الثلاثاء، 6 مايو 2014

سامي مهدي .. العالم يهتز دون إبطاء بقلم: الاستاذ قيس مجيد المولى

سامي مهدي .. العالم يهتز دون إبطاء
بقلم: الاستاذ قيس مجيد المولى

http://www.middle-east-online.com/?id=175893

ميدل ايست أونلاين

يعاكسُ سامي مهدي في مجموعته الشعرية (الزوال) الرؤية الغربية في مفهوم الغريزة حيث يرونها تنظيريا بأنها مجموعة معقدة من ردود الأفعال الخارجية والوراثية المشتركة ببين جميع الأفراد وأنها إندفاعات مسلوخة عن الوعي بما في ذلك اتجاهات فهمهم الغرائزي للحياة والموت، وشعريا فإن سامي مهدي يجد بأنها اندفاعات واعية حين تكون هذه الغريزة تتعلق بمصير الإنسان من حيث بقائه في الحياة ثم مغادرته الى حياته الأخرى والتي يرى الشاعر بهذا التحول تحولا ذا صلة ارتباطية ضمن التواصل الذي يراه طبيعيا بين هذه الحياة وتلك، وهنا يبدأ المدخل الفلسفي في الزوال، ولأن الأشياء لا توجد في زمان واحد متجانس رغم قربها ورغم وجود العديد من نقاط الإرتباط بينها لكنها لا تعيد تجانسها تحت عامل الصدفة بل تعيده بشكل آخر بفعل التحول من النظرة البديهية للكون الى التقديرات المركبة ومن خلالها يتم رؤية الظلام النوراني وتقبل شمولية المجهول وبالتالي المساهمة في تنمية قدرات المتلقي لقبول المثير وغير المتوقع وغير المقبول.

بهذا الشكل سعى الشاعر سامي مهدي في مجموعته الشعرية "الزوال" ضمن رؤيته الخاصة عن الحياة والموت لتحصيل الغاية الجمالية مؤكدا استخدامه لمفهوم (الفكرة القوة) بدلا من الفكرة المطابقة أو الفكرة الوهمية لذلك لم يسطُ على زواله السرد الحكائي أو اللامحدودية في ضبط مفرداته إنما عمل على جمع لغته في أدوارها المتعاقبة وكوّنَ حياة جديدة لموجوداته لتحقيق الآلة الحسية والتخيلية هاتين اللتين تمكناه من إجراء المسح الشمولي (للعالم الذي يهتز دون إبطاء) فالمعاينة هنا لا تتصل بزمنية رقمية إنما تتشظى الى علاقاتِ معانٍ بديلة عن الوحدة والضجر والبؤس مقابل اليقين الحياتي الذي أراده الشاعرُ أن يسجل ذلك التناوب الإيجابي بين حفظ البقاء في الصور الشعرية المقننة عبر أسئلة لا تمت للإستفهامية بصلة ولا مداخل إسترحامية امام طقوس المصير التي خلت من الرثاء والعويل، ولعل ذلك شكل من أشكال تأجيج الإستدلالات الجدلية التي كان قد رأها الفيلسوف (كانت) بأنها تتم من خلال النفس وملحقاتها وهي جوهر الفعل الصوّري والذي أفاد هذا الفعل أفاد المتلقي الذي سيرى في نصوص المجموعة الشعرية بأنها ترتكزُ على قضيةٍ وعلى حُكمٍ وعلى حُجةٍ، أي أن هناك حتمية ما لكنها حتمية غير قاطعة وهو ما يسمح للمزيد من الإنتباه ثم المزيد من التأمل اللذين يساعدان على توسيع دائرة الكشوفات الجمالية ومحصلة كل ذلك التمتع بحرية الإستمتاع بربوبية الأنا ضمن نظام سامي مهدي التخيلي الذي يراه المتلقي صالحا لإدامة نعيمه ضمن فراش النص.

وعلى هذا الأساس تعدت اللغة أثرها في النصوص مادام التقابل قائما ما بين الإنسان وعلله الكامنة، ولعل ذلك التقابل قد فصح عن جودة (الزوال) حيث أن المتناهي لا يمكن قياسه، فالنص لا ينتهي عند نقطة ما أو حد معلوم أو طرف سائب وتجد تلك القدرة واضحة في العديد من النصوص ومنها (العناوين – البذرة – دلمون – فائض الاشياء .. ) وغيرها من نصوص الزوال.

إن الزوال حالة أبدية قائمة، وسامي مهدي في (زواله) عَنيَ بقاءنا في علاقاتنا التي سوف نمارسها في حياتنا الآخرة التي تواصلت وتشكلت مما لنا من ذكريات وأفكار وأسئلة وطقوس في حياة الأرض.

لذلك فكل ما أتى به الشاعر من الزوال فيه غرضٌ وفيه فائدة وفيه مرتبة ما وفيه القدرة على تسمية ما للأشياء التي كنا نراها غير مهمة وغير ضرورية وفيه معرفة لطرق الإنتقال من المعلوم الى المجهول.

إن معطيات التجربة الشعرية في (الزوال) لدى سامي مهدي لم تهمل أي شيء يتصل بالهوس والخوف والقبول الذي بني عليه الإنسان من مواجهة الزوال منذ الزوال الأول الى يومنا هذا والذي لا زالت فيه عربات الموتى في حالة ركض.

يشار إلى أن "الزوال" مجموعة شعرية للشاعر سامي مهدي صدرت عن دار الرشيد للنشر 1981.

annmola@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدينة طرسوس ودورها في التاريخ العربي الإسلامي (172-354 هـ -788-965 م كتاب للدكتورة سناء عبد الله عزيز الطائي

  مدينة طرسوس ودورها في التاريخ العربي الإسلامي (172-354 هـ -788-965 م كتاب للدكتورة سناء عبد الله عزيز الطائي عرض ومراجعة : الدكتور زياد ع...