الجمعة، 28 يناير 2022

جامع الامام محسن في الموصل

                                                                جامع الامام محسن في الموصل 


جامع الامام محسن في الموصل

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل


واليوم نقف قبالة جامع الامام محسن وقاعة النقيب للمناسبات في محلة الشفاء ونستذكر هذه المعالم ومنها ما كان موجودا الى جانب جامع الامام محسن واقصد   (المدرسة النورية ) ... نستذكر مرقد الامام محسن  عليه السلام ورضي الله عنه .وجامع الامام محسن والمدرسة النورية وقاعة الشهيد علي بن المهندس نزار رؤوف النقيب لنُّذكر الاجيال الجديدة والشباب بما كان موجودا في مدينتنا العزيزة الموصل .

وسأقف اولا عن جامع الامام محسن في محلة الشفاء والقريب لابل المقابل حاليا لمشهد ومقام يحيى بن القاسم والذي دمرته عناصر داعش خلال سيطرتها على الموصل بين سنتي 2014-2017 ، كما دمرت مشهد الامام محسن بحجة وجود قبور فيه في شباط سنة 2015 .

ومشهد الامام يحيى ومشهد الامام محسن  عليهما السلام لم يكن يفصلهما شارع وانما كانا ضمن منطقة واحدة تقع على ضقة نهر دجلة اليمنى قريبا من القلعة الرئيسية :باشطابيا .

وخلال العودة الى المدونات التاريخية الموجودة بين ايدينا نجد ان جامع الامام محسن كان في اول امره مدرسة دينية تسمى المدرسة النورية لكن حاكم الموصل بدر الدين لؤلؤ اتخذ من هذه المدرسة مشهدا للإمام محسن بن الامام علي بن ابي طالب عليهما السلام وبعد ان جعل المدرسة مشهدا بنى فيه مصلى واقيم فيه منبر وهكذا ظهر لدينا جامع هو جامع الامام محسن .

ومعنى هذا ان المدرسة النورية تطورت الى مشهد للإمام محسن ثم صارت جامعا لايزال قائما حتى يومنا هذا والى جواره قاعة للمناسبات بناها الوجيه والثري الموصلي المهندس المرحوم الاستاذ نزار رؤوف النقيب تقام فيها مجالس العزاء (الفاتحة ) وهي قاعة حديثة وجميلة ومؤثثة بالأثاث الفاخر .

اعود لأتحدث عن ( المدرسة النورية ) وسميت هكذا نسبة الى ( الملك العادل نور الدين ابو الحرث ارسلان شاه بن عز الدين مسعود الاول بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي (589-607 هجرية –1193- 1211 ميلادية) . ونور الدين ارسلان شاه كان محبا للعلم استطاع اعادة هيبة الدولة الاتابكية وقد احبه الموصليون كما يقول شيخنا الاستاذ سعيد الديوه جي في كتابه عن جوامع الموصل وكانت المدرسة النورية من المدارس التي اشتهرت وكان مبناها جميلا قريبا من ضفة نهر دجلة كما كانت حكرا على الفقه الشافعي واوقفت عليها الاوقاف الكثيرة وذكرها المؤرخ ابن خلكان في كتابه (وفيات الاعيان ) وقال :" ان نور الدين شاه ارسلان شاه بنى مدرسة للشافعية بالموصل قل أن توجد مدرسة في حُسنها وتوفي سنة 607 هجرية – 1211 ميلادية ، ودفن في المقبرة الملحقة اليوم بالمدرسة وتقع بالقرب من المدرسة .

اما عز الدين بن الاثير المؤرخ الموصلي الكبير فقد تحدث في كتابه (الكامل في التاريخ ) ، وقال ان الملك العادل نور الدين ارسلان شاه انشأ المدرسة النورية مقابل داره .

كانت اهمية المدرسة النورية انها كانت تقع مقابل دور المملكة واقصد اليوم ما يعرفه اهل الموصل بقره سراي وكان سرايا اي مقر للحكم ابيضا الا انه دمر خلال سيطرة المغول واحتلالهم الموصل سنة 1260 ميلادية فصار اسودا من اثار الحريق .وكانت امام المدرسة ساحة واسعة كانت منذ سنوات قريبة يسميها الناس الميدان الاخضر ويخرجون اليها للتنزهة .

ادرك كاتب هذه السطور المدرسة في الخمسينات من القرن الماضي وكان الى جانب المدرسة مقبرة فيها عدد من القبور وكانت في المقبرة الواح رخامية زرقاء مطعمة بالرخام الابيض والمدرسة كانت مزينة بنقوش وكتابات مختلفة متنوعة مطعمة بالمرمر ولكن للاسف الشديد ذهب الزمان بالكثير من ملامح هذه الزخارف والنقوش .

قرأنا في بعض المصادر ان المدرسة النورية نورالدين ارسلان شاه عندما بنى المدرسة النورية اوقفها على (60) فقيها من الشافعية وجعل للصوفية والفقراء والمريدين نصيب من وارادات اوقاف هذه المدرسة وممن درس فيها ابو حامد عماد بن يونس بن منعة 535- 608 - 1141- 1211 ميلادية وكان هذا عالما اشتغل بالمعقول من العلوم اي علوم الفلسفة وعلوم الرياضيات وقد توفي في الموصل سنة 715 هجرية ومنذ اواخر القرن الثالث عشر بدأت اخبار هذه المدرسة تقل .

والان اريد ان اتحدث عن مشهد الامام محسن بن الامام علي بن ابي طالب عليه السلام ، واقول ان مشهد اي (قبر)  الامام محسن كان موجودا في احدى غرف المدرسة النورية ، ووجود المشهد عزز قيمة المدرسة النورية وهناك في المشهد محراب تحيط به كتابات تتمثل بالبسملة وآية الكرسي ويتدلى من اعلى المحراب زخارف وهناك قبة فوق المشهد والقبة مخروطية الشكل وهي من عمارة القرن الرابع عشر الميلادي . وقد رمم المشهد او المقام اكثر من مرة وكان ترميمه يتم باستمرار لكونه مكانا لكثير من مقابر ال البيت والى جانب هذه المقابر وهي في شمال مدينة الموصل بيوت ال النقيب وهم نقباء اشراف الموصل .

اخيرا فيما يتعلق بجامع الامام محسن فان الموصليين من سكان المحلة التي يقع فيها الجامع بنوا مصلى امام الاروقة التي امام المشهد او الحضرة واسسوا منبرا واخذوا يؤدون هناك صلاة الجمعة وبنى الناس بيوتهم الى جانب الجامع وعندما ضاق المصلى تبرع الاهالي وهدموا المصلى القديم وبنوا مصلى واسعا جميلا واقاموا به منبرا فوق المحراب وتم هذا سنة 1959 كما انهم فتحوا للحضرة بابا من الجهة الشمالية لان الباب القديم كان من المصلى وكانت ثمة كتابة فوق الباب الايسر من المصلى (بسم الله الرحمن الرحيم انما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الاخر ...وفوق الباب الايسر من المصلى كتب ايضا بسم الله الرحمن الرحيم ان الذين امنوا وعملوا الصالحات انا لا نُضيع أجر من أحسن عملا ...شيد المسجد الشريف على نفقة المحسنين سنة 1378 -1958وفي سنة 1381 بنى اهل المنطقة من تبرعاتهم منارة من الحديد بعد ان اضافوا الى المصلى جناحا اخرا من جنوبه.

في سنة 1997 تم اعمار جامع الامام محسن وكسي بالمرمر والحلان ، وبُنيت في منارة جميلة ، كما بنيت لجامع الامام محسن بوابة جميلة للجامع. وكثيرا ما يستخدم الجامع اليوم لتدريس القرآن الكريم وتقام فيه دورات للأطفال صيفية لتدريس القرآن الكريم والحديث النبوي ويطمح من يشرف على الجامع ان يعود الجامع ليكون مركزا لمدرسة علمية دينية تذكرنا بأيام المدرسة النورية .  

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...