الخميس، 24 مارس 2016

محمد عثمان الصيد ....من رجالات ليبيا المعاصرة 1924-2007 ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ متمرس –جامعة الموصل



محمد عثمان الصيد ....من رجالات ليبيا المعاصرة 1924-2007
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
محمد عثمان الصيد ، من رجالات ليبيا  الذين خدموها بإخلاص ، وكانت له بصمات واضحة في توحيد  ليبيا ، وتقدمها من خلال إسهامه الفاعل في ذلك ، وعندما كان رئيسا للوزراء بين 1960-، 1963 ، حتى ان بعض المؤرخين اطلقوا عليه لقب (مهندس توحيد ليبيا ) ؛ فقد كان وراء الغاء النظام الاتحادي السابق الذي كان يُقسم ليبيا الى ثلاث مناطق هي : طرابلس ، وفزان ، وبرقة هذا التقسيم الذي يريد البعض من سياسيي اليوم إعادته بعد اسقاط نظام حكم الرئيس الاسبق معمر القذافي .
محمد عثمان الصيد لديه مذكرات  منشورة بعنوان :" محطات من تاريخ ليبيا..مذكرات محمد عثمان الصيد" ، نشرت  في الرباط بالمملكة المغربية سنة 1996 "  ، وهو من مواليد 7 اكتوبر –تشرين الاول سنة 1924 في قرية الزوية –متصرفية براك –منطقة الشاطئ بإقليم فزان . حفظ القرأن الكريم ، وهو ابن ثلاثة عشرة سنة على يد الفقيهين الشريف المهدي الزروق وصالح بن علي ابي العيد . كما درس الفقه والمنطق والحساب والعلوم الشرعية على يد العديد من العلماء منهم والده الشيخ احمد البدوي الصيد رئيس المحكمة الشرعية بالشاطئ والشيخ عبد الرحمن البركولي ، والشيخ المختار بن علي الزوي .
منذ سنة 1947 اسهم في العمل الجهادي  السري ، وكانت له زيارات سرية الى طرابلس وبنغازي وبرقة للالتقاء بقادة العمل المقاوم للفرنسيين ، وكان كثيرا ما يجلب المنشورات والصحف العربية والاجنبية لاطلاع اهله في فزان بعيدا عن أعين الفرنسيين وممن كان يلتقي بهم سالم المنتصر ، ومصطفى ميزران ، وعلي الفقيه ، وعلي رجب،  وخليل القلال ، وعمر باشا منصور اليخيا رئيس ديوان الامير ادريس السنوسي في طرابلس
أسهم مع ابناء اقليمه فزان وبقيادة الشيخ عبد الرحمن البركولي في تأسيس جمعية سرية  بإسم (جمعية فزان ) لمقاومة مشروع المستعمرين الفرنسيين في دمج ليبيا والجزائر بفرنسا  .وقد القي القبض عليه  في تموز 1948 وسجن مع عدد من زملاءه .
اختير ممثلا في المجلس الاستشاري الليبي وفي 25 نوفمبر –تشرين الثاني 1950 اجتمعت اللجنة العمومية (التأسيسية ) المكونة من ستين عضوا (بواقع 20 عضوا من كل اقليم ) في طرابلس  وهي بمثابة جمعية وطنية ، واصبح محمد عثمان الصيد عضوا فيها وكانت مهمة هذه اللجنة وضع دستور الاستقلال الليبي .
في 27 من تموز -يوليو 1950 عقدت الجمعية الوطنية هذه اول اجتماع لها واصدرت قرارا نص على قيام دولة اتحادية في ليبيا وفي 25 تشرين الثاني -نوفمبر 1950 عقدت اجتماعا آخر وبدأ العمل من اجل وضع دستور للبلاد وفي 29 مارس-اذار اعلن عن تشكيل حكومة مؤقتة في ليبيا واعقب هذا -  كما يقول الدكتور جاسم محمد حسن العدول وآخرون  في كتاب :"تاريخ الوطن العربي المعاصر " ،دار ابن الاثير للطباعة والنشر ،الموصل ،1986  -   نقل السلطات من الادارتين البريطانية والفرنسية الى الحكومة المؤقتة .وفي 24 ديسمبر -كانون الاول 1951 اعلن الملك محمد ادريس السنوسي وسط احتفال رسمي جرى في بنغازي استقلال ليبيا وفي شباط من سنة 1952 جرت انتخابات لانتخاب اعضاء مجلس النواب وافتتح البرلمان الليبي الاول في 25 آذار سنة 1952 وانضمت ليبيا في السنة التالية الى جامعة الدول العربية .
وفي 29 تموز -يوليو 1953 عقدت الحكومة الليبية معاهدة مع بريطانيا اثارت سخطا شديدا في ليبيا وفي العالم العربي لقيودها الثقيلة وخاصة فيما يتعلق بالقاعدة العسكرية .وكانت فرنسا ايضا قد احتفظت بقواعد عسكرية في ليبيا وفي سنة 1955 دخلت ليبيا الامم المتحدة .
وقد  منع الملك الليبي محمد ادريس  السنوسي ، الانكليز والفرنسيين من استخدام قواعدهما ابان العدوان الثلاثي على مصر 1956 . وقد اثنى الرئيس جمال عبد الناصر على هذا الموقف في خطاب القاه في بورسعيد في 23 ديسمبر -كانون الاول 1957 وفي نيسان 1964 وافق البرلمان الليبي على قانون يقضي بتوحيد ليبيا ضمن المملكة الليبية المتحدة .
عمل  محمد عثمان الصيد في دوائر الدولة  الليبية  إنان العهد الملكي ،  وتقلد مناصب وزارية عديدة  منها : انه كان  وزيرا للصحة في الحكومة الليبية المؤقتة بين ابريل –نيسان -24 ديسمبر –كانون الاول 1951 ، ثم وزيرا للصحة  بين 1951-1954  ، ووزيرا للاقتصاد بين   فبراير –شباط  – 29 سبتمبر –ايلول 1960  ، ووزيرا للمالية بين  سبتمبر  -ايلول – 16 أكتوبر-تشرين الاول  1960 ، قبل ان يتولى رئاسة الوزارة سنة 1960 .
يقول الاستاذ الدكتور محمد علي داهش في  الصفحة 314 من كتابه :" المغرب العربي المعاصر " ،دار ابن الاثير للطباعة والنشر –جامعة الموصل ،الموصل ،2013 ان الصراع بين القصر الملكي الليبي ، والحكومة الاتحادية واستمراره كان له أثره في سقوط ثلاث وزارات خلال السنوات 1952-1957 .
ففي 26 مايو-ايار 1057 تشكلت الوزارة الرابعة برئاسة عبد الحميد كعبار الذي اكد امام مجلس الامة الاتحادية على سياسته الداخلية بعزمه على توثيق العلاقة بين الحكومة الاتحادية والولايات الثلاث ، واكد انه يريد ان يظهر ليبيا بالمظهر الذي تستحقه وقد استمرت هذه الوزارة حتى 15 اكتوبر –تشرين الاول 1960 .
ومما يلحظ ان كثيرا من الانتقادات وجهت الى هذه الحكومة وابرز هذه الانتقادات انها لم تفعل شيئا مما وعدت به لذلك ومن اجل كسب ثقة الشعب والمعارضة،  كلف الملك محمد عثمان الصيد وكان انذاك يشغل منصب وزير المالية في 16 من الشهر ذاته اي اكتوبر –تشرين الاول بتشكيل وزارة جديدة .
وما ان تولى الصيد المسؤولية ، حتى عقد مؤتمرا صحفيا قال فيه :"ان سياسته الداخلية تقوم على التقرب من الشعب خاصة بعد ان تطور الوعي الوطني وادرك مخاطر سوء الادارة متأثرا بما كان يجري من تغييرات وتطورات في اجزاء من الوطن العرب من تنامي النضال ضد الاستعمار بكافة اشكاله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية " .
اما في السياسة الخارجية ، فقد اكد الصيد على اهمية التعاون مع الدول العربية والدول الصديقة على وفق ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق منظمة الامم المتحدة .
لقد شهدت الفترة 1952-1960 تنامي الوعي الوطني والقومي عند الليبيين بسبب وجود القوات والقواعد الاجنبية على اراضيهم وبسبب السياسات النفطية للشركات الاحتكارية الغربية العاملة في ليبيا حيث كان النفط قد اكتشف سنة 1957 والمحاولات المستميتة من قبل الفئات الحاكمة في ليبيا لربط الاقتصاد الليبي بالاقتصاد الرأسمالي الغربي .ناهيك عن وجود وحدة وطنية ليبية بسبب النظام الاداري الاتحادي وممارسة كل ولاية سياسة مستقلة في امورها الادارية .
هذا بالاضافة الى اتساع نطاق المد القومي بفضل سياسات الرئيس عبد الناصر القومية في مصر وتوجهاته النضالية العربية والدفاع عن الحق الفلسطيني والنضال التحرري الجزائري والموقف من الصراع بين الكتلتين الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الاميركية والاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق ونهوض سياسة عدم الانحياز 1955 ومحاولة الغرب ربط العراق وبعض الدول العربية والاقليمية بحلف بغداد الاستعماري كل ذلك اجج النضال الليبي ووسع من دائرة المعارضة الوطنية للحكم الملكي وقد قامت المعارضة الليبية بتوزيع منشورات في اغسطس –اب 1961 تطالب بجلاء القوات الاجنبية عن ليبيا والمشاركة الفاعلة في دعم ثورة الجزائر .
كان محمد عثمان الصيد رئيس الوزراء الليبي،  يدرك كل ذلك ويحبذه وقد سبق للحكومة التي تولت الحكم قبله ان قامت بحملة اعتقالات في اغسطس –اب 1960 اي قبل شهر من تسلمه رئاسة الوزراء بتهمة "ممارسة النشاط الهدام ومحاولة قلب نظام الحكم " وقد استمرت محاكمة المعتقلين الى 3 شباط 1962 حيث صدرت عليهم احكاما مختلفة .
وهكذا كشفت هذه الاحداث كم كانت تعانيه الحكومة الليبية ، لذلك ناقش الصيد مع الملك ادريس السنوسي مشاكل البلاد الداخلية والخارجية ، وقال له ان الوقت قد حان لتغيير النظام الاداري الذي تسير عليه (المملكة الليبية المتحدة ) وضرورة استبداله ب(نظام مركزي ) .
وقد يكون من المناسب القول ان الصيد سبق ان تسلم مذكرة من الوطنيين المعتقلين الذين اشرنا اليهم وتم القبض عليهم سنة 1961 جاء فيها ان ثمة ضرورة ملحة لالغاء النظام الاتحادي واطلاق الحريات العامة وحرية الصحافة وحريات العمل والتنظيم النقابي  والحزبي .كما طالبوا بضرورة  اتباع سياسة عدم الانحياز وتصفية القواعد الاجنبية وطالبوا ايضا بتبني ساسة التخطيط الاقتصادي وتعديل قانون البترول (النفط ) للحد من سيطرة الشركات النفطية الاحتكارية واستغلالها والعمل على تطهير الجهاز الاداري من الفاسدين والامتناع عن التدخل في شؤون القضاء .
  
 كان الصيد من اركان النظام الليبي الذي ظهر بعد استقلال ليبيا سنة 1951 ، وقد  استجاب الصيد بعد تسلمه رئاسة الوزارة  للمطالب تلك فعمل على توحيد ليبيا والغاء النظام الاتحادي،  وتعديل  الدستور  وذلك بهدف دمج الاقاليم ببعضها ،  واقامة النظام المركزي واصدرت الحكومة قانونا بالرقم (32 ) في 10 ديسمبر –كانون الاول 1962 تضمن تعديل بعض الاحكام التي تضمنها الدستور الاتحادي وكانت التطورات الدستورية والتشريعية تهدف الى التمهيد لاحلال نظام الوحدة بدل الاتحاد .
كما اعادت حكومته النظر في اتفاقيات النفط بما يضمن استفادة الشعب الليبي من خيراته ، وقد ضمن بذلك التعديل حصول ليبيا على مداخيل كبيرة من اموال النفط ساعدت في تطوير ليبيا ، واعمار المدن الليبية بالعدل والتساوي .
كما اتبع الصيد سياسة خارجية حافظت بموجبها ليبيا على استقلالها ، وتأكيد مكانتها في المحيطين العربي والدولي.
جاءت الوزارة الخامسة برئاسة محي الدين فكيني في 19 مارس-اذار 1963 لتعمل على تنفيذ التعديلات الدستورية التي تمت في وزارة الصيد وما ادخل عليها من تعديلات في وزارة فكيني في 25 ابريل –نيسان 1963 وقد الغي النظام الاتحادي واستعيض عنه بنظام الدولة الموحد وقد واصلت حكومة فكيني سياسة الصيد في وقف ملاحقة القوى المعارضة وافساح المجال لحرية الصحافة وانحسار الرقابة على المطبوعات .لكن هذا الامر –للاسف الشديد – لم يستمر في الوزارات السابقة فقد بدأت مرحلة الهجوم المعاكس على القوى الوطنية والقومية في ليبيا بعد سنة 1964 الامر الذي استدعى تشكيل تنظيم الضباط الاحرار والقيام بثورة الفاتح من ايلول –سبتمبر 1969 بقيادة العقيد الركن معمر القذافي وعندئذ بدأت مرحلة جديدة في تاريخ ليبيا المعاصر .
فيما يتعلق بالاستاذ محمد عثمان الصيد فقد ختم حياته السياسية في المملكة الليبية اي قبل ان تقوم الثورة بأن شغل منصب "رئيس مجلس النواب " . كما تولى زعامة المعارضة البرلمانية واستمر نائبا حتى سنة 1965 وعندما وقعت ثورة الفاتح من سبتمبر –ايلول 1969 كان محمد عثمان الصيد يتلقى العلاج في سويسرا من جراء حادث مرور تعرض اليه وفقد فيه احد افراد اسرته وتسبب في ضرر في عموده الفقري .وقد حاول الحصول على تجديد لجوازات سفر لابنائه من القنصلية الليبية في سويسرا فإضطر للتوجه الى المغرب والعيش  في الرباط  بالمملكة المغربية ، حيث كان يحظى بإحترام المغاربة له .
وقبيل وفاته ، شرع بكتابة مذكراته التي نشرتها جريدة "الشرق الاوسط " اللندنية ، والتي نشرت –كما سبق ان قدمنا –في كتاب  سنة 1996 .
وفي 31 ديسمبر –كانون الاول سنة 2007 توفي عن عمر ناهز 83 سنة ...نسأل الله  له الرحمة جزاء ماقدم لبلده وأمته .






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...