الخميس، 27 يناير 2022

الكوّاز والكوازين في الموصل ...........بقلم :ا.د.ابراهيم خليل العلاف


                  المرحوم الحاج هاشم الجولو وهو من اقدم الكوازين في الموصل مع عدد من اولاده واقاربه والصورة تعود الى السبعينات 


 

الكوّاز   والكوازين في الموصل

ا.د.ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل

وسألني صديق ، وهل ان مهنة الكواز في الموصل لاتزال قائمة في الموصل كما كانت .. أجبته نعم موجودة ، ولايزال هناك من يمارسها ، وهناك اماكن تمارس فيها المهنة .. كما ان هناك سوقا تباع فيها المنتجات المصنوعة من الفخار .

ومهنة الكواز مهنة موصلية عريقة وقديمة ترجع الى الاف السنين وهي من استطاعت ان تلبي احتياجات المنزل الموصلي من الاواني الفخارية ومنها البراني والشربات والتنانير واواني لحفظ الخبز وحفظ الدهن وحفظ الدبس وقبلها لحفظ حتى اللحم كما ادركت ذلك في الاربعينات من القرن الماضي .

ومن حسن الحظ انني ولدت في محلة الكوازين سنة 1945 وهي نفسها المحلة التي تعرف رسميا ب(محلة رأس الكور) . ومحلة رأس الكور بنى فيها العرب المسلمون اول جامع بعد دخولهم الموصل سنة 16 هجرية -637 ميلادية وهو المسجد الجامع او الجامع الاموي واليوم هو جامع المصفي نسبة الى من عمره وجدده الحاج مصطفى مصفي الذهب .

سميت المحلة ب(محلة الكوازين) ،  لان معظم اهلها يمارسون مهنة صناعة التنور الطيني الذي يستخدم لشي الخبز ولايزال هناك من يمارس صناعة التنور ، ويحرص ابناء الموصل على شراء التنانير وتأسيسها في داخل بيوتهم ، واستخدام الحطب في ايقادها .هذا فضلا عن انتشار المخابر في المدينة ، والمحافظة حيث يؤسس هذه التنانير في محلات خاصة يعمل فيها عدد من الخبازين الماهرين والموصليون  يميلون الى شراء الخبز المصنوع في التنور الطيني خاصة وانه يتسم بالنكهة الطيبة وحالهم في هذا وهم يرددون مثل خبز باب الاغا في بغداد   (حار رخيص ومجسب ) .

وكانت مهنة صناعة خبز التنور مقتصرة على محلة رأس الكور الا ان بعض الكوازين اخذ المهنة ونشرها في اماكن مختلفة ليس في المدينة لا بل وحتى في المحافظة .

وتوجد في الموصل عدة أُسر تحمل لقب (الكواز) منهم أسرة الكواز ، وهي من الأسر العبيدية الموصلية العريقة التي تحدث عنها الاستاذ ازهر العبيدي في (موسوعة الاسر الموصلية ) ، وقال انهم أبناء فتحي بن أحمد الكواز من محلّة رأس الكور، منهم الكوازين فتحي أحمد الكواز ومحمد فتحي الكواز وعبد الله فتحي الكواز وخالد محمد فتحي العبيدي وحسام محمد فتحي العبيدي والشهيد الطيار غانم محمود خليل الكواز وأحمد محمود خليل الكواز والدكتور مضر محمود الكواز والدكتور سعد محمود الكواز والمحامي محمد يونس العبيدي والدكتور علاء غانم الكواز والدكتور عدي غانم الكواز.

ومن الطريف ان ال الكواز ، ومن يعمل في مهنة الكواز يتوارثون المهنة ابا عن جد وقد تحدث احد الكوازين وهو السيد خالد محمد فتحي العبيدي وهو يسكن محلة الكوازين عن المهنة التي ورثها عن أبيه الذي ورثها بدوره عن جده، في الموقع التالي ورابطه :

http://alhiwarmagazine.blogspot.com/

وقال انه كان يعمل في هذه المهنة منذ أن كان عمره ست سنوات، فلقد كان يساعد والده (رحمه الله)، وخاصة في العطلة الصيفية، وكذلك تتلمذ بشكل دقيق في فنون هذه الحرفة على يد أخيه الكبير أبو سيف الذي تسلم العمل بشكل كامل من والدي في فترة التسعينيات(فترة الحصار)، فكان من الكوازين الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة في الموصل، وهو الآن تسلم هذه المهنة الجميلة لكي تبقى من خلاله في العائلة، وقال انه على استعداد لتسليمها إلى الجيل القادم في العائلة.وعن مراحل العمل في صناعة تنور الطين تحدث فقال :" في البداية نأتي بالمادة الأولية ألا وهي الطين الأحمر النقي، وهو موجود في مناطق عديدة خارج المدينة، وتحديدا نحن نحبذ طين منطقة الشلالات لأنه خالٍ من الحجارة وغيرها من الشوائب التي قد تؤثر في جودة التنور فيما بعد. بعدها نقوم بخلط هذا الطين بالماء والملح ليتم عجنه بالقدمين جيداً، وبعد ذلك نضيف إليه القش(التبن) ، وهي سيقان سنابل الحنطة والشعير، ويعمل القش عمل حديد التسليح في الإسمنت والكونكريت. وبعد أن تكتمل لدينا العجينة نغطيها ونتركها لليوم التالي لتختمر، بعد ذلك نأخذ قطعة كبيرة من الطين ونقوم بعمل شريط منها لنصنع بعد ذلك من هذا الشريط حلقة تكون أساساً للتنور، وباستخدام آلة حديدية بسيطة نقوم بتنعيم وصقل الأساس، وريثما يتماسك الأساس نقوم بعمل أساسٍ لتنور ثانٍ، بعد ذلك نقوم بصنع أخدود في الأساس لنضع فوقه الشريط الثاني وكذلك نقوم بصقل وتنعيم القطعتين معاً ليتم تماسكهما معاً لتصبحان قطعة واحدة، وهكذا الشريط الثالث ثم شريطاً أخيراً؛ الشريط الرابع وهو خاص بفتحة فم التنور، وبعد ذلك نقوم بعمل فتحة للتنفيس في أسفل التنور ، ونسميها بـ( الغواج ). كما ونستعمل عيوننا بـ(اللمح) لنراقب أي تحدب أو تقعر على جسم التنور فنعالجه قبل جفاف التنور بواسطة القطعة المعدنية التي أشرت إليها مسبقاً والتي نسميها في مصطلح المهنة بـ(القطاف) وهي قطعة معدنية رقيقة بل وحادة كالشفرة من كلا الجانبين، أحد جانبيها محدب والآخر مستقيم، فالطرف المحدب يستخدم لصقل التنور من الداخل، أما الجانب المستقيم فهو لصقل الخارج؛ وبهذا يكتمل العمل.

وقد اشار الى ان هناك نوعين من التنانير الأول للمخابز التجارية، وهذا التنور يكون كبير الحجم، فقد يتراوح قطره بحدود المتر الواحد وارتفاعه بحدود المتر والنصف، وهناك أحجام أخرى أكبر، وذلك يتحدد بحسب الطلب.

أما النوع الثاني، فهو للمنازل وهذا النوع كذلك يكون بأحجام متنوعة تتراوح ارتفاعاتها ما بين 60 سنتيمتراً والمتر الواحد، وكما يقال في الموروث الشعبي، (بحسب شطارة المرأة).، أما التنور المستخدم في المدن الشمالية فنحن نصنعه ولكن بشكل خاص وبحسب التوصية لأنه يكون على عكس التنور العادي المستخدم عندنا في الموصل، فهم يدفنون التنور في الأرض، أما في مناطقنا هنا فنحن نبنيه فوق الأرض. ومن أشهر  الكوازين  الموصليين   فضلا  عن (فتحي  أحمد العبيدي ) اشخاص من  آل عباوي ، وأحمد رش ، وعلي الشهير بـ (عللاتي)، ولكن كل أولئك لم يستمر أبناؤهم بهذه المهنة، للأسف. ومن الطريف انني امتلك صورة فوتوغرافية تعود للمرحوم الحاج هاشم الجولو وهو من اقدم الكوازين التقطت مطلع السبعينات من القرن الماضي ومعه عدد من اقرائه ممن كانوا يعملون معه في صناعة التنانير .

خلال اليوم الواحد يستطيع الكواز ان يصنع مابين 10-20 تنورا هذا اذا كان الكواز متمكنا من حرفته . وغالبا ما تتم عملية بناء التنور في الدكاكين المهيئة لبيع الخبز في الموصل وغير الموصل بشكل مائل إلى الأمام قليلاً ليتسنى   العمل عليه بسهولة ، ومن بعد ذلك تتم عملية فخر التنور من خلال إيقاد النار فيه لفترة مناسبة ليكتسب التصلب المناسب، وبعد ذلك يكون جاهزاً لإنتاج الخبز الشهي.

الشيء الذي اريد قوله ان الكواز لا يصنع فقط التنانير (جمع تنور) بل ان هناك الكثير من المستلزمات البيتية من قبيل شربات الماء الفخارية وحبوب الماء الفخارية والبراني أي (البرنية وتسمى في بغداد البستوكه) وحتى حصالات النقود للأطفال الفخارية  ومنقل الفحم الصغير الطيني الذي كنا نسميه في الاربعينات ب(الكانون )  وجرار الماء (مفردها جرة) وحتى ابريق الوضوء من الطين واناء ماء الطيور الداجنة وما كنا نسميه (الكوارة ) التي كانت تستخدم في تخزين الحبوب وما نسميه (الموني) ، وغالبا ما تُطلى (البراني) بالصبغ الاخضر وتستخدم لكبس الطرشي او لحفظ الدهن او الدبس .

عندما نتحدث عن مهنة الكواز في الموصل علينا ان نربطها بالأسس الحضارية العراقية  الاولى  ومن مراكزها الموصل  المدينة التي اشتهرت بالفخاريات التي صنعها الانسان العراقي القديم قبل الاف السنين واللقى الفخارية والكسرات الفخارية والاواني الفخارية التي كثيرا ما يتم العثور عليها من قبل المنقبين والآثاريين تدل على عظم وقدم صناعة الفخار ولا ننكر ان الحياة المتحضرة ازاحت الكثير مما كان يستخدم من اواني الفخار وانتشرت الاواني النحاسية والزجاجية والمصنوعة من الالمونيوم وقد اشار الى شيء من هذا الاخ الدكتور ذنون الطائي في كتابه (مهن وحرف موصلية قديمة) .



 



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...