ذكريات جانبية ( 13 ) للاستاذ سامي مهدي
محمد روزنامجي
ما أكثر ما ابتلعت دوامة الحياة أدباء وفنانين موهوبين ، فضاعوا ، وتبددت مواهبهم قبل أن يعطوا ما كان بإمكانهم أن يعطوه ، ومن هؤلاء القاص محمد روزنامجي .
قليلون من يعرفون هذا الرجل اليوم ، وأقل منهم من يتذكرونه . وقد أسعدني كثيراً أن يتذكره الأستاذ القاص المبدع محمد خضير ويكتب عنه مقالاً في مجلة تعنى بفن القص ، وأعني مجلة ( إمضاءات ) .
محمد روزنامجي قاص من الجيل الذي ظهر في أواخر أربعينيات القرن العشرين ، جيل فؤاد التكرلي وعبد الملك نوري ومهدي عيسى الصقر ، ولكنه لم يصب من الشهرة ما أصابوه ، لأنه كان ينشر قصصه في أوقات متباعدة ، وكان ينأى بنفسه عن الأضواء ، وينغمس في روتين عمله الوظيفي وحياته اليومية .
علق اسمه بذاكرتي منذ عام 1953 فقد قرأت له إحدى قصصه في مجلة الآداب اللبنانية ، وكانت بعنوان ( أرض .. وبشر .. وزمن ) وقرأت له عام 1954 قصة أخرى في مجلة الأديب اللبنانية بعنوان ( قطار الجنوب ) . ولاحظت أنه أعاد نشر قصة ( أرض .. وبشر .. وزمن ) في مجلة ( الكاتب العربي ) عام 1954 وصادف أن قرأت له يومئذ أكثر من مقال في نقد القصة ، فرسخ اسمه في ذاكرتي . غير أنني لم أقرأ له بعد ذلك ، أي بعد عام 1954 ، أي شيء ، فقد توارى وانغمس في حياته الوظيفية ، فنسيه حتى الأدباء .
ولكن الباحثين لم ينسوه ، فكتب عنه عبد القادر حسن أمين في كتابه ( القصص في الأدب العراقي الحديث ) الصادر عام 1956 نحو صفحتين ، تطرق فيهما إلى بعض قصصه ، ولامه على تشاؤمه ، ونظرته السوداوية إلى الحياة ، ودعاه إلى إعادة النظر في موقفه .
أما الدكتور عبد الإله أحمد فذكره في مواضع من الجزء الأول من كتابه ( الأدب القصصي في العراق ) ولكن غالباً ما كان يذكره في الهوامش وليس في المتن ، ومع ذلك كتب عن قصصه عدة صفحات في الجزء الثاني من هذا الكتاب ووصف كتاباته النقدية والقصصية بالسذاجة والسطحية .
كان روزنامجي من المتأثرين بالفكر الوجودي ، وكان أسلوبه القصصي هو الذي لفت نظري إليه ، فقد كانت له طريقته الخاصة في السرد : جمل قصيرة ، تكرار كلمات بعينها كالسأم والفراغ والزمن ، منولوجات متقطعة ، ونقاط كثيرة تفصل بين الجملة والجملة ، كما لو أن التنقيط يتصل بتداعيات شخصياته ويعبر عنه ، وتقرب هذه التداعيات من أن تكون هذياناً في بعض الأحيان ، وهو يظن أنه متأثر في ذلك بأسلوب السناريوهات السينمائية ، وكان هذا في الواقع ما يميزه عن قصاصي جيله ، وأظنه سبق عبد الملك نوري في هذا النوع من الكتابة .
لا أتذكر على وجه الدقة مَن مِن محرري مجلة ( ألف باء ) قد اكتشفه في وزارة العدل . هو الزميل زيد الفلاحي في أغلب الظن ، فقد كان في مهمة صحفية ذات علاقة بهذه الوزارة ولما عاد سألته عما كلف به فأخبرني بأنه أنجزه وساعده في إنجازه مدير في الوزارة يدعى : محمد روزنامجي ، وهو مسؤول عن إعلام الوزارة في ما أظن . كان ذلك في أوائل عام 1974 ، وكنت يومئذ رئيس تحرير هذه المجلة .
وعند ذلك سألت الفلاحي أهو نفسه القاص محمد روزنامجي ؟ فقال أظنه هو ! فقلت إذن أنت مكلف بإجراء حوار معه ، فرحب الفلاحي يذلك وكأنه يريد أن يكافئه . وبعد أن أعطيته فكرة عامة عن روزنامجي ، أقترحت عليه الأسئلة الأساسية التي ينبغي أن يوجهها إليه ، ويطلب منه إحدى قصصه لنشرها في العدد الذي ينشر فيها الحوار ، وهذا ما كان ، فأنجز الفلاحي الحوار ، وجاء من روزنامجي بقصة عنوانها ( أفكار بلا أقنعة ) فنشرت القصة في العدد الذي نشر فيه الحوار .
فرح روزنامجي بنشر الحوار والقصة ، فزارني في مكتبي في المجلة ليشكرني ، وكأنه لم يكن يصدق ما حصل ، لفرط شعوره بالإحباط في ما أظن . وجرى بيني وبينه حديث طويل سألته فيه عما إذا كان ما يزال يكتب القصص ، فقال لي إنه ترك الكتابة ، قالها بيأس ، وسألته عن الأسباب ، فابتسم وهو يقول : لا أدري ، ربما هي الظروف ، ظروف الحياة ومتطلباتها . وسألته عما إذا كانت لديه قصص أخرى غير منشورة ، فأجاب بالإيجاب ، فقلت : إذن يمكنك نشرها في المجلة ، ونشرنا له في ما بعد قصتين أخريين . ثم سألته : لم لا تنشر قصصك في كتاب يجمعها ؟ فقال بأسى : فات الأوان ، ولهذا الزمن كتّابه ، وأنا لست منهم . ثم تضاحك وقال : هذا زمن فلان ، وذكر اسم صديق من أصدقائي كتاب القصة ! فقلت له : لا لم يفت الأوان بعد ، فأنت لك أسلوبك الخاص الذي يختلف عن أساليب الآخرين ، وما أيسر أن تجمع قصصك وتنشرها . يمكن أن تنشرها عن طريق وزارة الثقافة والإعلام . قال : لا أعرف أحداً فيها ، فقلت : ولكنهم يعرفونك ، وأنا على استعداد لتقديمها إليهم بنفسي . وعندئذ اقتنع بما اقترحته عليه ، وقدم مجموعته فنشرت بعد شهور قليلة ، وكانت بعنوان قصته ( أرض .. وبشر .. وزمن ) . ففرحت عند صدورها وكأنني أنجزت عملاً يخصني .
محمد روزنامجي
ما أكثر ما ابتلعت دوامة الحياة أدباء وفنانين موهوبين ، فضاعوا ، وتبددت مواهبهم قبل أن يعطوا ما كان بإمكانهم أن يعطوه ، ومن هؤلاء القاص محمد روزنامجي .
قليلون من يعرفون هذا الرجل اليوم ، وأقل منهم من يتذكرونه . وقد أسعدني كثيراً أن يتذكره الأستاذ القاص المبدع محمد خضير ويكتب عنه مقالاً في مجلة تعنى بفن القص ، وأعني مجلة ( إمضاءات ) .
محمد روزنامجي قاص من الجيل الذي ظهر في أواخر أربعينيات القرن العشرين ، جيل فؤاد التكرلي وعبد الملك نوري ومهدي عيسى الصقر ، ولكنه لم يصب من الشهرة ما أصابوه ، لأنه كان ينشر قصصه في أوقات متباعدة ، وكان ينأى بنفسه عن الأضواء ، وينغمس في روتين عمله الوظيفي وحياته اليومية .
علق اسمه بذاكرتي منذ عام 1953 فقد قرأت له إحدى قصصه في مجلة الآداب اللبنانية ، وكانت بعنوان ( أرض .. وبشر .. وزمن ) وقرأت له عام 1954 قصة أخرى في مجلة الأديب اللبنانية بعنوان ( قطار الجنوب ) . ولاحظت أنه أعاد نشر قصة ( أرض .. وبشر .. وزمن ) في مجلة ( الكاتب العربي ) عام 1954 وصادف أن قرأت له يومئذ أكثر من مقال في نقد القصة ، فرسخ اسمه في ذاكرتي . غير أنني لم أقرأ له بعد ذلك ، أي بعد عام 1954 ، أي شيء ، فقد توارى وانغمس في حياته الوظيفية ، فنسيه حتى الأدباء .
ولكن الباحثين لم ينسوه ، فكتب عنه عبد القادر حسن أمين في كتابه ( القصص في الأدب العراقي الحديث ) الصادر عام 1956 نحو صفحتين ، تطرق فيهما إلى بعض قصصه ، ولامه على تشاؤمه ، ونظرته السوداوية إلى الحياة ، ودعاه إلى إعادة النظر في موقفه .
أما الدكتور عبد الإله أحمد فذكره في مواضع من الجزء الأول من كتابه ( الأدب القصصي في العراق ) ولكن غالباً ما كان يذكره في الهوامش وليس في المتن ، ومع ذلك كتب عن قصصه عدة صفحات في الجزء الثاني من هذا الكتاب ووصف كتاباته النقدية والقصصية بالسذاجة والسطحية .
كان روزنامجي من المتأثرين بالفكر الوجودي ، وكان أسلوبه القصصي هو الذي لفت نظري إليه ، فقد كانت له طريقته الخاصة في السرد : جمل قصيرة ، تكرار كلمات بعينها كالسأم والفراغ والزمن ، منولوجات متقطعة ، ونقاط كثيرة تفصل بين الجملة والجملة ، كما لو أن التنقيط يتصل بتداعيات شخصياته ويعبر عنه ، وتقرب هذه التداعيات من أن تكون هذياناً في بعض الأحيان ، وهو يظن أنه متأثر في ذلك بأسلوب السناريوهات السينمائية ، وكان هذا في الواقع ما يميزه عن قصاصي جيله ، وأظنه سبق عبد الملك نوري في هذا النوع من الكتابة .
لا أتذكر على وجه الدقة مَن مِن محرري مجلة ( ألف باء ) قد اكتشفه في وزارة العدل . هو الزميل زيد الفلاحي في أغلب الظن ، فقد كان في مهمة صحفية ذات علاقة بهذه الوزارة ولما عاد سألته عما كلف به فأخبرني بأنه أنجزه وساعده في إنجازه مدير في الوزارة يدعى : محمد روزنامجي ، وهو مسؤول عن إعلام الوزارة في ما أظن . كان ذلك في أوائل عام 1974 ، وكنت يومئذ رئيس تحرير هذه المجلة .
وعند ذلك سألت الفلاحي أهو نفسه القاص محمد روزنامجي ؟ فقال أظنه هو ! فقلت إذن أنت مكلف بإجراء حوار معه ، فرحب الفلاحي يذلك وكأنه يريد أن يكافئه . وبعد أن أعطيته فكرة عامة عن روزنامجي ، أقترحت عليه الأسئلة الأساسية التي ينبغي أن يوجهها إليه ، ويطلب منه إحدى قصصه لنشرها في العدد الذي ينشر فيها الحوار ، وهذا ما كان ، فأنجز الفلاحي الحوار ، وجاء من روزنامجي بقصة عنوانها ( أفكار بلا أقنعة ) فنشرت القصة في العدد الذي نشر فيه الحوار .
فرح روزنامجي بنشر الحوار والقصة ، فزارني في مكتبي في المجلة ليشكرني ، وكأنه لم يكن يصدق ما حصل ، لفرط شعوره بالإحباط في ما أظن . وجرى بيني وبينه حديث طويل سألته فيه عما إذا كان ما يزال يكتب القصص ، فقال لي إنه ترك الكتابة ، قالها بيأس ، وسألته عن الأسباب ، فابتسم وهو يقول : لا أدري ، ربما هي الظروف ، ظروف الحياة ومتطلباتها . وسألته عما إذا كانت لديه قصص أخرى غير منشورة ، فأجاب بالإيجاب ، فقلت : إذن يمكنك نشرها في المجلة ، ونشرنا له في ما بعد قصتين أخريين . ثم سألته : لم لا تنشر قصصك في كتاب يجمعها ؟ فقال بأسى : فات الأوان ، ولهذا الزمن كتّابه ، وأنا لست منهم . ثم تضاحك وقال : هذا زمن فلان ، وذكر اسم صديق من أصدقائي كتاب القصة ! فقلت له : لا لم يفت الأوان بعد ، فأنت لك أسلوبك الخاص الذي يختلف عن أساليب الآخرين ، وما أيسر أن تجمع قصصك وتنشرها . يمكن أن تنشرها عن طريق وزارة الثقافة والإعلام . قال : لا أعرف أحداً فيها ، فقلت : ولكنهم يعرفونك ، وأنا على استعداد لتقديمها إليهم بنفسي . وعندئذ اقتنع بما اقترحته عليه ، وقدم مجموعته فنشرت بعد شهور قليلة ، وكانت بعنوان قصته ( أرض .. وبشر .. وزمن ) . ففرحت عند صدورها وكأنني أنجزت عملاً يخصني .
تحية شكر وتقدير لكل من يذكر والدي محمد روزنامجي رحمه الله والذي ستمر الذكرى السنوية الاولى على وفاته في ٢٣ تشرين الثاني اسكنه الله فسيح جناته
ردحذفاشكر كل من تذكر والدي الحبيب الغالي الغائب الحاضر في قلوبنا..وانا افتخر بأني ابنته..اللهم اسكنه جناتك الفسيحه..ومره اخرى اشكر كل من يتذكر هذا الرجل العظيم بأخلاقه وفكره الذي ﻻ يتكرر..وشكرا...
ردحذفرحمك الله ايها الغالي..مازلت وستبقى في قلوبنا وشكراً لمن يتذكرك في هذه اﻻيام..فارقتنا ونحن بأمس الحاجه إليك ايها اﻻب والصديق وكل شيء..اللهم اسكنه جناتك الفسيحه..وشكراً لمن تذكره وبارك الله فيك..
ردحذفالله يرحمك جدي الغالي كلي فخر بأني حفيدتك وقفة شكر وتقدير لكل من تذكر جدي الغالي الكاتب القاص الرائع موسوعة العلم والثقافة ستبقى في قلوبنا دائما وابدا وتبقى في ذاكرة كل محبيك شكر خاص للأستاذ محمد خضير والدكتور ابراهيم العلاف
ردحذفشكر خاص للاستاذ محمد خضير والدكتور ابراهيم العلاف لانهم تذكروا والدي الغالي رحمك الله ياغالي واسكنك الله فسيح جناته كنت مثال الاب الحنون وكنت المرجع والموسوعه الثقافيه التي نفتخر بها ابنتك شذى محمد روزنامجي تفتخر بك ياغالي
ردحذف