داود صليوا (1852-1921) وجريدة صدى بابل (البغدادية )
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
منشورة في : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=416777
منذ زمن طويل، وانا أريد ان اكتب عن الصحفي والشاعر والمعلم والكاتب الموصلي داؤود يوحنا الشماس صليوا وجريدته التي اصدرها ببغداد في 13 اب سنة 1909 بأسم "صدى بابل " ، والتي كانت من الصحف الرائدة في العراق شكلا ومضمونا .
ومع انني احتفظت ً بمسودات مقالي هذا قرابة40 سنة خاصة وانني في مطلع السبعينات من القرن الماضي قد رأيت اعدادها كاملة في المكتبة الوطنية ببغداد واقتبست منها الشيء الكثير .فقد تابعت كل من كتب عن هذه الجريدة العتيدة .. ولعل ابرز ما رأيت المقال المنشور في الجزء السادس من " الموسوعة الصحفية العربية" 1997 عن مؤسسها داؤود صليوا .
داؤود صليوا من مواليد الموصل في 6 تشرين الثاني سنة 1852 وعند بلوغه العاشرة تخرج في المدرسة الكلدانية البطرياركية الابتدائية ثم درس الاداب العربية والنحو ،والصرف والبلاغة على يد احد علماء الدين المسلمين في الموصل وهو الشيخ يوسف باشعالم .كما درس على يد المطران ميخائيل نعمو والبطريرك عبد يشوع خياط
..عّين بعد تخرجه معلما ثم مديراً للمدرسة الكلدانية البطريركية وكان يتقن اللغتين الفرنسية والإنكليزية فضلاً عن السريانية والعربية. كان شاعرا وقد تفرغ للمديح وذكره "معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين " فقال : بأن قصائده نشرت في جريدته: «صدى بابل» أعوام صدورها، ومنها: «قال يمدح البطريرك» - العدد 24، و«العقد الوضاح في مدح الشيخ مبارك باشا الصباح» - العدد 25، و«قلائد العقيان في مدح السردار الأرفع الشيخ خزعل خان» - العدد 27، و«سناد الفرقدين في امتداح شيخ البحرين» - العدد 32، و«يتيمة الأقراط في مدح سمو السلطان فيصل سلطان مسقاط» - العدد 33، و«رثاء الشيخ عبدالعزيز آل إبراهيم» - العدد 47، و«الركن المرسوخ في تهاني سلالة أكرم الشيوخ الشيخ عبدالله بك الفالح» - العدد 54، و«السفر الميمون في وداع الشيخ عبدالله بك آل سعدون» - العدد 55، و«الورد الأزهر في مدح الكونت جبرائىل أصفر» - العدد 59، و«الدر المكنون في مدح الشيخ سعدون» - العدد 60، و«حسن الافتخار: صاحب العطوفة السيد طالب بك نقيب الأشراف» - العدد 93، و«تهنئة السيد موسى الكيلاني القادري بشهر رمضان» - العدد 97، و«العقد الفريد في تهاني عيد الجلوس السعيد»، و«عيد الميلاد المجيد»، و«عيد الفصح المجيد»، و«حنين المشتاق إلى لقاء وزير العراق»، و«العقد الأنضر في مدح الكونت جبرايل آصف»، وذكر في ترجمته المنشورة بجريدته «صدى بابل» - العدد 89 - 22 من مايو 1911 أن له ديوانًا كبيرًا فيه نسيب ومدائح وتهانٍ ومراثٍ وتاريخ، ولا يعرف مصير هذا الديوان.
جاء في قصيدته التي مدح فيها شيخ البحرين وبعنوان :" سناء الفرقدين في امتداح شيخ البحرين " الشيخ عيسى بن علي ال خليفة 1869-1932
الى البحرين ياصحبي مسيري ****فجدي يانياق بنا وسيري
الى شيخ به الاحسان يسمو ****ويحيا بأسمه العالي الشهير ِ
كما مدح السيد طالب النفيب بقصيدة جعلت والي بغداد جاويد باشا بعد نشوب الحرب العالمية الاولى سنة 1914 يصدر أمرا بنفيه الى الاناضول ومما قاله في قصيدته : :
بلغت ذرى المجد الذي انت راغب
ونلت مقاماً في العلى انت طالب
تولعت في نيل المعالي ومجدها
من المهد طفلا قبل ان طر شارب
فارمق بفضل من معاليك تحفه
اليك صدى التاريخ زف الغرائب
فجاءت يوم العرفى تلثم كفكم
فنالت بعز من رضاك الرغائب
وبقي منفياً في الاناضول سنتين ومعه في المنفى الاب انستاس الكرملي والشاعر عبد الحسين الازري.
سافر الى بغداد سنة 1875 وعمره قرابة 22 سنة وظل يعمل في سلك التعليم قرابة 30 سنة الا انه كان يحب الصحافة ويتوق لان يصدر جريدة خاصة وانه كان يحمل شعورا معاديا للعثمانيين وقد تهيأت له الفرصة بعد اجواء الحرية والانفتاح الذي شهده العراق بعد نجاح حزب الاتحاد والترقي في الوصول الى الحكم وخلع السلطان عبد الحميد الثاني 1876-1909 .. لذلك ترك التعليم وانخرط في العمل الصحفي ، وأصدر جريدته "صدى بابل "في 13 اب 1909 وذلك بالتعاون مع الباحث والكاتب والوزير فيما بعد الاستاذ يوسف رزق الله غنيمة .
وقد عرفت " جريدة صدى بابل" بوقوفها ضد سياسة التتريك واستمرت بالصدور حتى قبيل اندلاع الحرب العالمية الاولى اب1914 .تعرض داؤود صليوه للاعتقال عدة مرات كما نفي الى ولاية قيصرية بسبب مواقفه المناؤئة للعثمانيين وبعد ان قضى في النفي سنتين عاد الى بغداد فمرض واصيب بالذبحة الصدرية وقد فقد بصره في أخريات حياته ،وتوفي في 4 تشرين الثاني 1921.
أما الاستاذ يوسف رزق الله غنيمة (1885-1950 ) الذي اشترك مع المعلم داؤود صليوا في اصدار جريدة "صدى بابل " ، فهو من رجالات العراق الذين أسهموا في بناء الدولة العراقية الحديثة .. وهو من مواليد مدينة بغداد وبعد ان انهى دروسه سنة 1906 اتجه نحو العمل الحر لكنه كان صديقا للمعلم داؤود صليوا فساعده في اصدار جريدته "صدى بابل "سنة 1909 وفي سنة 1919 أسس مع عدد من اصدقائه مكتبة في بغداد بأسم "مكتبة دار السلام " .وقد كتب عنه الاستاذ حميد المطبعي في موسوعته "موسوعة اعلام وعلماء العراق "2011 فقال ان مكتبة دار السلام كانت –بحق –نواة للمكتبة الوطنية حاليا .وقد انتخب عضوا في مجلس ادارة بغداد سنة 1922 وفي سنة 1923 انتدب لتدريس مادة تاريخ مدن العراق في دار المعلمين العالية كما انتخب سنة 1925 نائبا عن بغداد وفي سنة 1928 عين وزيرا للمالية وتكرر استيزاره للمالية اكثر من مرة لكفاءته وخبرته ووطنيته وفي سنة 1941 عين مديرا عاما للاثار القديمة وكان واسع الاطلاع على اثار العراق حتى انه الف كتبا عن العراق منها كتابه : "محاضرات في مدن العراق " 1924 و"تجارة العراق قديما وحديثا " 1922 و"نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق "1924 وله كتاب بعنوان :" رسالة برديصان والبريدصانية " الفه سنة 1920 وكان قاصا وروائيا ومن قصصه "الاوهام " نشرها سنة 1910 في مجلة "خردلة العلوم " ومن رواياته :"رواية غادة بابل " والتي نشرفصولا منها في مجلة "لغة العرب " بين سنتي 1927-1928 .كان يحب الصحافة وله مقالات كثيرة في صحف ومجلات عراقية وعربية واجنبية وهو يتقن لغات عديدة منها الفرنسية والتركية والانكليزية والكلدانية.. وقد اصدر جريدة ببغداد بأسم "السياسة " سنة 1925 كما كان يكتب في مجلة "المشرق " وهو مترجم متميز ومن المجلات العربية التي كتب فيها مجلة "المقتطف " ليعقوب صروف .في سنة 1944 عين وزيرا للتموين وبعدها بسنة اختير ليكون عضوا في مجلس الاعيان وقد مرض وسافر خارج العراق للمعالجة وقد توفي في لندن سنة 1950 ونقل جثماته الى بغداد حيث دفن فيها .كان الاستاذ يوسف رزق الله غنيمة رجلا نظيفا نزيها مخلصا لوطنه وقد نشر ولده (حارث ) كتابا عن رحلات أبيه خارج العراق وكثيرا ما كنت التقيه في محلة السنك حيث كان يعمل محاميا بغداد في السبعينات فيتحدث عن والده بفخر واعتزاز وكنت اشاركه هذا الفخر لما كنت أعرفه عنه من سعي حثيث لخدمة العراق وبناءه بناءا ديموقراطيا قويا .
كان داؤود صليوه مؤمنا بفكرتي التقدم والحرية .. ويعد من رواد الصحافة الحرة في العراق .. وكانت له صداقات واسعة مع رموز النهضة العربية المعاصرة امثال ابراهيم اليازجي ، وجرجي زيدان .وكان اسلوبه في الكتابة متميزا فهو يجمع بين الظرافة والجدية وكثيرا ما انتقد العثمانيين ومن بعدهم المحتلين الانكليز .
ألف عددا من الكتب منها :
• " المحاق في ترجمة شهيد الإصلاح ناظم عقد العراق "وهو ترجمة ذاتية لسيرة ناظم باشا والي بغداد 1913
• العقد الثمين لتحلية جيد المعربين
• نفح العرف في خلاصة الصرف
• النقاوة في علم النحو
• الدر المختار في نظم الاشعار
• رسالة في علم المنطق
• مختارات صدى بابل
• الردود بقلم المعلم داود
• ديوان ابن صليوا
كان داؤود صليوا يرى في الصحافة وسيلة من وسائل التواصل الانساني لذلك قال في افتتاحية العدد الاول من جريدته :"صدى بابل " لايخفى ما للجرائد في الجامعة الانسانية من مكان.. وما يتوقف عليها من اصلاح شؤونها في حالتيها المدنية والسياسية لاسيما في هذا العصر وهي المهيع (الصوت الشديد ) لتعريف الاقوام بعضهم ببعض .. على بعد المسافة . وشط المزار.. وشد عرى الوثاق بين البلاد والامصار .. وهي العامل في تأليف القلوب وتنافرها بين المحب والمحبوب ، وهي المحرك الاول الى الارتقاء في سلم النجاح ، والمنادي حي على الفلاح "
اصدر داؤود صليوا ببغداد العدد الاول من جريدة "صدى بابل " في 13 اب سنة 1909 (27 رجب 1327 هجرية ) .. وجاء في ترويستها انها "جريدة سياسية تجارية أدبية اخبارية خادمة لترقي الوطن " .وقد ظهرت في بعض اعدادها ترويسة اخرى تشير اليها السيدة زاهدة ابراهيم في "كشاف بالجرائد والمجلات العراقية " 1976 تقول بأنها "جريدة يومية سياسية عربية " صاحبها ومديرها المسؤول المعلم داؤود صليوا ويوسف غنيمة " .
في العدد الصادر في 20 تشرين الثاني 1910 نشرت مقالا افتتاحيا بعنوان :" نصح مشفق لوطنه ومسقط رأسه الموصل الحدباء " اغلب الظن ان رئيس التحرير داؤود صليوا هو الذي كتبه، وجاء فيه انه يوجه نداءه الى الشباب الموصلي ، ويدعوه الى احياء العلوم والاداب اللتين تتميز بهما الموصل سابقا وطلب منهم شن حرب ضد الجهل .. ولم ينكر الكاتب وجود نخبة من علماء الدين والادباء في الموصل .. ولكنه تساءل وهو يوجه كلامه الى الجيل الجديد :" اترى هذا كافيا لك في هذا الدور السعيد ..الدور الذي تلألأت فيه انوار الاداب، بفضل الدستور والحرية ،حيث اطلقت ايادي الصحفيين من قيد الاستبداد ...ها قد تسنى لك بفضل الدستور انشاء المطابع ، ونشر الجرائد والمجلات التي هي الرائد الوحيد ، والداعي الفريد لاصلاحك وصلاحك وترقي حالك فلا تغض الطرف عنها أو تحسبها وريقة بالية لافائدة لك فيها ..فهاهي قد كنزت لك من خلال أسطرها كنزا من النبل وذخيرة من الاصلاح ...انظر ما حولك من البلدان التي ثقفها العلم ومدنتها الاداب ..." .ويختم الكاتب مقاله بالتساؤل :" اليست هي الجرائد التي اضحت لهم مشكاة اجتازوا بنورها تلك الظلمات؟ " . ثم وجه كلامه الى ابناء ملته (المسيحيين )ونوه بأعمال صاحب الغبطة مار يوسف عمانوئيل في افتتاح المدارس وتعمير دور العلم لابناء ملته الكلدانية وطلب اليهم مساعدته والوقوف معه ..." .
وبعد ذلك .. وفي عددها التالي الصادر في 27 تشرين الثاني 1910 نشرت خبر احتفال ابناء الطائفة الكلدانية في الموصل بأفتتاح المكتب الاعدادي الكلداني (المدرسة الاعدادية الكلدانية ) بأحتفال مهيب حضره مدير المعارف ، وصاحب الغبطة مار يوسف عمانوئيل بطريارك الكلدان وكان معاون مدير المكتب الاعدادي القس سليمان صائغ ومدير المكتب جبرائيل نعمو .ومن الجدير بالذكر ان كاتب هذا الخبر هو ميخائيل الشماس يوسف حداد .
في العدد الصادر في 12 رمضان 1328 هجرية نشرت جريدة صدى بابل خبرا يقول :" كان في البلاد العثمانية سبعة فيالق الى الان ، فقررت نظارة الحربية (وزارة الدفاع ) جعلها 14 فيلقا بهمة بطل الحرية محمود شوكت باشا .
كانت جريدة صدى بابل تتابع اخبار العشائر العراقية وموقفها من الانتخابات ، ففي عددها الصادر في 3 اذار سنة 1912 قالت وبعنوان :" العشائر والانتخاب " : لقد وقف –وايم الحق – موقف حيرة كل عربي ..وقف على نظر الحكومة السنية في عدم ادخال العشائر في سلك الانتخاب مع العلم انهم خاضعين للدولة ويدافعون عنها وينصرونها وقت الضيق ...ان للعشائر العربية الحق الصريح في انتخاب نواب لهم في مجلس الامة " .
وفي العدد نفسه قالت انه كان لاوامر الاسراع في الانتخابات أثر في غياب كثير من مبعوثي مجلس المبعوثان (النواب ) المنحل لاتهم لم يصلوا الى العراق من الاستانة الا بعد حوالي شهرين من بداية الانتخاب . فعلى سبيل المثال قدم من الاستانة مبعوث الديوانية شوكت باشا ومبعوث المنتفك محسن بك (السعدون ) متأخرين .
وقد نشرت في العدد الصادر في 28 نيسان سنة 1912 نشرت مقالا تقول فيه :"ياقوم ان جمعية الاتحاد والترقي –وحقكم- لاغاية لها ولا مأرب الا حراسة القانون الاساسي (الدستور ) فهي تعمل لسعادة الدولة واللاد وراحة الامة ...فكفوا ياقوم ان ترموها بأسهم الغايات ..." .
وتحت عنوان " فسخ المجلس النيابي " كتبت في عددها الصادر في 9 اب سنة 1912 تقول :" اجتمع بعض الوكلاء من الاعيان وتذاكروا سرا بشأن فسخ مجلس الامة فسخا قانونيا .. فقبل فسخه بأكثرية الاراء أي بثمانية وعشرين صوتا ضد خمسة اصوات ...وقد اثبتت الاخبار الواردة من الاستانة ان سبب سقوط الوزارة كان قيام ضباط الجيش العثماني واجهارهم بسخطهم على جمعية الاتحاد والترقي وطلبهم اسقاط اركانها وحل مجلس المبعوثان (النواب )وتشكيل وزارة غير مجارية للاتحاديين في مأربهم ومقاصدهم .وقد اعلن الضباط انهم مصممون العزم على ابعاد رجال الجيش ...عن مناصب الحكومة والعهد الى مختار باشا لتأليف الوزارة " .
بعنوان :" الانتحال في الانتخاب والمخاتلة فيه " كتبت جريدة "صدى بابل " في عددها الصادر في 11 شباط 1912 تقول :" ان كثيرين من الذين يجهدون في انتخاب المبعوثين والنيابة عن الامة أخذوا يغرون الصحافيين ايضا لعدم كفاءتهم ، وقلة اعتمادهم عليهم وقد خصصوا مبلغا لاقناع يراع الكاتب .. للجري في ميدان ترشيحهم او انتخابهم ،فأقول لاولئك ان كنتم من القوم الكفوئين المقتدرين فلا حاجة الى هذا التكلف ..." .
كانت جريدة صدى بابل تنقل عن الصحف التي تصدر في الاستانة فعلى سبيل المثال نقلت في عددها الصادر في 17 اذار سنة 1912 عن جريدة "السيف " (قليج ) التي نشرت في عدد 18 شباط 1912 قولها انه من الضروري ان يكون المبعوث أي النائب على دراية باللغة التركية لان اللغة التركية والمباحثات في المجلس بهذه اللغة فاذا كان المبعوث قاصرا بها يصبح كحجر ملقاة على كرسي لايفيد ولايستفيد وربما أضر بأشياء كثيرة كما يجب.. وضمير حر ونظيف ..." . ثم تقول :" اننا اذا وزنا برنامج حزب الحرية والائتلاف رأينا فيه لامحالة رجوحا بينا على ماسواه من الاحزاب ...ومن يسعى بأستعمال الجبر والشدة أو غيرها من الوسائط لنيل المطلوب من الانتخاب " .ونقلت جريدة صدى بابل عن جريدة الزهور الاتحادية قولها :" ان حزب الاتحاديين لم تؤيد افعالهم برنامجهم .. وعليه فلم ينل ناصرهم قصب السبق بينما حزب الحرية والائتلاف فمع دلالة برنامجه على حسن نواياه يسلم فعل اتباعه " .
وانتقد جريدة "صدى بابل " ما شاع بأن الوالي في دمشق أرسل تعميما سريا لمأموري الملحقات بالسعي وراء انتخاب مرشحي جمعية الاتحاد والترقي وتساءل محرر الصدى :" لست أدري أجميع الولاة في كل الممالك العثمانية يقدمون على ما اقدم عليه والي دمشق فيفسدون الانتخاب ويغشون الدولة والامة والوطن أو يتركون الشعب بحال وجدانهم وحرية ضمائرهم " .
تابعت جريدة صدى بابل ما كان يحدث في الدولة وخاصة في الولايات العراقية من انتفاضات وحركات مسلحة ضد الدولة ومن ذلك متابعتها "انتفاضة الشيخ عبد السلام البارزاني " وخروجه –كما قالت –على الحكومة في قضاء عقرة .. واشارت الى ان الحكومة ارسلت عليه حملة من الجند من كركوك وراوندوز ووان والموصل ، فلما علم بما تريده به الحكومة من الهلاك لجأ الى حضرة الوالي الذي طلب منه الحضور شخصيا لكنه رفض فأقتربت العساكر من مراكزه واحاطت به وبرجاله واعادت الوسام الذي سبق ان حازه من الدولة بواسطة امير اللواء اسعد باشا قومندان الفيلق السادس وهذا مال ماجاء مما نشره الوالي في جريدة الولاية الرسمية (موصل ) ..." وبشأن استعادة الوسام قالت جريدة الولاية الرسمية :" ان الرتب واوسمة الدولة انما يستحقها من يخدم الوطن والله والدولة بأمانة خدمة جليلة ، ولما كان الشيخ عبد السلام أفندي شيخ بارزان أتى بالتمرد والعصيان والخروج على الدولة مع نهب قرى القضاء عوض ماكان يطلب منه من الاعمال الجليلة دلت افعاله على انه ليس بأهل لهذه الانعامات وعليه فقد أعدنا هذا الوسام الى مراجعه " .وتابعت جريدة صدى بابل الموضوع وقالت ان الشيخ عبد السلام افندي شيخ بارزان ذهب الى ايران لكن ايران طردته .. ولم يلبث ان عاد الى الاراضي العراقية فأنقضت عليه القوة العسكرية العثمانية وسلمته محفوظا الى السجن في الموصل " . وكما هو معروف فقد صدر امر بأعدامه وشنق في ساحة باب الطوب في الموصل .
في عددها الصادر في 4 شباط 1910 اشارت الجريدة الى ما اسمته اشهار اي اعلان الاحكام العرفية في بلاد اليمن مدة ثلاثة أشهر .
كما قالت ان الحكومة العثمانية ابلغت الحكومة البريطانية منع تصدير الحبوب من ولايات الموصل والبصرة وبغداد الى الخارج والى حين صدور أمر آخر .
ونشرت في العدد نفسه ان البريد الاخير تضمن خبرا يقول ان الحكومة البريطانية (الانكليزية كما كانت تسمي الحكومة البريطانية ) تلقت خطاب المسيو بيشون وزير خارجية فرنسا عن خط بغداد الحديدي بوافر الارتياح " ووصفت جريدة التايمز مقالات افتتاحية ذكرت فيها ان فرنسا لم تزل متمسكة كل التمسك بالمبادئ التي صرح بها المسيو دلكاسيه سنة 1902 وان انكلترا توافق على ما اقترحه المسيو بيشون من جعل الخط مشتركا بين الدول ، لكنها تشترط شرطين اولهما : ان لايكون اشتراك الدول في الخط عاما لكن خاصا اي ان يعطى لكل من الدول فرع خاص من فروع الخط ويترك لانكلترا الحق في مراقبة الفرع المار في مابين النهرين (العراق ) .أما الشرط الثاني فهو ان لايلحق هذا الاتفاق ضررا بالمالية العثمانية .وفي هذا اشار الى الضمانة الكيلومترية الممنوحة لالمانيا التي سبقت فأعلنت انها تراها باهظة جدا .وكانت جريدة "نوفو فريميه "الروسية قد كتبت تقول : ان الدولة الروسية لاتود ابدا ان تكون عثرة في سبيل ارتقاء الدولة العثمانية ويدلك على ذلك مسألتان هما زيادة المكوس (الكمرك )وسكة حديد بغداد ،فأن المتمولين الانكليز والالمان والفرنسيين الذين اجتمعوا لانجاز هذا المشروع يطلبون من الحكومة ضمانة لفوائد اموالهم التي يدفعونها وليس لها سبيل لاداء هذه الضمانة الا بزيادة المكوس فلا غرو أن رضيت به تلك الدول .. أما روسيا فليس لها نصيب في تلك السكة ورضاها بالزيادة يعود على صناعتها وتجارتها بالضرر فبات من الواجب ان تأخذ بعض الضمانات .
وعادت الجريدة لتتابع اخبار مد السكك الحديد ، ففي عددها الصادر في 17 ايلول قالت ان احد المستثمرين الاميركان طلب امتيازا لمد خط حديدي يوصل ارضروم بثغور وان وبلاد مابين النهرين العالية (شمالي العراق ) والبحر الاسود مارا بسامسون .وقد عين لهذا المشروع رأسمال عشرين مليون ليره عثمانية دون ان تطلب ضمانة كيلومترية على ان يسمح له بما يستخرج من المعادن على بعد عشرين كيلومترا من كل جهة .فطرحت هذه المسألة في موضوع البحث في مجلس المبعوثين وبعد مناقشات طويلة احيلت الى ناظر النافعة للتداول فيها مع الطالب المذكور " وفي العدد نفسه نشرت خبر عودة نيافة القاصد الرسولي الى بغداد من الموصل (جان درور ) .
واهتمت جريدة صدى بابل بالقضايا الدولية فأشارت في عددها 13 اب 1909 الى مسألة جزيرة تكريت .. وقالت ان هذه هي من أهم المسائل السياسية الحاضرة لدى الدولة العثمانية ولدى الدول الاوربية نفسها . وقد ذكرت بأن مركز جمعية الاتحاد والترقي في سلانيك مذكرة في جميع الصحف عن مسألة كريت وقدمتها الى وزارات الخارجية الفرنسية والبريطانية والروسية والايطالية جاء فيها :" ان العثمانيين لايقبلون ان ينسلخ من جسم مملكتهم الاقليم (كريت ) الذي افتتحوه بدمائهم ...ولايوافق العقل ولا الشرع ولاقوانين حقوق الدول ان تنزع عنا حقوقنا بكون قسم من اهالي كريت لايريدون التبعية العثمانية " .
تحدثت جريدة صدى بابل عن ما اسمته "مطالب المسيحيين بنشر الوية الحرية والدستور في الموصل " وقالت في عددها الصادر في 13 اب سنة 1909 ان غبطة بطرييارك الكلدان مار يوسف عمانوئيل تشرف بالمثول لدى جلالة السلطان محمد خان (محمد السادس ) وكان برفقة البطريارك مبعوث (نائب ) الموصل داؤود افندي يوسفاني وعبد الكريم باشا والدكتور زبوني من اعيان الكلدان وكل من القس داؤود رمو كاتم اسرار غبطته والقس يوسف غنيمة والقس توما ...وقد فاه غبطة بطريارك الكلدان بخطاب عربي بين فيه ان داعي (سبب) مجيئه الى الاستانة هو ان يقوم بواجب التهنئة لجلالة السلطان لارتقائه العرش ويشكره على تأييده للمشروعية ويسترحم جلالته لكي يتعطف بتعميم الامن والعدالة وانبعاث اشعة الحرية من شمس المشروطية (الدستور ) الى جميع الاصقاع سيما البعيدة ومنها الموصل ...وقد أجاب السلطان بأن جميع التبعة العثمانية هم في مركز واحد لدى جلالته بغض النظر عن المذهب والدين والملل والنحل وان جميعهم يستفيدون من المشروطية ...وطلب تبليغ سلامه الشاهاني الى جميع افراد الكلدان " .
وفي العدد نفسه ذكرت بأن غبطة بطريارك السريان السيد رحماني وصل الى الاستانة لتهنئة السلطان بالجلوس .كما نشرت خبرا يقول بأن مبعوث البصرة زهير باشا قد صرح في برلمان فرنسا بأن العثمانيين لن يتنازلوا عن حقوقهم في جزيرة كريت مهما كلفهم ذلك ..
كما قالت في خبر اخر ان شركة سكة حديد بغداد نظمت خريطة مد الخط من اركلي الى حلب يعني نحو 600 كيلومتر وقدمتها الى نظارة النافعة فوافقت النظارة على ذلك .
وفي العدد السابع من الجريدة الصادر في 24 ايلول 1909 (9 رمضان 1327 ) نقلت عن جريدة نينوى (الموصلية ) خبر تمرد عشائر الهماوند وان قوة منهم عادت من ايران الى قراها التي هي في انحاء جمحمال ولما احست الحكومة بهم ارسلت قوة من الجند لللنكيل بهم .كما قالت ان اشعارا برقيا وصل الى حكومة الموصل بأنه قتل منهم ثمانية انفار وقبض على سبعة وقد تلفت خيولهم من شدة الحر والعطش ، وروت جريدة الحقيقة ان الحكومة الايرانية أمرت بأخراج من بقي منهم من ممالكها والقبض على من وقع في يدهم فقام كريم خان حاكم (قره تو ) وتبعه عشائره فتعقبوا هؤلاء الشقاة فأحتدمت بينهم نار الوغى فقتل الشقي كريم اغا ابن اخت محمود اغا خضر طابور اغاسي الموقوف حاليا في الثكنة العسكرية وقبض على ثلاثة انفار مدججين بالسلاح (الماوزر ) و( المارتين ) وسلموا انفسهم للحكومة المحلية .وقد تابعت الجريدة اخبار الهماوند وان سفير "العجم " في الباب العالي أبلغ الباب العالي ان حكومته أجابت طلبه وجردت بعثة على قبائل الهماوند الملتجئة الى أراضيها فنشب القتال بين القوة المذكورة والقبائل في صولوقولاق قرب التخوم الروسية وتكبدت القبائل الهماوندية خسائر جسيمة وأسر كثير من رجالها وقد قتل (مصطفى بابا جاري خان ) من زعماء العجم الذين ساعدوا قبائل الهماوند واعطوهم الحماية (العدد الصادر في 31 كانون الاول 1909 ) .
ونقلت الجريدة اخبار مجلس النواب في الكثير من أعدادها ومنها العدد الصادر في 7 كانون الاول 1909 ومن ذلك ان مجلس النواب ناقش في اجتماعات الدور الاول قانون ترفيع الضباط والامراء الذين يرسلون الى الفيلقين السادس والسابع من الجيش العثماني (الولايات العراقية والشامية ) . كما ناقش قانون قرعة (تجنيد ) غير المسلمين .
وفي العدد الصادر في 20 اب سنة 1909 نشرت خبرا يتعلق بسفر "حضرة صاحب العزة قائمقام الطوبجية (المدفعية ) أمين فيضي بك برفقة الفريق الاول محمد فاضل باشا الداغستاني والي الموصل وقومندان فرقتها عضوا للادارة العرفية التي تشكلت في بازيان من جمجمال بين كركوك بين كركوك والسليمانية لتأديب الهماوند وسائر الاشقياء الذين سلبوا راحة عباد وبلاد تلك النواحي " .
اهتمت الجريدة بأخبار الاحزاب والائتلافات الحزبية لخوض انتخابات المجلس النيابي (مجلس المبعوثان ) ففي عددها الصادر في 10 محرم 1330 (30 كانون الاول 1911 ) نشرت خبرا نقلته عن جريدة "الاجيال " يقول :"ان الاحزاب المخالفة (المعارضة ) في مجلس المبعوثان انضمت الى حزب واحد تحت أسم ( حزب الائتلاف الحر ) وهو الذي أصبح يسمى (حزب الحرية والائتلاف ) فكان اعضاؤه اسماعيل حقي باشا (اماسيه ) وفؤاد باشا (من الاعيان ) وسليمان باشا (فريق متقاعد ) وداؤود افندي يوسفاني (نائب الموصل ) ومصطفى صبري (توقات )وعبد الحميد الزهراوي (حماة ) وصادق بك (ميرالاي متقاعد ) ورفيق بك والي قونية الاسبق وحسن بك (برشتنة ) .اما رئاسة الحزب فقد انتخب لها اسماعيل حقي باشا (من أماسيه ) وعلقت الجريدة تقول ان في انضمام كل الاحزاب المخالفة الى حزب واحد مايبشر بدخول الحياة الجديدة في مجلس الامة وتغيير السياسة التي جرت عليها الدولة ثلاث سنوات متوالية دون ان يؤثر عليها حزب مخالف او يستطيع تحوير شيء منها لانها كانت سائرة بمفعول القوة الضاغطة تحت اسم الدستور والامة نائمة لاتعلم مما يجري سوى سطحيات لايلبث تأثيرها ان يزول من الاذهان " . واضافت :" وفي مناقشات المجلس النيابي الاخيرة مايؤيد شدة تأثير اراءه حتى على الوزارة حتى اصبح رهيب الجانب .وقد قرأنا في صحف العاصمة ان كامل باشا واحمد جودت بك مدير (جريدة اقدام ) وصاحبي جريدتي (علمدار ) زالبرنس (الامير) صباح الدين من مديري حركة الحزب " . وقد عادت في العدد نفسه لتقول انها اي جريدة صدى بابل قرأت في جريدة (طرابلس ) الغراء تحت عنوان :" حزب الحرية والائتلاف " قولها :" أخذ هذا الحزب ينمو في الدولة العثمانية نموا كبيرا فتعهد في الدخول اليه في يومين فقط (70 مبعوثا أي نائبا ) في مجلس المبعوثان العثماني (النواب ) " . و"اننا وقفنا على برنامجه بواسطة مراسلنا في الاستانة بصفة مخصوصة " ، وان النية معقودة لتشكيل فرع في ولاية بغداد .. وان "حسين حسني شيخ الاسلام السابق من جملة مؤسسي حزب الحرية والائتلاف وانجريدة (علمدار ) نشرت برقية من احمد جودت بك يقول فيها انه " استقال من جمعية الاتحاد والترقي لانه وجد فيها انحرافا عن اليمين الذي أقسم عليه " . كما قالت :"وقد نما الحزب نموا باهرا في الاسبوع هذا (من كانون الاول 1911 ) حتى انه تألفت له ثمانية فروع في العاصمة فقط واسست له شعب في بروسه وغيرها " .
وفي العدد 119 الصادر في 28 كانون الثاني 1912 قالت جريدة "صدى بابل " بالنص :" لم يبق من الاتحاديين الا ماندر حتى ان شكري الفضلي الذي رشحته جريدة "بين النهرين " منذ شهر ونيف للمبعوثين عندما سمع بتشكيل حزب الحرية والائتلاف استقال من الاتحاد والترقي " .ولخصت جريدة صدى بابل ما نشرته صحيقة عربية ققالت :" يبذل هذا الحزب جهده لتأسيس شعب وفروع له في كل انحاء الدوة العثمانية حتى في سالونيك المركز العام لجمعية الاتحاد والتقي " وقالت :" والجدير بالذكر ان كل النواب غير المسلمين دخلوا حزب الحرية والائتلاف لانه جعل في خطته المحافظة على حقوق العناصر غير المسلمة " .وقد وردت برقية الى مؤسسي الحزب في بغداد من الرئيس الثاني صادق بك تشعر بأعطاء المعلومات بخصوص الاذن والترخيص بتشكيل شعبة لحزب الحرية والائتلاف (حريه وائتلاف فرقه سي ) .
حقا كان داؤود صليوا صحفيا متميزا .. وكانت جريدته جريدة متميزة من حيث الشكل والمضمون . ومما يلفت النظر انها كانت تهتم باللغة العربية في تلك الايام الحالكة وكانت تعابير مقالاتها عربية فصيحة قدر الامكان .. وهذا مما يجعلنا نفخر بها جريدة تؤمن بالحرية والتقدم والتنوير.. ويقينا ان تأثيرها في تيفظ الافكار ، وتوسيع قاعدة المثقفين العراقيين - انذاك - كان كبيرا .
•
..
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
منشورة في : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=416777
منذ زمن طويل، وانا أريد ان اكتب عن الصحفي والشاعر والمعلم والكاتب الموصلي داؤود يوحنا الشماس صليوا وجريدته التي اصدرها ببغداد في 13 اب سنة 1909 بأسم "صدى بابل " ، والتي كانت من الصحف الرائدة في العراق شكلا ومضمونا .
ومع انني احتفظت ً بمسودات مقالي هذا قرابة40 سنة خاصة وانني في مطلع السبعينات من القرن الماضي قد رأيت اعدادها كاملة في المكتبة الوطنية ببغداد واقتبست منها الشيء الكثير .فقد تابعت كل من كتب عن هذه الجريدة العتيدة .. ولعل ابرز ما رأيت المقال المنشور في الجزء السادس من " الموسوعة الصحفية العربية" 1997 عن مؤسسها داؤود صليوا .
داؤود صليوا من مواليد الموصل في 6 تشرين الثاني سنة 1852 وعند بلوغه العاشرة تخرج في المدرسة الكلدانية البطرياركية الابتدائية ثم درس الاداب العربية والنحو ،والصرف والبلاغة على يد احد علماء الدين المسلمين في الموصل وهو الشيخ يوسف باشعالم .كما درس على يد المطران ميخائيل نعمو والبطريرك عبد يشوع خياط
..عّين بعد تخرجه معلما ثم مديراً للمدرسة الكلدانية البطريركية وكان يتقن اللغتين الفرنسية والإنكليزية فضلاً عن السريانية والعربية. كان شاعرا وقد تفرغ للمديح وذكره "معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين " فقال : بأن قصائده نشرت في جريدته: «صدى بابل» أعوام صدورها، ومنها: «قال يمدح البطريرك» - العدد 24، و«العقد الوضاح في مدح الشيخ مبارك باشا الصباح» - العدد 25، و«قلائد العقيان في مدح السردار الأرفع الشيخ خزعل خان» - العدد 27، و«سناد الفرقدين في امتداح شيخ البحرين» - العدد 32، و«يتيمة الأقراط في مدح سمو السلطان فيصل سلطان مسقاط» - العدد 33، و«رثاء الشيخ عبدالعزيز آل إبراهيم» - العدد 47، و«الركن المرسوخ في تهاني سلالة أكرم الشيوخ الشيخ عبدالله بك الفالح» - العدد 54، و«السفر الميمون في وداع الشيخ عبدالله بك آل سعدون» - العدد 55، و«الورد الأزهر في مدح الكونت جبرائىل أصفر» - العدد 59، و«الدر المكنون في مدح الشيخ سعدون» - العدد 60، و«حسن الافتخار: صاحب العطوفة السيد طالب بك نقيب الأشراف» - العدد 93، و«تهنئة السيد موسى الكيلاني القادري بشهر رمضان» - العدد 97، و«العقد الفريد في تهاني عيد الجلوس السعيد»، و«عيد الميلاد المجيد»، و«عيد الفصح المجيد»، و«حنين المشتاق إلى لقاء وزير العراق»، و«العقد الأنضر في مدح الكونت جبرايل آصف»، وذكر في ترجمته المنشورة بجريدته «صدى بابل» - العدد 89 - 22 من مايو 1911 أن له ديوانًا كبيرًا فيه نسيب ومدائح وتهانٍ ومراثٍ وتاريخ، ولا يعرف مصير هذا الديوان.
جاء في قصيدته التي مدح فيها شيخ البحرين وبعنوان :" سناء الفرقدين في امتداح شيخ البحرين " الشيخ عيسى بن علي ال خليفة 1869-1932
الى البحرين ياصحبي مسيري ****فجدي يانياق بنا وسيري
الى شيخ به الاحسان يسمو ****ويحيا بأسمه العالي الشهير ِ
كما مدح السيد طالب النفيب بقصيدة جعلت والي بغداد جاويد باشا بعد نشوب الحرب العالمية الاولى سنة 1914 يصدر أمرا بنفيه الى الاناضول ومما قاله في قصيدته : :
بلغت ذرى المجد الذي انت راغب
ونلت مقاماً في العلى انت طالب
تولعت في نيل المعالي ومجدها
من المهد طفلا قبل ان طر شارب
فارمق بفضل من معاليك تحفه
اليك صدى التاريخ زف الغرائب
فجاءت يوم العرفى تلثم كفكم
فنالت بعز من رضاك الرغائب
وبقي منفياً في الاناضول سنتين ومعه في المنفى الاب انستاس الكرملي والشاعر عبد الحسين الازري.
سافر الى بغداد سنة 1875 وعمره قرابة 22 سنة وظل يعمل في سلك التعليم قرابة 30 سنة الا انه كان يحب الصحافة ويتوق لان يصدر جريدة خاصة وانه كان يحمل شعورا معاديا للعثمانيين وقد تهيأت له الفرصة بعد اجواء الحرية والانفتاح الذي شهده العراق بعد نجاح حزب الاتحاد والترقي في الوصول الى الحكم وخلع السلطان عبد الحميد الثاني 1876-1909 .. لذلك ترك التعليم وانخرط في العمل الصحفي ، وأصدر جريدته "صدى بابل "في 13 اب 1909 وذلك بالتعاون مع الباحث والكاتب والوزير فيما بعد الاستاذ يوسف رزق الله غنيمة .
وقد عرفت " جريدة صدى بابل" بوقوفها ضد سياسة التتريك واستمرت بالصدور حتى قبيل اندلاع الحرب العالمية الاولى اب1914 .تعرض داؤود صليوه للاعتقال عدة مرات كما نفي الى ولاية قيصرية بسبب مواقفه المناؤئة للعثمانيين وبعد ان قضى في النفي سنتين عاد الى بغداد فمرض واصيب بالذبحة الصدرية وقد فقد بصره في أخريات حياته ،وتوفي في 4 تشرين الثاني 1921.
أما الاستاذ يوسف رزق الله غنيمة (1885-1950 ) الذي اشترك مع المعلم داؤود صليوا في اصدار جريدة "صدى بابل " ، فهو من رجالات العراق الذين أسهموا في بناء الدولة العراقية الحديثة .. وهو من مواليد مدينة بغداد وبعد ان انهى دروسه سنة 1906 اتجه نحو العمل الحر لكنه كان صديقا للمعلم داؤود صليوا فساعده في اصدار جريدته "صدى بابل "سنة 1909 وفي سنة 1919 أسس مع عدد من اصدقائه مكتبة في بغداد بأسم "مكتبة دار السلام " .وقد كتب عنه الاستاذ حميد المطبعي في موسوعته "موسوعة اعلام وعلماء العراق "2011 فقال ان مكتبة دار السلام كانت –بحق –نواة للمكتبة الوطنية حاليا .وقد انتخب عضوا في مجلس ادارة بغداد سنة 1922 وفي سنة 1923 انتدب لتدريس مادة تاريخ مدن العراق في دار المعلمين العالية كما انتخب سنة 1925 نائبا عن بغداد وفي سنة 1928 عين وزيرا للمالية وتكرر استيزاره للمالية اكثر من مرة لكفاءته وخبرته ووطنيته وفي سنة 1941 عين مديرا عاما للاثار القديمة وكان واسع الاطلاع على اثار العراق حتى انه الف كتبا عن العراق منها كتابه : "محاضرات في مدن العراق " 1924 و"تجارة العراق قديما وحديثا " 1922 و"نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق "1924 وله كتاب بعنوان :" رسالة برديصان والبريدصانية " الفه سنة 1920 وكان قاصا وروائيا ومن قصصه "الاوهام " نشرها سنة 1910 في مجلة "خردلة العلوم " ومن رواياته :"رواية غادة بابل " والتي نشرفصولا منها في مجلة "لغة العرب " بين سنتي 1927-1928 .كان يحب الصحافة وله مقالات كثيرة في صحف ومجلات عراقية وعربية واجنبية وهو يتقن لغات عديدة منها الفرنسية والتركية والانكليزية والكلدانية.. وقد اصدر جريدة ببغداد بأسم "السياسة " سنة 1925 كما كان يكتب في مجلة "المشرق " وهو مترجم متميز ومن المجلات العربية التي كتب فيها مجلة "المقتطف " ليعقوب صروف .في سنة 1944 عين وزيرا للتموين وبعدها بسنة اختير ليكون عضوا في مجلس الاعيان وقد مرض وسافر خارج العراق للمعالجة وقد توفي في لندن سنة 1950 ونقل جثماته الى بغداد حيث دفن فيها .كان الاستاذ يوسف رزق الله غنيمة رجلا نظيفا نزيها مخلصا لوطنه وقد نشر ولده (حارث ) كتابا عن رحلات أبيه خارج العراق وكثيرا ما كنت التقيه في محلة السنك حيث كان يعمل محاميا بغداد في السبعينات فيتحدث عن والده بفخر واعتزاز وكنت اشاركه هذا الفخر لما كنت أعرفه عنه من سعي حثيث لخدمة العراق وبناءه بناءا ديموقراطيا قويا .
كان داؤود صليوه مؤمنا بفكرتي التقدم والحرية .. ويعد من رواد الصحافة الحرة في العراق .. وكانت له صداقات واسعة مع رموز النهضة العربية المعاصرة امثال ابراهيم اليازجي ، وجرجي زيدان .وكان اسلوبه في الكتابة متميزا فهو يجمع بين الظرافة والجدية وكثيرا ما انتقد العثمانيين ومن بعدهم المحتلين الانكليز .
ألف عددا من الكتب منها :
• " المحاق في ترجمة شهيد الإصلاح ناظم عقد العراق "وهو ترجمة ذاتية لسيرة ناظم باشا والي بغداد 1913
• العقد الثمين لتحلية جيد المعربين
• نفح العرف في خلاصة الصرف
• النقاوة في علم النحو
• الدر المختار في نظم الاشعار
• رسالة في علم المنطق
• مختارات صدى بابل
• الردود بقلم المعلم داود
• ديوان ابن صليوا
كان داؤود صليوا يرى في الصحافة وسيلة من وسائل التواصل الانساني لذلك قال في افتتاحية العدد الاول من جريدته :"صدى بابل " لايخفى ما للجرائد في الجامعة الانسانية من مكان.. وما يتوقف عليها من اصلاح شؤونها في حالتيها المدنية والسياسية لاسيما في هذا العصر وهي المهيع (الصوت الشديد ) لتعريف الاقوام بعضهم ببعض .. على بعد المسافة . وشط المزار.. وشد عرى الوثاق بين البلاد والامصار .. وهي العامل في تأليف القلوب وتنافرها بين المحب والمحبوب ، وهي المحرك الاول الى الارتقاء في سلم النجاح ، والمنادي حي على الفلاح "
اصدر داؤود صليوا ببغداد العدد الاول من جريدة "صدى بابل " في 13 اب سنة 1909 (27 رجب 1327 هجرية ) .. وجاء في ترويستها انها "جريدة سياسية تجارية أدبية اخبارية خادمة لترقي الوطن " .وقد ظهرت في بعض اعدادها ترويسة اخرى تشير اليها السيدة زاهدة ابراهيم في "كشاف بالجرائد والمجلات العراقية " 1976 تقول بأنها "جريدة يومية سياسية عربية " صاحبها ومديرها المسؤول المعلم داؤود صليوا ويوسف غنيمة " .
في العدد الصادر في 20 تشرين الثاني 1910 نشرت مقالا افتتاحيا بعنوان :" نصح مشفق لوطنه ومسقط رأسه الموصل الحدباء " اغلب الظن ان رئيس التحرير داؤود صليوا هو الذي كتبه، وجاء فيه انه يوجه نداءه الى الشباب الموصلي ، ويدعوه الى احياء العلوم والاداب اللتين تتميز بهما الموصل سابقا وطلب منهم شن حرب ضد الجهل .. ولم ينكر الكاتب وجود نخبة من علماء الدين والادباء في الموصل .. ولكنه تساءل وهو يوجه كلامه الى الجيل الجديد :" اترى هذا كافيا لك في هذا الدور السعيد ..الدور الذي تلألأت فيه انوار الاداب، بفضل الدستور والحرية ،حيث اطلقت ايادي الصحفيين من قيد الاستبداد ...ها قد تسنى لك بفضل الدستور انشاء المطابع ، ونشر الجرائد والمجلات التي هي الرائد الوحيد ، والداعي الفريد لاصلاحك وصلاحك وترقي حالك فلا تغض الطرف عنها أو تحسبها وريقة بالية لافائدة لك فيها ..فهاهي قد كنزت لك من خلال أسطرها كنزا من النبل وذخيرة من الاصلاح ...انظر ما حولك من البلدان التي ثقفها العلم ومدنتها الاداب ..." .ويختم الكاتب مقاله بالتساؤل :" اليست هي الجرائد التي اضحت لهم مشكاة اجتازوا بنورها تلك الظلمات؟ " . ثم وجه كلامه الى ابناء ملته (المسيحيين )ونوه بأعمال صاحب الغبطة مار يوسف عمانوئيل في افتتاح المدارس وتعمير دور العلم لابناء ملته الكلدانية وطلب اليهم مساعدته والوقوف معه ..." .
وبعد ذلك .. وفي عددها التالي الصادر في 27 تشرين الثاني 1910 نشرت خبر احتفال ابناء الطائفة الكلدانية في الموصل بأفتتاح المكتب الاعدادي الكلداني (المدرسة الاعدادية الكلدانية ) بأحتفال مهيب حضره مدير المعارف ، وصاحب الغبطة مار يوسف عمانوئيل بطريارك الكلدان وكان معاون مدير المكتب الاعدادي القس سليمان صائغ ومدير المكتب جبرائيل نعمو .ومن الجدير بالذكر ان كاتب هذا الخبر هو ميخائيل الشماس يوسف حداد .
في العدد الصادر في 12 رمضان 1328 هجرية نشرت جريدة صدى بابل خبرا يقول :" كان في البلاد العثمانية سبعة فيالق الى الان ، فقررت نظارة الحربية (وزارة الدفاع ) جعلها 14 فيلقا بهمة بطل الحرية محمود شوكت باشا .
كانت جريدة صدى بابل تتابع اخبار العشائر العراقية وموقفها من الانتخابات ، ففي عددها الصادر في 3 اذار سنة 1912 قالت وبعنوان :" العشائر والانتخاب " : لقد وقف –وايم الحق – موقف حيرة كل عربي ..وقف على نظر الحكومة السنية في عدم ادخال العشائر في سلك الانتخاب مع العلم انهم خاضعين للدولة ويدافعون عنها وينصرونها وقت الضيق ...ان للعشائر العربية الحق الصريح في انتخاب نواب لهم في مجلس الامة " .
وفي العدد نفسه قالت انه كان لاوامر الاسراع في الانتخابات أثر في غياب كثير من مبعوثي مجلس المبعوثان (النواب ) المنحل لاتهم لم يصلوا الى العراق من الاستانة الا بعد حوالي شهرين من بداية الانتخاب . فعلى سبيل المثال قدم من الاستانة مبعوث الديوانية شوكت باشا ومبعوث المنتفك محسن بك (السعدون ) متأخرين .
وقد نشرت في العدد الصادر في 28 نيسان سنة 1912 نشرت مقالا تقول فيه :"ياقوم ان جمعية الاتحاد والترقي –وحقكم- لاغاية لها ولا مأرب الا حراسة القانون الاساسي (الدستور ) فهي تعمل لسعادة الدولة واللاد وراحة الامة ...فكفوا ياقوم ان ترموها بأسهم الغايات ..." .
وتحت عنوان " فسخ المجلس النيابي " كتبت في عددها الصادر في 9 اب سنة 1912 تقول :" اجتمع بعض الوكلاء من الاعيان وتذاكروا سرا بشأن فسخ مجلس الامة فسخا قانونيا .. فقبل فسخه بأكثرية الاراء أي بثمانية وعشرين صوتا ضد خمسة اصوات ...وقد اثبتت الاخبار الواردة من الاستانة ان سبب سقوط الوزارة كان قيام ضباط الجيش العثماني واجهارهم بسخطهم على جمعية الاتحاد والترقي وطلبهم اسقاط اركانها وحل مجلس المبعوثان (النواب )وتشكيل وزارة غير مجارية للاتحاديين في مأربهم ومقاصدهم .وقد اعلن الضباط انهم مصممون العزم على ابعاد رجال الجيش ...عن مناصب الحكومة والعهد الى مختار باشا لتأليف الوزارة " .
بعنوان :" الانتحال في الانتخاب والمخاتلة فيه " كتبت جريدة "صدى بابل " في عددها الصادر في 11 شباط 1912 تقول :" ان كثيرين من الذين يجهدون في انتخاب المبعوثين والنيابة عن الامة أخذوا يغرون الصحافيين ايضا لعدم كفاءتهم ، وقلة اعتمادهم عليهم وقد خصصوا مبلغا لاقناع يراع الكاتب .. للجري في ميدان ترشيحهم او انتخابهم ،فأقول لاولئك ان كنتم من القوم الكفوئين المقتدرين فلا حاجة الى هذا التكلف ..." .
كانت جريدة صدى بابل تنقل عن الصحف التي تصدر في الاستانة فعلى سبيل المثال نقلت في عددها الصادر في 17 اذار سنة 1912 عن جريدة "السيف " (قليج ) التي نشرت في عدد 18 شباط 1912 قولها انه من الضروري ان يكون المبعوث أي النائب على دراية باللغة التركية لان اللغة التركية والمباحثات في المجلس بهذه اللغة فاذا كان المبعوث قاصرا بها يصبح كحجر ملقاة على كرسي لايفيد ولايستفيد وربما أضر بأشياء كثيرة كما يجب.. وضمير حر ونظيف ..." . ثم تقول :" اننا اذا وزنا برنامج حزب الحرية والائتلاف رأينا فيه لامحالة رجوحا بينا على ماسواه من الاحزاب ...ومن يسعى بأستعمال الجبر والشدة أو غيرها من الوسائط لنيل المطلوب من الانتخاب " .ونقلت جريدة صدى بابل عن جريدة الزهور الاتحادية قولها :" ان حزب الاتحاديين لم تؤيد افعالهم برنامجهم .. وعليه فلم ينل ناصرهم قصب السبق بينما حزب الحرية والائتلاف فمع دلالة برنامجه على حسن نواياه يسلم فعل اتباعه " .
وانتقد جريدة "صدى بابل " ما شاع بأن الوالي في دمشق أرسل تعميما سريا لمأموري الملحقات بالسعي وراء انتخاب مرشحي جمعية الاتحاد والترقي وتساءل محرر الصدى :" لست أدري أجميع الولاة في كل الممالك العثمانية يقدمون على ما اقدم عليه والي دمشق فيفسدون الانتخاب ويغشون الدولة والامة والوطن أو يتركون الشعب بحال وجدانهم وحرية ضمائرهم " .
تابعت جريدة صدى بابل ما كان يحدث في الدولة وخاصة في الولايات العراقية من انتفاضات وحركات مسلحة ضد الدولة ومن ذلك متابعتها "انتفاضة الشيخ عبد السلام البارزاني " وخروجه –كما قالت –على الحكومة في قضاء عقرة .. واشارت الى ان الحكومة ارسلت عليه حملة من الجند من كركوك وراوندوز ووان والموصل ، فلما علم بما تريده به الحكومة من الهلاك لجأ الى حضرة الوالي الذي طلب منه الحضور شخصيا لكنه رفض فأقتربت العساكر من مراكزه واحاطت به وبرجاله واعادت الوسام الذي سبق ان حازه من الدولة بواسطة امير اللواء اسعد باشا قومندان الفيلق السادس وهذا مال ماجاء مما نشره الوالي في جريدة الولاية الرسمية (موصل ) ..." وبشأن استعادة الوسام قالت جريدة الولاية الرسمية :" ان الرتب واوسمة الدولة انما يستحقها من يخدم الوطن والله والدولة بأمانة خدمة جليلة ، ولما كان الشيخ عبد السلام أفندي شيخ بارزان أتى بالتمرد والعصيان والخروج على الدولة مع نهب قرى القضاء عوض ماكان يطلب منه من الاعمال الجليلة دلت افعاله على انه ليس بأهل لهذه الانعامات وعليه فقد أعدنا هذا الوسام الى مراجعه " .وتابعت جريدة صدى بابل الموضوع وقالت ان الشيخ عبد السلام افندي شيخ بارزان ذهب الى ايران لكن ايران طردته .. ولم يلبث ان عاد الى الاراضي العراقية فأنقضت عليه القوة العسكرية العثمانية وسلمته محفوظا الى السجن في الموصل " . وكما هو معروف فقد صدر امر بأعدامه وشنق في ساحة باب الطوب في الموصل .
في عددها الصادر في 4 شباط 1910 اشارت الجريدة الى ما اسمته اشهار اي اعلان الاحكام العرفية في بلاد اليمن مدة ثلاثة أشهر .
كما قالت ان الحكومة العثمانية ابلغت الحكومة البريطانية منع تصدير الحبوب من ولايات الموصل والبصرة وبغداد الى الخارج والى حين صدور أمر آخر .
ونشرت في العدد نفسه ان البريد الاخير تضمن خبرا يقول ان الحكومة البريطانية (الانكليزية كما كانت تسمي الحكومة البريطانية ) تلقت خطاب المسيو بيشون وزير خارجية فرنسا عن خط بغداد الحديدي بوافر الارتياح " ووصفت جريدة التايمز مقالات افتتاحية ذكرت فيها ان فرنسا لم تزل متمسكة كل التمسك بالمبادئ التي صرح بها المسيو دلكاسيه سنة 1902 وان انكلترا توافق على ما اقترحه المسيو بيشون من جعل الخط مشتركا بين الدول ، لكنها تشترط شرطين اولهما : ان لايكون اشتراك الدول في الخط عاما لكن خاصا اي ان يعطى لكل من الدول فرع خاص من فروع الخط ويترك لانكلترا الحق في مراقبة الفرع المار في مابين النهرين (العراق ) .أما الشرط الثاني فهو ان لايلحق هذا الاتفاق ضررا بالمالية العثمانية .وفي هذا اشار الى الضمانة الكيلومترية الممنوحة لالمانيا التي سبقت فأعلنت انها تراها باهظة جدا .وكانت جريدة "نوفو فريميه "الروسية قد كتبت تقول : ان الدولة الروسية لاتود ابدا ان تكون عثرة في سبيل ارتقاء الدولة العثمانية ويدلك على ذلك مسألتان هما زيادة المكوس (الكمرك )وسكة حديد بغداد ،فأن المتمولين الانكليز والالمان والفرنسيين الذين اجتمعوا لانجاز هذا المشروع يطلبون من الحكومة ضمانة لفوائد اموالهم التي يدفعونها وليس لها سبيل لاداء هذه الضمانة الا بزيادة المكوس فلا غرو أن رضيت به تلك الدول .. أما روسيا فليس لها نصيب في تلك السكة ورضاها بالزيادة يعود على صناعتها وتجارتها بالضرر فبات من الواجب ان تأخذ بعض الضمانات .
وعادت الجريدة لتتابع اخبار مد السكك الحديد ، ففي عددها الصادر في 17 ايلول قالت ان احد المستثمرين الاميركان طلب امتيازا لمد خط حديدي يوصل ارضروم بثغور وان وبلاد مابين النهرين العالية (شمالي العراق ) والبحر الاسود مارا بسامسون .وقد عين لهذا المشروع رأسمال عشرين مليون ليره عثمانية دون ان تطلب ضمانة كيلومترية على ان يسمح له بما يستخرج من المعادن على بعد عشرين كيلومترا من كل جهة .فطرحت هذه المسألة في موضوع البحث في مجلس المبعوثين وبعد مناقشات طويلة احيلت الى ناظر النافعة للتداول فيها مع الطالب المذكور " وفي العدد نفسه نشرت خبر عودة نيافة القاصد الرسولي الى بغداد من الموصل (جان درور ) .
واهتمت جريدة صدى بابل بالقضايا الدولية فأشارت في عددها 13 اب 1909 الى مسألة جزيرة تكريت .. وقالت ان هذه هي من أهم المسائل السياسية الحاضرة لدى الدولة العثمانية ولدى الدول الاوربية نفسها . وقد ذكرت بأن مركز جمعية الاتحاد والترقي في سلانيك مذكرة في جميع الصحف عن مسألة كريت وقدمتها الى وزارات الخارجية الفرنسية والبريطانية والروسية والايطالية جاء فيها :" ان العثمانيين لايقبلون ان ينسلخ من جسم مملكتهم الاقليم (كريت ) الذي افتتحوه بدمائهم ...ولايوافق العقل ولا الشرع ولاقوانين حقوق الدول ان تنزع عنا حقوقنا بكون قسم من اهالي كريت لايريدون التبعية العثمانية " .
تحدثت جريدة صدى بابل عن ما اسمته "مطالب المسيحيين بنشر الوية الحرية والدستور في الموصل " وقالت في عددها الصادر في 13 اب سنة 1909 ان غبطة بطرييارك الكلدان مار يوسف عمانوئيل تشرف بالمثول لدى جلالة السلطان محمد خان (محمد السادس ) وكان برفقة البطريارك مبعوث (نائب ) الموصل داؤود افندي يوسفاني وعبد الكريم باشا والدكتور زبوني من اعيان الكلدان وكل من القس داؤود رمو كاتم اسرار غبطته والقس يوسف غنيمة والقس توما ...وقد فاه غبطة بطريارك الكلدان بخطاب عربي بين فيه ان داعي (سبب) مجيئه الى الاستانة هو ان يقوم بواجب التهنئة لجلالة السلطان لارتقائه العرش ويشكره على تأييده للمشروعية ويسترحم جلالته لكي يتعطف بتعميم الامن والعدالة وانبعاث اشعة الحرية من شمس المشروطية (الدستور ) الى جميع الاصقاع سيما البعيدة ومنها الموصل ...وقد أجاب السلطان بأن جميع التبعة العثمانية هم في مركز واحد لدى جلالته بغض النظر عن المذهب والدين والملل والنحل وان جميعهم يستفيدون من المشروطية ...وطلب تبليغ سلامه الشاهاني الى جميع افراد الكلدان " .
وفي العدد نفسه ذكرت بأن غبطة بطريارك السريان السيد رحماني وصل الى الاستانة لتهنئة السلطان بالجلوس .كما نشرت خبرا يقول بأن مبعوث البصرة زهير باشا قد صرح في برلمان فرنسا بأن العثمانيين لن يتنازلوا عن حقوقهم في جزيرة كريت مهما كلفهم ذلك ..
كما قالت في خبر اخر ان شركة سكة حديد بغداد نظمت خريطة مد الخط من اركلي الى حلب يعني نحو 600 كيلومتر وقدمتها الى نظارة النافعة فوافقت النظارة على ذلك .
وفي العدد السابع من الجريدة الصادر في 24 ايلول 1909 (9 رمضان 1327 ) نقلت عن جريدة نينوى (الموصلية ) خبر تمرد عشائر الهماوند وان قوة منهم عادت من ايران الى قراها التي هي في انحاء جمحمال ولما احست الحكومة بهم ارسلت قوة من الجند لللنكيل بهم .كما قالت ان اشعارا برقيا وصل الى حكومة الموصل بأنه قتل منهم ثمانية انفار وقبض على سبعة وقد تلفت خيولهم من شدة الحر والعطش ، وروت جريدة الحقيقة ان الحكومة الايرانية أمرت بأخراج من بقي منهم من ممالكها والقبض على من وقع في يدهم فقام كريم خان حاكم (قره تو ) وتبعه عشائره فتعقبوا هؤلاء الشقاة فأحتدمت بينهم نار الوغى فقتل الشقي كريم اغا ابن اخت محمود اغا خضر طابور اغاسي الموقوف حاليا في الثكنة العسكرية وقبض على ثلاثة انفار مدججين بالسلاح (الماوزر ) و( المارتين ) وسلموا انفسهم للحكومة المحلية .وقد تابعت الجريدة اخبار الهماوند وان سفير "العجم " في الباب العالي أبلغ الباب العالي ان حكومته أجابت طلبه وجردت بعثة على قبائل الهماوند الملتجئة الى أراضيها فنشب القتال بين القوة المذكورة والقبائل في صولوقولاق قرب التخوم الروسية وتكبدت القبائل الهماوندية خسائر جسيمة وأسر كثير من رجالها وقد قتل (مصطفى بابا جاري خان ) من زعماء العجم الذين ساعدوا قبائل الهماوند واعطوهم الحماية (العدد الصادر في 31 كانون الاول 1909 ) .
ونقلت الجريدة اخبار مجلس النواب في الكثير من أعدادها ومنها العدد الصادر في 7 كانون الاول 1909 ومن ذلك ان مجلس النواب ناقش في اجتماعات الدور الاول قانون ترفيع الضباط والامراء الذين يرسلون الى الفيلقين السادس والسابع من الجيش العثماني (الولايات العراقية والشامية ) . كما ناقش قانون قرعة (تجنيد ) غير المسلمين .
وفي العدد الصادر في 20 اب سنة 1909 نشرت خبرا يتعلق بسفر "حضرة صاحب العزة قائمقام الطوبجية (المدفعية ) أمين فيضي بك برفقة الفريق الاول محمد فاضل باشا الداغستاني والي الموصل وقومندان فرقتها عضوا للادارة العرفية التي تشكلت في بازيان من جمجمال بين كركوك بين كركوك والسليمانية لتأديب الهماوند وسائر الاشقياء الذين سلبوا راحة عباد وبلاد تلك النواحي " .
اهتمت الجريدة بأخبار الاحزاب والائتلافات الحزبية لخوض انتخابات المجلس النيابي (مجلس المبعوثان ) ففي عددها الصادر في 10 محرم 1330 (30 كانون الاول 1911 ) نشرت خبرا نقلته عن جريدة "الاجيال " يقول :"ان الاحزاب المخالفة (المعارضة ) في مجلس المبعوثان انضمت الى حزب واحد تحت أسم ( حزب الائتلاف الحر ) وهو الذي أصبح يسمى (حزب الحرية والائتلاف ) فكان اعضاؤه اسماعيل حقي باشا (اماسيه ) وفؤاد باشا (من الاعيان ) وسليمان باشا (فريق متقاعد ) وداؤود افندي يوسفاني (نائب الموصل ) ومصطفى صبري (توقات )وعبد الحميد الزهراوي (حماة ) وصادق بك (ميرالاي متقاعد ) ورفيق بك والي قونية الاسبق وحسن بك (برشتنة ) .اما رئاسة الحزب فقد انتخب لها اسماعيل حقي باشا (من أماسيه ) وعلقت الجريدة تقول ان في انضمام كل الاحزاب المخالفة الى حزب واحد مايبشر بدخول الحياة الجديدة في مجلس الامة وتغيير السياسة التي جرت عليها الدولة ثلاث سنوات متوالية دون ان يؤثر عليها حزب مخالف او يستطيع تحوير شيء منها لانها كانت سائرة بمفعول القوة الضاغطة تحت اسم الدستور والامة نائمة لاتعلم مما يجري سوى سطحيات لايلبث تأثيرها ان يزول من الاذهان " . واضافت :" وفي مناقشات المجلس النيابي الاخيرة مايؤيد شدة تأثير اراءه حتى على الوزارة حتى اصبح رهيب الجانب .وقد قرأنا في صحف العاصمة ان كامل باشا واحمد جودت بك مدير (جريدة اقدام ) وصاحبي جريدتي (علمدار ) زالبرنس (الامير) صباح الدين من مديري حركة الحزب " . وقد عادت في العدد نفسه لتقول انها اي جريدة صدى بابل قرأت في جريدة (طرابلس ) الغراء تحت عنوان :" حزب الحرية والائتلاف " قولها :" أخذ هذا الحزب ينمو في الدولة العثمانية نموا كبيرا فتعهد في الدخول اليه في يومين فقط (70 مبعوثا أي نائبا ) في مجلس المبعوثان العثماني (النواب ) " . و"اننا وقفنا على برنامجه بواسطة مراسلنا في الاستانة بصفة مخصوصة " ، وان النية معقودة لتشكيل فرع في ولاية بغداد .. وان "حسين حسني شيخ الاسلام السابق من جملة مؤسسي حزب الحرية والائتلاف وانجريدة (علمدار ) نشرت برقية من احمد جودت بك يقول فيها انه " استقال من جمعية الاتحاد والترقي لانه وجد فيها انحرافا عن اليمين الذي أقسم عليه " . كما قالت :"وقد نما الحزب نموا باهرا في الاسبوع هذا (من كانون الاول 1911 ) حتى انه تألفت له ثمانية فروع في العاصمة فقط واسست له شعب في بروسه وغيرها " .
وفي العدد 119 الصادر في 28 كانون الثاني 1912 قالت جريدة "صدى بابل " بالنص :" لم يبق من الاتحاديين الا ماندر حتى ان شكري الفضلي الذي رشحته جريدة "بين النهرين " منذ شهر ونيف للمبعوثين عندما سمع بتشكيل حزب الحرية والائتلاف استقال من الاتحاد والترقي " .ولخصت جريدة صدى بابل ما نشرته صحيقة عربية ققالت :" يبذل هذا الحزب جهده لتأسيس شعب وفروع له في كل انحاء الدوة العثمانية حتى في سالونيك المركز العام لجمعية الاتحاد والتقي " وقالت :" والجدير بالذكر ان كل النواب غير المسلمين دخلوا حزب الحرية والائتلاف لانه جعل في خطته المحافظة على حقوق العناصر غير المسلمة " .وقد وردت برقية الى مؤسسي الحزب في بغداد من الرئيس الثاني صادق بك تشعر بأعطاء المعلومات بخصوص الاذن والترخيص بتشكيل شعبة لحزب الحرية والائتلاف (حريه وائتلاف فرقه سي ) .
حقا كان داؤود صليوا صحفيا متميزا .. وكانت جريدته جريدة متميزة من حيث الشكل والمضمون . ومما يلفت النظر انها كانت تهتم باللغة العربية في تلك الايام الحالكة وكانت تعابير مقالاتها عربية فصيحة قدر الامكان .. وهذا مما يجعلنا نفخر بها جريدة تؤمن بالحرية والتقدم والتنوير.. ويقينا ان تأثيرها في تيفظ الافكار ، وتوسيع قاعدة المثقفين العراقيين - انذاك - كان كبيرا .
•
..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق