ثورة الفاتح من ايلول 1969 وخلفياتها السياسية
ابراهيم العلاف
في 1ايلول 1969 وقبل 47 سنة قامت في ليبيا ثورة اطاحت بالنظام الملكي القائم .فلقد تحركت مجموعة من الضباط بقيادة العقيد اركان حرب معمر القذافي واعلنت خلع الملك محمد أدريس السنوسي البالغ من العمر انذاك 79 سنة وكان الملك في رحلة خارج البلاد للاستشفاء .
وقد اعلن النظام الجمهوري الاشتراكي وقد رافق ذلك تنازل ولي العهد رضا عن كل سلطاته الدستورية .قيل عن الثورة انها مؤامرة اميركية وقيل انها مؤامرة ناصرية وقيل انها ثورة شعبية داخلية وقيل ان ماحدث انقلاب وقيل وقيل وكل طرف كان يدعم وجهة نظره بالادلة والبراهين وهذا يحتاج من المؤرخ الى جهد وتدقيق وتحقيق ولكن في ظل توفر وثائق دامغة .كان للاميركان قاعدة هويلس في ليبيا وقد طلب منهم القذافي الجلاء ...
البيان الاول للثورة - كما قال الدكتور هنري كيسنجر- كان معتدلا .. ذكر فلسطين ووجوب دعم قضيتها ، وتعهد للغرب بحماية مصالحه النفطية .كان من ابرز ماحققته الثورة او ماحفققه الانقلاب - لايهم الاسم - هو دخول القيادة الجديدة في مفاوضات مع بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية للخروج من ليبيا والجلاء عن قواعدهما العسكرية قبل الموعد المحدد لانتهاء اتفاقيات هذه القواعد كذلك نجح الليبيون في رفع حصة ليبيا من عائدات النفط المستخرج من اراضيها .
اغتاظ الاميركان من توجهات ثورة ليبيا نحو الرئيس جمال عبد الناصر ونحو اقامة علاقات قوية مع فرنسا ولم تكن قيادة الثورة تريد ان تقيم علاقات مع الاتحاد السوفيتي بسبب العداء للشيوعية وكثيرا ما عبر القذافي عن الاتحاد السوفياتي بعبارات من قبيل الاتحاد السوفيتي الامبريالي .
انا اقول ان ماحدث من تغيير في ليبيا في الاول من سبتمبر -ايلول 1969 كان شأنا داخليا وكان حصيلة لنضال الشعب الليبي منذ ان غزا الايطاليون ليبيا سنة 1911 ، وتعاظم المقاومة بقيادة عمر المختار واستشهاهه يوم 15 ايلول 1931 بعد القاء القبض عليه ومحاكمته محاكمة سريعة لم تستغرق غير ساعة وربع الساعة .
واصل الليبيون الجهاد في داخل ليبيا وخارجها .اسسوا اللجان في القاهرة وغيرها من العواصم ومن اللجان التي اسسوها "لجنة الدفاع البرقاوي الطرابلسي " في القاهرة سنة 1928ونشرت هذه اللجنة ميثاقا وطنيا نص على تشكيل حكومة وطنية ذات سيادة تضم طرابلس وبرقة ويرأسها حاكم يختاره الشعب ودعوة جمعية تأسسية الى سن دستور للبلاد واعتبار اللغة العربية لغة رسمية في كل البلاد واصدار عفو شامل عن كل العاملين بالحركة الوطنية وقد نشرت اللجنة كتابا فضح ممارسة المستعمرين الايطاليين بعنوان :" الفظائع السود الحمر " وقد شارك احد قادة اللجنة وهو بشير السعداوي في المؤتمر الاسلامي الذي انعقد في القدس سنة 1931 وقدم الليبيون الكثير من التضحيات وقاوموا محاولات الايطاليين لطمس معالم شخصيتهم الوطنية وهويتهم العربية الاسلامية وعزلهم عن اخوتهم العربواسسوا النوادي والجمعيات خلال الحرب العالمية الثانية ومنها نادي عمر المختار وجرت محاولات لتوحيد ليبيا في دولة واحدة وبدأت هذه المحاولات في عرض الجبهة الوطنية في طرابلس على محمد ادريس وتعهدت له سنة 1946 بتنصيبه زعيما لها بشرط ان يؤسس نظام برلماني .
كما عرضت القضية الليبية على المحافل الدولية وكانت الدعوات تتصاعد لانسحاب ايطاليا من ليبيا ووصلت القضية الى الامم المتحدة في نيسان 1949واعلن محمد ادريس في مطلع حزيران 1949 استقلال برقة وعقدت بريطانيا سلسلة مفاوضات مع ليبيا في 29 تموز 1953وكانت شروط الانكليز قاسية اثارت امتعاض الليبيين وفي 29 اذار 1951 اعلن عن تشكيل حكومة مؤقتة في ليبيا وفي 7 تشرين الاول من السنة ذاتها صدر الدستور الليبي واعقب هذا نقل السلطات من الادارتين البريطانية والفرنسية الى الحكومة المؤقتة وفي 24 كانون الاول سنة 1951 اعلن محمد ادريس في بنغازي استقلال ليبيا
وفي شباط من السنة التالية 1952 جرت انتخابات اعضاء البرلمان وافتتح في 25 اذار سنة 1953 وفي السنة التالية انضمت ليبيا الى جامعة الدول العربية لكن الفرنسيين والانكليز والاميركان المنتصرين في الحرب العالمية الثانية احتفظوا بقواعد عسكرية لهم في ليبيا كما احتفظوا بحقوق استخدام الاراضي في ليبيا لتحركاتهم العسكرية بما في ذلك قاعدة هويلس الجوية الواقعة في ضواحي مدينة طاربلس مقابل حصول ليبيا على معونة مالية قدرها 7 ملايين دولار وفي سنة 1955 دخلت ليبيا الامم المتحدة لكن مما يجدر ذكره ان الملك محمد ادريس منع الانكليز من استخدام ليبيا للعدوان على مصر سنة 1956 حتى ان الرئيس جمال عبد الناصر اثنى على الملك الليبي لاتخاذه هذا الموقف وامتدح الملك في خطابه الذي القاه في بورسعيد في 23 كانون الاول سنة 1957 .
في نيسان سنة 1964 وافق البرلمان الليبي على قانون يقضي بتوحيد ليبيا ودمج مقاطعاتها والغاء النظام الاتحادي ولكن الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العهد الملكي لم تكن على مايرام الامر الذي ادى الى تنامي السخط وخاصة من الشباب .. وفي الجيش الليبي تأسس تنظيم للضباط الاحرار وكان السخط منصبا على ما للاجانب من نفوذ طاغ في ليبيا وخاصة بسبب وجود القواعد الاجنبية .كما يجب ان لاننكر تنامي الوعي بأهمية التحرر وكان لانتشار الفكر الناصري في ليبيا اثر كبير في توجه السخط الى فعل كبير تمثل بالقيام باسقاط النظام الملكي وتأسيس النظام الجمهوري .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق