مع مذكرات اللواء الركن المتقاعد سعدون حسين غير المنشورة
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
رحم الله صديقي الاستاذ احمد سامي الجلبي رئيس تحرير جريدة "فتى العراق " الموصلية ، فقد اهداني نسخة من مذكرات اللواء الركن المتقاعد سعدون حسين وقال لي الاستاذ احمد سامي الجلبي في حينه انه لم يكن يعرف اللواء الركن سعدون حسين قبل قيام ثورة 14 تموز 1958 ، لانه لم يكن من جيله (الاستاذ احمد سامي الجلبي من مواليد 1933 ) ، على الرغم من ان عائلته كانت تسكن في منطقته وهي الباب الجديد في الموصل .
واضاف انه سمع بإسمه يتردد بعد قيام الثورة يوم شغل منصب آمر الفوج الثاني للواء العشرين والذي سمي (فوج الاذاعة ) اي الفوج الذي رابط في مقر الاذاعة في بغداد صبيحة يوم 14 تموز 1958 فقد كان من الضباط الاحرار وكان العقيد الركن عبد السلام محمد عارف معاون آمر اللواء العشرين في حين كان الزعيم الركن عبد الكريم قاسم آمرا للواء التاسع عشر .ومما يلحظ ان سعدون حسين ظل بعيدا عن الصراع السياسي والشخصي بين الزعيم الركن وعبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام محمد عارف قائدي الثورة، لكنه ظل يحمل اتجاها عروبيا حاله حال معظم ضباط الموصل انذاك .وبعد سقوط نظام حكم عبد الكريم قاسم في 8 شباط 1963 كان اللواء الركن سعدون حسين امرا للفرقة الرابعة في الموصل .
كتاب "ايام من حياة اللواء الركن سعدون حسين " غير منشور ، وقد قال شقيقه العميد الطبيب المتقاعد يونس حسين في 7 اذار 2003 انه لكي يعد مذكرات اللواء الركن سعدون حسين للنشر عاد الى ماسبق ان كتبه اخيه بعنوان :" عبد الكريم قاسم كما عرفته " . كما استعان بنقل جوانب من شخصيته العسكرية والسياسية والاجتماعية من اولاده واصدقاءه . وقد قسم ما كتب الى سبعة فصول متسلسلة منسجمة مع حياة اللواء الركن سعدون حسين (ابو محسن ) .
ولد اللواء الركن سعدون حسين في الموصل في 1-7-1919 وقيل نقلا عن والدته 1921 وكتب هو نفسه بخط يده انه ولد سنة 1920 ، ودخل مدرسة باب البيض الابتدائية سنة 1930 اي ان عمره عندما دخل المدرسة الابتدائية كان عشر سنوات والتاريخ الاخير أدق . وقد تحدث مدير المدرسة الاستاذ بديع اسعد بكر ان سعدون كان طالبا مجتهدا ومحبوبا وقد كتب في مذكراته :" دخلت مدرسة باب البيض الابتدائية سنة 1930 بعد ان ختمت القران الكريم في الكتاب" وانه اكمل الدراسة المتوسطة في الموصل وسافر الى بغداد ودخل الثانوية العسكرية اواخر سنة 1938 وبعد سنة قتل الملك غازي وخرجت مظاهرات كبيرة تندد بمقتله وان الانكليز كانوا وراء مقتله في حادث سيارة وقال في مذكراته :" سمعت هوسات حزنا على الملك منها اويلي على الوزارة اشلون غدارة ولو ابنه كبير جان اخذ ثاره " .وفي 1 تموز 1942 منح رتبة نائب ضابط حربي في صنف الخيالة .وقد اشترك في الحرب العراقية البريطانية 1941 ، وكان عندئذ في الصف الاول من الكلية العسكرية وقال صديقه العميد الركن كنعان الملاح انه وسعدون كانا في خلية تنظيمية للقوميين ، وتخرج في الكلية العسكرية الدورة 19 وصدرت الارادة الملكية بمنحه رتبة ملازم ثان ، ونشر المرسوم الملكي في جريدة بغدادية اسمها "الشهباء " 17 شباط 1943 . وقد نسب بعد تخرجه الى " كتيبة الهاشمي الاولى" في منصورية الجبل قرب المقدادية وتبعد ستين ميلا شمال شرق بغداد .
وفي سنة 1945 تنسب الملازم الاول سعدون حسين مدرسا في مدرسة التعبئة الصغرى في معسكر الغزلاني . وفي سنة 1949-1950 كان برتبة نقيب وهو في كلية الاركان وبعد تخرجه عمل بمنصب مقدم لواء التدريب الثاني في اربيل وقد بقي في منصبه حتى يوم 24 -5-1954 حين صدر امر نقله الى منصب معاون مدير ادارة وميرة اللواء 19 .وكن اللواء 19 بأمر العقيد الركن عبد الكريم قاسم وقد دون ملاحظاته عن امره في مذكراته فقال: ان من صفاته الايجابية انه كريم النفس .. كريم اليد.. يصوم شهر رمضان .. لايهتم بالماديات لكنه كان يفرق بين ضباط ركنه ، وان له علاقة برئيس الوزراء نوري السعيد ويتبجح بذكر هذه العلاقة لكنه عرف ان عبد الكريم قاسم رئيس تنظيم الضباط الاحرار عن طريق حافظ علوان مرافق الزعيم بعد الثورة .
وفي صيف 1957 نقل الى الكلية العسكرية وفي اول ايلول 1957 التحق بالكلية العسكرية بمنصب مدرس التعبئة والتنظيم الاقدم .وعندما كن في اجازة في الموصل حدثت الثورة واتصل بالزعيم الذي قال له :" ياسعدون ..سيطر على الموصل ووزع الواجبات على الوحدات .. وفي 16 تموز 1958 زار وزارة الدفاع والتقى بالزعيم وقال له الزعيم انني اخترك لتكون امر الفوج الثاني للواء 20 وهو الفوج نفسه الذي سمي بفوج الاذاعة وكان امره العقيد عبد اللطيف الدراجي .
ويتحدث سعدون حسين كيف انه كان عضوا في مجلس تحقيقي برئاسة الزعيم الركن عبد الكريم محمد والرئيس الاول الركن سعيد كاظم مطر للتحقيق مع العقيد احمد حسن البكر امر الفوج الاول للواء 20 بتهمة التآمر على الزعيم .. وكان البكر من الضباط الاحرار وان مؤامرة اخرى يقودها رشيد عالي الكيلاني وعبد الرحيم الراوي وقد صدرت احكانم باعدام بعض الضباط لكن سعدون حسين رفض التوقيع .
وبشأن موقفه من ثورة الشواف في 8 اذار 1959 يتحدث في فصل كامل وكان سعدون حسين في مقره بدار الاذاعة وكيف انه علم بثورة الشواف قبل وقوعها من الرئيس الركن عبد الجواد ذنون وكان من رأيه ان الشواف تعجل باعلان الثورة وان الزعيم كان على علم بالحركة واراد ان يشف التقائمين بها متلبسين ولم يأت ذكر سعدون الا انه وهو في فوج حماية الاذاعة كان موضع ثقة الزعيم عبد الكريم قاسم .
وتمضي المذكرات ، ويتحدث عن حوادث كركوك وتعيينه آمر كلية الضباط الاحتياط اواخر سنة 1964 .. وخلال حرب 1967 استلم العميد الركن سعدون حسين اللواء السادس الذي تحرك نحو الرطبة واسقط لواءه طائرتين عسكريتين اسرائيليتين واسر طياريها اسحق حلبس جولان وجدعون درور يوم 7 حزيران 1967.. وكان اللواء ينسق مع قوات صلاح الدين وامرها العقيد الركن محمد عريم وبعد انتهاء الحرب عاد الى كلية الاحتياط في ايلول 1967وفي كانون الثاني 1968 تولى اللواء الركن سعدون حسين منصب قائد الفرقة الرابعة في الموصل وبعد الانقلاب في 17 تموز 1968 صدر له امر يتسليم الفرقة الى القائد الجديد العميد الركن عبد الجبار الاسدي وعاد الى بغداد ليعين بمنصب قائد قوة الميدان في معسكر الرشيد وقد طلبه الرئيس احمد حسن البكر وكلفه بتشكيل الفرقة السادسة المدرعة في اربيل في تشرين الاول 1968 .
اصيب بمرض سرطان الرئة ، وسافر الى لندن للاستشفاء وبعد العودة اتهم بأنه كان يعلم بمؤامرة رشيد مصلح وابراهيم فيصل الانصاري فاعتقل ولما لم يثبت عليه شيء احيل على التقاعد وبدأ مرض سرطان الرئة ينخر فيه بعد خروجه من المعتقل بسنة تقريبا وغادر الى لندن مرة اخرى في الاول من اب 1972 وغادر الى السعودية لاداء العمرة ووصل بغداد يوم 15 ايلول 1972 وكان بحالة جيدة لكنه ظل تحت العلاج الشعاعي .وفي 21 حزيران 1973 توفي رحمه الله وقد شيع يوم 22-6-1973 تشييها عسكريا مهيبا في الموصل من قبل ضباط ومراتب الفرقة الرابعة واخترق التشييع شوارع الباب الجديد وباب البيض حيث مرتع صباه ووفق خط سير رسمها هو قبل ان يموت واوصى بمراعاتها وحضر مبعوث عن رئيس الجمهورية انذاك احمد حسن البكر الذي قدم لاسرته التعازي .
كان اللواء الركن سعدون حسين بشهادة من عمل معهم من ضباط الجيش ضابطا كفوؤا وشهما وشجاعا كان من الضباط الاحرار وقد خدم الجيش والعراق من خلال كل المواقع التي تولاها .كان قائدا همه الجيش والوطن وقد تحدث عنه العميد المتقاعد ذنون عبد الله الجاسم ان سبب اعتقاله انه لم يكن منسجما فكريا مع من تولى الحكم سنة 1968.
اما العميد الركن محفوظ عبد الله البك فقال انه كان محنكا يمتاز بالشجاعة والقيادة والادارة الجيدة ويدير المعركة بهدوء اعصاب ويشجع المقاتلين لانجاز واجباتهم بتفان واخلاص وانه قد شارك معه في معارك الشمال .وقيمه العميد محمد طيب النعيمي فقال انه عسكري محترف عاشق لمهنته ..يمتلك القدرة على تقدير الموقف السريع الصائب .يميل الى الحوار في حل المعضلات العسكرية . ارائه العسكرية مرنة خالية من التعصب .يستمع الى مرؤوسيه قبل اصدار القرار وبعدها لايتراجع عن قراره .حريص على الواجب ولايتساهل مع المهمل والمقصر .
اما اللواء الركن حازم البرهاوي فقد قال انه عرف اللواء الركن سعدون حسين مرنا ، وشجاعا وانه بسبب محبة الضباط له ظل امرا لفوج الاذاعة وبقي الشيوعيون بعيدين عن السيطرة على الاذاعة بفضله وكان هذا في حينه وازاء سيطرة الشيوعيين العامة بعد فشل ثورة الشواف 1959 موقفا يحتاج الى شجاعة وقوة اعصاب في المحافظة على الموازنة الصعبة بين ميوله السياسية العروبية والواقع السياسي ومهمته العسكرية .
وفي سنة 1963 عرف سعدون حسين من خلال ممارسته عبور الزاب الاعلى تجاه برزان وكان آمر جحفل اللواء الرابع .كان مندفعا ، وشجاعا في تنفيذ تلك العملية وقد مارسها بكفاءة .هذا فضلا عن استقلاليته بالتفكير تجاه رؤسائه الذين كانوا يصدرون له اوامر لا يوافق عليها خلال تنفيذ العملية مما ادى الى سحبه من إمرة اللواء في وسط العملية ولكن تم اعادته بالطائرة نفسها الى منصبه بعد يومين واستمر بالعملية وفق ما يراه هو وكان بحق بطل (بارزان ) كما لقب انذاك .ومن الالقاب التي حملها ايضا ( العكاب ) أي العُقاب لصرامته وشدته وقوته وحزمه وانضباطه.
وقد نحدث العميد الركن محفوظ بك عن هذه المعركة وعن خلاف اللواء الركن سعدون حسين مع العميد الركن عبد الكريم فرحان قائد الفرقة الاولى وقال ان عبد الريم فرحان زار الوحدات حول ضفتي نهر الزاب بعد وصولها منطقة برزان بثلاثة ايام وتم تكليف جحفل اللواء بالهجوم على احد المناطق في القاطع واثناء تقدم القوة بقيادة امر اللواء حدث حصار لقسم منها ولكن اللواء سعدون تمكن من فك الحصار عن تلك القوة ونفذت القوة واجبها بالكامل وقد اجتمع الميد الركن عبد الكريم فرحان بآمر اللواء سعدون وجرت مناقشة حامية بينهما وبصوت مرتفع وكنت في خيمة قريبة من مقر اللواء كنت اسمع امر اللواء يتشاجر مع القائد وصوته مرتفعا يسمع من مكان بعيد مما اضطر قائد الفرقة الى اعادته بالطائرة الى الموصل وحسب ماعلمت بعد ذلك انه طلب احالته على التقاعد وابقى العقيد الركن احمد توفيق الصائغ وكيل امر اللواء لكن بعد ايام اعيد اللواء سعدون بالطائرة لقيادة اللواء وانتهلى الامر .كان جريئا دقيقا يعقب تنفيذ اوامره بكل دقة .
ثم قال اللواء الركن حازم البرهاوي :كان سعدون حسين قائد الفرقة الرابعة ، وكنت مقدم اللواء الخامس .كان يزورنا في عقرة وكان يدرك ويتألم من ضعف رئيس الجمهورية انذاك عبد الرحمن محمد عارف وانه قام بدور كبير في الحفاظ على قطعات الجيش ازاء هذا الضعف .
رحم الله اللواء الركن سعدون حسين وجزاه خيرا على ماقدم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق