الاثنين، 26 سبتمبر 2022

إمارة حدياب ومركزها اربيل







 إمارة حدياب ومركزها اربيل

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
ومن اسماء مدينة الموصل (الحدباء) ، وهناك من يقول ان الاسم يعود الى منارة الجامع النوري الكبير ( الحدباء) والمغدورة اليوم كما تعلمون .وهناك من يقول ان الاسم يعود لإحديداب نهر دجلة عند دخوله المدينة ، وهناك من يقول انه بسبب (الحدبة) التي تظهر في خارطة المدينة كالحدبة في ظهر من هو أحدب ، ويقصدون نشز قليعات العالي وهو اصل المدينة بالنسبة الى ما جاور قليعات من منخفض ، واهل الموصل يسمونه (النكرة) والنكرة بالاصل كلمة (موسيلا) الاشورية التي تعني المنخفض او المكان الواطيء .
اقول ان اسم ( الحدباء) جاء من امارة او مملكة كانت تضم الموصل تدعى (حدياب) .وقد ورد الاسم في الكتاب المقدس (هدياب) أو (حداييب وتسمّى أيضًا أديبان وفي التلمود (هَدِيب) و(حَدِيف) .
وكما يقول الدكتور سامي الامام استاذ اللغة العبرية والديانة اليهودية بكلية اللغات والترجمة - جامعة الازهر في مقال له بعنوان ( حدياب الاشورية والمملكة اليهودية ) وقد نشره في مدونته والرابط هو :
http://samyalemam.blogspot.com/2018/03/blog-post_86.html
ان امارة (حدياب) كانت إمارة قديمة أو مملكة قديمة ضمن حدود الامبراطورية الاشورية ، وعاصمتها نينوى قبالة مدينة الموصل الحالية وكانت تضم اراضٍ في العراق, وسوريا, وأسيا الصغرى(الاناضول ) وكانت فيها جالية يهودية كان لها دورها في ان يتهود بعض ملوك هذه المملكة في القرن الأول الميلادي. فالملكة (هيلانه) وابنها ( مونبوز) أسهما في دعم الهيكل الثاني وأقاما قصورًا في أورشليم في شمال منطقة ما يسمى (مدينة داود).
والملكة ( هليني ) أو ( هيلانه) هذه – كما جاء في كتابات يوسف بن متتياهو المؤرخ اليهودي المعروف من القرن الأول الميلادي – لم تكن يهودية الأصل بل تهوّدت وهاجرت إلى أورشليم وماتت هناك ومن بين ما ذكره المؤرخ يوسف بن متتياهو, المدد العسكري الذي أرسِل من ( حدياب) إلى أورشليم في أثناء تمرد أو ما يقال إنه كانت ثورة لدعم اليهود.
حُفرت مقابر ملوك حدياب الفخمة في منطقة صخرية بالأرض بعمق بلغ ثمانية أمتار, وكانت فتحت تلك المقابر في سنة 1863م, على يد عالم الآثار الفرنسي "فليسيان دي سوسي", في نواحي حي الشيخ الجراح بشرق القدس.
ربما ارتفع عدد المتهودين بعدما تهود أبناء طبقة المملكة في حدياب, غير إنه في القرن الثاني الميلادي فضلوا الدخول في النصرانية.
وجاء في المصادر التي تتناول الأدب السرياني أن الأدب المسيحي السرياني قام على ضفتي نهر دجلة في منطقة حَذيب أو حدياب (Adiabene) التي كانت تقع بين نهري الزاب الكبير والصغير شرقي دجلة, وفي منطقة الرُها التي كانت تقع بين النهرين, وهو الإقليم الذي كان يحيط بنُهير دِيْصَان أحد فروع نهر البلخ.
ويهمنا هنا القول في هذا الصدد أن مقر الكنيسة السريانية لم يبدأ في الرها ، وإنما بدأ في حدياب ، وفيها وضعت أقدم التراجم السريانية للعهدين القديم والجديد.وكانت ثمة صلة بين فلسطين ومملكة حدياب.
ومما يذكره المؤرخ اليهودي يوسيفوس أن "مونوباز الثاني" و"كينداي" ملكي حذيب قد اشتركا مع اليهود في محاربة الرومان, وأن الملك "مبرساف" وهو آخر ملوكهم تقريبًا كان من ألدّ أعداء الإمبراطور "تراجان" أثناء حروب الأخير في الشرق, لكن "مبرساف" هزم سنة 116م وأصبحت حدياب جزءًا من الإقليم الآشوري التابع للإمبراطورية الرومانية.
وكانت "أربل" (أربيل اليوم), هى عاصمة إقليم حدياب الذي كثر فيه اعتناق الناس للمسيحية وكان ثمة رجل يدعى ( آدي) مرسلا إلى هناك ليبشر بالمسيحية ومن بين الذين عمّدهم شخص يدعى ( فقيذا) أصبح فيما بعد أول أسقف هناك, وكان أكثر الأساقفة هناك في ( أربل) من اليهود المتنصرين أو من مسيحيين من أصل يهودي فقد كانت أسماؤهم مستمدة من ( العهد القديم) مثل شمشون ، وإسحاق ، وإبرام ، ونوح ، وهابيل.
اعود الى ما كتبه المرحوم الدكتور سالم احمد محل استاذ التاريخ الساساني في كلية الاداب - جامعة الموصل عن إمارة حدياب في الجزء الاول من ( موسوعة الموصل الحضارية ) ، وصدرت بخمسة مجلدات سنة 1992 اشرفت انا على تحرير الجزئين الرابع والخامس فأقول ان (حدياب) امتدت وشمل نفوذها الموصل وسنجار ونصيبين في العهد البارثي والساساني وكان سكانها من الاراميين وهم من الاقوام العربية التي جاءت من الجزيرة العربية واستقرت في العراق وقد امتد نفوذ امارة حدياب على جزء من ارمينيا فضلا عن المناطق الواقعة بين الزابين الاعلى والاسفل كما امتد نفوذها ليشمل الموصل وسنجار ونصيبين وكانت (مدبنة اربيل ) الحالية قاعدة هذه الامارة او المملكة ويشير المؤرخ الموصلي الكبير المطران سليمان صائغ في كتابه (تاريخ الموصل) ويقع في ثلاثة اجزاء الى ان ملك حدياب وقف الى جانب اردشير الذي اسس الدولة الساسانية وهكذا اصبحت حدياب من مقاطعات الدولة الساسانية والمقاطعة كانت تسمى ( ستان ) ومن يديرها يسمى (إستاندار) .وقد ولي اردشير الثاني ميرا على مقاطعة حدياب وكان هذا قد ارتقى العرش الساساني فيما بعد ( 379-383 ميلادية ) .
وكان لامارة حدياب اهمية كبيرة بفضل موقعها الجغرافي والاستراتيجي على طريق قوافل التجارة وكانت تسمى ايضا بإسمها القديم ( أربليتس ) ويقال لها ( أديابين وهو اسم ورد في الكتب المقدسة وحديب وحدياب عند اهل الشام وهي المنطقة نقسها التي سماها الجغرافيون العرب ( أرض اربل) .
كانت اربل او اربيل مقر الولاة الذين كان يعينهم الملك الساساني وكانوا يتمتعون بنوع من الاستقلال الاداري ومن المناسب القول ان ولاء اهل حدياب للساسانيين كان ضعيفا وكانوا يعدون الملوك الساسانيين غرباء عنهم ولايندفعون كثيرا للقتال معهم وهذا ما ساعد على انتشار النصرانية بينهم اي بين سكان حدياب انتشارا كبيرا وواسعا ويقف عند هذه النقطة ارثر كريستنسن في كتابه (ايران في عهد الساسانيين) تعريب الدكتور يحيى الخشاب ومما يجب علي الاشارة اليه في هذا المجال واعتمادا على ما ذكره الاستاذ مراد كامل في كتابه ( تاريخ الادب السرياني منذ نشأته حتى الفتح الاسلامي ) والمطبوع في القاهرة سنة 1949 ان (امارة حدياب ) كانت من اولى المناطق العراقية التي دخلتها النصرانية منذ القرن الثاني الميلادي . وثمة امر آخر علي ذكره وهو ان العراقيين ومنهم اهل حدياب لم يستسيغوا الديانة الزرداشتية آنذاك واقبلوا على الديانة النصرانية لهذا اضطهدهم حكام الساسانيين وشنوا حملات ضدهم وكانت امارة حدياب ممن اكتوى بنارهم خاصة في عهد حاكمهم قردغ وكان قد تولى الحكم سنة 359 ميلادية وقد امتد نفوذ امارة حدياب انذاك من نهر ديالى الى نصيبين وثمة من يذكر ان الحاكم قردغ او قرداغ امر بهدم بيوت النيران المجوسية في حدياب وبنى مكانها كنائس لذلك اصدر الملك سابور امرا باعتقاله واعدامه قتلا بالحجارة بعد محاصرته في حصنه .
ويتواصل الدكتور سالم احمد محل في الفصل الذي كتبه في موسوعة الموصل الحضارية مع هذه الاحداث ويقول ان هناك العديد من الحملات شنت ضد النصاري في عهود اردشير الثاني 379-383 ميلادية وسابور الثالث 383-384 ميلادية وبهرام الرابع 384-399 ميلادية وفي بداية عهد يزدجرد الاول 399-430 ميلادية نعم النصارى بنوع من الامن والسلام وسمح لهم ببناء الكنائس التي دمرت خلال العهود السابقة اي عهود ما سمي بالتاريخ المسيحي ( الاضطهاد الاربعيني 339-379 ميلادية ) .وقد عقد مؤتمر للمصالحة في المدائن -طيسفون سنة 410 ميلادية حضره اسقف اربيل واسقف سنجار واسقف آمد لكن المشكلة لم تنته بحل واستمر الاضطهاد ونشبت الحرب بين الساسانيين والبيزنطيين واكتوت امارة حدياب بنار الحرب وفي اواخر القرن الخامس الميلادي كانت المنطقة في اقليم الجزيرة الفراتية وقاعدتها الموصل تخضع لنفوذ الحاكم الساساني في حدياب وكان الساسانيون يشجعون القبائل العربية على شن الهجمات على البيزنطيين في الشام ومهما يكن من امر فان النصارى في حدياب تمسكوا بعقيدتهم وبقيت كنيسة اربيل مخلصة للارثودكسية حتى نهاية القرن الخامس الميلادي حيث اخذت تتجه نحو النسطورية منذ منتصف القرن السادس الميلادي وهذا طبيعي عُد من قبل المؤرخين تحديا ثقافيا للاحتلال الاجنبي ولكن مع هذا ظلت حدياب والموصل واربيل ساحة للصراع بين الساسانيين والبيزنطيين وكانت لهذا الصراع آثار مدمرة على المنطقة من حيث انها كانت ميدانا للصراع ، واستمر الامر هكذا حتى بدء حروب النحرير والفتوحات العربية والاسلامية التي ابعدت هذه المنطقة عن الصراع ووضعت حدا له .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...