ذكريات الاستاذ سامي مهدي (50)
الشعر والإلقاء
أنا لا أجيد إلقاء الشعر ، وخاصة شعري . ولذلك ، ولأسباب أخرى أحياناً ، أتهرب من إلقاء
الشعر كلما دعيت إليه . وحين أستعرض ذكرياتي أجد إنني لم ألقِ شعراً في محفل عام
سوى بضع مرات ، وكلها كان بدافع الحرج والضغط . فلست معذوراً إذا دعيت إلى مهرجان شعري في خارج البلاد وطُلِب مني إلقاء شيء من شعري أن أتهرب . ومع ذلك تهربت في أكثر الدعوات ، ولا سيما تلك المهرجانات الكبيرة التي يحضرها جمهور كبير ، كجمهور مهرجان المربد مثلاً .
أنا لا أخاف من الوقوع في أخطاء لغوية في أثناء الإلقاء ، كبعض الشعراء ، ولا أشكو من علة في الصوت ، ولكنني لا أجيد التمثيل ، كبعض الشعراء الممثلين ، لا أستطيع أن أتلوّن وأتلّوى وأتلاعب بنبرات صوتي وأحرك يدي يميناً وشمالاً لكي أؤدي المعنى وأكسب عواطف الجمهور ، فهذه موهبة خاصة لا أمتلكها ، وربما هي حرفة لا أتقنها ، أو فنّ امتاز به شعراء الشعر التقليدي . ثم إنني لا أحفظ شعري مهما قرب عهد القصيدة بالكتابة وهذا لا يساعد على التمثيل والتفاعل مع المستمعين . ومع هذا جازفت وألقيت شعراً في بعض المناسبات محرجاً ، وكنت ، وأنا أقرأ ، لا أرفع نظري عن أوراقي ، ولا أتطلع للجمهور وأستطلع مدى تجاوبه ، بل أنهمك في القراءة حتى النهاية ، ولم أنجح في أكثر الحالات إلا نجاحاً نسبياً لا أرضاه لنفسي .
ولكنني نجحت مرتين نجاحاً كبيراً على ما أحسب ، مرة في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية رغم مقاطعتي والإحتجاج على عبارة وردت في إحدى قصائدي ، ومرة في مهرجان القاهرة الشعري الأول وكان نجاحي فيها أكثر من نجاحي في الرياض بكثير .
في أمسية القاهرة التي قرأت فيها كان قد سبقني محمود درويش وهو من هو في الإلقاء ، وفي الشهرة ، وفي تأثيره في الجمهور ، وسبقني أحمد عبد المعطي حجازي وهو ممن يتقنون فن الإلقاء . وحين دعيت لألقي شيئاً من شعري أسقط في يدي وتوقعت لنفسي الفشل ، لسبب يضاف إلى ما ذكرت من أسباب ، وهو أن غالبية الجمهور العظمى لا تعرفني ، ولم تقرأ لي شيئاً ، أو تسمع باسمي ، فمشيت إلى المنصة مشية الخجِل المتعثر، وحين وقفت وراءها ونشرت أوراقي ساد الصالة صمت تام ووجوم محرج ، وتطلعت من حولي فوجدت الجمهور يتطلع إلي بتساؤل ، فلم أجد ما يشجعني على القراءة ، ومع ذلك حيّيت ، وقلت : إنني سأقرأ عدة قصائد قصيرة ، وقرأت . قرأت دون أن أرفع نظري عن أوراقي على عادتي ، قرأت والجمهور صامت تماماً حتى لا تكاد تصدر عنه أية نأمة ، ولكنه كان يستمع باهتمام كما اكتشفت ، فحين انتهيت دوت القاعة بتصفيق حار لا عهد لي بمثله .
لم تكن قصائدي سياسية تثير الحماسة ، ولا غزلية تحفز العواطف وتستفز الرغبات ، بل كانت محض قصائد وجودية . ولكن الجمهور كان نوعياً ، يتذوق الشعر ويفهمه ويلتقط إشاراته البعيدة .
غير أن هذا النجاح لم يغير رأيي في الإلقاء . فأنا أرى أن الشعر الحديث يقرأ ولا يلقى ، لكونه معقد التركيب والبناء ، بعيد المرمى ، قليل الإحتفاء بالغنائية والغناء . ولذا أستغرب أن يلقي شعراء قصيدة النثر على الجمهور .
الشعر كلما دعيت إليه . وحين أستعرض ذكرياتي أجد إنني لم ألقِ شعراً في محفل عام
سوى بضع مرات ، وكلها كان بدافع الحرج والضغط . فلست معذوراً إذا دعيت إلى مهرجان شعري في خارج البلاد وطُلِب مني إلقاء شيء من شعري أن أتهرب . ومع ذلك تهربت في أكثر الدعوات ، ولا سيما تلك المهرجانات الكبيرة التي يحضرها جمهور كبير ، كجمهور مهرجان المربد مثلاً .
أنا لا أخاف من الوقوع في أخطاء لغوية في أثناء الإلقاء ، كبعض الشعراء ، ولا أشكو من علة في الصوت ، ولكنني لا أجيد التمثيل ، كبعض الشعراء الممثلين ، لا أستطيع أن أتلوّن وأتلّوى وأتلاعب بنبرات صوتي وأحرك يدي يميناً وشمالاً لكي أؤدي المعنى وأكسب عواطف الجمهور ، فهذه موهبة خاصة لا أمتلكها ، وربما هي حرفة لا أتقنها ، أو فنّ امتاز به شعراء الشعر التقليدي . ثم إنني لا أحفظ شعري مهما قرب عهد القصيدة بالكتابة وهذا لا يساعد على التمثيل والتفاعل مع المستمعين . ومع هذا جازفت وألقيت شعراً في بعض المناسبات محرجاً ، وكنت ، وأنا أقرأ ، لا أرفع نظري عن أوراقي ، ولا أتطلع للجمهور وأستطلع مدى تجاوبه ، بل أنهمك في القراءة حتى النهاية ، ولم أنجح في أكثر الحالات إلا نجاحاً نسبياً لا أرضاه لنفسي .
ولكنني نجحت مرتين نجاحاً كبيراً على ما أحسب ، مرة في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية رغم مقاطعتي والإحتجاج على عبارة وردت في إحدى قصائدي ، ومرة في مهرجان القاهرة الشعري الأول وكان نجاحي فيها أكثر من نجاحي في الرياض بكثير .
في أمسية القاهرة التي قرأت فيها كان قد سبقني محمود درويش وهو من هو في الإلقاء ، وفي الشهرة ، وفي تأثيره في الجمهور ، وسبقني أحمد عبد المعطي حجازي وهو ممن يتقنون فن الإلقاء . وحين دعيت لألقي شيئاً من شعري أسقط في يدي وتوقعت لنفسي الفشل ، لسبب يضاف إلى ما ذكرت من أسباب ، وهو أن غالبية الجمهور العظمى لا تعرفني ، ولم تقرأ لي شيئاً ، أو تسمع باسمي ، فمشيت إلى المنصة مشية الخجِل المتعثر، وحين وقفت وراءها ونشرت أوراقي ساد الصالة صمت تام ووجوم محرج ، وتطلعت من حولي فوجدت الجمهور يتطلع إلي بتساؤل ، فلم أجد ما يشجعني على القراءة ، ومع ذلك حيّيت ، وقلت : إنني سأقرأ عدة قصائد قصيرة ، وقرأت . قرأت دون أن أرفع نظري عن أوراقي على عادتي ، قرأت والجمهور صامت تماماً حتى لا تكاد تصدر عنه أية نأمة ، ولكنه كان يستمع باهتمام كما اكتشفت ، فحين انتهيت دوت القاعة بتصفيق حار لا عهد لي بمثله .
لم تكن قصائدي سياسية تثير الحماسة ، ولا غزلية تحفز العواطف وتستفز الرغبات ، بل كانت محض قصائد وجودية . ولكن الجمهور كان نوعياً ، يتذوق الشعر ويفهمه ويلتقط إشاراته البعيدة .
غير أن هذا النجاح لم يغير رأيي في الإلقاء . فأنا أرى أن الشعر الحديث يقرأ ولا يلقى ، لكونه معقد التركيب والبناء ، بعيد المرمى ، قليل الإحتفاء بالغنائية والغناء . ولذا أستغرب أن يلقي شعراء قصيدة النثر على الجمهور .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق