الجمعة، 18 مارس 2016

الدكتور فاضل البراك ودراساته عن حكومة الدفاع الوطني ، والملا مصطفى البارزاني ، والمدارس اليهودية والايرانية ا.د. ابراهيم خليل العلاف





الدكتور فاضل البراك ودراساته عن حكومة الدفاع الوطني ، والملا مصطفى البارزاني ، والمدارس اليهودية والايرانية
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
أحد الاخوة الباحثين سألني عنه ، ووعدته ان اكتب شيئا ؛ فالدكتور فاضل البراك كان لفترة وخلال عهد حكم الرئيس الاسبق صدام  حسين 1979-2003  مديرا للامن العام ، ومديرا للمخابرات العامة . فضلا عن مناصب اخرى تولاها  ومنها الملحق العسكري في موسكو ، وله كتب ودراسات منشورة .وسواء إتفقنا معه أو اختلفنا  أحببناه أم كرهناه ؛ فثمة حقيقة لايمكن انكارها ان الدكتور فاضل البراك كان له دور ، وكانت له حياة عسكرية وسياسية عاشها ويتحمل مسؤوليتها أمام الله وأمام التاريخ واقول ان من ابرز من كتب عنه الدكتور هادي حسن عليوي .كما وجدت بعض الكتابات الاخرى عنه ، ولااعتقد انني قرأت مقالا لصالحه .وممن اشار اليه الدكتور علاء بشير في كتابه :"كنت طبيبا لصدام " .. كما كتب عنه بإسهاب جهاد كرم  في كتابه :" بعثيون من العراق كما عرفتهم "
المهم ، انني سأحاول أن اركز على ما انجزه  من كتب ودراسات  وأبين موقفي منها وتقييمي لها .. واقف الآن عند حياته ، ومنها أنه من مواليد تكريت سنة 1942  ، وفيها أتم دراسته الثانوية  سنة  1960 ، ودخل الكلية العسكرية  ، لكنه ، وعند تخرجه فُصل هو وعدد كبير من زملاءه  البعثيين في عهد حكم الرئيس الاسبق عبد السلام محمد عارف الذي قام بإنقلابه في 18 تشرين الثاني 1963  وقد عين البراك في وظيفة مدنية ، ونسب  ليكون مراقب مخابز في " مديرية الاعاشة العامة"  في بغداد .
وبعد انقلاب 17 تموز 1968 ، مُنح البراك رتبة نقيب، كما دخل كلية الاركان وتخرج فيها ، وألحقَ  بحماية  الرئيس الاسبق احمد حسن البكر لكن  طُرد  بعد  مضي  سنة تقريبا  لمشكلة حدثت معه اثناء تصرفه مع زوجة رئيس الجمهورية في الهاتف . وقد نقل ليكون في حماية مقر الاذاعة والتلفزيون في منطقة الصالحية.. ونظرا لدوره في كشف ما سمي ب" مؤامرة عبد الغني الراوي " ، عُين ملحقا عسكريا في موسكو ومسؤولا عن تنظيمات حزب البعث في الاتحاد السوفيتي ، ليستثمر ذلك  المنصب ،  ويحصل على شهادة الدكتوراه من معهد الاستشراق  التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية في موسكو سنة 1976 عن اطروحته الموسومة  "حكومة الدفاع الوطني 1941 " والتي نشرت في كتاب سنة 1979 .
قيل  وكتب عنه الكثير ومن ذلك أنه انشأ فرع للتجارة خاص بالمخابرات العامة يقوم بالصفقات التجارية ، واخذ العمولات لأغناء ميزانية المخابرات العامة . وقيل بأنه كان يسجل مخاطبات رسمية غاية في السرية تجري بين رئاسة الجمهورية وجهاز المخابرات . وقيل بأنه كان يسرب معلومات عن العراق لصالح جهاز مخابرات دولة اجنبية هي المانيا الشرقية والاتحاد السوفيتي  . وقيل انه بالغ في الانتقام من معارضي النظام وبالغ في تعذيبهم ، واعدم عددا كبيرا منهم  . وقيل انه بالغ في اخراج عدد كبير ممن كانوا من التبعية الايرانية .  وقيل انه بالغ في محاصرة  مؤيدي برزان التكريتي في المخابرات بعد ان تسلمها بعده سنة 1984 . وقيل وقيل مما رواه جهاد كرم في كتابه المشار اليه آنفا .
ومهما يكن من أمر فقد أعدم  في نهاية ايلول –سبتمبر سنة 1991 بعد ان وجهت اليه تهمتان : الاولى بإعتباره جاسوسا لالمانيا الشرقية والاتحاد السوفيتي . والتهمة الثانية إثراؤه غير المشروع واستغلاله لمنصبه وحصوله على عمولات من تجار ورجال اعمال .   
يقول الدكتور هادي حسن عليوي انه لم يكن ذكيا..  وكانت شخصيته معقدة .. وقيل ان الدكتور الياس فرح هو من كتب له اطروحته  عن ثورة مايس 1941 ، وقيل انه إستعان بمترجم سوداني يعمل في السفارة العراقية في موسكو لترجمة اطروحته الى اللغة الروسية ، وان إثنان من الاساتذة الروس ساعداه في  اعداد اطروحته .
أما الاستاذ الدكتور ضياء نافع فينقل عن الدكتور خليل عبد العزيز  مساعد البروفيسور غفوروف قوله :" ان الرئيس العراقي  احمد حسن البكر طلب من الاتحاد السوفيتي اثناء زيارته له ان يمنحوا للبعثيين امكانية القبول في الدراسات العليا والحصول على شهادات الدكتوراه اسوة بالشيوعيين لان اعداد البعثيين الحاصلين على الدكتوراه قليلة جدا جدا, و ذكر اسم  فاضل البراك من ضمن هؤلاء
, وقد وافق الاتحاد السوفيتي آنذاك على مقترح البكر , وهكذا اتصل البراك بمعهد الاستشراق ، واقترح موضوع اطروحته ، ووافق المعهد على ذلك واصبح الاستاذ كوتلوف ( مؤلف كتاب ثورة العشرين في العراق ) مشرفا علميا على اطروحته , وكان  الدكتور  خليل عبد العزيز  يساهم اداريا في الاعداد للاطروحة وتنسيق العلاقة بين البراك ومعهد الاستشراق والمشرف العلمي وغير ذلك من  المتطلبات الخاصة بالاطروحة , وهكذا أخبره البراك ان الفصل الاول من الاطروحة كان جاهزا  لديه , وبعد فترة قصيرة نسبيا جاء بالفصل الثاني , والذي وجد فيه الدكتور خليل رسالة قصيرة من قبل الدكتور الياس فرح الى البراك يقول فيها انه يرسل الفصل الثاني له وسيتبعها بالفصول الاخرى , اي انه ( الدكتور الياس فرح ) هو الذي كان يكتب هذه الاطروحة ويرسلها الى البراك . وهكذا استطاع البراك ان ينهي اطروحته تلك وبهذه الطريقة ...  ووجد المشرف العلمي ان هذه الاطروحة مكتوبة من وجهة نظر تختلف عن وجهة النظر السوفيتية , فوافق البراك على أي اضافة من قبل المعهد على نص الاطروحة , وقد تم اضافة الكثير جدا من التعديلات والمصادر السوفيتية على تلك الاطروحة كما يتطلب الوضع الايديولوجي في الاتحاد السوفيتي آنذاك . وهكذا حصل فاضل البراك على شهادة الدكتوراه  بفترة قياسية جدا جدا, وكان ممتنا بالطبع للمعهد على ذلك , وللدكتور خليل شخصيا لدرجة انه اراد ان يهدي له سيارة كاديلاك ... وقد رفض الدكتور خليل رسميا هذه الهدية وأمام مسؤولي المعهد مباشرة . وعندما عاد البراك الى بغداد ، نشر اطروحته بالعربية هناك وحذف كل تلك الاضافات والتعديلات التي وافق نفسه عليها في حينه , وأشاد عدد من الباحثين والكتاب والمؤرخين بالكتاب  ومدحوه كثيرا ، وكتبوا اكثر من اربعين مقالة وبحثا عن تلك الاطروحة ( كان البراك يشغل منصبه الامني المعروف ), وقد كان معهد الاستشراق يتابع ذلك طبعا ولكن لم يحاول ان يصحح او حتى ان يعلق بشكل او بآخر على ذلك لحساسية هذا الموضوع عراقيا ، و عربيا ، و عالميا ".
أعود الى كتاب الدكتور فاضل البراك الموسوم :" دور الجيش العراقي في حكومة الدفاع الوطني والحرب مع بريطانيا سنة 1941 : دراسة تحليلية ونقدية ومقارنة للخلفيات الاجتماعية للقيادات السياسية والعسكرية "والذي طبع في "الدار العربية للطباعة " ببغداد سنة 1979 .والذي هو بالاصل اطروحته للدكتوراه والتي قدمها  - كما سبق أن قدمنا - الى "معهد الاستشراق التايع لاكاديمية العلوم السوفيتية بموسكو سنة 1979  ومديره انذاك الاكاديمي  البروفيسور غفوروف ، وبإشراف البروفيسور كوتلوف المعروف بدراساته عن العراق ومنها دراسته  المعروفة والتي ترجمها الدكتور عبد الواحد كرم من اللغة الروسية الى اللغة العربية عن ثورة 1920 الكبرى في العراق .ومما يجدر ذكره ان المؤلف شكر مدير المعهد الاكاديمي غفوروف وشكر مشرفه كاتلوف وشكر الدكتور الياس فرح :" الذي بذل كثيرا من وقته،  وجهده في مطالعة المسودة الكاملة للكتاب وزودني متفضلا بآراء سديدة وملاحظات قيمة قيمة ، ساهمت في ايضاح عدد من الجوانب الغامضة والالتباسات العفوية " . كما شكر الاستاذ ناجي شوكت السياسي العراقي ورئيس الوزراء الاسبق والمؤرخ البارز السيد عبد الرزاق الحسني والدكتور حازم طالب مشتاق وقال انهم كانوا له خير عون"  .
ويتضح من هذا ان الدكتور الياس فرح قد قرأ مسودات الاطروحة وأبدى ملاحظاته  تحريريا   واقول ليس من المعقول ان يكتب هو الاطروحة كما سبق ان اشرنا الى ماقاله الدكتور خليل عبد العزيز ، عندما اكتشف وجود مراسلات بهذا الشأن بين البراك والدكتور الياس فرح وأرجح  أنا كاتب هذه السطور ان من ساعده اي ساعد البراك في كتابة الاطروحة فعليا المشرف الدكتور كوتلوف والاكاديمي ليبيديف رئيس القسم العربي في معهد الاستشراق بموسكو والدكتور خليل عبد العزيز نفسه .
واقول انني سبق ان كتبتُ مقالة في مجلة " الجامعة " الموصلية التي كانت تصدرها جامعة الموصل ، وهي مجلة ثقافية وتحدثت فيها عن الرؤى الثلاثة التي كُتب بموجبها التاريخ العربي  الحديث ومنه تاريخ العراق الحديث والمعاصر وقلت انها:  الرؤية الاستعمارية ، والرؤية الوطنية،  والرؤية الاكاديمية العلمية وعندما ظهر كتاب البراك وجدت ما كتبت في هامش رقم (1 ) على الصفحة 9و10 دون الاشارة الى مقالتي .كما انني اقتبست في مقالتي عن ثورة مايس 1941 والتي نشرتها في جريدة "الجمهورية البغدادية 1978  من قول الرئيس السابق قولا يتعلق بثورة مايس 1941 فوجدت بعد شهر  اثنان من رجال المخابرات يأتون الى جامعة الموصل ويبحثون عني ، وعندما رأوني قالوا من اين جئت بالاقتباس؟  فقلت لهم انني وجدته في الصفحة كذا من كتاب "الثورة والتربية الوطنية " وبعد فترة وجدت الاقتباس نفسه في الصفحة الاولى من كتاب للبرلك بعنوان :" حكومة الدفاع الوطني :البذرة القومية للثورة العربية " 1980 .
قال البراك في مقدمة كتابه :" :" دور الجيش العراقي في حكومة الدفاع الوطني والحرب مع بريطانيا سنة 1941 : دراسة تحليلية ونقدية ومقارنة للخلفيات الاجتماعية للقيادات السياسية والعسكرية" :  ان محاولته ليست كتابة تاريخ ماحدث ؛ فالشطر الاعظم من تاريخنا قد كتب بالفعل بل  "  ان القضية هي اعادة كتابة  التاريخ وفق منهج جديد نكتبه في ضوءه ،  ونشجع الكوادر الفكرية لأن تتبنى هذا المنهج وتعيه " .  واضاف :"عند اطلاعنا على اسماء الذين كتبوا تاريخ حركتنا التحررية ، نلاحظ ان العناصر التي ربطت بين الجانبين القومي والاشتراكي معا قليلة جدا ان لم تكن نادرة وذلك ضمن فئة كبيرة من أساتذة الجامعات الذين يدور معظمهم في فلك المدرسة البرجوازية والبعض منهم له تاريخ ملموس في مدح الاسر الملكية والرجعية الاجتماعية والسياسية " .
وقد دعا الى استخدام  ما اسماه " المنهج الجدلي والاستقراء العلمي " للكشف عن ما اسماه "قانون التطور الحقيقي للامة العربية والعالم المعاصر ، وان يدخلوا الى صميم الواقع العربي لاان يبقوا على هامشه اويدوروا حول سطحه .
يعترف المؤلف في كتابه المطبوع بأنه "حذف من الاطروحة بعض الفصول لاسباب معينة كانت قائمة انذاك .  كما أنه  أضاف بعض المعلومات ، ولكن المؤلف احتفظ  بحق نشرها عند طبع الاطروحة في كتاب وعندما روجعت الاطروحة تمهيدا للطبع توفرت معلومات اضافية جديدة اضيفت الى الاصل . وثمة تغيير آخر قد طرأ على الاطروحة لانها كتبت اصلا باللغة الروسية ، وتوجهت للمناقشين السوفييت ،ولكن المؤلف قد أخذ بنظر الاعتبار ان هذا الكتاب يتوجه الى القراء العرب مع ما يستلزمه هذا الوضع من فهم خاص واسلوب معين " .

كان عنوان الفصل الاول :"المقدمات الاجتماعية والسياسية للعراق بين الحربين العالميتين الاولى والثانية .وكان عنوان الفصل الثاني "الوضع السياسي في العراق منذ ثورة 1920 حتى منتصف الثلاثينات " بينما عنون الفصل الثالث ب" الجيش والسياسة :دراسة تحليلية واستقرائية ونقدية ومقارنة .أما الفصل الرابع فكان عنوانه :" انقلاب بكر صدقي 1936 وبدايات ظهور الضباط الاحرار وكرس الفصل الخامس للوقوف على "الانتفاضة التحررية في نيسان 1941 " وانصرف الفصل الاخير للدروس المستنبطة من حركة 1941 وبعنوان :" دروس وعبر من حركة 1941 " .
وهنا لابد ان نقول ان المؤلف حاول ان يستخدم مصطلحات (انتفاضة ) و( حركة) و(ثورة ) ليصف ما حدث في العراق سنة 1941 ،  وبدون اي حرج . ومن الطريف انه قارن بين حكومة الدفاع الوطني 1941 وكومونة باريس 1871 ودافع عن الحركة ونفى عنها تهمة النازية وتبنى وجهة النظر السوفيتية التي عبر عنها المؤرخ السوفيتي اوغانسيان الذي قال :"ان ثورة 1941 في العراق لايجوز فصلها عن نطاق حركة الشعوب العربية المعادية للامبريالية ..ولاعن الحركة التحررية الوطنية التي اندلعت بعد الحرب العالمية الاولى .اما محاولة دول المحور للاستفادة من هذه الثورة وهي في حالة حرب ضد بريطانيا ، فلا تغير من حيث المبدأ من الصبغة التحررية لحركة 1941 " . ونقل عن ميرسكي قوله في كتابه "العراق زمن الفتنة " بالروسية :"من المغالطة والمبالغة في الرأي ان يقال ان رشيد عالي الكيلاني عمل بالتعاون الوثيق مع برلين " .
وعلق البراك يقول ان هذه الاقوال تعد ردا حاسما على مزاعم السياسيين والمؤرخين الغربيين وفي مقدمتهم ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا خلال سني الحرب وتزعم تشرشل هذه الكتابات ولاسيما في مذكراته تبريرا للعدوان الذي شنته بريطانيا على العراق واحتلاله ثانية 1941 .
للبراك أعمال  أخرى منها كتابه : عن " ستراتيجية الامن القومي "،  وكتابه :" المدارس الايرانية واليهودية في العراق " وكتابه عن :" مصطفى البارزاني " وكتابه :" حكومة الدفاع الوطني :البذرة القومية للثورة العربية " وطبع في دار الحرية للطباعة ببغداد سنة 1980 .
في كتابه الموسوم :" مصطفى البارزاني :الاسطورة والحقيقة "وقد طبع في مطابع دار الشؤون الثقافية العامة " ببغداد1989 قال انه يقدم تحليلا علميا وموثقا عن شخصية مصطفى البارزاني وسيرته واسرته والدور الذي لعبه في التاريخ العراقي الحديث " .وقال ان فكرة تأليف هذا الكتاب جاءته عندما كان ينقب في الوثائق التي كان يبحث فيها ، وان ما ورد عن بارزان والبارزاني والبارزانيين الف ملفة خاصة كانت تكبر ، وتتراكم ويزداد حجمها واشار الى ارشيف وزارة الداخلية . فضلا عن الوثائق الموزعة على عدد من دوائر الدولة .وخلال عمل مضن استغرق اربع سنوات استطاع ان يستحضر هذه الشخصية ويدد قسماتها ويستكشف جوانبها المجهولة ووصل الى تصور واضح ودقيق عن حقيقة دور البارزاني .
وقال انه رجع الى عدد كبير من المصادر واجرى  عدة مقابلات مع شخصيات كردية عاصرت البارزاني ، وتمتعت بالثقافة الواسعة والعقلية المنفتحة والتجربة الطويلة .الكتاب مدعم بصور للوثائق وبالصور الشخصية للملا مصطفى البارزاني .
ما يهمنا ان البراك اقر في نهاية كتابه ان  تاريخ القضية الكردية اكتنفه الكثير من الوهم والتشويه والخلط ، وان من حق الاجيال ان تتعرف على هذه القضية كما يجب .وان جميع الابحاث والدراسات المتوفرة عن القضية الكردية حاليا في المكتبة العربية تتخذ من اساليب ومواقف وتمردات البارزاني محورا للانطلاق ومقياسا للحكم  تقوم عليها وتبدأ بها وتنتهي اليها  مما يؤدي في كثير من الاحيان الى ملابسات ، وتعقيدات،  واختلاطات نفسية ، وعاطفية لاتساعد على الوصول الى المعرفة الصحيحة ، والحقيقة الدقيقة .وقال ومرة اخرى يدعونا الحق والانصاف الى الاعتراف بأن الحديث عن القضية الكردية كان قد أخذ في معظم الاحيان طابعا سلبيا يلقي باللوم على الاكراد ولايتحدث إلا عن سلبيات ادوارهم فقط .وختم كلامه بالقول ان محاولته هي ان يصل الى الحقيقة بشأن القضية الكردية ودور الملا مصطفى البارزاني او ان يقترب من الحقيقة قدر الامكان . ولكن المؤلف لم يكن موضوعيا –كما ادعى – وخاصة في كيل الاتهامات للبرزاني والبرزانيين واظهار علاقاتهم مع دول الجوار والدول الكبرى وتأثير ذلك على مستقبل العراق كما قال الامر الذي اخرج الكتاب من خانة الدراسات التاريخية والقى به في خانة الكتب السياسية كما حول المؤلف من كاتب للتاريخ الى كاتب لنشرة سياسية ذات هدف حزبي محدد .ولم يمنع هذا من ان نقول ان المؤلف –وبحكم وظيفته مديرا للامن العام ومن ثم مديرا للمخابرات العامة – احترز على كم هائل من الوثائق التي لم يكن في مقدور اي باحث او طالب دراسات عليا ان يصل اليها بأي حال من الاحوال الا اذا اراد المسؤولون عن خزانات الوثائق مساعدته كما فعلوا في العراق مع الدكتور حنا بطاطو ومن قبله مع فيليب ويلارد ايرلند .
الكتاب يتألف من خمسة فصول هي على التوالي : القضية الكردية ..تطورها التاريخي ، بدايات المشكلة البارزانية ، الظاهرة البارزانية ، تطور المشكلة البارزانية في العهد الجمهوري والبارزاني والارتباطات الاجنبية .
الكتاب محاولة علمية ورصد للمصادر التي كتبت عن الملا مصطفى البارزاني ، والقضية الكردية لكن المؤلف عبر عن  وجهة النظر التي تذهب باتجاه ان من اخطاء البارزاني ربطه الحركة الكردية باطراف اقليمية ودولية متباينة اختلفت بإختلاف المراحل والظروف وكان من شأن هذا الموقف انه اضر بالحركة  الكردية ، كما اضر بالعراق ككل .وهذا الرأي وقد سمعت مثله من ان الملا مصطفى البارزاني نصح اولاده قبيل وفاته بأن لايعولوا كثيرا على القوى الاقليمية والدولية وهو ما كان يفعله هو  وعبر عنه مرة  عندما عاب عليه البعض لجوءه الى الدول الاقليمية والدولية  بأنه  بمثابة متسول أعمى جالس بباب الجامع لايعرف من يضع في يده من مساعدة .
في كتابه :" حكومة الدفاع الوطني : البذرة القومية للثورة العربية "والذي صدر عن "دار الرشيد للنشر " ببغداد 1980 نجد انه اي المؤلف اورد آراء عدد كبير ممن كتب عن كتابه الاول :" دور الجيش الوطني في حكومة الدفاع الوطني والحرب مع بريطانيا سنة 1941 "ومنهم قادة في الجيش ، واساتذة في الجامعات ، وصحفيين ، ومؤرخين وكتاب ورجال قانون نذكر منهم الفريق الاول الركن عدنان خير الله وزير الدفاع والمؤرخ عبد الرزاق الحسني والمؤرخ الدكتور فاضل حسين وحامد علوان الجبوري وزير الدولة للشؤون الخارجية والمحامي حسين جميل والاستاذ نجدت فتحي صفوت والاستاذ محمد بهجت الاثري والدكتور وميض جمال عمر نظمي والدكتور جعفر عباس حميدي والاستاذ نزار عباس والدكتور رياض عزيز هادي والاستاذ سليمان عادل الحضيري   والدكتور خلدون  ساطع الحصري والدكتور متعب مناف السامرائي والدكتور نجم الدين السهروردي  والدكتور عصام شريف التكريتي  وغيرهم . ويبدو ان المؤلف قد وزع عليهم نسخا من كتابه والتمس منهم الكتابة عنه ، وكلها اكدت الاهمية التي يحظى بها الكتاب  في أنه ليس عرضا لاحداث حركة 1941 التاريخية في العراق حسب ،بل هو تحليل وإرجاع لها الى جذورها واصولها الاجتماعية والسياسية وعرض للنظرية العلمية التي تحكمت الاحداث والظروف والملابسات السابقة فيها والتي ادت اليها وعرض لمقدماتها واحداثها ونتائجها .والكتاب مكرس كله لمتابعة ردود الافعال على مؤلفه الاول في الصحف والمجلات وما ورد في الرسائل الخاصة الى المؤلف .ومما يلحظ ان بعض ما كتب لم يخل من ملاحظات سلبية وجهت الى الكتاب لكن المؤلف سرعان ما ناقشها وفند قسما منها .
إن مما ينبغي ان نسجله على مؤلفات الدكتور فاضل البراك وخاصة كتابه عن " دور الجيش العراقي في حكومة الدفاع الوطني والحرب مع بريطانيا سنة 1941 "  والذي هو في الاصل اطروحته للدكتوراه و"المدارس اليهودية والايرانية في العراق " و"مصطفى البارزاني :الاسطورة والحقيقة "، أن هذه المؤلفات ذات طابع سياسي اكثر مما هي دراسات تاريخية تمتع بالعلمية والموضوعية وانها كانت تهدف الى ترويج منهج ومفاهيم ارادها صاحبها منسجمة مع توجهه الحزبي .وحتى اطروحته التي قدمها الى معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية سنة 1976 بموسكو تنطلق من ذات المنهج والرؤى .وقد اعترف المؤلف في حديث ادلى به الى مجلة "الف باء " العدد 2537 في 10-1-1979  عندما قال :"لقد عانيت كثيرا في هذا المجال ويقصد فرض وجهة النظر والرؤية السوفيتية ، فالاستاذ المشرف (كوتلوف ) كان يصر على العامل الواحد في تحليل الاحداث وهو العامل الاقتصادي بينما كنت استخدم في تحليل الاحداث عوامل متعددة .والعامل الاقتصادي ليس في مقدمة التحليلات ،إذ ان العامل القومي له الاولوية في صنع الحدث السياسي ، وهذا الاختلاف ادى الى تأجيل عدة مواضيع في رسالة الدكتوراه وعدم مناقشتها الا انني اخذت موافقة من استاذي المشرف لادراجها في الرسالة عند طبعها " .

ويعلق  الدكتور خلدون ساطع الحصري في نقده للكتاب والمنشور في مجلة "تاريخ العرب والعالم " البيروتية العدد 14 في كانون الاول 1979 بالقول :"الا ان الكتاب المطبوع لايشير –مع الاسف- الى الاجزاء التي نالت موافقة الاستاذ المشرف على الاطروحة وهو البروفيسور كوتلوف الذي سبق وان نشر كتابا عن ثورة العشرين في العراق وهذه الاجزاء التي لم تحظ بموافقته ومعرفة هذا قد يكون امرا له اهمية بالنسبة الى الذين يريدون تتبع اتجاهات الاستشراق السوفيتي " .
ومع أنني  لم اطلع على اصل الاطروحة التي قدمت لنيل شهادة الكانديدات (والكانديدات  تعني بالروسية المرشح للدكتوراه ) وليس الدكتوراه PHD  لان اطروحة الدكتوراه تسمى في الاتحاد السوفيتي (ناؤوك ) والتي لم ينلها  كما نالها  مثلا المؤرخ العراقي الكبير الاستاذ الدكتور كمال مظهر أحمد ، كانت قد كتبت بتوجيه مشرفه الدكتور كاتلوف وفق وجهة النظر الماركسية –اللينينية التي التزم بها معهد الاستشراق المذكور بدليل انه ذلك يظهر في تفسيره لكثير من الاحداث ومنها ثورة 1920 الكبرى في العراق والتي قال عنها بالنص :" كان الفلاحون وابناء العشائر في الواقع طليعة الثورة في 1920 ولحمتها وسداها " وقد تجرأ استاذي المشرف على اطروحتي للدكتوراه الاستاذ الدكتور فاضل حسين ان يصارح الدكتور فاضل البراك في رسالة ارسلها له في 5-11-1979 بالقول :" ان هذا هو رأي الاستاذ المشرف على الاطروحة كاتلوف المستشرق السوفيتي " .ثم قال له في الرسالة ذاتها :" ان من واجب المؤرخ ان يذكر الحقيقة ولاشيء غير الحقيقة عن الماضي ومن الواجب ان يكون المؤرخ محايدا ونزيها وعادلا وشجاعا في اصدار الاحكام وان يكون متحررا من مصالحه وعلاقاته السياسية وغير خاضع للمغريات والضغوط .في تطبيق هذا المبدأ على انقلاب بكر صدقي في 1936 والانتفاضة التحررية في 1941 اشعر ان ذلك سيكون ممكنا في اوائل القرن القادم [يقصد القرن 21 ] ولكن هذا لايمنع من تثبيت الحقائق الاساسية في الوقت الحاضر " .
ونأتي الان الى كتاب "المدارس اليهودية  والايرانية في العراق :درسة مقارنة " ، الذي طبع في مطبعة دار الرشيد ببغداد سنة 1984 فأقول  : انه مؤلف من مقدمة ، وملاحق وثلاثة أبواب بواقع 15 فصلا هي عى التوالي :  المدارس اليهودية تأسيسها ، وتطورها ، ووسائلها ، وغاياتها ، وتأسيس المدارس الايرانية ، ووسائلها واهداف ايران منها ، والدور التخريبي لليهود والفرس في العراق ، والمؤسسات التعليمية لليهود والفرس ، واهداف الحركة الصهيونية واهداف ايران .
والكتاب  - كما قال مؤلفه - انه قد كُتب وفق اسلوب جديد،  وفهم متطور ، وحس قومي يهدف الى " النفاذ الى جوهر حياتنا الماضية والتماس حقائقها الثابتة والوقوف على تقاليدها واعرافها وما سادها من وشائج وصلات نظمت حياة الامة وما تعرضت له مسيرتها من نكسات وخيبة امل احيانا بهدف خلق صلة تاريخية حية ومتفاعلة بين حلقات الماضي والحاضر والمستقبل من جهة ورغبة في وضع معادلة موزونة ومتكاملة بين الثابت والمتحرك او بين التراث والمعاصرة من الجهة الاخرى " .
ومن المؤكد أن المؤلف أراد ان يخدم أهدافا سياسية من خلال وضع اليد على ما قام به اليهود والايرانيين ضمن النسيج الاجتماعي العراق من دور مهم في الاستحواذ على قيادة النشاط الاقتصادي وحتى الثقافي والتعليمي  في العراق ؛ فالعراق ، كان مركزا لمدارس ايرانية ويهودية واميركية وفرنسية وبريطانية لعبت أدوارا سياسية خبيثة ، وجهدت من أجل خلق حالة من الاغتراب لدى من درسوا فيها .ومع ان نتائج مخرجاتها،  لم تكن كما كان يتمنى مؤسسوها  ، إلا ان الباحث لايمكن ان يتغافل او يغفل دورها وقد إعتمد المؤلف على الوثائق والسجلات الرسمية بخاصة وثائق وزارة الداخلية وسجلات التحقيقات القانونية التي اجرتها الشعبة الخاصة مع مسؤلي بعض هذه المدارس وخاصة اليهودية منها ممن ثبت تواطؤهم في  عمليات التفجير التي سبقت ورافقت هجرة اليهود الجماعية الى الكيان الصهيوني بغية خلق الاجواء المادية والنفسية التي تعينهم على تحقيق اهدافهم .
ويقول المؤلف أنه افاد كذلك من تجربته الشخصية ، وخبرته العملية التي تهيأت له بحكم المسؤولية التي تحملها ، ومن خلال التعامل مع العناصر من التبعية  الايرانية الذين - كما قال - أساؤوا الى البلد على الرغم من وجودهم على ترابه منعمون بخيراته لعقود طويلة من الزمن " .
في الكتاب وثائق مهمة ، وضعها المؤلف كملاحق منها :قانون ونظام الطائفة الاسرائيلية وقائمة بأسماء اليهود الذين انتسبوا الى الحزب الشيوعي خلال سني الاربعينات من القرن الماضي ، و"المعلمون والمدرسون والموظفون والمستخدمون في المدارس الايرانية في العراق "،  و" الاتفاقية الثنائية بين حكومة الجمهورية العراقية والحكومة الشاهنشاهية الايرانية 1986 " ، و" استمارات معلومات خاصة بالمدارس الايرانية في العراق " ، و"تماثل اطماع الصهاينة والايرانيين في خريطتين " ، و"خارطة تمثل منطقة الشورجة التجارية في بغداد التي استحوذ  اصحاب رؤوس الاموال اليهود ثم الايرانيين من بعدهم على مقدراتها الاقتصادية " .

إن مما ينبغي ان نسجله على مؤلفات الدكتور فاضل البراك ، وخاصة  كتبه عن " دور الجيش العراقي في حكومة الدفاع الوطني والحرب مع بريطانيا سنة 1941 "  والذي هو في الاصل اطروحته للدكتوراه و"المدارس اليهودية والايرانية في العراق "،  و"مصطفى البارزاني :الاسطورة والحقيقة "، أن هذه المؤلفات  - وإن احتوت على معلومات وحقائق ووثائق مهمة لايستطيع باحث او طالب دراسات عليا الحصول عليها بيسر وسهولة - ذات طابع سياسي ، أكثر مما هي دراسات تاريخية  ، تمتع بالعلمية والموضوعية ، وانها كانت تهدف الى ترويج منهج  ومفاهيم أرادها صاحبها منسجمة مع توجهه الحزبي .وحتى اطروحته التي قدمها الى معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية سنة 1976 بموسكو تنطلق من ذات المنهج والرؤى .وقد اعترف المؤلف في حديث أدلى به الى مجلة "الف باء " العدد 2537 في 10-1-1979  عندما قال :"لقد عانيت كثيرا في هذا المجال ويقصد فرض وجهة النظر والرؤية السوفيتية ، فالاستاذ المشرف كان يصر على العامل الواحد في تحليل الاحداث ، وهو العامل الاقتصادي بينما كنت استخدم في تحليل الاحداث عوامل متعددة .والعامل الاقتصادي ليس في مقدمة التحليلات ،إذ إن العامل القومي له الاولوية في صنع الحدث السياسي ، وهذا الاختلاف أدى الى تأجيل عدة مواضيع في رسالة الدكتوراه وعدم مناقشتها الا انني اخذت موافقة من استاذي المشرف لادراجها في الرسالة عند طبعها " .

ويُعلق  الدكتور خلدون ساطع الحصري في نقده للكتاب والمنشور في مجلة "تاريخ العرب والعالم " البيروتية العدد 14 في كانون الاول 1979 بالقول :" إلا ان الكتاب المطبوع لايشير –مع الاسف- الى الاجزاء التي نالت موافقة الاستاذ المشرف على الاطروحة وهو البروفيسور كوتلوف الذي سبق وان نشر كتابا عن ثورة العشرين في العراق وهذه الاجزاء التي لم تحظ بموافقته ومعرفة هذا قد يكون امرا له اهمية بالنسبة الى الذين يريدون تتبع اتجاهات الاستشراق السوفيتي " .
ومع أنني  لم اطلع على أصل الاطروحة التي قدمت   وكتبت باللغة الروسية  ، لنيل شهادة الكانديدات (والكانديدات  تعني بالروسية المرشح للدكتوراه ) وليس الدكتوراه PHD  لان اطروحة الدكتوراه تسمى في الاتحاد السوفيتي (ناؤوك ) والتي لم ينلها  كما نالها  مثلا المؤرخ العراقي الكبير الاستاذ الدكتور كمال مظهر أحمد ، كانت قد كتُبتْ بتوجيه مشرفه الدكتور كوتلوف   وفق وجهة النظر الماركسية –اللينينية التي التزم بها معهد الاستشراق المذكور بدليل انه ذلك يظهر في تفسيره لكثير من الاحداث ومنها ثورة 1920 الكبرى في العراق والتي قال عنها بالنص :" كان الفلاحون وابناء العشائر في الواقع طليعة الثورة في 1920 ولحمتها وسداها " .

وقد تجرأ استاذي المشرف على اطروحتي للدكتوراه الاستاذ الدكتور فاضل حسين ان يصارح الدكتور فاضل البراك في رسالة  خاصة أرسلها له في 5-11-1979 بالقول :" ان هذا هو رأي الاستاذ المشرف على الاطروحة كاتلوف المستشرق السوفيتي " .ثم قال له في الرسالة ذاتها :" ان من واجب المؤرخ ان يذكر الحقيقة ولاشيء غير الحقيقة عن الماضي ومن الواجب ان يكون المؤرخ محايدا ونزيها وعادلا وشجاعا في اصدار الاحكام وان يكون متحررا من مصالحه وعلاقاته السياسية وغير خاضع للمغريات والضغوط .في تطبيق هذا المبدأ على انقلاب بكر صدقي في 1936 والانتفاضة التحررية في 1941 أشعر ان ذلك سيكون ممكنا في اوائل القرن القادم [يقصد القرن 21 ] ، ولكن هذا لايمنع من تثبيت الحقائق الاساسية في الوقت الحاضر " . 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...