رسائل الاستاذ نوئيل رسام السياسي العراقي الوطني العروبي الى ولده غسان 1941-1943
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
خصتني الاخت السيدة شميم رسام بنسخة ( PDF ) من كتاب والدها المرحوم نوئيل ميخائيل رسام المحامي والسياسي الوطني والعروبي الى ولده غسان ، وهو يقضي فترة حكمه في السجن بالبصرة والعمارة 1941-1943 حين اعتقل لتأييده ثورة مايس 1941 المعروفة ب( حركة رشيد عالي الكيلاني ) .
الكتاب صدر عن مطابع دار الاديب بعمان -الاردن 2017 بعنوان : ( سجناء الفكر في العراق الحديث ..أوراق نوئيل رسام من خلف قضبان الحكم الملكي ) تحقيق وتقديم الاستاذ وديع شامخ .والكتاب يضم (19) رسالة بدأ بكتابتها الاستاذ نوئيل رسام السياسي العراقي الى ولده الاصغر غسان بعد اربعة ايام من اعتقاله كما جاء في سياق رسائله ، حيث كانت الرسالة الاولى مؤرخة بتاريخ 15 حزيران 1941 الى آخر رسالة في 11 تشرين الثاني سنة 1943.
ونوئيل رسام من اسرة عراقية مسيحية موصلية عريقة أسهم ابنائها في تكوين العراق الحديث ، وبرز العديد من رموزها في اختصاصات متعددة .ولد نوئيل رسام في محلة المكاوي بمدينة الموصل سنة 1910 ، وتوفي في واشنطن بالولايات المتحدة الامريكية سنة 2001 . وبين هذين التاريخين وقعت احداث كثيرة ومنها ثورة مايس 1941 التحررية والحرب العراقية -البريطانية حيث اصطدم الجيش العراقي الفتي بالقوات البريطانية المحتلة . وكانت الرسائل التي ارسلها نوئيل رسام من سجنه الى ولده غسان تنبئ عن انه اراد تهيئة ولده لحمل رسالة العروبة ورسالة الوطنية العراقية وهكذا كان الامر .
لااريد ان اخوض في مبحث ادب الرسائل ، واهميته وحميميته فقد كفاني مقدم الكتاب عن ذلك .لكن مما لابد ان اؤكده ان نوئيل رسام كتب رسائله باسلوب جميل وبلغة رشيقة ولم تكن رسائل شخصية عائلية بقدر ما كانت تعبيرا عن آراء وافكار المناضل القابع وراء جدران السجن .كانت درسا .. وكانت رسالة.. وكانت تجربة حرص الوالد على ان ينقلها الى ولده وهو يواجه الايام والليالي القاسية .
كانت ام الاستاذ نوئيل رسام السيدة زريفة مدرسته الاولى ثم درس في مدرسة الطاهرة وبعدها في ثانوية الموصل وسافر الى بغداد ليدخل كلية الحقوق وتخرج سنة 1934 .تزوج من مُدرسة لبنانية كانت تعمل في مدارس العراق اسمها صوفي بخمازي سنة 1935 ، وكان له منها اربعة اولاد هم : آمال وهند وغسان وشميم .
مارس المحاماة واشتغل في الصحافة وادى خدمة الاحتياط ضابطا 1939-1940 وبدأ عمله السياسي والصحفي في الموصل اواخر الثلاثينات من القرن الماضي وارتبط بحزب الاستقلال ذو التوجه القومي العربي بزعامة الشيخ محمد مهدي كبة ، واسهم في تحرير جريدته (النضال ) .
ولمقالاته وتوجهه القومي المعادي للانكليز اعتقل بعد فشل ثورة 1941 وقضى ثلاث سنوات حتى 1943 متنقلا في معتقلات الفاو والبصرة والعمارة واطلق سراحه وتفرغ للمحاماة وانتقل للعيش في بغداد وهناك اصدر جريدة (أ.ب. ت) في بغداد . وفي محكمة الشعب 1958 دافع عن صديقه سعيد قزاز واشاد بوطنيته وانتمى الى الحزب الاشتراكي العربي مع زميله عبد الرزاق شبيب وقد انتخب عضوا في مجلس نقابة المحامين وكان مسؤولا عن حقوق الانسان وقد حضر مؤتمرات للنقابة خارج العراق وداخله وقابل عددا من القادة والزعماء منهم الرئيس جمال عبد الناصر . وقد اعتقل سنة 1974 وحوكم امام محكمة الثورة بحجة معاداة النظام وبعد ان اطلق سراحه ظل في بغداد ، ولكن اثر وفاة زوجته التحق بأولاده في امريكا سنة 1991 ، وتفرغ للقراءة وكتابة مذكراته وتوفي سنة 2001 .
لم يكن عمر ولده غسان حين وجه نوئيل رسام رسائله اليه وهو في السجن يزيد عن السنة حيث انه ولد في تموز 1940 . ويقينا ان والدته هي من كانت تتسلم الرسائل ولربما خشي من وقوع رسائله بين ايدي غرباء ، فحجب اسم زوجته مرعاة لما كان سائدا من تقاليد اجتماعية انذاك . وللاسف لانعرف هل كانت ترد عليه ويقينا كانت ترد لكن لم اجد ايا من هذه الرسائل الجوابية وعلى العموم فإن توجه ولده غسان كان عروبيا قوميا ناصريا اعتقل هو الاخر فيما بعد .
من متابعة الرسائل نرى ان ثمة معلومات تفصيلية يقدمها الاستاذ نوئيل رسام لولده ، وفيها يبث همومه ولواعجه وشكواه المرة من اوضاعه كسجين واوضاع زملاءه .كما تضمنت الرسائل اسباب اعتقاله ولذلك كان يصب جام غضبه على من كان يحكم العراق ويراهم صنائعا للمستعمرين الانكليز . وكان يتذكر ايامه وهو حر يمارس حياته ويتذكر اصحابه واصدقاءه ويؤكد - بإستمرار - انه ما سجن الا لانه يحمل رسالة فكرية ، وانه نذر نفسه للوطن ولاستقلال العراق ووحدة امته العربية وتحررها من كل القيود .
من قراءتنا للرسائل نستطيع القول ان الاستاذ نوئيل رسام كان شخصية عروبية قومية فضلا عن وطنيته العالية . وتفصح رسائله الى ولده انه كان صافي الذهن ، متفائلا بمستقبل العراق ووحدة الامة العربية وقد تنبأ بأن العراقيين سيقيمون لشهداء ثورة مايس وخاصة العقداء الاربعة تماثيل في وسط بغداد وقال ان هدف العرب وقوتهم هو في وحدتهم وفي تبنيهم العلمانية كحل لكثير من مشاكلهم السياسية .
وكان نوئيل رسام وهو يكتب رسائله من داخل المعتقل على قدر كبير من الايمان بقوة العراق وقوة الامة العربية ومستقبلها .
كتاب قيم ، واضافة نوعية للمكتبة التاريخية النضالية العراقية والعربية والانسانية .. رحم الله الاستاذ نوئيل رسام وجزاه خيرا على ماقدم لوطنه وامته .
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
خصتني الاخت السيدة شميم رسام بنسخة ( PDF ) من كتاب والدها المرحوم نوئيل ميخائيل رسام المحامي والسياسي الوطني والعروبي الى ولده غسان ، وهو يقضي فترة حكمه في السجن بالبصرة والعمارة 1941-1943 حين اعتقل لتأييده ثورة مايس 1941 المعروفة ب( حركة رشيد عالي الكيلاني ) .
الكتاب صدر عن مطابع دار الاديب بعمان -الاردن 2017 بعنوان : ( سجناء الفكر في العراق الحديث ..أوراق نوئيل رسام من خلف قضبان الحكم الملكي ) تحقيق وتقديم الاستاذ وديع شامخ .والكتاب يضم (19) رسالة بدأ بكتابتها الاستاذ نوئيل رسام السياسي العراقي الى ولده الاصغر غسان بعد اربعة ايام من اعتقاله كما جاء في سياق رسائله ، حيث كانت الرسالة الاولى مؤرخة بتاريخ 15 حزيران 1941 الى آخر رسالة في 11 تشرين الثاني سنة 1943.
ونوئيل رسام من اسرة عراقية مسيحية موصلية عريقة أسهم ابنائها في تكوين العراق الحديث ، وبرز العديد من رموزها في اختصاصات متعددة .ولد نوئيل رسام في محلة المكاوي بمدينة الموصل سنة 1910 ، وتوفي في واشنطن بالولايات المتحدة الامريكية سنة 2001 . وبين هذين التاريخين وقعت احداث كثيرة ومنها ثورة مايس 1941 التحررية والحرب العراقية -البريطانية حيث اصطدم الجيش العراقي الفتي بالقوات البريطانية المحتلة . وكانت الرسائل التي ارسلها نوئيل رسام من سجنه الى ولده غسان تنبئ عن انه اراد تهيئة ولده لحمل رسالة العروبة ورسالة الوطنية العراقية وهكذا كان الامر .
لااريد ان اخوض في مبحث ادب الرسائل ، واهميته وحميميته فقد كفاني مقدم الكتاب عن ذلك .لكن مما لابد ان اؤكده ان نوئيل رسام كتب رسائله باسلوب جميل وبلغة رشيقة ولم تكن رسائل شخصية عائلية بقدر ما كانت تعبيرا عن آراء وافكار المناضل القابع وراء جدران السجن .كانت درسا .. وكانت رسالة.. وكانت تجربة حرص الوالد على ان ينقلها الى ولده وهو يواجه الايام والليالي القاسية .
كانت ام الاستاذ نوئيل رسام السيدة زريفة مدرسته الاولى ثم درس في مدرسة الطاهرة وبعدها في ثانوية الموصل وسافر الى بغداد ليدخل كلية الحقوق وتخرج سنة 1934 .تزوج من مُدرسة لبنانية كانت تعمل في مدارس العراق اسمها صوفي بخمازي سنة 1935 ، وكان له منها اربعة اولاد هم : آمال وهند وغسان وشميم .
مارس المحاماة واشتغل في الصحافة وادى خدمة الاحتياط ضابطا 1939-1940 وبدأ عمله السياسي والصحفي في الموصل اواخر الثلاثينات من القرن الماضي وارتبط بحزب الاستقلال ذو التوجه القومي العربي بزعامة الشيخ محمد مهدي كبة ، واسهم في تحرير جريدته (النضال ) .
ولمقالاته وتوجهه القومي المعادي للانكليز اعتقل بعد فشل ثورة 1941 وقضى ثلاث سنوات حتى 1943 متنقلا في معتقلات الفاو والبصرة والعمارة واطلق سراحه وتفرغ للمحاماة وانتقل للعيش في بغداد وهناك اصدر جريدة (أ.ب. ت) في بغداد . وفي محكمة الشعب 1958 دافع عن صديقه سعيد قزاز واشاد بوطنيته وانتمى الى الحزب الاشتراكي العربي مع زميله عبد الرزاق شبيب وقد انتخب عضوا في مجلس نقابة المحامين وكان مسؤولا عن حقوق الانسان وقد حضر مؤتمرات للنقابة خارج العراق وداخله وقابل عددا من القادة والزعماء منهم الرئيس جمال عبد الناصر . وقد اعتقل سنة 1974 وحوكم امام محكمة الثورة بحجة معاداة النظام وبعد ان اطلق سراحه ظل في بغداد ، ولكن اثر وفاة زوجته التحق بأولاده في امريكا سنة 1991 ، وتفرغ للقراءة وكتابة مذكراته وتوفي سنة 2001 .
لم يكن عمر ولده غسان حين وجه نوئيل رسام رسائله اليه وهو في السجن يزيد عن السنة حيث انه ولد في تموز 1940 . ويقينا ان والدته هي من كانت تتسلم الرسائل ولربما خشي من وقوع رسائله بين ايدي غرباء ، فحجب اسم زوجته مرعاة لما كان سائدا من تقاليد اجتماعية انذاك . وللاسف لانعرف هل كانت ترد عليه ويقينا كانت ترد لكن لم اجد ايا من هذه الرسائل الجوابية وعلى العموم فإن توجه ولده غسان كان عروبيا قوميا ناصريا اعتقل هو الاخر فيما بعد .
من متابعة الرسائل نرى ان ثمة معلومات تفصيلية يقدمها الاستاذ نوئيل رسام لولده ، وفيها يبث همومه ولواعجه وشكواه المرة من اوضاعه كسجين واوضاع زملاءه .كما تضمنت الرسائل اسباب اعتقاله ولذلك كان يصب جام غضبه على من كان يحكم العراق ويراهم صنائعا للمستعمرين الانكليز . وكان يتذكر ايامه وهو حر يمارس حياته ويتذكر اصحابه واصدقاءه ويؤكد - بإستمرار - انه ما سجن الا لانه يحمل رسالة فكرية ، وانه نذر نفسه للوطن ولاستقلال العراق ووحدة امته العربية وتحررها من كل القيود .
من قراءتنا للرسائل نستطيع القول ان الاستاذ نوئيل رسام كان شخصية عروبية قومية فضلا عن وطنيته العالية . وتفصح رسائله الى ولده انه كان صافي الذهن ، متفائلا بمستقبل العراق ووحدة الامة العربية وقد تنبأ بأن العراقيين سيقيمون لشهداء ثورة مايس وخاصة العقداء الاربعة تماثيل في وسط بغداد وقال ان هدف العرب وقوتهم هو في وحدتهم وفي تبنيهم العلمانية كحل لكثير من مشاكلهم السياسية .
وكان نوئيل رسام وهو يكتب رسائله من داخل المعتقل على قدر كبير من الايمان بقوة العراق وقوة الامة العربية ومستقبلها .
كتاب قيم ، واضافة نوعية للمكتبة التاريخية النضالية العراقية والعربية والانسانية .. رحم الله الاستاذ نوئيل رسام وجزاه خيرا على ماقدم لوطنه وامته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق