الاستاذ سامي مهدي يعيد حكايات ألف ليلة وليلة الى أصولها العربية*
بغداد – جواد الحطاب
ليس من عمل إنساني ألقى بظلاله على ثقافة الشعوب وفنونها كما فعل كتاب "ألف ليلة وليلة"، فها هو الشاعر الألماني غوته يستلهم حكايات شهرزاد، والكاتب الفرنسي فولتير، والأرجنتيني خورخي لويس بورخيس والعشرات غيرهم.
بل انتقل تأثير الليالي إلى النحت والخزف والسينما والتلفاز والرسوم المتحركة؛ فقد وجد عدد هائل من الفنانين العالميين في أجوائها منجما روحيا لإبداعهم ومن بينهم رواد وأعلام كبار، مثل: ديلاكروا، بول كلي، كاندينسكي، بيكاسو، ماتيس؛ فضلا عن كبار موسيقيّي العالم.
والكتاب الذي طاف الدنيا بأرجائها، وتمثل فيه سحر الشرق، وترجم إلى معظم لغات العالم ما زال يشغل بال النقّاد والمحققين قديما وحديثا وتكاد المكتبات تضخّ بشكل يوميّ كتابا جديدا يبحث في شأنه؛ ولعلّ آخر ما صدر في هذا الصدد كتاب في بغداد للشاعر والناقد سامي مهدي بعنوان ألف ليلة وليلة.
والكتاب عراقي أصيل "وفيه يلج الباحث للمرة الأولى دائرة المسكوت عنه" داخلا مع الورّاقين والنقاد والمؤرخين القدماء نقاشا ماتعا، ذائدا عن أصل الليالي العربي بالأدلة والبراهين العقلية التي ترد على من نسبه إلى فارس أو الهند أو اليونان.
بغداد وليست أصفهان
يردُّ المؤرخ العربي الشهير علي بن الحسين المسعودي في "مروج الذهب ومعادن الجوهر" كتاب ألف ليلة الى كتاب اسمه "هزار أفسانة" أي "ألف خرافة" ويقول إنه ترجم من الفارسية الى العربية.
أما ابن النديم "صاحب الفهرست" فيتحدث هو الآخر عن كتاب أسماه "هزار أفسان" ومعناه "ألف خرافة"، ويعقبهم أبو حيان التوحيدي بذات التشكيك بأصله العربي.
وعن هذه الفرضيات الثلاث يقول سامي مهدي: "لو كان أصل الليالي أجنبيا فارسيا – على سبيل المثال- لكان أبطال قصصه الأساسيون من غير المسلمين، ولكانت المدن الإيرانية، وليست بغداد والبصرة والموصل والقاهرة ودمشق وحلب، هي مسرحه، ولغدت بيئته غير البيئة العباسية، ولوردت فيه أسماء الملوك الفرس ولم يرد اسم الخليفة هارون الرشيد وزوجه زبيدة ووزيره جعفر وخادمه مسرور. ولكن شيئاً من هذا لم يحدث، الأمر الذي يزيدني قناعة بأن كتاب "هزار أفسانة" شيء وكتاب "ألف ليلة وليلة" شيء آخر".
ويضيف لـ"العربية.نت"، "أخلص مما تقدم من تفكيك نص المسعودي ونص ابن النديم إلى أن كتاب ألف ليلة وليلة كتاب آخر غير الذي تحدثا عنه في نصيهما، كتاب لم يترجم عن كتاب هزار أفسآن، وأبسط دليل على ذلك أن كتاب هزار أفسان، الذي رآه ابن النديم، يحتوي على ألف ليلة ودون المائتي سمر، في حين أن كتاب ألف ليلة وليلة لا يحتوي على هذا العدد من الليالي حتى بعد ما أقحم عليه من زيادات، بل يبدو أن نقص عدد لياليه عن الألف كان أحد أسباب إقحام هذه الزيادات عليه في الحقب اللاحقة".
الركون إلى السائد
أما لماذا لم ينتبه الدارسون والمحققون العرب -وهم كثر- الى الأدلة التي يقدمها سامي مهدي في كتابه، فيقول: أشعر بالأسف حين أجد عدداً من الباحثين العرب الذين كتبوا عن ألف ليلة وليلة قد توهموا فحسبوه كتاباً مترجماً، وبدلاً من أن يتحققوا من هذا الأمر ويدققوا في هوية الأم القديمة للكتاب، تشاغلوا بالدفاع عن صوره المتأخرة التي وصل بها إلينا، وراحوا يدافعون عن عروبة هذه الصور، بدلاً من الدفاع عن عروبة الكتاب الأم نفسه بسبب قراءة نصي المسعودي وابن النديم قراءة سريعة.
ويؤكد النقاد الذين استقبلوا النسخ الأولى من ألف ليلة وليلة، كتاب عراقي أصيل. أن الكتاب سيلقي حجرا كبيرا في بركة القناعات التي تأسستعن أصول "ألف ليلة وليلة" وسيثير الكثير من الأسئلة في هذا الصدد وتلك مهمة الكتب المبدعة.
*http://www.alarabiya.net
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق