أنشكو فاسدي الذمم أم الحكومة أم القضاء في العراق؟*
بقلم :د. سعد ناجي جواد
كاتب عراقي
لقد عُرِفَ الشعر الشعبي العراقي بحزنه المتأصل نتيجة للمآسي التي عاشها العراقيون على مدى قرون خلت. وفِي احد ابيات هذا الشعر الجميل والمعبر يقول احد الشعراء الشعبيين
حرت مدري شجبر ششد شدهن
جثيرات وعليّ صعب شدهن
والمعنى بالفصحى( احترت لا ادري ماذا اُجَبِر وماذا أداوي او أشد من كسور او أي منها ادهنها بمرهم، لقد أصبحت من الكثرة بحيث صار من الصعب شدهم كي تشفى). واعتقد جازما بان هذا البيت هو لسان حال الغالبية العظمى من العراقيين اليوم. فبعد ان ارتضوا ان يعيشوا في بلدهم بدون كهرباء او ماء نقي او أية خدمات محترمة وخاصة في الصيف القائض الذي تجاوزت درجة الحرارة فيه الخمسون درجة مئوية، وبعد ان مزقت مدنهم الحروب الطائفية والعرقية والإرهابية، وأصبح الملايين من نساءه ارامل ونفس العدد من اليتامى والمهجرين الذين يعيشون في مخيمات بائسة ، ويسرق الفاسدون الأموال المخصصة لإغاثتهم، أقول رغم كل هذه الماسي فانهم اجبروا مكرهين على مشاهدة الفساد يستشري في بلدهم، والفاسدين وهم يتمعون بالمال الحرام ويهربون به خارج العراق بدون خوف من عقاب. والأكثر من ذلك فهم مجبرون كل يوم على مشاهدة رؤوس الفساد على شاشات التلفاز لكي يقدموا لهم مواعظ في النزاهة والشرف والوطنية وبدون اَي وجل او غيرة او خجل، وكأني بلسان العراقيين يردد قول بيت شعر المتنبي المشهور:
واحتمالُ الاذى ورؤيةُ جانيهِ
غذاءٌ تضوى بهِ الأجسامُ
وبالتاكيد ان مثل هذا الامر لا يحدث الا في بلد مثل العراق الذي ادعت الولايات المتحدة وعملائها بأنهم حرروه منذ عام ٢٠٠٣. والذي يقبع الان في اعلى قائمة الدول الأكثر فساداً والأكثر خطورةً والأكثر فوضوية.
قبل ايّام ظهر علينا السيد رئيس هيئة النزاهة في العراق، هذه الهيئة التي اتهمناها كثيرا وسخرنا من عملها اكثر، لكي يتكلم بحرقة وبالوثائق الرصينة، ما قامت به الهيئة التي يرأسها من اعمال لمراقبة ورصد للفساد. وللشهادة فان كلامه كان واضحا و مقنعا وصريحا. كما حدد أسماءا قامت الهيئة بإحالة ملفاتهم الى القضاء بعد ان استكملت الهيئة التحقيقات بها ووصلت الى نتيجة وقناعة ان هؤلاء المسؤولون يمكن ان يحاكموا ويدانوا بسبب فسادهم وسرقتهم للمال العام. ثم ثبت أمرا مهما اخر وهو ان واجب الهيئة ينتهي عند هذا الحد، الذي يجب ان يبدأ بعده دور القضاء والجهات التي تصدر الأوامر بإلقاء القبض على الموجودين منهم في البلاد والمطالبة باسترداد المتهمين الهاربين الى الخارج والتحفظ على ممتلكاتهم ومحاكمتهم. وهنا تكمن الطامة الكبرى. فمنذ عام عام ٢٠٠٣ لم نسمع عن استرداد فاسد كبير واحد او محاكمته او استرداد الأموال التي سرقوها وهي بمليارات الدولارات. وكانت اخر الماسي هي قصة هروب محافظ البصرة وابنه وسكرتيره على الرغم من صدور أوامر بمنعهم من السفر. والمأساة الأكبر هو ما صرح به القضاء العراقي حين قال من يمثله ان القضايا التي اثيرت حول المحافظ السابق لا ترقى الى الادانة الكاملة والتي تستوجب المطالبة لاسترداده. فهنيئا للفاسدين على هذا التصريح ولينعموا بهدوء بما سرقوه، وهنيئا للعراق على هذا القضاء الذين لا يعتبر الهروب من العراق وتحدي امر المنع من السفر، في اقل تقدير ناهيك عن تهم الفساد، جريمة كافية تستحق المحاسبة والحكم. وهذه حالة من حالات كثيرة شهدت تدخل الأحزاب المتنفذة لصالح الفاسدين من اعضائها. وعندي وعند غيري اذا فسد القضاء في بلد فعلى ابناءه المساكين ان يقرأوا عليه السلام. وفِي بلد يحابي فيه القضاء الفاسد ويتستر عليه وتقوم الأحزاب الحاكمة بحمايته وتسهيل هروبه اذا ما تطلب الامر، ويكون الفاسدون و سراق المال العام هم من يقودون العملية السياسية فاعتقد ان من حق السيد رئيس هيئة النزاهة ان يشعر بالاحباط والاصرار على الاستقالة من منصبه. ولا اعتقد ان هناك من يلومه عندما يرى الأصوات الفاسدة تعلو على صوته والقضاء لا يقف الى جانبه. لقد أصبحت احدى احلام العراقيين أمنياتهم شبه المستحيلة هي مشاهدة محاكمة فاسد كبير وإيداعه السجن وستبقى هذه الامنية بعيدة المنال في هذه الظروف السائدة. والسبب الرئيس في الموضوع باعتقادي المتواضع هو ارتباط جهات الفساد بعضها ببعض، وان ادانة اية جهة يعني انها ستؤدي الى ادانة جهة اعلى وصولا الى قمة هرم الفساد ،والذي يتمثل في الغالبية العظمى في الأحزاب والقيادات المهيمنة على العملية السياسية منذ ٢٠٠٣ ولحد اليوم. كنت قد تمنيت على رئيس هيئة النزاهة كمواطن بسيط ان يستمر في عمله المشرف وان لا يستقيل، وأكرر طلبي له مرة اخرى من نفس الموقع وكم ارجو ان يستجيب لطلبي وطلب الملايين مثلي لهذا الرجاء حبا في العراق . وعسى ان يفعل ليُبقي بعض الأمل لدى العراقيين.
________________________________________________
*http://www.raialyoum.com/?p=728122
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق