الجمعة، 11 أغسطس 2017

الامير الكبير ..التغيير في عصر فاسد تأليف : اكبر هاشمي رافسنجاني عرض :ا.د.ابراهيم خليل العلاف

الامير الكبير ..التغيير في عصر فاسد 
تأليف : اكبر هاشمي رافسنجاني
عرض :ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل 
قبل سنوات كنت في زيارة علمية لجامعة حلب –سوريا ، والتقيتٌ هناك صديقي وزميلي الاستاذ الدكتور عبد الرحمن البيطار استاذ التاريخ الحديث الرجل الحمصي المعروف ، فنصحني ان اقرأ كتابا جديدا كان قد صدر انذاك وترجم للعربية من قبل السيد سعيد بور عباسي وصدر عن دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر –دمشق 2002 . ولم يكن ذلك الكتاب سوى : " الامير الكبير ..التغيير في عصر فاسد " تأليف علي اكبر هاشمي رافسنجاني وبحثت عن الكتاب في مكتبات حلب ولم أجده فاستنجدت بالصديق الدكتور عباس الصباغ رئيس قسم التاريخ في كلية الاداب والعلوم الانسانية في جامعة حلب ، فكلف -مشكورا- أحد معاونيه وحصل لي نسخة من الكتاب من معرض كانت جامعة حلب قد نظمته .
قرأت الكتاب وأعجبت به ، فالكتاب يتناول سيرة وحياة أحد القادة الايرانيين المتنورين المصلحين في القرن التاسع عشر والذين ظهروا في حقبة من حقب التاريخ الايراني الحديث ذلك هو الميرزا محمد تقي خان الفراهاني . تولى الميرزا تقي خان ادارة ايران في السنوات الاخيرة من النصف الاول من القرن التاسع عشر ،وقام بأعمال وإصلاحات جعلته يقف في صف أكبر المصلحين في التاريخ .عارض عقود التنازلات للاستعمار البريطاني ، وقاوم المعاهدات غير المتكافئة التي كبلت بها ايران وحارب الحكام العملاء الذين مهدوا للغرب الطرق لنهب ثروات ايران ،وأبعد العملاء والمتزلفين من البلاط والمؤسسات وحاول ان يسد النوافذ امام النفوذ البريطاني والروسي ، وواجه ما واجه في سبيل مهمته السامية . ومن ذلك ان الاستعمار وعملاءه اخذوا يتآمرون عليه ويحرضون الملك ناصر الدين شاه القاجاري زاعمين ان الامير الكبير،ولما يتمتع به من شعبية واسعة ونفوذ في القوات المسلحة ، ينوي الاطاحة بالملك واستلام السلطة في ايران ،وقد تأثر الملك ناصر الدين شاه بذلك التآمر فعزل الامير الكبير من جميع مناصبه ونفاه الى مدينة كاشان جنوبي طهران .ولم يكتف اعداء الامير الكبير بذلك ،فواصلوا تآمرهم ودسائسهم ضده حتى تمكنوا من النيل منه . ومع ان عزة الدولة زوجة الامير الكبير وهي شقيقة الملك ناصر شاه حاولت ابعاد القتلة عن زوجها إلا ان امرا ملكيا صدر بقتله فقتل سنة 1268 هجرية -1852 ميلادية .وقد ذكر المؤلف ان الملك ندم فيما بعد على قتل الميرزا تقي خان وانه قال لمن يرافقه في احد الجولات :"لو كنا نملك في بداية حكمنا تجربة اليوم لكان المرحوم الميرزا تقي خان الامير الكبير هو رئيس وزراء ايران حاليا " .
كان مصلحا اجتماعيا له اراء وأفكار في بناء المجتمع وتطويره اقتصاديا وثقافيا وعلميا ، وقيل عن خططه انها ذات طابع اسلامي معتدل . اهتم بالتعليم لاعتقاده ان ايران بحاجة الى رجال اكفاء يحلون محل الخبراء والمستشارين الاجانب الذين كانوا يسيرون ايران وفق اجندات ومصالح بلادهم لذلك اسس جامعة عرفت ب" مدرسة دار الفنون " وجعل من اهدافها العمل على اعداد جيل من ابناء الوطن يقوم بأعادة بناء ايران . وشجع الامير الكبير استثمار موارد الوطن بأيدي ابناء الوطن وكان يرى "ان البلد الحر المستقل يجب ان ينتج ويصنع كل شيئ في الداخل والا فأنه سيكون مضطرا الى بيع المواد الخام بثمن بخس ليشتري السلع المصنعة بأسعار باهظة من الخارج وهذا يعني السقوط في هاوية الاستدانة ، وتبديد الثروة الوطنية والإفلاس " .لذلك سعى بكل جهده لكي يجعل ايران دولة صناعية .
وكان يعتقد ان العالم في عصره تسيره القوة ،فمن لايمتلك القوة فلن يتمكن من الحصول على حقوقه والبلد الذي لايمتلك جيشا قويا مجهزا بسلاح العصر لايستطيع الدفاع عن حقوقه وسيادته وحدوده وثغوره ، لذلك وضع اسسا لجيش قوي حديث متطور .
يقول المؤلف ان الامير الكبير ، وهو بمثابة رئيس الوزراء انذاك ، وضع خططا اصلاحية لكل مايراه ضروريا لاستقلال ايران وعظمتها ورفاه الشعب .الكتاب ممتع ومع ان مؤلفه أكد بأنه ليس مؤرخا ولايقصد من كتابه تقديم تحقيق تاريخي إلا انه كان يهدف الى تحفيز الشعب وتحفيز أولي ألأمر والنخب للعمل من اجل التغيير ومحاربة الفساد والبناء والإصلاح ، فالعصر هو عصر التغيير ومن سوف يتخلف عن التغيير سيتعفن وينتهي ويصبح في نهاية الامر ليس عالة على نفسه وعالة على شعبه وحسب بل عالة على التاريخ . 
من الامور الجميلة في الكتاب انه يقدم في الفصل السادس جملة من الاحكام والآراء التاريخية ومنها ان ثوابت الجغرافية وحقائق التاريخ لابد ان يكون لها موقعها ، وان الابطال المصلحين في التاريخ لابد وان يأتي اليوم الذي ينالون فيه ما يستحقونه من اهتمام .. يقول المؤرخ البريطاني غرانت واتسون في كتابه "تاريخ ايران : " حقق الامير الكبير من الانجازات خلال سنوات معدودة مايمكن انجازه خلال قرون وقد فتح بعبقريته عهدا جديدا في تاريخ بلاده " .
كتاب قيم.. انه بمثابة درس ودعوة للحكام لان يٌغيروا ويتغيروا ولايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة

  عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة -ابراهيم العلاف ولا اكتمكم سرا ، في أنني احب القاص والروائي العراقي الراحل عبدالستار ناصر 1947-2013 ، واقرأ ...