ثقافتنا الوطنية *
بقلم :الاستاذ جواد عبد الكاظم محسن
رئيس تحرير مجلة "أوراق فراتية " الحلة
كشفت الأحداث الأخيرة التي عصفت بالبلاد عن نواقص عديدة ومخاطر أكيدة ، ومنها غياب الثقافة الوطنية ، وهو أمر لا يقل خطورة عن سواه إن لم يكن سبباً رئيساً لنشوء المخاطر الأخرى ، وتأثير ذلك في ولادة آفات فتاكة، وتهديدات جدية وجديدة لم تكن من قبل قد عرفت أو وردت في الحسبان .
ومما لاشك فيه أن بضعة عقود من قمع الديكتاتورية ثم مجيء الاحتلال الأجنبي البغيض وما حمله من أجندات عاملان مهمان ساهما في إضعاف الثقافة الوطنية وتهميشها ، بينما كانت في عقدي الخمسينات والستينيات – كما عشنا ورأينا - من المظاهر الإيجابية الملحوظة في المجتمع العراقي خلال العهد الملكي والعهد الجمهوري الذي تلاه ، وكان تأشير غيابها – وهو نادر جداً - لدى جهة صغيرة أو شخص ما يعد اتهاماً معيباً يحذره الجميع ، ويخشى عواقبه وعقابه .
الثقافة الوطنية هي السلك الذهبي الذي تنتظم فيه كل مكونات البلاد القومية والدينية والمذهبية كحبات اللؤلؤ لتصنع للبلاد أحلى عقد ثمين غير قابل للانفراط والضياع ، وهي أيضاً تحفظ لتلك المكونات خصوصيتها وتضمن حقوقها المشروعة ضمن المصلحة العليا التي لا يمكن أن يتقدم عليها أمر ، والكلام هذا ليس عبارات إنشائية للتزويق ، فبفضل وجود الثقافة الوطنية صار محمد فاضل الجمالي رئيساً للوزراء وليس بالمحاصصة الباطلة ، ومثله صالح جبر وعبد الوهاب مرجان وأحمد مختار بابان ، وبفضلها صار محمد صادق الصدر رئيساً لمجلس الأعيان ، وسعيد قزاز وزيراً للداخلية ، وقبله بعقود ساسون حسقيل وزيراً للمالية ، وبعده بقليل عبد الجبار عبد الله رئيساً لجامعة بغداد ، والأمثلة كثيرة لو أردنا تقليب صفحات التاريخ القريب .
نحن مطالبون اليوم بأن نستعيد ثقافتنا الوطنية المفقودة ، ونعزز وجودها بيننا ، ونعيد لها دورها الفاعل في مجتمعنا الذي مزقته الحروب العدوانية والتدخلات الأجنبية ، وأبدلت سلمه عنفاً ونظامه فوضى ، وأدخلته في دوامة من الاحتراب والتناحرات العقيمة التي لا يمكن أن يخرج منها من دون أن يخلع عنه جلباب التخلف المتهرئ ، ويرتدي جلباب الثقافة الوطنية الزاهي لكي يزرع الأمن والأمان في ربوع الوطن ، ويعيد روح المحبة والاحترام والطمأنينة لنفوس مواطنيه المعذبين منذ عقود .
ليس من العدل أن نقرأ لمثقفين تنكروا لوطنهم العراق وبانت شماتتهم به وفرحهم بما حل به من حيف ونزلت به من محن ، متوهمين بذلك انتصارهم لقوميتهم أو طائفتهم أو مناطقهم أو مصالحهم الشخصية الضيقة ، والصواب أن سلامة الوطن تعني سلامة الجميع ، وانتكاسته – لا سمح الله – انتكاسة وخسارة للجميع وضياعهم ولو بعد حين ، ولذا جاء في الحديث الشريف (حبّ الوطن من الإيمان) ، ولا أعز من البلاد على قلوب أبنائها المخلصين ، ولا سعادة لهم إلا عليها .. حفظ الله العراق وحفظ أهله من كل سوء ومكروه .
*المقال الافتتاحي لمجلة أوراق فراتية - العدد الثالث ، السنة الخامسة ، 1435هـ / 2014م)
بقلم :الاستاذ جواد عبد الكاظم محسن
رئيس تحرير مجلة "أوراق فراتية " الحلة
كشفت الأحداث الأخيرة التي عصفت بالبلاد عن نواقص عديدة ومخاطر أكيدة ، ومنها غياب الثقافة الوطنية ، وهو أمر لا يقل خطورة عن سواه إن لم يكن سبباً رئيساً لنشوء المخاطر الأخرى ، وتأثير ذلك في ولادة آفات فتاكة، وتهديدات جدية وجديدة لم تكن من قبل قد عرفت أو وردت في الحسبان .
ومما لاشك فيه أن بضعة عقود من قمع الديكتاتورية ثم مجيء الاحتلال الأجنبي البغيض وما حمله من أجندات عاملان مهمان ساهما في إضعاف الثقافة الوطنية وتهميشها ، بينما كانت في عقدي الخمسينات والستينيات – كما عشنا ورأينا - من المظاهر الإيجابية الملحوظة في المجتمع العراقي خلال العهد الملكي والعهد الجمهوري الذي تلاه ، وكان تأشير غيابها – وهو نادر جداً - لدى جهة صغيرة أو شخص ما يعد اتهاماً معيباً يحذره الجميع ، ويخشى عواقبه وعقابه .
الثقافة الوطنية هي السلك الذهبي الذي تنتظم فيه كل مكونات البلاد القومية والدينية والمذهبية كحبات اللؤلؤ لتصنع للبلاد أحلى عقد ثمين غير قابل للانفراط والضياع ، وهي أيضاً تحفظ لتلك المكونات خصوصيتها وتضمن حقوقها المشروعة ضمن المصلحة العليا التي لا يمكن أن يتقدم عليها أمر ، والكلام هذا ليس عبارات إنشائية للتزويق ، فبفضل وجود الثقافة الوطنية صار محمد فاضل الجمالي رئيساً للوزراء وليس بالمحاصصة الباطلة ، ومثله صالح جبر وعبد الوهاب مرجان وأحمد مختار بابان ، وبفضلها صار محمد صادق الصدر رئيساً لمجلس الأعيان ، وسعيد قزاز وزيراً للداخلية ، وقبله بعقود ساسون حسقيل وزيراً للمالية ، وبعده بقليل عبد الجبار عبد الله رئيساً لجامعة بغداد ، والأمثلة كثيرة لو أردنا تقليب صفحات التاريخ القريب .
نحن مطالبون اليوم بأن نستعيد ثقافتنا الوطنية المفقودة ، ونعزز وجودها بيننا ، ونعيد لها دورها الفاعل في مجتمعنا الذي مزقته الحروب العدوانية والتدخلات الأجنبية ، وأبدلت سلمه عنفاً ونظامه فوضى ، وأدخلته في دوامة من الاحتراب والتناحرات العقيمة التي لا يمكن أن يخرج منها من دون أن يخلع عنه جلباب التخلف المتهرئ ، ويرتدي جلباب الثقافة الوطنية الزاهي لكي يزرع الأمن والأمان في ربوع الوطن ، ويعيد روح المحبة والاحترام والطمأنينة لنفوس مواطنيه المعذبين منذ عقود .
ليس من العدل أن نقرأ لمثقفين تنكروا لوطنهم العراق وبانت شماتتهم به وفرحهم بما حل به من حيف ونزلت به من محن ، متوهمين بذلك انتصارهم لقوميتهم أو طائفتهم أو مناطقهم أو مصالحهم الشخصية الضيقة ، والصواب أن سلامة الوطن تعني سلامة الجميع ، وانتكاسته – لا سمح الله – انتكاسة وخسارة للجميع وضياعهم ولو بعد حين ، ولذا جاء في الحديث الشريف (حبّ الوطن من الإيمان) ، ولا أعز من البلاد على قلوب أبنائها المخلصين ، ولا سعادة لهم إلا عليها .. حفظ الله العراق وحفظ أهله من كل سوء ومكروه .
*المقال الافتتاحي لمجلة أوراق فراتية - العدد الثالث ، السنة الخامسة ، 1435هـ / 2014م)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق