الانتخابات لمجلس المبعوثان في ولاية الموصل 1908-1914*
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
بعد إعلان الدستور في 24 تموز 1908 بات
النـاس يترقبون صدور الأوامر للبدء بالانتخابات ، وفي اليوم الرابع من تشرين
الثاني 1908 أعلنت الصحف بأنّ انتخابات مجلـس المبعوثان أخذت تقتـرب وأنّ سعادة
الوطن واستقلال الدولة مرتبط بهذه الانتخابات ([i])
.
اعتبر قانون الانتخاب لسنة 1877 كل سنجق دائرة انتخابية وكل ناحية شعبة
انتخابية ([ii])
. وبموجبه كذلك لكل خمسين ألف مواطن ذكر
في السنجق نائب واحد ، فإذا كان سكان السنجق أقل من (50) ألفاً وأكثر من (25)
ألفاً كان لهم نائـب واحد ، وإذا كانـوا (125) ألفاً كان لهم نائبان ، وإذا كانوا
(175) ألفاً كان لهم ثلاثة نواب ، وهكذا على النسبة نفسها
([iii])
.
حدّد القانون الأنتخابي ( المادة 22) الشـروط التي يجـب توفرها في الشخص
الذي يُنتخب لمجلس المبعوثان وهي :
1 ـ أن يكون من التبعية العثمانية
.
2 ـ أن لا يكون من الحائزين مؤقتاً
على امتياز خدمة أجنبية .
3 ـ أن يعرف لغة الدولة الرسمية
وهي اللغة التركية .
4 ـ أن لا يقل عمره عن (25) سنة .
5 ـ أن لا يكون مستخدماً عند شخص
آخر في وقت الانتخاب .
6
ـ أن لا يكون قد حُكم عليه بالإفلاس ولم
يُعَد اعتباره .
7 ـ أن لا يكون قد حُكم عليه
بالحجر حكماً لاحقاً ولم يفك عن الحجر .
8 ـ أن لا يكون قد فقد حقوقه
المدنية .
9 ـ أن لا يكون من ذوي الأخلاق
والتصرفات السيئة .
إنّ لكـل شخصٍ عثماني التبعة ( تبعت دولـت علية
) حائز على هذه الشروط والميّزات الحق في أن يكون مرشحاً لعضوية مجلـس المبعوثان .
وإذا كان المرشح موظفاً أو مأموراً حكومياً فعليه أن يستقيل من منصبه ([v])
. ونصّ الدسـتور العثماني على أن يمثل
كل مبعوث عمـوم العثمانيين وليس منطقة أو جماعة بعينها
([vi])
. ولم يكن قانون الانتخاب العثماني يحصر
حق النيابية بسـكان المناطق الأنتخابية وأهاليـها ، بل كان يسـوغ لأي شخص مستكمل
لشروط الانتخاب أن يرشح نفسه عن أية منطقة يشاء ([vii])
.
تُعدّ في كل قرية وقضاء وسنجق لوائح ( دفاتر أساسية ) لجميع الرعايا
العثمانيين الذكور الذين يعيشون هناك من الذين لا تقل أعمارهم عن (25) سنة .
ويشترط فيهم أن يكونوا من المكلفين بتأدية ضريبة مباشـرة قلّت أو كثرت لخزينة
الدولة العامة . وتشكل ( هيئة تفتيشية ) برئاسة رئيس البلدية لتدقيق
اللوائح ومراقبة حسن تنفيذ الشؤون الأنتخابية. وكذلك( هيئة انتخابية) من
أعضائها رؤساء الأديان الثلاثة ، الإسلام والمسيحية واليهودية ، وتجري الانتخابات
مرة كل أربع سـنوات ، ولذلك فإنّ المـدة التي يقضيها المبعوث عادةً في النيابة هي
أربع سنوات ، غير أنه يسمح بأن يُعاد انتخابه في نهاية هذه المدة
([viii])
.
إنّ الترشيح للمبعوثية يكون بإحدى
طرق ثلاث :
1 ـ أن يرشح الشخص نفسه بعريضة يقدمها إلى الوالي .
2 ـ أن يرشحه جمهور من الأهالي بعريضة يوقع عليها
(300) رجل على
الأقل .
الأقل .
كانت طريقـة الانتخابات تجري على درجتيـن : أولى وثانية ، أي : الانتخاب
غير المباشر . وباسـتثناء أولئك الذيـن لا يحوزون الشروط التي تخولهم أن يكونوا ناخبين
أو مرشحين فإنّ جميع العثمانيين الذكور لهم الحق في أن يكونـوا ناخبين من الدرجـة
الأولى " برنجي درجة " . ويحـق لكل (500) شخصاً بعد أن يسـجلوا أسماءهم
في سجلات خاصة انتخاب مرشح من الدرجة الثانية ( ثانوي ) " ايكنجي درجة "
فإذا كان عـدد ناخبي الدرجة الأولى أكثر من (500) وأقل من (750) فإنّهم ينتخبون
مرشحاً واحداً ، وإذا كان أكثر من (750) وأقـلّ من (1250) ينتخبون مُرَشّحين اثنين
وتتبع هذه النسبة ذاتها كلما ازداد عدد الناخبين ([x])
.
تُرسل قوائـم الناخبين الأولين إلى النواحي ويعينون أيام الانتخاب فيها
ويبلغونها للناخبيـن الأولين ويوزعون هـؤلاء على مجموعات تؤلـف كل مجموعة (3200)
ناخباً . وينتخب الناخبـون من الدرجة الثانية مرشحين آخرين للدرجة الثانية
والفائزون في انتخاب الدرجة الثانية هم الذين يتولون انتخاب مبعوثي الأمة ([xi])
. وكل مرشح منتخب من الدرجة الثانية
يتسلم من الهيئة الأنتخابية وبعد التحقق من أمر ترشيحه ، بطاقة موقعة تشهد
بانتخابه . وتسجل أسماء مرشحي الدرجة الثانية وعدد الأصوات التي يحصلون عليها في
قائمة خاصـة . وفي اليوم المعين يُصوت ناخبو الدرجة الثانية لانتخاب النواب وضمن
العدد المعين من المبعوثين. ويعتبر أولئك الذين ينالون أكثرية أصوات الناخبين
الثانويين منتخبين كنواب ([xii])
.
يفتح الصندوق الأنتخابي بحضور الهيئة التفتيشية والرؤساء الروحيين لمختلف
الطوائـف الدينية والناخبين الثانويين أنفسـهم . وتهيئ قائمة بأسماء جميع أولئك
الذين ظهرت أسماؤهم في أوراق الاقتراع مع عـدد الأصوات التي نالوها . وتدقق هذه
القائمة ثم توقع وتختم من قبـل الهيئة التفتيشية لكل قضاء وسنجق . وبعدئذٍ ترسل
إلى الوالي الذي يرسلها بدوره دون إبطاء إلى وزارة الداخلية في الأستانة
([xiii])
.
أجريت الانتخابات لأول مجلس مبعوثان في ظلّ الدستور الجديد . وكانت جمعية
الأتحاد والترقي تشرف على عملية الأنتخابات حيث لم يكن هناك أي منافس. لهذا فقد
سيطرت عليها بطريقة تسمح لأعضاء الجمعية أو المساندين لها لأن يشـكلوا أكثرية
برلمانية . وعلى الرغم من أنّ انتخابات 1908 قد جرت في معظم الولايات العثمانية
بجو مشبع بالتفاؤل ([xiv])
إلاّ أنّ هذه الانتخابات سببت حوادث قتل
في ولاية الموصل . ومن الطريف أن يترك لنا أحد الرحالة الأنكليز صورة لما جرى هناك
إبان انتخابات 1908 على لسان أحد مبعوثي لواء الموصل ([xv])
، فقد التقى به على سبيل الصدفة على ظهر
باخرة كانت في طريقها إلى أزمير ، إذ قـال المبعوث : " الحرية شيء جيد ولكن
هناك الكثير من الصعوبات . لقد قتل خمسين رجلاً في عملية انتخابي وذلك لاعتقاد
الناس أنّ هناك تلاعباً في إحصاء الأصوات الأنتخابية ، ولكن طالما كان الناس قلقين
منن ذلك فقد قرر أنه من الأفضل إرسالي "
([xvi])
.
إنّ ما قاله مبعـوث الموصل يدل على وجود تدخـل مباشر في عملية الانتخاب
وأنّ هناك بـوادر لوعي سـياسي عند الموصليين الذيـن احتجوا ـ على ما يبدو ـ ضد
محاولات السلطة للتلاعب بعدد الأصوات الأنتخابية.
بدأ مجلس المبعوثان اجتماعه في 17كانون الأول 1908.وألقى السلطان عبد
الحميد خطاباً في الجلسة الأفتتاحية أعلن فيه رغبته في الإصلاح وزيادة عدد المدارس
ونشر المعـارف وإصلاح الدوائر المختلفـة وقال : إنّ غايتنا الكبرى هي أن ندير
البلاد بحسب الدستور ([xvii])
.
كان تمثيل العناصر غير التركية يقل كثيراً عن تمثيل العناصر التركية ،
فالترك مثلاً لم يكونوا أكثر الأجناس عدداً في الدولة، وكان العرب في الواقع
يفوقونهم عدداً بنسبة ( 3 ـ 3 ) وعلى هذا فقد كان مجموع أعضاء مجلس المبعوثان
(245) مبعوثاً ، مثّل الأتـراك (150) مبعوثاً ومثّل العرب (60) مبعـوثاً . أي : كـان
الترك متفوقين بنسـبة (5 ـ 2 ) على رأي جورج انطونيوس ([xviii])،
ولكن ( Lybyer
) ([xix])
يعتقد العكس من ذلك بأنّ هناك تمثيلاً
عادلاً لكـل القوميات . فالمجلس مؤلف من (260) مبعوثاً من بينهم حوالي (120) تركياً
و (72) عربياً و (20) كردياً ، والبقية من عناصر الدولة العثمانية الأخرى,وثمة
إحصائية أخرى تذكر أنّ المجلس ضمَّ (288) مبعوثاً منهم (147) مبعوثاً يمثلون
الأتراك و (60) مبعوثاً يمثلون العرب ([xx])
.
ليـس هنا مجال مناقشة هذه الإحصائيات المتضاربة وذلـك لعدم توفر الإحصائيات
الدقيقة لمجموع السكان في الدولة العثمانية في ذلك الحين
([xxi])
، ولكن ما نقلناه على لسان أحد مبعوثي
لواء الموصل يوضح لنا الحقيقة التي لا تقبل الجدل وهي وجود شكاوي انتخابية حرمت
النظام الجديد ـ على حد تعبير أحد الباحثين ـ من سحر كلمة الحرية ([xxii])
.
فاز عن ولاية الموصل خمسة مبعوثين من مجموع (17) مبعوثاً يمثلون الولايات
العراقية الثلاث ( الموصل ، بغداد ، البصرة ) والمبعوثون الخمسة هم :
عن لواء الموصل : محمد علي فاضـل آل عبد الحافـظ ( مسلم ، كان رئيس
كتّاب في المحكمة الشرعية بالموصل قبل انتخابه ) ، داؤد يوسـفاني ( مسيحي كلداني ،
كان عضواً في محكمة استئناف الموصل قبل انتخابه ) .
عن لواء السليمانية : الحاج ملا سعيد كركوكي زادة ( مسلم ، عضو في مجلس
إدارة اللواء ) .
عن لواء كركوك : محمد علي مصطفى قيردار ( مسلم ، عضو مجلس إدارة
اللـواء ) ، صالح نفطجي ( مسلم ، من عائلـة نفطجي الغنية ، كان متصرفاً في الحلة )
([xxiii])
.
بلغت نفوس ولاية الموصل سنة 1907 ( 351.200 ) مواطناً ذكراً
([xxiv])
فإذا كان كل مبعوث يمثل ( 50.000 ) ذكراً
لوجب أن يكون لولايـة الموصل (7) نواب وليس (5) نواب .
أما عن هوية المبعوثين فيمكن القـول أنهم في
هذه الانتخابات كانوا إمّا أعضاء في جمعية الاتحاد والترقي أو من المساندين لها
على أقلّ تقدير .
([vii]) أساء الأتحاديون استعمال هـذا المسوغ القانوني
وصاروا يرشحون في كثير من المناطق الأنتخابية ـ في الولايـات العربية ـ بعض
منتسبيهم من الأتـراك من الأتراك ، ومن ثم يستعملون نفوذهم المادي والمعنوي لضمان
انتخاب هؤلاء المرشـحين . أنظر : سـاطع الحصري ، محاضرات في نشوء الفكرة القومية ، ط 5 ، ( بيروت ، 1964 )
، ص 217 .
(99)
Albert H . Lybyer , " The
Turkish Parliament " proceedings
of the American Political science Association at its seventh
Annual meeting ( December , 27 - 39 ,1910 ) ( Baltimore ,
1910 ) , P . 70 . quotted from , Hassan Saab , The Arab
Federalists of the ottoman Empire , ( Amsterdam , 1958 ) ,
P . 219 .
of the American Political science Association at its seventh
Annual meeting ( December , 27 - 39 ,1910 ) ( Baltimore ,
1910 ) , P . 70 . quotted from , Hassan Saab , The Arab
Federalists of the ottoman Empire , ( Amsterdam , 1958 ) ,
P . 219 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق