جون فوستر دالاس وسياسته الشرق اوسطية 1953-1959
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
منذ ان وصل الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور
الى الحكم في الولايات المتحدة الاميركية في مطلع سنة 1953 وإختار جون فوستر دالاس
، ( 1888-1959 )
John Foster Dulles،
ليكون وزيرا للخارجية بين 26 كانون الثاني يناير, 1953 الى 22 نيسان أبريل, 1959، أجرت
الحكومة الاميركية، تقييما شاملا للسياسة
الاميركية تجاه قضايا الشرق الاوسط ، ومنها القضايا العربية ، وفي مقدمتها القضية
الفلسطينية وقضايا المغرب العربي ، وبالاخص القضية الجزائرية ، وارتباط ذلك كله
ببريطانيا ، وفرنسا ، واسرائيل .وكانت
محاولة إعادة النظر هذه والتقييم الذي حصل يجيء انسجاما مع الشعار الذي رفعه
ايزنهاور في حملته الانتخابية وهو : "
شعار النظرة الجديدة " .
وكانت حصيلة هذا التقييم –كما جاء في كتاب
(العراق في الوثائق الاميركية 1952-1954 ) للدكتور عصام شريف التكريتي – تبني
ستراتيجية الدفاع الغربي عن الشرق الاوسط ، والتوسع في بناء القواعد العسكرية
الاميركية التي تستخدم لتطويق الاتحاد السوفيتي السابق ، ومهاجمة الاهداف
الستراتيجية في عمق الاراضي السوفيتية عند اندلاع حرب نووية بين الطرفين .
وكانت منطقة الشرق الاوسط بموقعها المتاخم
للاتحاد السوفيتي مهمة للامن القومي
الاميركي ؛ لهذا برزت الحاجة –من وجهة
النظر الاميركية – لربط دول المنطقة في
منظومة أحلاف وتكتلات عسكرية .
اعتمدت "
سياسة جون فوستر دالاس الشرق اوسطية "على ركيزتين أساسيتين هما :
1. ان دالاس لم يكن يريد إدخال دول الشرق الاوسط كلها ضمن تدبيرات
وترتيبات سياسة الاحتواء العسكري الشامل
بمسؤولياته الستراتيجية والسياسة ، وانما أراد أن يطبق استراتيجية مرنة تعتمد التركيز على دول الحزام الشمالي :تركيا ،
وايران، وباكستان ، والعراق وهذه الدول
تتمتع بخاصية الموقع السترايجي الحساس الذي يساعد في تنفيذ حرب جوية شاملة مدمرة
ضد الاهداف الحيوية في الاتحاد السوفيتي .
2. ان دالاس قال بأن الولايات المتحدة إعتمدت سياسة عدم الانحياز الى اسرائيل ،
وانه اكد لرئيس الوزراء الاسرائيلي أبا ايبان ان لا نية لها في اتخاذ موقف غير ودي
تجاه الدول العربية لكي تفوز بالحظوة عند اسرائيل ولاتملك اي قصد في ان تتصرف بشكل
غير ودي مع اسرائيل لكي ترضي الدول العربية ومنذ اصبح وزيرا للخارجية عقد العزم
على مواصلة هذه السياسة حتى لو كان ذلك على حساب فقدان الاصوات في الانتخابات .
زار جون فوستر دالاس بغداد في 17 مايس –ايار
1953 وأجرى مباحثات مع رئيس الوزراء
العراقي انذاك جميل المدفعي في مكتبه برئاسة الوزراء ، وشارك في المباحثات من
الجانب العراقي علي جودت الايوبي نائب رئيس الوزراء ، وتوفيق السويدي وزير الخارجية ، وسفير العراق في الولايات المتحدة الاميركية في بغداد موسى
الشابندر .
وفي التقرير الذي أعدته السفارة الاميركية في
بغداد عن المباحثات بتاريخ 18 مايس –ايار 1953 اشار الى حديث رئيس الوزراء ، ووزير الخارجية ، ووزير الدفاع.ومما قاله وزير الخارجية توفيق
السويدي ان العراق يعتزم مد جسور التعاون مع الولايات المتحدة وهو بحاجة الى ان
تمد له يد المساعدة الاقتصادية والعسكرية .اما وزير الدفاع نوري السعيد ، فقد اكد امام وزير الخارجية الاميركي ان
العراق منذ سنة 1934 مدرك لاخطار الشيوعية وقد شرع قانونا للعقوبات حيال العمل
الشيوعي قد تصل الى الاعدام .. واضاف انه مسرور ان يرى الولايات المتحدة الاميركية
قد اقرت بالخطورة التي تنطوي عليها المبادئ الشيوعية .ثم استعرض خطط الدفاع
مستعينا بالخرائط التي توضح مشكلة الدفاع المشترك لتركيا وايران والعراق ، وان
الاعتراف بهذه المشاكل كان الاساس الذي قامت عليه اتفاقية سعد آباد . واكد الخطر
القائم من روسيا وان العراق يرغب في تأمين دفاعه ، وقال ان هناك عقبات امام كل ذلك
أهمها المسألة الفلسطينية ومسألة اللاجئين ، وهذه العقبات تشكل عائقا نفسيا بوجه التعاون
بين العراق والولايات المتحدة الاميركية .
تحدث ايضا الدكتور محمد فاضل الجمالي رئيس
مجلس النواب ، واوضح ان الولايات المتحدة الاميركية تعد شريكا كاملا في السياسة
الاستعمارية لكل من فرنسا وقبريطانيا ، وان من المشاكل الاساسية بين العراق
وامريكا هي استمرار الاستعمار مثلا في شمالي افريقيا اولا ، ومشكلة فلسطين ثانيا ،
وان الزعماء العرب ليس بإستطاعتهم مخالفة الرأي العام وقبول بأقل من قرارات الامم
المتحدة المتعلقة بفلسطين ، وان تدويل القدس يعد جواهريا لانها المدينة المقدسة للاديان
الثلاثة .
تحدث جون فوستر دالاس في الاجتماع فقال ان
الولايات المتحدة الاميركية ليست شريكا
لبريطانيا وفرنسا ، والامر ليس كذلك ولقد بذلت محاولات من خلف الكواليس ، وبشكل مستمر لدفع هذه الحكومات من اجل ان تجعل
سياساتها معتدلة وان الولايات المتحدة ضد المواجهة العلنية .وقد حث دالاس على عدم إثارة
هذه المسائل مثل قضية شمالي افريقيا يشكل صريح ، أو حتى إثارتها في الامم المتحدة
حيث انها ستخدم الاستراتيجية الشيوعية الرامية الى ايجاد الفرقة داخل القوى
الغربية .
عندما عاد جون فوستر دالاس الى بلاده ، كتب
تقريرا لرئيسه ايزنهاور قال فيه ان العراق
من اكثر دول المنطقة استعدادا للوقوف ضد
الاتحاد السوفيتي، وهذا ما اكده المسؤولون
العراقيون اثناء المباحثات التي أجريت معهم .واشار دالاس في تقريره الى ضرورة تخصيص عشرة ملايين دولار للعراق من مجموع
ثلاثين دولار خصصتها وزارة الدفاع الاميركية لمساعدة دول المنطقة عسكريا .
لقد وضحت زيارة دالاس للعراق مدى الاهمية
التي كانت الولايات المتحدة توليها للعراق ، وعلى هذا الاساس وضع دالاس اسس
سياسته الشرق اوسطية القائمة على اعتبار
العراق نقطة ارتكاز اساسية في قيام ماسمي
ب" الحزام الشمالي ضد الاتحاد السوفيتي " .
قال دالاس
وزير الخارجية في تقريره المؤرخ في
17 مايس 1952 والموجه الى الرئيس الاميركي ايزنهاور انه قام بزيارة الى اسرائيل وأربع دول عربية
مجاورة ، ووجد انه لاتزال هناك فرصة
لاستعادة حسن النية عند العرب ، وانه ليس هناك متسع من الوقت لتعويض الخسارة في
العلاقات العربية –الاميركية مع الاخذ بنظر الاعتبار الشعور العربي العام الذي
يبني على الرئيس الاميركي الامال كشخص وكرئيس
جديد للادارة الاميركية .واضاف ان الشكوك الاساسية هي ما اذا كانت السياسات
التي تتبعها الولايات المتحدة تلقى
الترحيب من قبل اسرائيل خاصة وان الامل المتبقي سيضمحل مالم تظهر الولايات المتحدة قدرة في التأثير على السياسات البريطانية
والاسرائيلية ، والتي يبدو انها تلتقي حاليا في مرحلة جديدة من العدوان ضد العرب
.وهذا ما يتطلب التأكيد وبشكل مستمر على الحاجة الى الوقت .كما انها اكدت الخطر
الذي سيزداد من خلال العداء الشعبي العربي
لقوى الغرب واعتقد دالاس ان ذلك سيترك انطباعا ما لكن المدة التي ينبغي على
الاميركان العمل فيها يجب ان تقاس خلال اسابيع وليس اشهر .
ومما قاله دالاس للرئيس الاميركي أن الازمة المصرية –البريطانية ، تعد المشكلة
الاخطر ، واذا لم تتم تسويتها فإن العالم العربي سيظل معاديا للغرب ، ويكون مستعدا
لتلقي الدعم السوفيتي وكان لتصريح ونستون
تشرشل رئيس الوزراء البريطاني والذي ربط فيه اسرائيل بمشكلة السويس وانه اي تشرشل
مستعد لاستخدام القوة ضد مصر اذا دعت الضرورة ذلك ، قد فاقم من حدة العداء للغرب ويتطلب هذا من
اميركا ان تشجب الموقف البريطاني والا فإن الاتحاد السوفيتي سيستفيد من ذلك في دعم
علاقاته بالعالم العربي .
قال دالاس :" انه اتفق مع الرئيس المصري محمد نجيب ، ومجلس قيادة الثورة في مصر
على بذل المحاولات لتعليق حرب العصابات ضد البريطانيين لحين تمكننا من استعادة او لربما تعديل الموقف
البريطاني كما طالبنا قادة عربا اخرين بالعمل على تهدئة اللواء محمد نجيب وحسب
اعتقادنا فإن بعضهم قد قام بذلك واقترح ان تقوم وزارتا الخارجية والدفاع بدراسة
صيغتنا المقترحة التي ابرقت من قبل سفارة الولايات المتحدة في القاهرة وكذلك
استنتاجاتنا من ان منظمة دفاع الشرق الاوسط في شكلها الاصلي تعد غير عملية "
.
وختم تقريره بالتأكيد على الامور التالية :
1. ان دالاس مقتنع بعد مباحثاته مع الزعماء العرب والاميركان الموجودين في
المنطقة ، بإن حلا سلميا عربيا –اسرئيليا في الوقت الحاضر غير ممكن .
2. ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ديفيد بن غوريون ، اظهر لهجة مرنة في ما يتعلق
بإنهاء العداء الاقتصادي . وقد فضل السياسات الجديدة التي تتبناها الولايات المتحد
ة تجاه القضية الفلسطينية والتي تحظى بإستحسان العرب وبذلك تسمح بممارسة التأثير
الاميركي المفيد في عموم المنطقة .
3. انه لابد من اعتماد سياسة الخطوة خطوة وتطبيقها على جزئيات القضية
الفلسطينية وبذلك قد يساعدهذا على التقليل من التوتر ، والى ان يقتنع القادة العرب
بالاتفاق على تسوية سلمية للقضية الفلسطينية وحتى يتحقق ذلك لابد من حل مشكلة
اللاجئين ، ووضع القدس واعطاء الضمانات ضد العدوان الاسرائيلي وتوزيع المساعدات
العسكرية والاقتصادية وبما يضمن تحقيق نوع من التوازن بين اسرائيل والدول العربية
.
4. اكد دالاس انه اذا عولجت مشكلة الصراع العربي –الاسرائيلي اعتمادا على الحل
السلمي ، واتباع سياسة الخطوة خطوة ، وتوفر حسن النية عند الطرفين ، فإن ذلك
قد يكون مدخلا جيدا لحل القضية الفلسطينية
، وان مصر كما نعتقد تمثل فرصة طيبة لقيادة العرب بإتجاه اقامة علاقات افضل مع
اسرائيل والغرب .. ومن المؤكد ان اللواء محمد نجيب يتمتع بشعبية جيدة تساعد على
تحقيق الهدف المطلوب .
5. وقال دالاس ان سوريا أعطيت بعض الوعود، وان اديب الشيشكلي الزعيم السوري يتمتع بالسلطة
الكافية التي تساعده على فهم مايدور عالميا ، وهناك فرصة امام السوريين للتقدم نحو
التنمية الاقتصادية ، وانها الدولة العربية الوحيدة القادرة على استيعاب اكبر عدد من اللاجئين، وعليه فإن ذلك يوفر نقطة انطلاق جيدة لتصفية
المشاكل التي تسيء الى العلاقات العربية –العربية .كما ان سوريا أقل اهتماما
بمشكلة قناة السويس وانها اكثر ادراكا للخطر السوفيتي وان بإمكان الشيشكلي القيام
بمبادرة في هذا المجال لكن سوريا لاتتمتع بعلاقات طيبة مع جيرانها الا ان من
الصعوبة توفير بديل لمصر الا اذا حلت المشاكل مع بريطانيا .
6. لقد اندفع جون فوستر دالاس بعد ان اتضحت سياسة الضباط الاحرار في مصر ، وبروز
الرئيس جمال عبد الناصر وقيادته لمصر في
سياسة عدائية لمصر ، وتوجهاتها القومية العربية وكان هو وراء سحب البنك الدولي عرض
تمويل انشاء السد العالي الامر الذي مهد
للرئيس جمال عبد الناصر اعلان قرار مصر بتأميم قناة السويس ، واستقلال سياسة مصر الاقتصادية التي تتجه نحو
التصنيع ، وهذا مهد فيما بعد للعدوان
البريطاني –الفرنسي –الاسرائيلي على مصر سنة 1956 .
7. وهو نفسه أي دالاس قد كان - من قبل
- وراء اعلان وزارة الخارجية الأمريكية
، استعداد الولايات المتحدة الاميركية للمساهمة في عملية تمويل السد العالي وكانت إدارة
البنك الدولي انذاك أمريكية لكن دالاس
استدرك وقال :" ان هناك معارضة شديدة لمساعدة الولايات المتحدة الاميركية للبنك الدولي لفائدة مصر من خلال معرضة الحاكمين في اسرائيل ومناصريهم في أمريكا نفسها وخصوصا سكان الولايات الجنوبية في
أمريكا ، لان بناء السد العالي سيوفر مساحات واسعة لزراعة القطن ، ومن ثم سيتم الاستغناء عن القطن الاميركي " .
8. تطورت الأحداث ، وبدأت الأمور
تتعقد ، وارسل الرئيس جمال عبد الناصر احمد
حسين وزير الخارجية المصري واشنطن وقد التقى دالاس وزير خارجية أمريكا وكانت تلك محاولة أخيرة لحل المشكلة . ومع وصول الوفد المصري تم إبلاغه بسحب عرض
البنك الدولي لتمويل السد العالي في 18تموز –يوليو سنة 1956 . وحدث العدوان ووجه الروس انذارهم المشهور
واضطرت الولايات المتحدة للانصياع والضغط على دول العدوان لوقف القتال .ولهذا
الموضوع قصة معروفة قد نأتي لحكايتها فيما بعد .
9. ارسل حسن الحكيم رئيس
الوزراء السوري الاسبق رسالة الى جون فوستر دالاس
عند وجوده في سوريا وقد اجاب دالاس حسن الحكيم برسالة مؤرخة في 15 ايار
1953 ومن السفارة الاميركية بدمشق قائلا له :" انني ممتن لاهتمامكم بالكتابة الي
مرحبين بقدومي الى بلادكم التاريخية وتبيان ارائكم المتعلقة بمشاكل تهم بلدينا
بصورة متبادلة .ولقد طلب الرئيس ايزنهاور الى المستر ستانس والي ان نقوم بهذه
الرحلة بغية الاطلاع على اراء رجال الدولة السياسيين في الشرق الادنى بصورة مباشرة
ولذا فنحن نرحب بالبيانات التي يسطرها رجال السياسة السوريين البارزين المحترمين
كدولتكم وانه ليؤسفني ان تحول رحلتنا القصيرة بدافع الضرورة دون اجتماعي بالسوريين
البارزين في جميع نواحي الحياة الاجتماعية ومع ذلك فيمكن لدولتكم ان تتأكدوا بأن
آراء رجال الدولة السوريين ستكون موضع الاهتمام الفائق حينما نعود الى واشنطن
ونقدم تقريرنا الى الرئيس " .
مما اقترحه دالاس على الرئيس الاميركي ايزنهاور
ان تكون خطوط سياسته الشرق اوسطية ، مثار دراسة لمجلس الامن القومي ، وللرئيس
الاميركي نفسه مع الاخذ بنظر الاعتبار اهمية تطوير الاستعدادات لتعزيز القرارات
الخاصة بهذه السياسة .
ان مما كان يؤرق جون فوستر دالاس هو الفكر
الشيوعي والشيوعية التي كانت قد اكتسبت في الخمسينات والستينات انصارا كثيرين ، وخاصة
بين المعادين للغرب الاستعماري وسياساته العدوانية ضد الشعوب ، ومنهم العرب .وكان
يركز خاصة في سنوات الحرب الباردة التي ابتدأت عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية
بين الكتلتين العالميتين الرأسمالية
بقيادة الولايات المتحدة الاميركية والاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي على تكوين
احلاف عسكرية تطويق الاتحاد السوفيتي .
وقد كان له الدور الفاعل ومن خلال وكالة
المخابرت الاميركية CIA في اسقاط حكومة الدكتور محمد مصدق في ايران سنة
1953 ، وهي العملية التي نفذتها المخابرات
الاميركية وعرفت بعملية إجاكس AJAX . وقد اشار اندرو تولي في كتابه عن وكالة
المخابرات الاميركية الى ذلك وقال :"كانت المخابرات المركزية الاميركية قد رتبت سنة 1953 قلب حكومة
الدكتور محمد مصدق الزعيم الايراني الذي أمم شركة النفط البريطانية ذات الامتياز
وكان يهدد بالاتفاق مع الاتحاد السوفيتي وقد اعتبر نجاح المخابرات المركزية
الاميركية في تلك الفترة فوزا للديموقراطية ولكن بعد اعتقال مصدق وسقوطه برهنت
وزارة الخارجية الاميركية كما برهنت وكالة المخابرات المركزية الاميركية عن ضعف
وعجز اذ اكتفت المخابرات الاميركية التي ضمت النظام الجديد في ايران الى البلدان
المناهضة للشيوعية دون ان تكلف نفسها معرفة ما اذا كان الحكام يريدون مكافحة البؤس
والشقاء الذي كان يسود اوساط الشعب الايراني ..." .
وواصل اندرو تولي قوله بأن الامر هكذا لم يكن
كافيا ؛ فقد بدأ النظام الذي اقامته
الولايات المتحدة الاميركية في ايران الاستئثار بكل مايقع تحت يد حكامه الذين
ضربوا عرض الحائط مصالح الشعب وكان بإمكان
ايران ان تكون اقوى واغنى دولة في الشرق الاوسط لكن الشاه والاميركان حولوها بسبب
تسلطهم ، وبغيهم وسيطرتهم على مقدراتها الاقتصادية الى أفقر دولة في الشرق الاوسط
بالغم من مواردها الضخمة من النفط ويضرب اندرو تولي الكثير من الامثلة للبرهة على
ذلك .ولم يكتف بالنهب الاقتصادي بل كبلوا ايران بالاحلاف ، ومنها حلف بغداد 1955
الذي ضم ايران والعراق وتركيا وبريطانيا ، وكانت الولايات المتحدة عضوا في لجانه
والذي كان جزءا من منظومة الاحلاف والتكتلات التي اقامتها الولايات المتحدة في
الخمسينات من القرن الماضي لتطويق الاتحاد السوفيتي وقمع الدعوة القومية العربية
والتآمر على مصر والدول العربية غير السائرة في فلكها ، ومحاصرتها ، وفرض الحصار
الاقتصادي عليها ، وانهاكها اقتصاديا وسياسيا والسعي بإتجاه تفككيها ، ونشر الافكار الطائفية والعنصرية التي تقوض وحدتها ،
وكثيرا ما كان يتم ذلك من خلال وسائل ثقافية وفكرية وعبر الارساليات التبشيرية
الاميركية والجامعات الاميركية في القاهرة وبيروت ومن خلال الصحف والمجلات
والجمعيات والمنظمات الماسونية وجمعيات
ونواد ومعاهد وكليات تدعي الثقافة
ونشر مبادئ الحرية والديموقراطية .
بقي ان نقول ان جون فوستر دالاس الذي قاد
وزارة الخارجية الاميركية في فترة مهمة من تاريخ الشرق الاوسط والعالم وهي الفترة
التي اعقبت الحرب العالمية الثانية ، من مواليد
العاصمة واشنطن DC يوم 25 شباط –فبراير سنة 1888 ، وانه الوزير
(52 ) لوزارة الخارجية الاميركية ، وانه تولى وزارة الخارجية بين 26 كانون الثاني –يناير
سنة 1953 -22 نيسان –ابريل سنة 1959 ، وانه خلف في وزارة الخارجية (دين اتشيسون ) ،
وانه كان عضوا في مجلس الشيوخ الاميركي عن واشنطن العاصمة DC للفترة من 7 تموز –يوليو
1949 حتى 8 تشرين الثاني –نوفمبر 1949 ، وانه خريج مدرسة الحقوق بجامعة جورج
واشنطن ، وانه عمل في المحاماة لفترة ثم اتجه للعمل الدبلوماسي والسياسي ، وانه ينتمي الى الحزب
الجمهوري ، وانه - كما يقول الاستاذ احمد عطية الله في" القاموس السياسي " - قد استكمل دراسته في جامعتي السوربون الفرنسية وجامعة برنستون
الاميركية وانه قد تخصص بالقانون الدولي ،
وانه ينتمي دينيا ومذهبيا الى الكنيسة
البروتستانتية الانجيلية المشيخية ، وانه قد خدم في القوات البرية الاميركية وقد التحق بالعمل في "وكالة المخابرات
المركزية الاميركية " خلال الحرب العالمية الاولى وقد اختير ليكون عضوا في
الوفد الاميركي الى مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919 ، وقد اتخذه جون ديوي مرشح
الحزب الجمهوري مستشارا له سنة 1944 ، ثم انقل ليصبح مستشارا لوزارة الخارجية
الاميركية وممثلا لبلاده في هيئة الامم
المتحدة سنة 1946 فعضوا كما قلنا في مجلس الشيوخ ومنذ سنة 1952اتصل بالرئيس
الاميركي ايزنهاور الذي عينه وزيرا للخارجية في السنة التالية ، وانه توفي في 24 مايس-مايو سنة 1959 عن عمر ناهز
ال(71 ) سنة، وانه يعد من وزراء الخارجية
الاميركية الناجحين والذين عملوا من اجل بلادهم بتفان واخلاص ، واليه تُنسب تسمية "سياسة حافة الهاوية
" لمكافحة التوسع السوفيتي، ورفضه
الاعتراف بحق الدول الاخرى في اعلان
وإتباع " سياسة الحياد الايجابي وعدم الانحياز " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق