الأحد، 25 مايو 2014

"برج التكرير" عنوان كتاب المهندس سعد الله الفتحي بقلم : الاستاذ محمد عارف*

"برج التكرير" عنوان كتاب المهندس سعد الله الفتحي
بقلم : الاستاذ محمد عارف*
«برج التكرير» عنوان كتاب المهندس سعد الله الفتحي، الذي شغل مناصب قيادية في صناعة النفط، بينها المدير العام لـ«مصفى الدورة» ورئيس «المؤسسة العامة لتصفية النفط وصناعة الغاز»، ورئيس «هيئة دراسات الطاقة» في «أوبك». وما يُقال عن اعتماد حاضر العراق ومستقبله على موارد النفط يمثل نصف الحقيقة، بل أقل إذا تأملنا أوضاع النفط في العراق منذ الاحتلال. فموارد النفط، كالجزء الظاهري من عوامة الجليد الغاطسة تحت الماء، يأخذنا إلى عمقها كتاب الفتحي «برج التكرير» الصادر هذا الأسبوع. و«التكرير» يعني «التصفية»، وفي «برج التكرير» يتصّفى كل ما في العراق، الاقتصاد والسياسة والعلوم والتكنولوجيا والتعليم، و«يتصفي» الناس أنفسهم... أفراد وجماعات، علاقات إقليمية ودولية.

وكتاب «برج التكرير» وكل إبداع عراقي خلال سنوات الاحتلال وما بعدها ، هو انتقام جميل من كليهما. فهو يرينا كيف ولدت مصافي «الدورة» و«البصرة» و«بيجي» و«الشمال» و«القيارة» و«كركوك» و«صلاح الدين» 1 و2، وعشرات المصافي كالفسفيساء في مناشئها وتكنولوجياتها وأنظمتها الصناعية والإدارية والأكاديمية والهندسية والعلمية. و«برج التكرير» برج العراق الذي سيعيد إنشاء واستثمار نفسه عبر الأنظمة والعهود، وهو دليل عمل تتوارثه وتطوره أجيال متعاقبة من مهندسي وفنيي وأكاديميي بلاد ما بين النهرين. وكما تقام جداريات تحمل أسماء شهداء الحرب في أماكن عدة من العالم، سيقيم فنانو العراق جداريات تحمل أسماء بناة «برج التكرير»، الشهداء منهم والأحياء، أسماؤهم وألقابهم وعوائلهم المختلفة كالفسيفساء.

والفتحي الذي يعتز بانتمائه إلى جيل الستينيات، أبدع في أعوام السبعينيات الذهبية في نقل وتوطين تقنيات صناعات النفط، وكان على جيله من المهندسين والتقنيين أن يبدعوا سبل إنقاذها من الدمار، وإعادة بنائها في أعوام الثمانينيات والتسعينيات الدموية. وعمليات نقل وتوطين وتطوير تكنولوجيات النفط في العراق مزيج من قصص المغامرات، والمؤامرات، والجاسوسية، والحروب، والقتل، ودراما المفاوضات الشاقة مع ممثلي كبريات الشركات العالمية، مثل «نالكو» و«تكساكو» و«كيلوك» و«لويدز» و«تكنوإكسبورت» و«ميتسوبيشي» و«اوهده» و«بكتل» و«موبيل» و«بولسرفيس». وتخفف من مشاقها نكات «مصلاوية» روى إحداها الفتحي في لقاء مع رئيس «الشركة العربية للاستثمارات البترولية»، ومقرها في الخُبر بالسعودية، وتحكي عن صبي ذهب إلى السوق وفي ذهنه وصية أبيه بأن يعرض نصف السعر الذي يطلبه البائع للحصول على أفضل سعر. وعندما قال البائع البضاعة بمئة فلس، قال الصبي «لا خمسين»، وإذ وافق البائع على الخمسين، قال الصبي «لا خمسة وعشرين» وهكذا! وفي اليوم التالي أصرّ الفتحي في المفاوضات على نسب الفوائد المالية، فقال رئيس الشركة: «البارحة قلت إنها نكتة من الموصل، لكنك في الواقع كنت تقول لي ما ستكون عليه طريقتك في التفاوض»!..
الكتاب يروي تفاصيل السجالات والصراعات بين رجال النفط في العراق، من مستوى ورشات العمل ونقابات العمال، وحتى مكاتب المهندسين والمديرين العامين والوزراء. وإذا كان هناك من دور حاسم للفرد فهو دور المهندسين والفنيين والعمال الأفذاذ. ويزخر الكتاب بأسماء وقصص العشرات منهم، وبينهم من استشهد خلال عمليات بطولية لإنقاذ منشآت تعرضت للقصف ساهمت فيها حتى «موظفات شددن رؤوسهن، كما يفعلن في تنظيف بيوتهن»، ...، لا يُنسى فكتور سمرجي الذي يأسف الفتحي لعدم إقامة تمثال له في الدورة، أو على الأقل تسمية شارع باسمه. وكان سمرجي مدمناً على تدخين سجائر روثمان، وعندما سأله الفتحي كيف يدخن روثمان الاستعمارية، سحب نفساً طويلا من سيجارته، وقال: «أريد أن أرى الاستعمار دائماً يشتعل أمامي»!

والفتحي الذي درس الهندسة الميكانيكية في جامعة مانشستر في بريطانيا، من جيل المهندسين الذين لعبوا دوراً مذهلا ورائعاً في إعمار وطنهم. ذكر ذلك رائد صناعة النفط المهندس والمؤرخ مشعل حمودات، الذي استعرض في مقدمة الكتاب إبداعات الفتحي التقنية، «كطريقة التخلص من الترسبات المتراكمة في خزانات النفط الخام في مصفى الدورة، وإزالة القشرة من حزم المبادلات الحرارية والمراجل البخارية باستعمال الكيمياويات الحديثة بدلا من إزالة القشرة بالأساليب القديمة، ومساهماته المهمة في فعاليات قسم السلامة والإطفاء والفحص الهندسي والتفتيش بهدف تقليص فترات توقف وحدات الإنتاج في المصافي لأغراض الصيانة السنوية».

والحياة تزدهر بعد السبعين بالنسبة للفتحي الذي كتب «برج التكرير» في مستهل عمر السبعين، فيما يواصل تغطية أحدث التطورات التقنية والاقتصادية في شؤون النفط العربية والدولية. «اللعبة الكبرى حول الغاز الروسي»، عنوان آخر مقالاته التي تنشرها بالإنجليزية صحيفة «غولف نيوز» الإماراتية، وفيها يعرض وقائع أخطر وأعقد لعبة شطرنج جيوسياسية دولية تجري حالياً في العالم. وأعقد ما في اللعبة أنها لا تجري بين طرفين متقابلين، بل أطراف عدة متدافعة، لا تعرف حصانها من فيلها، ولا وزيرها من قلعتها، ولا رقعة الشطرنج المتحركة، التي تتدحرج عليها. أول فقرة في المقالة: «المعركة الباردة بين روسيا والغرب حول أوكرانيا ما تزال جارية، وبدأت تؤثر بشكل ما على أسواق النفط التي ارتفعت أخيراً أو انخفضت دولاراً واحداً للبرميل تبعاً في الغالب للتوتر أو تخفيفه».

*مستشار في العلوم والتكنولوجيا

http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=79232
تاريخ النشر: الخميس 22 مايو 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابراهيم العلاف في بيروت قبل 13 سنة

                                                    ابراهيم العلاف في بيروت كانون الاول 2011 في بيروت قبل 13 سنة ابراهيم العلاف امام شجرة ...