*أهمية دراسة التاريخ المحلي ....محافظة نينوى انموذجامحاضرتي الافتتاحية في المؤتمر الرابع للعلوم الانسانية بجامعة الحمدانية القيتها اليوم الاربعاء 23 من آذار الجاري 2022 وبحضور جمع كبير من المهتمين والمشاركين في المؤتمر يتقدمهم السيد رئيس جامعة الحمدانية الاستاذ الدكتور عقيل الاعرجي ..................................ابراهيم العلاف ونص المحاضرة ادناه:
التاريخ
المحلي وأهميته :تاريخ نينوى انموذجا
ا.د.
ابراهيم خليل العلاف
استاذ
التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
اولا
شكرا للأخ الاستاذ الدكتور عقيل الاعرجي رئيس جامعة الحمدانية لرعايته النشاطات
العلمية والثقافية في الجامعة ، واتاحته
هذه الفرصة لي للحديث في موضوع مهم وهو ( التاريخ المحلي ) ، واعتز بأنني عملت منذ
اكثر من ربع قرن للاهتمام بالتاريخ المحلي من خلال الكتابة عن الموصل ، وما حدث
فيها من تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية منذ اواخر القرن التاسع عشر .
كما أعتز
بتبنيه .. بتبني جامعة الحمدانية وعلى نفقتها طبع كتابي ( أماكن ورموز من محافظة
نيموى ) في دار ابن الاثير للطباعة والنشر هذه السنة 2022 وهو اليوم بين ايديكم .
أقول
عندما ابتدأت الدراسات العليا في قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة الموصل كان
التاريخ المحلي واحدا من دوائر اهتمامنا نحن لجنة الدراسات العليا وكثيرا ما كنت
انبه اخواتي واخواني على اهمية التاريخ المحلي واقول لهم اننا يجب ان ننطلق في
دراساتنا من مدينتنا الموصل ومن ثم تتسع الدائرة باتجاه العراق فالدول المجاورة
والوطن العربي ومن ثم العالم سياسة واقتصادا وثقافة وعلاقات وهكذا كان الحال عندما
وضعنا منهجا للدراسات العليا وكانت مادة التاريخ المحلي واحدة من اهتماماتنا .
التاريخ
ليس هو تاريخ السياسة والسياسيين بل هو التاريخ الاقتصادي والتاريخ الاجتماعي
والتاريخ الثقافي ، واود الاشارة الى انني اشرفت على عدد من رسائل الماجستير
واطروحات الدكتوراه في موضوعات التاريخ المحلي واحمد الله ان الدائرة اتسعت ،
والاهتمام ازداد واصبح لنا كم كبير من الدراسات التي تتناول التاريخ المحلي.
وحاليا
ومنذ بضعة سنوات اقود حملة في الموصل للكتابة عن الارياف والقرى والقصبات والاقضية
والنواحي التي تعود الى محافظة نينوى كما قدمت العديد من الحلقات التلفزيونية ضمن
برنامجي (موصليات ) من قناة ( الموصلية الفضائية) عن القرى والقصبات والنواحي
والاقضية التي تتألف منها محافظة نينوى .
ولم
يقف الامر عند هذا الحد بل الفت كتابا عن مؤرخي المدن العراقية بعنوان (مؤرخو
المدن العراقية ) ظهر عن دار قناديل للنشر والتوزيع ببغداد .
التاريخ
المحلي او ما يسمى باللغة الانكليزية LOCAL HISTORY واحد من ابرز ما يسمى بالتاريخ الجديد وقد تيسرت لي الفرصة ان ابشر
بهذا اللون من الدراسة التاريخية في ندوة اقامتها كلية الآداب بجامعة بغداد عن
ترصين البحث التاريخي في العراق يومي 3و4 نيسان 1993 وكان موضوع محاضرتي ايام كان
يشرف على الندوة ويوجهها استاذنا الكبير الدكتور صالح احمد العلي ( حاجتنا في
العراق الى تاريخ جديد ) ولم يكن التاريخ الجديد الذي اعنيه غير التاريخ المحلي .
والتاريخ
المحلي يواجه مشاكل عديدة لعل من ابرزها قلة المصادر وقلة من وثق للحياة المحلية
سواء في الجوانب الاجتماعية والعادات والتقاليد ومميزات الشخصية او في الجوانب
الاقتصادية من قبيل البيع والشراء والتبادل التجاري واوضاع التجارة والزراعة
والصناعة في المدن والارياف والاقضية والقصبات والنواحي في السهول والاهوار
والجبال والبادية والهضبات . في الشمال والجنوب في الشرق والغرب . او في الجوانب
الثقافية من قبيل حركة الرسم او الصحافة او التعليم او الفنون وهكذا .
اذا
نحن امام لون جديد من الوان الكتابة التاريخية ولا اقول اننا سوف لا نجد من كتب في
التاريخ المحلي ؛ فلدينا والحمد لله عدد من الباحثين والمهتمين ممن كتبوا في تاريخ
المحافظات او في تاريخ المدن او في تاريخ القصبات والقرى او حتى في تاريخ الاحياء
السكنية وما شاكل ذلك .
فيما
يتعلق بتاريخ محافظة نينوى ، اقول انني
كتبت عنها كثيرا وآخر ما كتبت كتابي هذا
الذي تشرفت بأن جامعة الحمدانية هي من اصدرته .ولدي مئات المقالات والدراسات
والبحوث المنشورة فضلا عن الكتب ومنها مثلا كتابنا المشترك (محافظة نينوى بين
الماضي والحاضر ) .فضلا عن (موسوعة الموصل الحضارية ) وكتبي الاخرى ومنها (تاريخ
الموصل الحديث) وقد اشرفت على عدد من رسائل الماجستير واطروحات الدكتوراه عن تاريخ
الموصل وصحافتها وعلاقاتها وتركيبتها وما شاكل .
وفي
كل ما كتبت كنت اؤكد على ان مدينة الموصل ليست مدينة وحسب وان محافظة نينوى محافظة
متفردة لها تاريخها المرتبط بالامبراطورية الاشورية كما ان لها دورها في التاريخ
القديم ونحن نفخر اننا نعيش داخل اراضيها ونتنسم عبق تاريخها .
لقد
كتبت كثيرا في هذا وقلت ان لمحافظة
نينوى شخصية حضارية وتاريخ ثر وانها بحد ذاتها حضارة وتاريخ ومواقف وادوار و
الموصل ودورها الحضاري
ولقد انتبه إلى ذلك البلدانيون والجغرافيون العرب
وغيرهم وأكدوا على أن الموصل وهي مركز
محافظة نينوى عاصمة إقليم الجزيرة ..بلد
جليل ..حسن البناء.. طيب الهواء كثير الملوك والمشايخ لا يخلو من إسناد
وفقيه مذكور ..هكذا قال عنها شمس الدين أبو عبد الله البناء المقدسي البشاري 390
هجرية -1000 ميلادية ).أما أبو القاسم محمد علي الموصلي البغدادي المعروف ب
"ابن حوقل" (367 هجرية -977 ميلادية ) ، فقد وصف الموصل بأنها من أكابر
البلدان.. عظيمة الشأن بها لكل جنس من الأسواق الاثنان والأربعة والثلاثة مما يكون
في السوق المائة حانوت وزائد . وفيها من الفنادق والمحال والحمامات والرحاب
والساحات والعمارات ما دعت إليها سكان البلاد النائية فقطنوها وجذبتهم إليها برخص
أسعارها .وعني الموصليون بمدينتهم فشيدوا الأبنية الفخمة وزينوها بزخارف جميلة
وغرسوا في دورهم وقصورهم الرياحين والأزهار والأشجار المثمرة .ينساب الماء في
جداول إلى برك وأحواض يخرج منها نافورات وبين أشجارها الحيوانات الجميلة وعلى
أشجارها الطيور المغردة ووصف السري الرفاه المتوفى سنة 360 هجرية -971 ميلادية
مدينته بقصائد جميلة صورت لنا ماكانت عليه الموصل من جمال التنسيق..ودقة الفن .هذه
هي الموصل كما أدركتها أنا على الأقل ومجايليي من أبناء مابعد الحرب العالمية
الثانية . واستطيع أن أقول أنها كانت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي أجمل
وأرقى مما هي عليه الآن بالرغم من مرور أكثر من 50 سنة على تلك الفترة ....إذا
لننهض بنينوى بقراها ونواحيها واقضيتها وقصباتها ومدنها ، ولتتضافر جهودنا من اجل هذا الهدف النبيل .
والموصل مركز محافظة نينوى، مدينة قديمة.. لها تاريخ عريق.وقد ارتبط تاريخها
بتاريخ مدينة نينوى، عاصمة الإمبراطورية الأشورية، مدينة يونس صاحب الحوت عليه
السلام. ولايتسع هنا المجال للغور في تاريخ الموصل القديم أو الإسلامي وحتى
الحديث، فذلك معروف ،ولكن الأمر الذي نود هنا أن نؤكده بان الموصل كمحافظة،
وكمدينة، اكتسبت عبر العصور التاريخية "شخصية حضارية". وقد ارتفع شأنها
منذ أن تمكن المسلمون من فتحها سنة 16 هجرية/ 637 ميلادية وعظم شأن الموصل منذ ذلك
الوقت، وغدت قاعدة بارزة من قواعد العرب والمسلمين فجاهدت وأمدت الجيوش العربية
بعدد كبير من قادة الفتح وجنوده .ومنها انطلقت الجيوش لحمل الرسالة الإسلامية لفتح
أذربيجان والجزيرة .كما اتخذت مرات عديدة مقرا للإدارة وعاصمة لإقليم الجزيرة
ومركزا عسكريا للدفاع عن حدود الدولة الإسلامية الشمالية الشرقية. ومن الطبيعي،
والموصل تتميز بهذا الموقع الجغرافي والاستراتيجي المهم على طريق التجارة وقوافلها
. فضلاً عن اعتدال مناخها ،وخصوبة تربتها ،وكثرة قراها ومزارعها أن يكون لها الدور
الكبير في كل عصور التاريخ اللاحقة.. وقد زارها الرحالة العرب والأجانب وأشادوا
بها وبأهلها . فهذا ابن بطوطة الرحالة المغربي المعروف يصف الموصليين (( بان لهم
مكارم الأخلاق ،ولين كلام، وفضيلة وحب للغريب،وإقبال عليه.(( أما ياقوت الحموي
فقال عنهم : ((أنهم أصحاب مروءة واعتدال)). عندما جاء العرب فاتحين للموصل وجدوا
إخوانهم ومنهم النصارى ،في استقبالهم حتى أن أحياء الموصل ومحلاتها لاتزال تحمل
أسماء القبائل التي وفدت إلى الموصل ايامئذ ومنها خزرج ،والأوس، والمشاهدة،وثقيف
والخواتنة ،والعكيدات. وقد حظيت الموصل باهتمام المؤرخين ،ولدينا كتب ومصنفات
كثيرة تتناول تاريخ الموصل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي سواء في عهد
حكومة الراشدين أو الأمويين أو العباسيين أو الحمدانيين أو العقليين أو الاتابكيين
أو العثمانيين. وحين ضعفت الحكومة المركزية ببغداد، أقدم أهل الموصل على تنظيم
أنفسهم، وإقامة كيانهم السياسي الخاص بهم . وقد تكرر ذلك مرات عديدة لعل آخرها
انفرادهم بحكم أنفسهم بأنفسهم خلال عهد الجليليين وقد استمر ذلك بين سنتي 1726و
1834. وقد تصدت الموصل للغزاة وأسهمت في مقاومة الصليبيين الذين هددوا العالمين
العربي والإسلامي منذ القرن الحادي عشر الميلادي (الخامس الهجري) حتى القرن الثالث
عشر الميلادي (السابع الهجري). من منا لايتذكر عماد الدين زنكي،ونور الدين زنكي،
والجامع النوري الكبير ومنارته الحدباء شاهد على ذلك العصر الذي تحملت الموصل عبره
مسؤولية الجهاد ضد التجزئة .. وضد الغزاة الصليبيين القادمين من الغرب والذين
هددوا المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين ومدينة القدس.. مدينة الإسراء والمعراج
.. مدينة السلام.. والموصل هي موطن الحضارات، وحضارة الأشوريين معروفة وإضافتهم
للحضارة الإنسانية تقف اليوم لتعلن بان الموصل - نينوى قدمت للإنسانية الكثير
ابتداء من الزراعة وانتهاء بالعلوم والرياضيات مروراًَ بالعجلة والمعمار. لقد
قاومت الموصل الغزاة المغول 1260 وغير المغول وكان لأهل نينوى دور مشهود في إقامة
الدولة العراقية الحديثة وديمومتها .كما لهم دورهم في تأسيس الجيش العراقي 1920
وقد أسهموا في كل الأحداث التي شهدها العراق وشهدتها البلاد العربية ومنها فلسطين
والجزائر وسوريا والخليج العربي بعد الحرب العالمية الأولى . لم يقبل اهل يونس
المذلة، ولم يخفضوا رؤوسهم إلا لله عز وجل.. وهم معروفون بأنهم فرديون لكنهم
متحضرون .. وعلى وعي كبير بما يحيط بهم من أحداث .. لايصبرون على ضيم.. ولكنهم
نظاميون يؤمنون بقيمة النظام ،ولايعطون ولائهم بسرعة ،ولا يميلون للفوضى، ويعتزون
بمدينتهم وبالعراق وبتاريخهم ،وتراثهم، وبرجالاتهم الذين ضحوا بأنفسهم وأموالهم من
اجل رفعة الوطن والدين والأمة.. واهل محافظة نينوى وهم عراقيون .. اعتزوا بعراقيتهم وظهر ذلك في
أكثر من مناسبة.. وقد شهدت ساحتهم السياسية والاجتماعية هذه الحقيقة واضحة في كل
المناسبات والأحداث. دعوة مخلصة ونداء صادق للجميع من ابناء محافظة نينوى وابناء العراق .. ان يتذكروا بان محافظتهم رأس العراق ومحافظتهم سلة خبز العراق ، والحفاظ
على مدنها وقصباتها نواحيها واقضيتها والعناية بها وبتطويرها ، وإدراك قيمتها
الإستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية مسالة ينبغي أن تكون في مقدمة الاولويات
التي تؤخذ بالاعتبار، ونسيج نينوى الاجتماعي المتسم بالتنوع دليل قوة ،ودليل خير،
ودليل عافية .ونحن على يقين أن الجميع يعلمون هذه الحقيقة بل ويتصرفون بموجبها ..شكرا لاصغائكم والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق