الخسفة ...........رواية الدكتور فواز المنوات : قراءة نقدية
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
سمعت عنها وانا اتناول اسماء من كتب عن الموصل خلال السنوات الثلاث المنصرمة 2014-2017 حين حكمها الظلاميون . وقبل يومين وصلتني نسخة منها عبر صديق عزيز وبدأت اقرأها .هي ليست فانتازيا متخيلة . كما انها ليست حكاية قدر مشؤومة لفتى شقي بل هي حكايتنا حكاية الموصل التي وجدت نفسها مبتلاة بأناس حبسوها في كهوف معتمة ، وجعلوها تعيش ردحا من الزمن خارج دائرة الحضارة .
بطلها ابراهيم محمد النوح ضابط شرطة ، وجد نفسه في ليلة زفافه مقتادا عنوة الى مكان مجهول مكتفا مثل شاة جاثيا امام شيخ حكم عليه بالردة لموالاته الكفار، واقتيد ليعدم ويلقى في الخسفة وهي حفرة عميقة تقع على مسافة عشرين كيلومترا من الجانب الغربي لنهر دجلة ليس لها قرار قيل عنها انها مكان حفره الجن ، وقيل انها اثر نيزك وقيل انها تكونت نتيجة ذوبان الصخور الكلسية وقيل ان الانكليز عند احتلالهم الموصل 1918 حاولوا سبر غورها فما استطاعوا ووجدوا في احد جنباتها بركة كبريتية وتتشعب منها كهوف ودهاليز كثيرة قد تمتد الى امكنة بعيدة .
لم تنفع توسلاته عند الشيخ الذي حكمه بالقتل صبرا .. لكن توسلاته نفعته عند من اقتادوه معصوب العينين وكوموه مثل ذبيحة عيد . وبعد ساعتين وعبر طرق وعرة انزلوه فإرتفع نحيبه ووقع مرارا على اقدامهم ليسمع من احدهم ان اركض مبتعدا عنا دون ان ترفع عن عينيك عصبتهما حتى تختفي من امامنا .
وهكذا تبدأ الرواية وعبر (16 سلامة ) يروي بطل الرواية ابراهيم ما وقع له وما رآه وما تخيله الى ان مات وخلال رحلته الى اللانهاية المحزنة روى حكايته واستذكر سيرته قال عن امه انها بعد استشهاد والده في حرب الخليج الاولى 1980-1988 تولت تربيته واربع بنات صغيرات وقال انه انتظم في سلك الشرطة بعد تخرجه من كليتها ووصل به الحال مديرا لمركز شرطة في الموصل .تخيل نفسه في القبر المفتوح على ظلمات الجحيم .كثيرا ما كان يفقد وعيه وهو يعيش في التيه وفي الهوة السحيقة وحده مع اكوام الجثث التي تتزايد كل يوم ...يلتقط رزقه كما تلتقط الافاعي رزقها من طيور اليمام وما يتردى احيانا من حيوانات الرعاة .استذكر خطب الملا هادي الذي اختصر الدين بنساءه الاربع وتكثير المسلمين .
وصل الى قناعة ان الانسان لايملك من امره الا ما تسوقه اليه اقداره وكثيرا ما وجد الوقت الطويل لاسترجاع شرائط ايامه السابقة وصار همه هو ان يرى الحفرة المشؤومة وهي تستقبل ضحاياها ، وكان وسط رفاقه المغدورين يقرأ ايات من القرآن الكريم فتردد معه هدأة المكان والخفافيش التي تتقافز ولم يدرك انه عاد الى الحياة الا بعدما رأى عمال شركة تضع اسس طريق سريع عبر الحفرة فعاد ليتأقلم مع معطيات الحضارة وركب التقدم وقيم التعايش الانساني وحرية الانسان .
الرواية تمت كتابتها في 20 مايس 2015 ويقينا ان خواتيمها ما كانت كما اردتها انا في تموز 2017 حيث عادت الموصل الى حضن العراق بعد قيام جيشنا والقوات الامنية معه بتحريرها وليس من الظلاميين فحسب بل من كل من يريد ان يجعلنا نعيش في غياهب ازمنة سحيقة من التخلف والخرافة والجهل .
ما اريد ان اقوله عن هذه الرواية ان كاتبها روائي متمكن من ادواته .. افكاره واضحة المعالم ، ولغته قوية وبليغة، وانتقالاته سريعة وحية وقد استطاع ان يأخذ بلباب قراءه ، واحسن التعامل مع خلجات نفوسهم . وعبر سمفونية متناسقة متساوقة مع الحدث الجلل. فتى مظلوم عاش يتيما مع اخوته برعاية امه بعد فقدانه رعاية ابيه الشهيد .جد واجتهد ودخل كلية الشرطة وتخرج منها ودرس الحقوق وتعب على نفسه ، لكن قدره وظرف بلده وغباء من هم مسؤلين عنه اودعته الى مصير مجهول ووسط جثث متفسخة وروائح كريهة لكنه حظي بعناية ربانية قدرت على ان تخرجه لحين من محبسه ومن خسفته ليروي لنا كل ما رواه .
رواية جديرة بالقراءة واعتقد انني ابيح لنفسي ان اجدها رواية توثيقية لحدث عشناه .. رأيناه وكنا شهود عيان عليه ؛ لذلك تستحق من النقاد وقفات وقفات بوركت اخي الدكتور فواز المنوات والى مزيد من التألق .
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
سمعت عنها وانا اتناول اسماء من كتب عن الموصل خلال السنوات الثلاث المنصرمة 2014-2017 حين حكمها الظلاميون . وقبل يومين وصلتني نسخة منها عبر صديق عزيز وبدأت اقرأها .هي ليست فانتازيا متخيلة . كما انها ليست حكاية قدر مشؤومة لفتى شقي بل هي حكايتنا حكاية الموصل التي وجدت نفسها مبتلاة بأناس حبسوها في كهوف معتمة ، وجعلوها تعيش ردحا من الزمن خارج دائرة الحضارة .
بطلها ابراهيم محمد النوح ضابط شرطة ، وجد نفسه في ليلة زفافه مقتادا عنوة الى مكان مجهول مكتفا مثل شاة جاثيا امام شيخ حكم عليه بالردة لموالاته الكفار، واقتيد ليعدم ويلقى في الخسفة وهي حفرة عميقة تقع على مسافة عشرين كيلومترا من الجانب الغربي لنهر دجلة ليس لها قرار قيل عنها انها مكان حفره الجن ، وقيل انها اثر نيزك وقيل انها تكونت نتيجة ذوبان الصخور الكلسية وقيل ان الانكليز عند احتلالهم الموصل 1918 حاولوا سبر غورها فما استطاعوا ووجدوا في احد جنباتها بركة كبريتية وتتشعب منها كهوف ودهاليز كثيرة قد تمتد الى امكنة بعيدة .
لم تنفع توسلاته عند الشيخ الذي حكمه بالقتل صبرا .. لكن توسلاته نفعته عند من اقتادوه معصوب العينين وكوموه مثل ذبيحة عيد . وبعد ساعتين وعبر طرق وعرة انزلوه فإرتفع نحيبه ووقع مرارا على اقدامهم ليسمع من احدهم ان اركض مبتعدا عنا دون ان ترفع عن عينيك عصبتهما حتى تختفي من امامنا .
وهكذا تبدأ الرواية وعبر (16 سلامة ) يروي بطل الرواية ابراهيم ما وقع له وما رآه وما تخيله الى ان مات وخلال رحلته الى اللانهاية المحزنة روى حكايته واستذكر سيرته قال عن امه انها بعد استشهاد والده في حرب الخليج الاولى 1980-1988 تولت تربيته واربع بنات صغيرات وقال انه انتظم في سلك الشرطة بعد تخرجه من كليتها ووصل به الحال مديرا لمركز شرطة في الموصل .تخيل نفسه في القبر المفتوح على ظلمات الجحيم .كثيرا ما كان يفقد وعيه وهو يعيش في التيه وفي الهوة السحيقة وحده مع اكوام الجثث التي تتزايد كل يوم ...يلتقط رزقه كما تلتقط الافاعي رزقها من طيور اليمام وما يتردى احيانا من حيوانات الرعاة .استذكر خطب الملا هادي الذي اختصر الدين بنساءه الاربع وتكثير المسلمين .
وصل الى قناعة ان الانسان لايملك من امره الا ما تسوقه اليه اقداره وكثيرا ما وجد الوقت الطويل لاسترجاع شرائط ايامه السابقة وصار همه هو ان يرى الحفرة المشؤومة وهي تستقبل ضحاياها ، وكان وسط رفاقه المغدورين يقرأ ايات من القرآن الكريم فتردد معه هدأة المكان والخفافيش التي تتقافز ولم يدرك انه عاد الى الحياة الا بعدما رأى عمال شركة تضع اسس طريق سريع عبر الحفرة فعاد ليتأقلم مع معطيات الحضارة وركب التقدم وقيم التعايش الانساني وحرية الانسان .
الرواية تمت كتابتها في 20 مايس 2015 ويقينا ان خواتيمها ما كانت كما اردتها انا في تموز 2017 حيث عادت الموصل الى حضن العراق بعد قيام جيشنا والقوات الامنية معه بتحريرها وليس من الظلاميين فحسب بل من كل من يريد ان يجعلنا نعيش في غياهب ازمنة سحيقة من التخلف والخرافة والجهل .
ما اريد ان اقوله عن هذه الرواية ان كاتبها روائي متمكن من ادواته .. افكاره واضحة المعالم ، ولغته قوية وبليغة، وانتقالاته سريعة وحية وقد استطاع ان يأخذ بلباب قراءه ، واحسن التعامل مع خلجات نفوسهم . وعبر سمفونية متناسقة متساوقة مع الحدث الجلل. فتى مظلوم عاش يتيما مع اخوته برعاية امه بعد فقدانه رعاية ابيه الشهيد .جد واجتهد ودخل كلية الشرطة وتخرج منها ودرس الحقوق وتعب على نفسه ، لكن قدره وظرف بلده وغباء من هم مسؤلين عنه اودعته الى مصير مجهول ووسط جثث متفسخة وروائح كريهة لكنه حظي بعناية ربانية قدرت على ان تخرجه لحين من محبسه ومن خسفته ليروي لنا كل ما رواه .
رواية جديرة بالقراءة واعتقد انني ابيح لنفسي ان اجدها رواية توثيقية لحدث عشناه .. رأيناه وكنا شهود عيان عليه ؛ لذلك تستحق من النقاد وقفات وقفات بوركت اخي الدكتور فواز المنوات والى مزيد من التألق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق