السبت، 25 أكتوبر 2014

ذكريات الاستاذ سامي مهدي (50) الشعر والإلقاء

ذكريات  الاستاذ سامي مهدي (50)
الشعر والإلقاء
أنا لا أجيد إلقاء الشعر ، وخاصة شعري . ولذلك ، ولأسباب أخرى أحياناً ، أتهرب من إلقاء 
الشعر كلما دعيت إليه . وحين أستعرض ذكرياتي أجد إنني لم ألقِ شعراً في محفل عام
سوى بضع مرات ، وكلها كان بدافع الحرج والضغط . فلست معذوراً إذا دعيت إلى مهرجان شعري في خارج البلاد وطُلِب مني إلقاء شيء من شعري أن أتهرب . ومع ذلك تهربت في أكثر الدعوات ، ولا سيما تلك المهرجانات الكبيرة التي يحضرها جمهور كبير ، كجمهور مهرجان المربد مثلاً .
أنا لا أخاف من الوقوع في أخطاء لغوية في أثناء الإلقاء ، كبعض الشعراء ، ولا أشكو من علة في الصوت ، ولكنني لا أجيد التمثيل ، كبعض الشعراء الممثلين ، لا أستطيع أن أتلوّن وأتلّوى وأتلاعب بنبرات صوتي وأحرك يدي يميناً وشمالاً لكي أؤدي المعنى وأكسب عواطف الجمهور ، فهذه موهبة خاصة لا أمتلكها . 
وربما هي حرفة لا أتقنها ، أو فنّ امتاز به شعراء الشعر التقليدي . ثم إنني لا أحفظ شعري مهما قرب عهد القصيدة بالكتابة وهذا لا يساعد على التمثيل والتفاعل مع المستمعين . ومع هذا جازفت وألقيت شعراً في بعض المناسبات محرجاً ، وكنت ، وأنا أقرأ ، لا أرفع نظري عن أوراقي ، ولا أتطلع للجمهور وأستطلع مدى تجاوبه ، بل أنهمك في القراءة حتى النهاية ، ولم أنجح في أكثر الحالات إلا نجاحاً نسبياً لا أرضاه لنفسي .
ولكنني نجحت مرتين نجاحاً كبيراً على ما أحسب ، مرة في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية رغم مقاطعتي والإحتجاج على عبارة وردت في إحدى قصائدي ، ومرة في مهرجان القاهرة الشعري الأول وكان نجاحي فيها أكثر من نجاحي في الرياض بكثير .
في أمسية القاهرة التي قرأت فيها كان قد سبقني محمود درويش وهو من هو في الإلقاء ، وفي الشهرة ، وفي تأثيره في الجمهور ، وسبقني أحمد عبد المعطي حجازي وهو ممن يتقنون فن الإلقاء . وحين دعيت لألقي شيئاً من شعري أسقط في يدي وتوقعت لنفسي الفشل ، لسبب يضاف إلى ما ذكرت من أسباب ، وهو أن غالبية الجمهور العظمى لا تعرفني ، ولم تقرأ لي شيئاً ، أو تسمع باسمي ، فمشيت إلى المنصة مشية الخجِل المتعثر، وحين وقفت وراءها ونشرت أوراقي ساد الصالة صمت تام ووجوم محرج ، وتطلعت من حولي فوجدت الجمهور يتطلع إلي بتساؤل ، فلم أجد ما يشجعني على القراءة ، ومع ذلك حيّيت ، وقلت : إنني سأقرأ عدة قصائد قصيرة ، وقرأت . قرأت دون أن أرفع نظري عن أوراقي على عادتي ، قرأت والجمهور صامت تماماً حتى لا تكاد تصدر عنه أية نأمة ، ولكنه كان يستمع باهتمام كما اكتشفت ، فحين انتهيت دوت القاعة بتصفيق حار لا عهد لي بمثله .
لم تكن قصائدي سياسية تثير الحماسة ، ولا غزلية تحفز العواطف وتستفز الرغبات ، بل كانت محض قصائد وجودية . ولكن الجمهور كان نوعياً ، يتذوق الشعر ويفهمه ويلتقط إشاراته البعيدة .
غير أن هذا النجاح لم يغير رأيي في الإلقاء . فأنا أرى أن الشعر الحديث يقرأ ولا يلقى ، لكونه معقد التركيب والبناء ، بعيد المرمى ، قليل الإحتفاء بالغنائية والغناء . ولذا أستغرب أن يلقي شعراء قصيدة النثر على الجمهور .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صورة فوتوغرافية رائعة للفنان الفوتوغرافي الاخ والصديق الفنان الاستاذ هيثم فتح الله عزيزة 2013

                                         صورة فوتوغرافية رائعة للفنان الفوتوغرافي الاخ والصديق الفنان الاستاذ هيثم فتح الله عزيزة 2013 وتصبح...