باب الشط - باب شط المكاوي أحد ابواب مدينة الموصل في محلة الشهوان
باب الشط في مدينة الموصل
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
مدينة الموصل من المدن العربية القديمة ويرتبط تاريخها بتاريخ نينوى عاصمة الإمبراطورية الأشورية. وكان للموصل حصن وقلعة فوق التل المعروف اليوم بـ (تل قليعات) وللقلعة سور يحف بها .. وقد تعرض السور لكثير من التغييرات عبر عصور التاريخ المختلفة، وقد هدم المغول بعد احتلالهم الموصل سنة 660هـ/1261م جانبا من سور الموصل وأبراجه مع ما هدموه من المدينة، وقد ذكر المؤرخ الدمشقي أبو الفدا في (تقويم البلدان) أن سور الموصل كان اكبر من سور دمشق. كما أن ابن بطوطة الرحالة الأندلسي قال بان سور الموصل من أسوار الدنيا العظيمة، وانه لم ير مثله. وعندما حاصر نادر شاه الموصل سنة 1743 كان لسور الموصل الذي جدده واليها الحاج حسين باشا ألجليلي دور مهم في مواجهة الحصار ويقال أن ألجليلي جمع أهل الموصل وخطب فيهم وحثهم على تجديد السور وإحكام بنائه وكان يشاركهم هو وأبناء أسرته في عمليتي حفر الخندق وتقوية استحكامات السور. لكن السور سرعان ما أهمل وامتلأ الخندق بالأتربة، حتى أن الرحالة البريطاني جيمس بكنغهام زار الموصل سنة 1816 وقال أن السور كان متهدما وان الخندق يفتقد الى المياه ، ومع ذلك فقد يصلح لان يكون حاجزا لصد الأعداء الذين يحاولون الظهور أمامه .. وفي سنة 1821 أمر احمد باشا ألجليلي والي الموصل بترميم السور وإصلاحه وتجديد قلاعه وأبوابه وكان للسور آنذاك أبواب عديدة منها باب سنجار وباب البيض وباب الجسر وباب العراق وباب الشط وباب السراي وباب الطوب والباب الجديد وباب لكش. ويقول الأستاذ المؤرخ سعيد الديوه جي رحمه الله في كتابه (بحث في تراث الموصل) أن (السور الذي ادر كناه ، والذي عمر في فترات متباينة لم يكن كله على أساس السور الاتابكي أي السور الذي كان أيام حكم عماد الدين زنكي ونور الدين زنكي صاحب الجامع ألنوري الكبير في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، وإنما آثار السور الذي كان في زمن العقيليين الذين حكموا الموصل في أواخر القرن الخامس الهجري (القرن الحادي عشر الميلادي) والذي كان من باب المشرعة إلى باب سنجار وقد جدد السور الذي بناه عماد الدين زنكي من قلعة الموصل (باش طابية) إلى باب سنجار وكانت لهذا السور أبراج وفي كل برج ثلاث فتحات تتسع الواحدة منها لمدفع، واتخذت به فتحات يرمى منها بالبنادق .. وقد ذكر محمد أمين العمري في كتابه (منهل الأولياء) انه كان في السور عند حصار الموصل اثنا عشر برجا من جهة البر.. وكان ثمة بروج من جهة نهر دجلة لم تزل باقية حتى يومنا هذا. ويذكر شمس الدين سامي صاحب كتاب قاموس الأعلام ان سور الموصل كان يحتوي على (18) برجا، وكان في القسم المطل على النهر وحده (6) بروج.
الان اتحدث لكم عن احد ابواب مدينة الموصل وهو المسمى (باب الشط ) ويسمى ايضا (باب شط المكاوي) وهو يقع في محلة الشهوان واتذكر ان بلدية الموصل عمرته سنة 1973 وقد ذكر نيقولا سيوفي القنصل الفرنسي في الموصل 1878- 1893 ، وكان مولعا بالاثار الاسلامية وهو بالاصل من دمشق في كتابه (مجموع الكتابات المحررة في أبنية مدينة الموصل) أن بعض أبواب الموصل قد كتبت عليها آيات قرآنية أو أبيات شعر فعلى سبيل المثال كان مكتوبا على باب الشط الآية الكريمة التي تقول : بسم الله الرحمن الرحيم ( بلدة طيبة ورب غفور ) وهي الآية (15) من سورة سبأ .
ومن المناسب القول ان باب شط المكاوي هو من ابواب مدينة الموصل التي تؤدي إلى النهر نهر دجلة الخالد ، وأكثر من كان يقصده هم السقاؤون وكان هذا قبل ان تزود مدينة الموصل بمشروع اسالة الماء في منتصف العشرينات من القرن الماضي عندما بني قسطل الموصل في قليعات والباب كما انه جُدد سنة 1973 فانه جدد قبل ذلك في سنة 1216 هجرية أي 1802 - 1801- ميلادية وكان مكتوبا عليه عبارة ( توكلنا على الله ) سنة 1216 هجرية .
كان بيتنا في الاربعينات والخمسينات في محلة رأس الكور وكانت محلة رأس الكور قريبة من محلة الشهوان وباب الشط كان في محلة الشهواب وقد ادركت وانا طفل صغير نساء الموصل يذهبون منذ الصباح الى نهر دجلة عند باب الشط ومعهم الملابس المتسخة لغسلها عند حافة النهر وكن نسوة المحلات القريبة يجتمعن للحديث وغسل الملابس وحتى بعض الاواني المنزلية .كما كنت ارى اصحاب الحيوانات ومنها الخيول يأتون الى باب الشط لسقاية حيواناتهم واهل الجاموس يأتون بجواميسهم الى النهر وتبقى النسوة عند حافة النهر حتى العصر حين تنشف الملابس ويعودون الى البيت .
وكثيرا ما رأيت الصبيان والشباب على ضفة النهر وهم يمارسون السباحة . ولازلت اذكر كتاب (حكايات الموصل الشعبية ) للأستاذ المرحوم احمد الصوفي وهو يروي قصة اولئك النسوة وهن يجتمعن صباحا عند الباب الذي كان يغلق ليلا ويفتح صباحا من قبل الحرس وهن يجلسن عند الباب بانتظار فتحة وكل واحدة منهن تروي قصتها وتستغرب كيف طلقها زوجها مع انها كانت امرأة جيدة وعنوان تلك القصة كان (حكاية المطلقات السبع ) .
وهذه صورة لباب الشط وادعو المسؤولين الى صيانته واعماره واعادته الى وضعه السابق مع اعادة الكتابات اليه والباب طبعا جزء من سور الموصل وهو مبني بالحلان الاسمر الموصلي وكان فيه باب خشبي مرصع بالمسامير ومن سفاقتين يغلق ليلا ويفتح في الصباح الباكر والى جانب الباب مكان لمن كان يسمى (القلغ ) وهو اشبه ما يكون بالمخفر مخفر الشرطة او الحرس وغالبا ما يختارون حراسا اشداء مدججين بالسلاح لكي يحموا نقطة السيطرة هذه فأبواب الموصل كلها كانت تُغلق مساء ويمنع الدخول الى المدينة وتفتح صباحا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق