الأربعاء، 28 مايو 2014

بين الدكتور زكي نجيب محمود والاستاذ مهدي شاكر العبيدي

وثيقة من الدكتور زكي نجيب محمود

مهدي شاكر العبيدي
غداة صدور كتابي (حوار في مسائل أدبية) عام 1971م. بعثتُ بنسخة منه إلى الدكتور زكي نجيب محمود،وكان أستاذنا مدرسا ًللفلسفة بجامعة الكويت،منتدبا ًمن جامعة القاهرة فبعث إليَّ بالرِّسالة الوثيقة،وبعد سنوات عرضتها على الأستاذ عبد الحميد الرشودي،فأشار عليَّ بتصويرها والإحتفاظ بها لأنـَّها وثيقة،والآن بعد أنْ رحل زكي نجيب محمود إلى عالم البقاء الحقيقي،لم أجدْ بدا ًمن نشرها لتكون ملحقاً بكتابٍ أنوي طباعته ونشره قريباً ،لأنـِّي صُدِمت بخبر نعيه ولم أجدْ شيئا ًلدي أقوله عنه،فقد نعاه في الصحافة العراقية المرحوم عبد القادر البراك واصفا ًنعيه بأنـَّه فاجعة ألمت بالعالمين العربي والإسلامي،وكفى ! .
الكويت في 30يناير 73
    عزيزي الفاضل الأستاذ مهدي شاكر العبيدي
تحية اليك هي أخلص ما تكون التحية . جاءني كتابك ” حوار في مسائل أدبية ” وقرأت في هذين اليومين معظمه،بادئا ًبما تفضلت فكتبته عني؛ولست أدري ماذا اقول وكيف ؟ فلو قلتُ  – صادقا ً-  إنـَّك وفقت في التحليل والعرض في كل الفصول التي قرأتها حتى الآن،لقيل إننا صديقان يتبادلان الثناء ! وأما ما تفضلتَ فكتبته عني ففيه أكثر مما أستحق ؛ …. على كلِّ حال، يهمني هنا أنْ أقرر لك بأني موافق على النقد الذي ورد في آخر الفصل،من أنَّ كتاباتي قد انطوت على بعض المتناقضات؛هذا صحيح،وخصوصا ًفيما يختص بموضوع  ” القيم أهي من الواقع أو مما وراءه ؟ لكنني أقر كذلك أنَّ الكتابة التي تأتي أقرب إلى المحاولات لابدَّ أنْ تأتي متأثرة بظروف اللحظة،وإنـَّه ليصعب عليّ أن أتصور كاتبا ًيطـَّرد في وجهة نظره أكثر من أربعين عاما ً،اللهم إلا إذا كان الموضوع نظرية علمية تثبت على صورتها،أما ومواقفنا إنسانية كلها،وقفناها في مجتمع تتغير صورته كلَّ يوم،وتتغير معها حالاتنا وردود أفعالنا كلَّ ساعة،فأحسب أنَّ الأمر عندئذ يستحق شيئا ًمن القبول .
  أشكرك ياأخي أجزل الشكر . أوكد لك – بهذه المناسبة – أنَّ من كتبوا عن ” رجعيتي “  بسبب ” الشَّرق الفنان ” أو غيره،إنـَّما كتبوا على أساس الإشاعات لا على أساس القراءات ! ثقْ من ذلك،وأبسط دليل أسوقه هنا هو أنـَّني كنت جعلت – في ” الشَّرق الفنان” – الغرب والشرق الأقصى طرفي التناقض،وأنَّ الشرق الأوسط  فقد جمع النظريتين العلمية والدينية معا ً،فما رأى أحدٌ من الناقدين هذه التفرقة قالوا إنـَّه يوازن بين شرق وغرب على إطلاق،علما ًبأنني حددت الرأي بما قد خلفه الماضي من تراث في كلِّ حالة، دون الزَّعم بأنَّ ما كان لا بدَّ أنْ يظل كائنا ً،لكن مَن يرى ومَن يسمع ؟ وهكذا حياتنا الثقافية وتخبُّط سيرها .. أكرر شكري الخالص – زكي نجيب محمود.
وبدورنا نعرضها ونبرزها لحضرة صديقنا القديم والمثابر المنقطع للإنتاج الأدبي وإدراك شأو الموسوعية والإبداع وتنوع الاهتمامات الأدبية ما وسعه وجهد المستطاع ، ألا وهو الباحث حميد المطبعي المبخوس شأنه لدن اعتماد مقاييس ومعايير شتى لتقدير حجوم الأدباء ذات يوم ، وتصنيفهم وفقها في مرتبات ليثابوا بمقادير من المال على سبيل عونهم في تخطي صعوبات الحياة وما شابها زمن الحصار المقيت من احتياجهم إلى الأدنين ، وافتقار أيديهم إلى امتلاك الوفرة لمواجهة ما يستجد كل آن ٍ من ضوائق العيش الكريم ، فكان أن تشكلت لجنة من أفراد توسمت فيهم الجهة المانحة وهي وزارة الإعلام التجردَ من الشنآن والتغرض ليأخذ كلٌ حقه بعد النظر لمستوياتهم وحجومهم الثقافية ، وكذا توزعوا في خانات هي ( أ ) وتشمل مَن عُدوا مجلين في اتساع معارفهم وإحاطتهمبعلوم الأوائل والأواخر ، وما كادوا يفرغون من تحليل الجوهر الفرد ، وإنك لتعجب إزاء هذا لمَبقي مجتمعهم مرتكساً بذله وهوانه ، وفيه هذا الرهط من مدعي التثوير والتنوير؟  ، فتقرر منح أيٍ ٍ منهم ألفاً وخمسمئة دينار ، و (ب) ويندرج فيها سائر الكتاب الذين أوقفوا أقلامهم على تصوير وقائع الحرب الطاحنة والدائرة شرق البلاد قبل مدة ٍ ومعهم بعض الأُناس المسالمين لم يكتبوا عن الحرب ولم تقدِر اللجنة أن تجحف بهم وتغبنهم ، ويستوفي الواحد من أولاء جميعاً سبعمائة وخمسين ديناراً ، و ( ج ) وينسلك فيها جميع محترفي الكتابة ممن انصرفوا لتناول قضايا أدبية ومسائل تراثية ، فإن عنّ لهم أن يتكشفوا عن عدم رضاهم بالواقع فليعنوا بالموضوعات الاجتماعية العامة ولو مع أخلائهم وأودائهم ، وعائديتهم من ثروة بلادهم النفطية خمسمئة دينار للواحد منهم ، وعليهم أن يقبلوا بهذا المقدار لأن ما يقبضونه هو من مدخراتها التي تنفق منها بعد النزول على إمرة بعض الدول بالتوقف عن استخراج النفط وتصديره، وكان ذلك قبل أن تتعسر الحال وتستفحل الأزمة وتستعصي مشكلات البلد على الحل ، فارتؤي تدوير شؤونه بعملةٍ غير مدعومة برصيدٍ من الذهب على نحو ما شرع الخبراء بالإقتصاد . و (د) وتضم هواة الأدب والمبتدئين أو جاوزوا البدوة ومعهم بعض الصحفيين ، إرتات اللجنة أن يجازى الواحد منهم ب 250 ديناراً ، والغريب أن ينضاف إليهم ويحسب عليهم ومنهم بعض الأكاديميين ممن يقطنون خارج العاصمة ، حيث تعين اشتغالهم تدرسيين في الجامعات هناك ، وأيٌ منهم لا يعدم توليه عن كتابٍ مفيد ونافعٍ بل مهم ، فيا للغبن ويا للإجحاف.
            ولا بد من أن يعي القارئ طبيعة الحالة المعيشية وقيمة الأسعار التي بدأت ترتفع تدريجياً حتى صرنا نتعامل بالألفات في ختام القرن ، فاحوج ذلك إلى معاودة النظر لضآلة المدخولات هذه والمباشرة بتصنيف جديد ! بعد سنوات ،دون أن نغضي عن الإساءة التي لحقت بأدباء منزوين ومعرضين عن الظهور في المنتديات والمحافل وعن حوط ذواتهم بزمر من الشباب حديثي العهد بالمعاناة الأدبية بغية استحثاثهم وتشجيعهم على كتابة القصة القصيرة ، فقد ترقى منازلهم إلى مستويات من أُدرجوا في الخانة الأولى على وفق تشخيص من نيط بذمتهم ذلك ، فالدكتور الراحل رزوق فرج رزوق أرى من الإجحاف بحقه أنّ يصنفَ بدرجة متدنية ، وكان نصيب المطبعي أن يسلك ضمن الخانة ( ب ) هو والموسوعي الآخر زهير أحمد القيسي فتأمل .
            فلا يسألنَّ حميد المطبعي بعد الآن أي أحد عن محاولاته وتجاربه الفاشلة والناجحة إن عنّ له زيادة موسوعته عن الأعلام في العراق ومضاعفتها حجماً ، ويمكن ذلك بمساءلة من فاتته الترجمة له ، أو تناول مجهودات من ظهروا في الساحة الأدبية مؤخراً ، شريطة أن لا يغرى بمن طغت شهرتهم على علمهم ، وينخدع بمن ذاع صيتهم قبل نتاجهم الأدبي ، وأن يجتنب الاستفسار عمن يكتب عنهم ويتقصى أحوالهم ويصدف عن سؤاله التقليدي هل كتب عنك فلان أو علان ، فقد يكون سائر الأقطاب المسلوكين في الخانة ( أ ) ( عدا الشاعر الجواهري المقيم في الخارج أيامئذٍ ، ويقبض أعطياته بدلاً منه نجله فرات ،وكان ذلك لغرض استمالته وحمله على التطامن خاصة إثر استهجانه شعراً يذاع أنه منسوب إليه فأنكره معترضاً على مضمونه ، وسمح للصحافة وقتها بنشر دراسات بخصوص شعره الحقيقي برهة من الوقت امتنعت عنه بعدها بعد أن استيقن المسؤولون أنهم بمواجهة صل ليس من السهل رياضة جماحه )  قلت لا يدانون زكي نجيب محمود في تبسطه وتواضعه فضلاً عن اكتماله في انظاره الفلسفية وأحكامه الأدبية وشهرته المطبقة في الدوائر العلمية والفلسفية في مختلف جهات العالم المتحضر ، وهو مع ذلك مدين لندوة العقاد الأسبوعية كونه من حُضّارها ومن المسهمين في ما تزخر به من مناقشات واختلافات في الفكر والنظر ، بل أنه يقر بتتلمذه للعقاد ، ويعترف مخاصمه محمود أمين العالم بأنه خير من يكتب المقالة الفنية في أدبنا العربي الحديث حسبما استوفى شروطها وخصائصها مبتدعوها الأوائل من كتاب الغرب في عصر النهضة أمثال أمرسون وغيره.
            فالأدب لا يعني الثرثرة والمنافقة وقلة التهذيب والتمشيخ وإزدراء الناس والجري وراء المراسلين وحاملي كاميرات التلفيزيون للتمنن على المجتمع المفدوح اليوم بألوان البليات والأنكاد ، وحمداً أن لا يزال رعيل جم من بنيه يقرأ وليس في وسعه البتة فصمَ صلته بالكتاب ، بالرغم من احتياجه إلى الدعة والصفو وانتفاء المنغصات والمكدرات من حياته وحياة شعبه وبلده .
            كما لا يصح أن يكون لسان حال من نشوم فيه هذه الصفات : كسروا أقلامكم ودعوني وحدي أكتب !!
       وبئست هذه الأنوية المقيتة التي ترتد بذويها مخيبين في ما ابتغوه وطمحوا إليه
*http://www.alefyaa.com/?p=14001

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...