤة من المراكز المهمة في الاقتصاد والسياسة والثقافة والعلوم والفنون والآداب والجامعات ومؤسسات البحث العلمي والإنتاج العسكري والصناعي، وإنما شكلوا مجموعات عصابية متكاملة الأنشطة والأعمال لنهب وتهريب الموارد الوطنية الأساسية إلى الخارج. ففي السنوات الأخيرة من “البيريسترويكا” جرى نقل (سرقة) ألفي طن من الذهب إلى خارج البلاد. وفي الفترة مابين عامي 1989 و 1991 تجاوز حجم الدين الخارجي المترتب على الاتحاد السوفييتي 44 مليار دولار، في حين لم يكن الاتحاد السوفييتي مديناً قبل كارثة “البيريسترويكا” لأحد، بل كان له عشرات مليارات الديون على عدد كبير من الدول الحليفة والصديقة. أما في لحظة آخر كلمة وداعية وجهها غورباتشوف للشعب كرئيس للبلاد، فكان حجم الدين الخارجي على الدولة قد بلغ 70، 2 مليار دولار (58).
لقد كان من أبرز مساعدي غورباتشوف في تنفيذ الجانب الخارجي من خطة “البيريسترويكا ” التدميرية شريكه ووزير خارجيته إدوارد شيفارنادزه . حيث تركزت جهوده على تحطيم البنية السياسية لدول “معاهدة حلف وارسو”، والتي أعقبتها انهيارات البنية العسكرية لهذا الحلف. وعندما نوقشت مسألة سحب الجيش السوفييتي من ألمانيا الديمقراطية وتوحيد الألمانيتين، سأل المستشار الألماني هلموت كول، كم يتوجب على ألمانيا الغربية أن تدفع للاتحاد السوفييتي تعويضاً عن منشآتها وتحصيناتها ونفقات قواتها الهائلة وتجهيزاتها الضخمة لقواته (التي ستغادر الأراضي الألمانية المتمركزة فيها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في أيار عام 1945)، فردّ عليه غورباتشوف ووزير خارجيته شيفارنادزاه أن الاتحاد السوفييتي لايريد أي تعويضات من ألمانيا الغربية!!.
وهناك في المقابل دراسات وتحليلات موثقة عن تلك المحادثات، مفادها أن هلموت كول عرض على الاتحاد السوفييتي بصورة رسمية وأمام وسائل الإعلام 160 مليار مارك، تعويضاً عن سحب الجيش السوفييتي وقوات “حلف وارسو” من ألمانيا الديمقراطية، وتوحيد الألمانيتين، فطلب غورباتشوف إيقاف المحادثات للتشاور مع وزير خارجيته وشريكه إدوارد شيفارنادزاه، وعندما عادا إلى الاجتماع مجدداً بهلموت كول، خرج الثلاثة ليعلنوا للملأ أنه تم التفاهم على أن تقوم ألمانيا الغربية بتعويض الإتحاد السوفييتي بـ 14 مليار دولار؟! (59).
والجدير بالذكر أن إدوارد شيفارنادزاه أصبح يدعى (في ألمانيا) منذ ذلك الحين بـ “الألماني رقم 2″، بينما أطلقوا على غورباتشوف إسم “الألماني رقم 1″.
وبالمناسبة إليكم ما كتبه جنرال المخابرات السوفييتية (كي. جي. بي) فياتشيسلاف شيرونين بخصوص شيفارنادزاه : “هناك الكثير مما يمكن قوله بشأن شيفارنادزاه في أثناء عمله بمنصب وزير خارجية الإتحاد السوفييتي. فالمعروف أنه في مرحلة “البيريسترويكا” و”الإصلاحات” قد بذل جهوداً كبيرة (وكذلك فعل خلفه السيد كوزيريف) لتغيير السياسة الخارجية للإتحاد السوفييتي، بشكل يفقد البلاد استقلاليتها على الساحة الدولية، ويجعل دورها في جميع المسائل المفتاحية كتابع مطيع للولايات المتحدة الأمريكية. فقد كتب إيريك هونيكر –قبل وفاته بفترة قصيرة- وهو الذي عرف أشياء كثيرة جداً، واستناداً إلى معطيات وثائقية محدودة، عن خيانة كل من غورباتشوف و شيفارنادزاه، حيث حاكا منذ البداية مؤامرة منسقة مع الولايات المتحدة وجمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية) “من أجل تغيير النظام الاشتراكي”. وقد رأى هونيكر أن كل ما قيل بشأن عملية “تجديد جمهورية ألمانيا الديمقراطية” انتهى إلى إلحاقها بألمانيا الغربية. وقد ظهر لاحقاً أن جميع تطورات الأحداث التي جرت في الإتحاد السوفييتي كانت ضمن خطة مبرمجة ومعدة بصورة سابقة في واشنطن، بعد المباحثات واللقاءات السرية التي أجراها غورباتشوف و شيفارنادزاه مع الإدارة الأمريكية قبيل ما سمي ” فجر البيريسترويكا”. ولكن مفتاح الوصول إلى هدف تفكيك النظام السوفييتي ، وإضعاف القيادة الحزبية، تمت صناعته قبل ذلك، أي في عام 1985″ (60).
ويشار في هذا السياق أيضاً إلى اتفاقية “بيكر- شيفارنادزاه” التي جرت في عام 1990، ونصت على تنازل الاتحاد السوفييتي عن جزء من مياهه البحرية في “مضيق بيرينغوف” لصالح الولايات المتحدة الامريكية. ومن الجدير بالذكر أن هذه المياه تحتوي على ثروة سمكية ضخمة، إضافة إلى الغاز الطبيعي ومكامن النفط. ومن دون انتظار لتصديق الهيئات التشريعية المختصة في البلدينو وهو ما لم يحصل إلى الآن، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال قواتها ومعداتها البحرية إلى هذه المنطقة لتسريع عملية استنزاف ثرواتها السمكية وغير ذلك من موارد.
في عام 2002 أجرت لجنة الحسابات في مجلس الدوما الروسي (البرلمان) تدقيقاً وفحصاً لمدى تأثير الاتفاقية المذكورة على قطاع صيد الأسماك في “بحر بيرينغوف” (مابين عامي 1991- 2002)، حيث تبين أن خسارة روسيا في هذه الفترة بلغت مابين 1، 6 – 1، 9 مليون طن من الأسماك، أي ما يساوي 1، 8 -2، 2 مليار دولار (61).
في الأول من تموز 1991 بمبادرة من غورباتشوف وبمشاركة فعالة من صديقه الحميم شيفارنادزة تم إلغاء معاهدة وارسو، التي شكلت درعاً واقياً أمام أي هجوم واعتداء محتمل من حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفي الرابع من تموز 1991 وبمناسبة يوم الاستقلال للولايات المتحدة الأمريكية بعث غورباتشوف برقية تهنئة إلى جورج بوش (الأب). وردت فيها عبارة تنبؤية مفادها أن: ” التعاون السوفييتي-الأمريكي أصبح الآن في مرحلة شديدة الحساسية”.
وبالفعل، فإن نتائج هذه السياسة أصبحت معروفة للجميع. فالإتحاد السوفييتي جرى تفكيكه والقضاء عليه، أما الولايات المتحدة الأمريكية فأصبح بإمكانها تدمير دول بأكملها دون الخشية من أي محاسبة، أو إجبار دول أخرى على السير وفق نهج يوصف زوراً وبهتاناً بـ “الديمقراطي” أو “الليبرالي”، تبعاً لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية والمنظومة الرأسمالية العالمية. ولهذا ثمنت سياسة غورباتشوف وعصابته تثميناً عالياً في الدوائر والأوساط الغربية والماسونية والصهيونية. فاختارته مجلة “تايم” في سنة 1989 “رجل الأعوام العشرة الأخيرة”، في حين وصفه ريتشارد نيكسون بـ”رجل العصر” (أو “رجل القرن”).
وهناك دلائل ومعطيات كثيرة ومتطابقة تؤكد أن ” المنظمة الصهيونية العالمية” وعدداً من المنظمات والجمعيات اليهودية، هي التي أنشأت ما سمي “صندوق غورباتشوف”، والذي يعمل فيه الناشط الصهيوني المعروف “مستشار الدولة” إيليا زاسلافسكي (62).
الحقيقة أن قصة غورباتشوف و”عملاء النفوذ” تصلح لأن تدرس في معاهد وكليات العلوم السياسية، والاجتماعية والنفسية، والعلوم الإدارية، ومراكز التأهيل القيادي والأمني، إضافة لمدراس ومعاهد إعداد الأطر القيادية في الأحزاب الوطنية، لأنها –برأينا- أعظم من جميع العوامل والعناصر الأخرى، التي تبحث وتحلل عادة في معرض دراسة الأسباب المحورية التي أدت إلى تفكيك الإتحاد السوفييتي والقضاء عليه لصالح المنظومة الرأسمالية العالمية، واستفراد القطب الأمريكي إلى حد كبير بالقرارات الدولية الأساسية والمحورية. ويخطئ من يعتقد أن العامل الاقتصادي أو التخلف العلمي- التقني، أو غياب المرونة الإدارية، أو عدم القدرة على مواكبة سباق التسلح مع المعسكر الغربي، أو قصور النظرية الماركسية عن دينامية الواقع ومتطلباته… إلخ، سواء كعوامل مجتمعة أو منفردة، هي التي حطمت الدولة السوفييتية وجعلتها مجرد “دولة من العالم الثالث بأسلحة نووية تحت الرقابة الصارمة”، كما يزعم منظرو الهزائم و”الالتحاق” والتبعية من أدعياء الفكر الجيوسياسي و”نهاية الإيديولوجيا… والتاريخ” والمبشرون بـ” عصر العولمة” الأمريكي الجديد، ممن يقرؤون الأحداث بسطحية وانتقائية وببغائية. إضافة إلى تخلفهم الهائل عن متابعة الدراسات والأبحاث والتحليلات، المبنية على وقائع ومعطيات وثائقية تظهر كل يوم، سواء في الغرب أو في روسيا نفسها. وهي تؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن “عملاء النفوذ” وعلى رأسهم غورباتشوف ومجموعته، شكلوا المعول الهدام وأداة التحطيم والتخريب المنهجي على مدى سنوات طويلة، بصورة تصاعدية منذ سبعينيات القرن الماضي، ولغاية عام 1985، حيث تسلموا مقاليد السلطة والقرار في مفاصل الحزب والدولة والجيش والسياسة الخارجية، فضربوا ضرباتهم الماحقة ونفذوا مهماتهم (تحت عنوان “البيريسترويكا”) بصورة دقيقة وشاملة ومتكاملة، أذهلت حتى مشغليهم والمخططين لهذه المؤامرة في دوائر الاستخبارات الغربية وأوساط الماسونية والصهونية العالمية. وكل ما جرى صرفه من أموال لعملاء النفوذ هؤلاء مباشرة أو بصورة غير مباشرة، لا يعادل 1-3 بالألف من قيمة الأسلحة النووية والاستراتيجية، التي جرى تفكيكها وتدميرها وإخراجها من ترسانة الدولة السوفييتية ودول ” معاهدة حلف وارسو”، تحت عنوان “إنهاء الحرب الباردة” و”الحد من مخاطر أسلحة الدمار الشامل”، وتطبيق خطط “البيريسترويكا” و “الإصلاح الشامل” في روسيا. وهي خطط أدت إلى انتصار أمريكي غربي حاسم دون قتال مع الطرف الآخر، إلى حد تصريح وزير الدفاع الأمريكي ويليام بيري في عام 1995 محذراً ومهدداً :إنه إذا جرت في روسيا عملية نكوص وتراجع عن الإصلاحات، فإن الولايات المتحدة الأمريكية على استعداد لأن “تستخدم الأسلوب العسكري” (63).
أما الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، فقد قال في كلمة له في الرابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 1995 في اجتماع سري لقادة الأركان في واشنطن مايلي (64):
“لقد برهنت السنوات العشرة الأخيرة وبصورة حاسمة ما يخص موقفنا تجاه العلاقة مع الاتحاد السوفييتي وحلفائه، صحة النهج الذي اتبعناه بإزالة واحدة من أعظم القوى في العالم، وكذلك التخلص من الأحلاف العسكرية المعادية والقوية. وباستخدامنا فوضى وتخبط الدبلوماسية السوفييتية، وشخصية غورباتشوف الموثوقة جداً لدينا وحاشيته القريبة، بمن فيهم أولئك، الذين يتخذون بصورة علنية موقفاً مؤيداً لأمريكا، استطعنا أن نحقق الأهداف التي حاول بلوغها الرئيس ترومان مع مستشاريه عبر القنبلة الذرية، دون أن نتمكن من لجم الروس عن متابعة تطوير أسلحتهم النووية.
صحيح أننا أنفقنا على هذا الأمر (السباق النووي) مليارات الدولارات، لكننا أصبحنا الآن أقرب فعلاً إلى ما يسميه الروس “الاستسلام الذاتي”. خلال أربع سنوات حصلنا وحلفاؤنا على موارد روسية استراتيجية خام في غاية الأهمية والخطورة، لقاء خمسة عشر مليار دولار فقط، وكذلك على مئات أطنان الذهب، والفضة، والمجوهرات والأحجار الكريمة… إلخ. وتحت اسم “صفقات غير رسمية” (من تحت الطاولة) باعوا لنا لقاء مبالغ مالية زهيدة للغاية، وأكثر من عشرين ألف طن ألمنيوم، ألفي طن سيزيوم، ومثلها من السترونتيوم، وغيرها من المعادن الثمينة والنادرة.
كثير من عسكريينا ورجال أعمالنا لم يكونوا واثقين من نجاح هذه العمليات الاستثنائية العظيمة، ولم تكن مخاوفهم في محلها.
آخذين بالحسبان الأسس الإيديولوجية للاتحاد السوفييتي، استطعنا ودون إراقة للدماء أن نخرج من المعركة (من أجل الهيمنة العالمية)، القطب الأساسي المنافس. هدفنا ومهمتنا في المستقبل يتمثلان بتقديم المساعدة والعون، لكل من يريد أن يرى فينا نموذجاً للحرية الغربية والديمقراطية.
عندما نقل عملاء ” وكالة المخابرات المركزية الأمريكية” (C. I. A) في بداية عام 1991 إلى “الشرق” (الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية) من أجل تنفيذ خططنا أول خمسين مليون دولار، وتبعها بعد ذلك نقل وتوزيع كمية مماثلة، لم يثق كثير من سياسيينا وعسكريينا بنجاح العملية. الآن، وبعد مرور أربعة أعوام، أصبح من الجلي والواضح تماماً أن مخططاتنا بدأت تتحقق في الواقع.
ولكن ذلك لا يعني، أنه لم يعد لدينا ما يشغلنا في هذا المجال. في روسيا، البلد، الذي مازال التأثير الأمريكي فيه غير كاف، لا بد من حل عدة مهمات بآن واحد:
- العمل الحثيث والدؤوب لعدم السماح بعودة الشيوعيين إلى السلطة.
- إيلاء اهتمام خاص وشديد للانتخابات الرئاسية هناك.
فالقيادة الروسية الحالية (في عام 1995) تناسبنا في جميع المجالات، ولهذا لا يجوز أبداً أن نبخل بالنفقات (لدعمها). وهي أموال تعطي نتائجها الإيجابية بصورة واضحة.
وعندما ننجح في تجديد عودة يلتسين لمنصب الرئاسة في دورة ثانية، فإننا بذلك ننشئ أرضية صلبة وراسخة لعدم مغادرة يلتسين لموقعه الرئاسي (هو أو المقربون منه).
ولكن بغية حل المسألتين السياسيتين المهمتين المشار إليهما أعلاه، يتوجب علينا العمل من أجل أن يخرج من حاشية يلتسين الرئاسية المقربة، أولئك الذين فضحوا أنفسهم (شعبياً واجتماعياً وأخلاقياً)، فإذا أتيح لنا تنفيذ هاتين المهمتين، فإنه يتوجب علينا أن نعمل في السنوات العشرة القادمة على المسائل التالية:
- تقسيم روسيا إلى دويلات وكيانات صغيرة عن طريق إشعال الحروب المناطقية والإثنية مثلما فعلنا في يوغوسلافيا.
- القضاء النهائي على المجمّع العسكري- الصناعي لروسيا، وقدرات جيشها القتالية والتدخلية.
- العمل على تغيير الأنظمة القائمة في بعض الجمهوريات السوفييتية السابقة، وإبعادها التام عن روسيا، بما يتناسب ومصالحنا”.
وبعد كل ما تقدم، هل بقي أدنى شك بالدور التدميري الخطير والحاسم لـ”عملاء النفوذ” سواء في تهيئة الظروف لتنفيذ خطط الأعداء المخصصة أساساً لانهاك الاتحاد السوفييتي وتفكيكه سريعاً، أو في المشاركة الفعالة والعملية في المراحل التنفيذية المختلفة لهذه الخطط، أو في حل ” حلف وارسو” العسكري الدفاعي ضد “الأطلسي”، أو في تدمير المنظومة الاشتراكية بأكملها، ناهيك عن العمل لاحقاً (من خلال يلتسين وفريقه الخياني) على نهب ثروات روسيا وإيصالها إلى حافة الإفلاس والانهيار التام (65)، ورهنها كلياً للسياسات والمخططات والتوجهات والقرارات الأمريكية العدائية الثأرية الحاقدة؟!.
فقصة غورباتشوف وعصابته من “عملاء النفوذ” الخونة وخليفته يلتسين، تؤكد أن العامل الداخلي المواتي يشكل العنصر المرجح والحاسم في أي مؤامرة أو عمل خارجي، وأن تنظيف الدوائر والمؤسسات والأجهزة المعنية في الدولة والأحزاب الوطنية بصورة دورية أو غير دورية، وتجديد فحصها وتدقيقها بصورة مستمرة وفعالة وشاملة، والتأكد التام من ارتباطات وصلات كل فرد فيها، ومدى ولائه للدولة والوطن أولاً وأخيراً … تشكل ضرورة حتمية لا غنى عنها، في ضوء التجربة السوفييتية المريرة، التي دفع الشعب الروسي ثمنها غالياً جداً من دمائه وتضحياته وآلامه وثرواته الوطنية.
مع الإشارة إلى أن ذلك كله يجب أن يتم ضمن عملية مؤسساتية منهجية منتظمة، تخضع لمعايير وأسس موضوعية دقيقة وشفافة، بعيداً عن الأساليب الانتقائية والأمور الكيدية، والولاءات الشخصية والأهواء والعواطف والمحسوبيات ، والإزدواجية في المحاسبة والمساءلة، أو غض النظر عن الأخطاء والعلاقات المشبوهة، والعوامل المتخلفة في دفع أشخاص معينين إلى مواقع القيادة والقرار، على حساب الكفاءات الوطنية الحقيقية، التي يجب أن تكون هي الأساسية في معركة التنمية المجتمعية الشاملة، ومواجهة الهجمة الاستعمارية الجديدة والمستمرة على بلداننا وشعوبنا بذرائع وشعارات وأسماء و”فيالق” مختلفة، وفي مقدمتها “عملاء النفوذ” و “الطابور الخامس” وما يسمى “النخب العصرية الجديدة” المـتأمركة والمتغربة والعدمية (النهلستية)، المنسلخة عن جذورها وتاريخها وهويتها، وانتماءها الوطني والاجتماعي والقومي •••
الحواشي
- academic. ru.
Https://ru. wikipedia. org/wiki
-قاموس علم الاجتماع 2013 بالروسية.
- Godson، R. Schultz. Active Measures in Soviet strategy. // Soviet Foreign Policy in a Changing World. Transaction Pubilshers، 1986.
- Office of Counterintelligence (DXC). Terms and Definition of Interest for Department of Defense Counterintelligence Professionals.
- Shulsky Abram N, Schmitt Gary James. Silent Warfare: Understanding the World of Intelligence. Potomac Books، Inc. ، p. 124-5
- Schecter، Jerrold (2002)، “Sacred Secrets: How Soviet intelligence Operations Changed American History,” Washington, DC: Brassey’s, ISBN 1-57488-327-5، OCLC 48375744
- Agent of influence// Encyclopedia of Cold War Espionage، Spies، and Secret Operations. Enigma Books، 2013.
- Richard Hall. National Security and the Agent of Influence myth. corradini Press,1983,P. 3.
- بي بي سي “يوري أندروبوف: ستالين جديد أم دينغ هسياونغ سوفييتي؟” مع الإشارة إلى أن المراجع المشار إليها أعلاه من 2-8، نقلاً عن “ويكيبيديا” الروسية .
- فاسيلي دروجين، 200 سنة معاً: الصهيونية والقضاء على الاتحاد السوفييتيى(موسكو: دار ألغوريتم، 2009)/بالروسية.
- المصدر نفسه، ص 54 وما بعد.
- المصدر نفسه.
- أوليغ ف. بلاتونوف، المؤامرة الماسونية في روسيا (موسكو: دار ألغوريتم، 2011)، الفصل 25، ص 401-411/ بالروسية.
- يقول أوليغ بلاتونوف إن هذه الوثيقة نشرت لأول مرة في صحيفة “برافدا” في عددها الصادر بتاريخ 11/3/1994. وفي الطبعة الجديدة من كتابه المشار إليه جرى تدقيق نصها وترجمتها من قبل واحد من قدماء العاملين في المخابرات السوفييتية. ويجدر بالذكر أن النص الحرفي لهذا المحضر وصل ليد ستالين في نيسان- أيار 1945، ولكنه صنف تحت درجة “سري للغاية”، لكي لا يتم كشف الأشخاص، الذين باعوا أو سربوا (للسوفييت) هذا المحضر الخطير. أما الشخص الذي أشار إليه بلاتونوف بوصفه أحد العاملين القدامى في المخابرات السوفييتية، فقد ذكر نقلاً عن لودفيغوف مساعد بيريا أن المحضر أثار غضب ستالين واستيائه الشديدن، لأن البرامج والمخططات المعادية للاتحاد السوفييتي في “مجلس العلاقات الدولية” في المنظمة الماسونية وضعت قيد التنفيذ بالتزامن تقريباً مع “مؤتمر يالطا”، الذي أكدت فيه الولايات المتحدة الأمريكية على حرصها لبناء صداقة راسخة مع الاتحاد السوفييتي. ( حاشية أوليغ بلاتونوف على كتابه “المؤامرة الماسونية في روسيا”، ص 403). كما نقترح مقارنة نص كلمة آلان دالاس مع “بروتوكولات حكماء صهيون”.
- الاقتباس من “روسيا السوفييتية”، عدد 13/2/1993/ بالروسية .
- مجلة “الحرس الفتي”، العدد 10، 1992، ص 84/ بالروسية .
- بعد قيام ” البيريسترويكا”، عاود أندريه ساخاروف وزوجته يليناغيورغيفنا بونير نشاطهما السياسي والدعائي المحموم ضد النظام السوفييتي. وأسهمت بونير بشكل فعال في ولادة عدد من الجمعيات والأندية الاجتماعية المشبوهة، مثل “ميموريال” و “منبر موسكو” وغيرهما. ومن عام 1997 أصبحت بونير عضواً في ما يسمى ” المجموعة المبادرة للعمل الاجتماعي”، التي أنشأها الأعضاء المؤسسون “للحركة الديمقراطية” (1960-1970) والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان في الاتحاد السوفييتي. وقد أصبحت يلينا بونير رئيساً “للجنة الاجتماعية لتخليد ذكرى أندريه ساخاروف” ومسؤولة “صندوق ساخاروف”. أدخلت بونير في عضوية “لجنة حقوق الإنسان” التابعة للرئيس الروسي منذ إنشائها ولغاية 28 كانون الأول عام 1994.
– في عام 2008 أدانت الأعمال الحربية لروسيا في “أوسيتيا” الجنوبية.
– في 10 آذار / مارس وقعت رسالة المعارضة الروسية الموجهة لمواطني روسيا، تحت شعار “بوتين يجب أن يرحل”. توفيت يلينا بونير في مدينة “بوسطن” الأمريكية في حزيران 2001.
- “روسيا السوفييتية” ، عدد 3/3/1993. وأيضاً : المصدر نفسه، عدد 18/12/1993. وكذلك : أوليغ بلاتونوف، المؤامرة الماسونية في روسيا، ص 406 (بالروسية).
- جاء في موقع “ويكيبيديا” على شبكة “الانترنت” باللغة العربية، مايلي: “نادي بيلدربرغ” أو ” مجموعة بيلدربرغ” أو “مؤتمر بيلدربرغ”، هو مؤتمر سنوي غير رسمي يحضره قرابة 150 من المدعوين، معظمهم من أكبر رجالات الاقتصاد والأعمال والبنوك والسياسة نفوذاً في العالم. ويتم الحديث في المؤتمر خلف جدار من السرية الشديدة حول العديد من الموضوعات والقضايا العالمية والاقتصادية والعسكرية والسياسية. وقد تأسست المجموعة عام 1954 بمبادرة من عدد من أثرياء العالم ومن أصحاب النفوذ والسلطة. ويعود إسم المجموعة إلى فندق “بيلدربرغ” في قرية أوستربيك بهولندا، حيث عقد فيه أول اجتماع للمجموعة عام 1954. ويمثل الأوروبيون ثلثي أعضاء المجموعة والبقية من الولايات المتحدة. وتعقد اجتماعات المجموعة بشكل سنوي في أوروبا، ومرة واحدة كل أربع سنوات في الولايات المتحدة أو في كندا. ويتم حجز فندق الإجتماع كاملاً ويضرب حوله نطاق كامل من السرية، وتمنع وسائل الإعلام من الاقتراب، كما أن على أعضاء المجموعة أن يقوموا بأداء قسم السرية.
وتوجد لجنة تسيير داخلية للمجموعة تقوم باختيار الأعضاء الجدد وفق مؤهلات محددة، من بينها (عدم معاداة السامية) ودعم الحركة الصهيونية. ويعرف عن أعضاء المجموعة بشكل عام إيمانهم بنظرية “فابيان” الإشتراكية، التي تطالب بـ” السيطرة الديمقراطية على جميع أنشطة المجتمع”. وترى النظرية أن أفضل سيطرة على الناس هي عبر “الحكومة العالمية”. وقد عرف من بين المدعوين لاجتماع أثينا في عام 2009، شخصيات من شركات مثل “آي ، بي، إم” (IBM) وزيروكس ورويال داتش شل. كما ضم الاجتماع شخصيات مثل بياتريس ملكة هولندا وصوفيا ملكة إسبانيا، ورؤساء وزراء اليونان وفنلندا، ووزير الخزانة الأمريكي، ورئيس الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ورئيس البنك الدولي، ورئيس المفوضية الأوروبية ، وشخصيات سياسية عالمية عديدة.
وكما أشرنا بقي “نادي بيلدربرغ” طيلة عقود من الزمن بمثابة أسطورة، ويدخل في إطار مفهوم “المؤامرة” حتى ظهور شبكة “الانترنت” بما تشكله من الإفلات من القيود التي تلتزم بها وسائل الإعلام التقليدية، حيث بدأ بعض الصحفيين المستقلين ينشرون مقالات وتحليلات بين الحين والآخر حول لقاءات أو اجتماعات أعضاء “نادي بيلدربرغ”، ومنهم على سبيل المثال الإعلامي والكاتب السياسي تيري ميسان صاحب ورئيس تحرير شبكة فولتير، الذي نشر أكثر من تحقيق حول أعمال وأنشطة هذه المجموعة.
لكن يبقى المنعطف بهذا الشأن هو ظهور كتاب صحفي التحقيقات المعروف دانييل إستولين (Daniel Estulin) بعنوان ” القصة الحقيقية لنادي بيلدربرغ“، الذي ترجم إلى 51 لغة. وأتبعه بكتاب آخر عنوانه “أسرار نادي بيلدربرغ”،
وقد تناولت صحيفة “إزفستيا الجديدة” (“نوفويا إزفستيا”) الروسية بعددها الصادر في 10 حزيران/ يونيو 2015 اجتماع القمة السنوي لمجموعة “نادي بيلدربرغ” لرجال السياسة والمال والأعمال، الذي عقد في النمسا يوم 11 حزيران/يونيو 2015، حيث جاء في مقال الصحيفة:
“يفتتح غداً في النمسا اجتماع القمة لـ”مجموعة بيلدربرغ” ويستمر أربعة أيام. ويبدو أن قمة “السبعة الكبار” (G7) لم تتذكر لقاء زعماء هذا النادي المغلق، الذي يضم سياسيين بارزين ومصرفيين ورجال أعمال، ممن يعدهم خبراء نظرية المؤامرة “حكومة العالم الخفية”، التي تقرر مصير الأرض. وستناقش قمة “مجموعة بيلدربرغ” كالمعتاد مسائل ذات أهمية عالمية، بدءاً بالإرهاب وانتهاء بالتقانات (التكنولوجيات) المتقدمة.
أهم مصادر ومراجع “نادي بيلدربرغ” أو “مجموعة بيلدربرغ”:
- مواقع “ويكيبيديا” على شبكة “الإنترنت”، باللغات العربية والروسية والإنكليزية.
- دانييل إيستولين، أسرار نادي بيلدربرغ، ترجمة السيددة ي. ف. جوك من الإسبانية إلى الروسية (مينسك: دار نشر “بوبوري”، 2009)/باللغة الروسية.
- جيم مارس، الحكم بالسر، ترجمة محمد منير إدلبي (دمشق :دار الأوائل 2003)، ص 64-85.
-http://www. vn. fi/ajankohtaista/tidote/en. jsp
- تييري ميسان : “ما تجهلونه عن مجموعة بيلدربرغ” – voltairenet. org
- موقع “شبكة الألوكة” على “الانترنت”.
- موقع مجلة “الكاردينيا” الثقافية العراقية على شبكة “الإنترنت”.
- موقع صحيفة “إزفستيا الجديدة” (“نوفويا إزفستيا” ) على شبكة “الإنترنت”، 10/6/2015 (بالروسية).
- الهيئة الثلاثية أو اللجنة الثلاثية (The Trilateral Commission ): أنشئت في بداية سبعينيات القرن الماضي من قبل ديفيد روكفلر (رئيس مجلس العلاقات الخارجية-أبرز المنظمات الماسونية). وكان مفهوم الهيئة الثلاثية قد أوحي بالأصل لروكفلر من قبل زبغينو بريجنسكي، الذي كان في ذلك الوقت رئيساً لقسم الدراسات الروسية في “جامعة كولومبيا” الأمريكية. وعندما كان في “مؤسسة بروكينغر” ركز بريجنسكي على الحاجة الكبيرة إلى تعاون أوثق بين الأمم الثلاثية في أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا.
وفي معرض شرحه لأهمية وضرورة إنشاء “الهيئة الثلاثية” قال بريجنسكي: إن محوراً تعاونياً (مثل الهيئة الثلاثية) يمكن أن يهيئ المسرح لتعاضد مستقبلي… أقل طموحاً من هدف الحكومة العالمية، ولكنه أكثر إمكانية.
- أوليغ بلاتونوف، المؤامرة الماسونية في روسيا، ص 406.
- نقلاً عن :”روسيا السوفييتية”، عدد 3/3/1993 (بالروسية)
- “ديينا”. ريغا، عدد 18/12/1993.
- من أبرز الأشكال التي جرى الدفع من خلالها، نشير إلى أجور بطاقات القطارات بالدرجة الأولى، وحجز عربات النوم الفاخرة، وتسديد مدفوعات كبيرة لقيمة آلاف النسخ من المؤلفات، والمكافآت الضخمة لقاء الدراسات والمقالات المطلوبة، واللقاءات الإعلامية، والمحاضرات. وكذلك تقديم أنواع مختلفة ومتنوعة من “المنح” و”بطاقات الإئتمان” وغير ذلك.
- وانظر بهذا الشأن أيضاً : مايور إيباتيف (ك. ف)، “ميخائيل س. غورباتشوف وعصر خونة روسيا، “موقع مايور إيباتيف على شبكة “الإنترنت”، 3/5/2011 (بالروسية).
- فاسيلي دروجين، 200 سنة معاً: الصهيونية… والقضاء على الإتحاد السوفييتي، ص 54-58 (بالروسية).
- المصدر نفسه.
- المصدر نفسه.
- أوليغ بلاتونوف، المؤامرة الماسونية في روسيا، ص 412.
- المصدر السابق ص 409.
- “روسيا السوفييتية”، عدد 16/1/1993. وجدير بالذكر أن إدارة “معهد كريبل” دعت في الرابع عشر من كانون الثاني عام 1993 لمؤتمر صحفي في “جامعة روسيا الإنسانية” بموسكو، للرد على سلسلة من المقالات التي نشرت في صحف “روسيا السوفييتية”، “يوم”، “برافدا”، “إزفستيا” وغيرها من الصحف، حول مايسمى “عملاء النفوذ”. وقد أوضح صاحب المعهد “روبرت كريبل” (Robert H. Krieble) ومديرالمعهد “بول ويريتش” (Paul M. Weyrich) سبب الدعوة للمؤتمر الصحفي كالتالي: “إن السياسيين والصحافيين من أقصى اليمين منحونا شرفاً كبيراً، في إعلانهم أننا ساعدنا وساهمنا في تحطيم “الإمبراطورية الروسية”، والآن نريد أن يعرف الناس في روسيا كل شيء عنا”.
لقد أبلغ باول ويريتش الصحفيين أنه دهش بقوة لتأكيدات وسائل الإعلام اليمينية الروسية أن النشاط “الفعال” “لعملاء النفوذ”، أعطى نتائج كبيرة، رغم عدم تلقي المعهد لأي دعم حكومي، بحيث ساهم في هدم “الإمبراطورية الروسية”. أما صاحب المعهد روبرت كريبل فقد تحدث على أنه في عام 1987 حاول للمرة الأولى إظهار دعم قوي لتطوير أفكار الحرية والديمقراطية في الإتحاد السوفييتي السابق وزوّد عدداً من المنظمات الديمقراطية أجهزة “الفاكس” وغير ذلك من التقنيات. وبعد سنتين من ذلك، قام المعهد بتنظيم أول مؤتمر تعليمي له، وتبع ذلك تنظيمه لـ65 مؤتمراً مماثلاً. وتبعاً لتأكيدات مسؤولي المعهد، فإنه منظمة مستقلة، لايرتبط بأي حزب ولايقدم لأي مرشح من الأحزاب تأييداً أو دعماً مباشراً في أثناء الحملات الانتخابية. لقد أصبح المعهد في الوقت الحاضر جزءاً من صندوق الكونغرس المستقل، الذي يقوم بتنظيم المؤتمرات التربوية –التعليمية لإدارة الأعمال والاستثمارات، وكذلك يقدم الاستشارات بخصوص إدارة الحملات الإنتخابية والأسلوب الديمقراطي لإدارة شؤون العاملين في الأقاليم والمقاطعات. وفي الولايات المتحدة الأمريكية حيث المقر الأساسي للمعهد، ليس هناك سوى ستة فروع، في حين أن له 31 فرعاً في مختلف مناطق وأقاليم الإتحاد السوفييتي السابق. يقول بول وايريش : “نحن فقط نعلّم الناس وندربهم، نقدم المساعدة التقنية. ولكننا لا ندفعهم أبداً لإقامة مجتمع، لايرغبون هم به”.
انظر:ألكسندر بلشوف ونيكولاي بيلوف – صحيفة “كومير سانت”، العدد 5، 15/1/1993، (بالروسية).
- “روسيا السوفييتية”، عدد 16/1/1993.
- أوليغ بلاتونوف، المؤامرة الماسونية في روسيا، ص 410.
- “روسيا السوفييتية”، عدد 25/5/1993.
- أوليغ بلاتونوف، المؤامرة الماسونية في روسيا، ص 410- 411.
- المصدر نفسه، ص 412.
- المصدر نفسه، ص 413.
- المصدر نفسه، ص 413، أما “بناي بريت” (B’nai B’rith) فهي عبارة عبرية معناها “أبناء العهد”. وهي واحدة من أقدم وأكبر المنظمات اليهودية، تأسست عام 1843 كهيئة “أخوية يهودية” على نمط الجمعيات الماسونية، بهدف “توحيد الإسرائيليين للعمل من أجل تنمية مصالحهم العليا ومصالح الإنسانية” وفق شعارها المعلن. وقد اهتمت “بناي بريت” منذ تأسيسها بتقديم الخدمات الاجتماعية المختلفة إلى الجماعات اليهودية داخل الولايات المتحدة وخارجها. كذلك شاركت “بناي بريت” في عمليات استيعاب يهود شرق أوروبا، الذين تدفقوا إلى الولايات المتحدة ابتداء من عام 1881. كما اهتمت بتنظيم النساء والشباب اليهود داخل الجامعات والكليات الأمريكية، ولا سيما في مجال الدراسات التوراتية وتاريخ اليهود وتعليمهم العبرية.
ومع نمو المنظمة، تأسست لها فروع خارج الولايات المتحدة، كان أولها في برلين عام 1882، ثم لحقها فروع أخرى في أوروبا وجنوب أفريقيا وأستراليا وغيرها، إلى أن وصلت إلى 45 دولة تضم نحو 500 ألف عضو. وقد تأسس أول محفل للبناي بريت في فلسطين عام 1888، وكان أول سكرتير له إليعازر بن يهودا الذي ترجم دستور وطقوس “بناي بريت”‘إلى العبرية. وبعد وجودها في فلسطين، بدأت “بناي بريت” في المساهمة الفعالة في النشاط الاستيطاني اليهودي في البلاد. ثم شاركت بجميع التحركات والمؤتمرات التي أقامتها المنظمات الصهيونية العنصرية لشرعنة الوجود اليهودي في فلسطين. وقامت المنظمة بمعاونة الصندوق القومي اليهودي بشراء الأراضي وإقامة المستوطنات في فلسطين، وبدعم “معهد التخنيون” في حيفا. أما بعد إعلان قيام “إسرائيل”، فقد ساعدتها المنظمة منذ السنوات الأولى، وذلك بتقديم إمدادات طبية وملابس ومعدات، والمساهمة في إنشاء المكتبات وتشجير الغابات وكذلك تشجيع السياحة، كما قامت بتجنيد العمال الفنيين من الولايات المتحدة وكندا “لإسرائيل”. وتقوم المنظمة بالضغط على صناع القرار في الولايات المتحدة لصالح “إسرائيل”. كما أنها تلعب دوراً أساسياً وخاصة من خلال “عصبة مناهضة الإفتراء” في خنق أية اتجاهات معادية للصهيونية عن طريق اتهامها بمعاداة اليهود والسامية.
وقد لعبت “بناي بريت” دوراً أساسياً في تأسيس مؤتمر رؤساء كبرى المنظمات اليهودية الأمريكية عام 1954، كما كانت من مؤسسي المؤتمر العالمي للمنظمات اليهودية.
- انظر: عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ط1 (القاهرة: دار الشروق، 1999)، المجلد 6، ص 371-372. ومن الجدير بالذكر أن عدداً من الموسوعات والدراسات الروسية المتخصصة المعاصرة، تؤكد أن رئيس منظمة “بناي بريت” الحالي هو وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر.
- “روسيا السوفييتية”، عدد 5/9/1992.
- بسبب ارتباطاته العلنية بجهاز “الموساد” جرى طرد جورج سوروس من كل من هنغاريا، رومانيا وتشيكوسلوفاكيا.
- أوليغ بلاتونوف، المؤامرة الماسونية في روسيا، ص 412.
- المصدر نفسه، ص 413.
- المصدر نفسه.
- “الخارج” (“زاربيجوم”)، العدد رقم 38 لعام 1993، ص 10 (بالروسية).
- حول دور المهاجرين من العلماء والباحثين الروس في تطوير البحث العلمي والتقني والاقتصادي في الكيان الصهيوني، انظر : د. خلف محمد الجراد، الأبعاد الفكرية والعلمية- التقنية للصراع العربي –الصهيوني (دمشق: اتحاد الكتاب العرب، 2000)، ص 140.
- الكوزموبوليتية (Cosmopolitanism) بدأت مذهباً أخلاقياً في الفلسفة الإغريقية في الحقبة الهلنستية. نادى بها “فلاسفة الأنوار” في القرن الثامن عشر، حيث غدا الإنسان يعي نفسه على أنه مواطن العالم برمته. لكن الكوسموبوليتية لم تبق في عصر الاستعمار مجرد مذهب أخلاقي أو فلسفة تنويرية إنسانية، بل استغلت لتبرير مطامع بعض الدول القوية في الهيمنة. وفي ظل الهيمنة الإمبريالية العالمية أصبحت “الكوسموبوليتية” لا تعني سوى تجاهل الوجود القومي للشعوب.
- فلاديمير بوداتيف : “حول مخططات القضاء على روسيا” (خطاب من دفتر الزوار /تحت رقم 699)، موقع “الحركة الموحدة نحو النور” على شبكة “الإنترنت”، تاريخ 4 تموز/ يوليو 2006 (بالروسية).
- موقع “ويكيبيديا” الروسية على شبكة “الإنترنت”، موضوع “الصهيونية في الإتحاد السوفييتي” (بالروسية).
- المصدر نفسه.
- المصدر نفسه.
- المصدر نفسه.
- نقلاً عن : أحمد سعد، “الهجرة اليهودية الراهنة في موازنة التطور الاقتصادي الإجتماعي في إسرائيل“، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 8، خريف 1991، ص 296. وانظر: د. خلف محمد الجراد، الأبعاد الفكرية والعلمية-التقنية للصراع العربي-الصهيوني(دمشق:اتحاد الكتاب العرب، 2000)، ص 109-118.
- د. خلف محمد الجراد، الأبعاد الفكرية والعلمية-التقنية للصراع العربي-الصهيوني، ص 109.
- المصدر نفسه، ص 110، نقلاً عن: فهمي هويدي، “بلاغ لمن يهمه الأمر”، صحيفة الأهرام، 28 يوليو (تموز) 1998، العدد 20776، ص 11.
- موقع “إعرف الحقيقة” على شبكة “الإنترنت” (UZNAI-PRAVDU. Ru) بالروسية.
- gov. il/mfa/foriegnpolicy/mfadocuments/yearbook8/p…
نقلاً عن صفحة فيتالي نيفزوروف على شبكة التواصل الإجتماعي الروسية (VK)، لمجموعة “Wall“، وكذلك
Svetana. peunova. ru/priemnya.
وانظر موقع : m. vk. com/wall (باللغة الروسية).
- موقع “إعرف الحقيقة” على شبكة “الإنترنت” (UZNAI-PRAVDU. Ru) / بالروسية.
- موقع “الحدود” على شبكة “الانترنت”، شيفنير لوبوف، “النجم الهادي لغورباتشوف”، 21/4/2011 (بالروسية).
- المصدر نفسه.
- موقع “The Kiev Times” : ، “غورباتشوف إرادة أم خيانة؟” (بالروسية).
- المصدر نفسه.
- اللواء الركن فياتشيسلاف شيرونين، كي. جي. بي –المخابرات المركزية الأمريكية:النوابض السرية للبيريسترويكا (موسكو:”ياغوار”، 1997) ص 75 (بالروسية).
- موقع“الحدود” على شبكة “الانترنت”، شيفنير لوبوف، “النجم الهادي لغورباتشوف”، 21/4/2011 (بالروسية).
- المصدر نفسه.
- فلاديمير بوداتيف “خطط القضاء على روسيا”، موقع “وحدة الحركة نحو النور” على شبكة “الإنترنت”، من بريد زوار الموقع (تحت الرقم 699)، تاريخ 4 تموز/يوليو 2006 (بالروسية).
- المصدر نفسه.
- من أبرز وأهم المؤلفات والدراسات التوثيقية الدقيقة، التي تناولت هذه المسألة ، كتاب : بافل خليبنيكوف، تاريخ/قصة نهب روسيا أو عرّاب الكرملين بوريس بيريزوفسكي(موسكو: “ديتيكتيف برس”، 2001)/باللغة الروسية
- ***************************************************************************
- *http://ncro.sy/?p=3245 المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق