التعليم الحكومي
في العراق 1980-2003
ا.د. ابراهيم خليل
العلاف
استاذ التاريخ
الحديث المتمرس – جامعة الموصل
وأقول هذا المقال ،
كتبته استجابة لطلب احدى طالبات الدراسات العليا في التاريخ تكتب في احدى الجامعات
عن التعليم الحكومي الرسمي في العراق بين سنتي 1980 و2003 .
ويقينا ان هذه
الفترة من تاريخ العراق المعاصر ، تعد حاسمة ، وخطيرة لان العراق خلالها خاض عددا من الحروب
منها حرب الخليج الاولى 1980-1988 ، وحرب الخليج الثانية 1990-1991 ، وحرب الخليج
الثالثة 2003 . ومن المؤكد ان كل تلك الحروب ، وما اعقبها من حصار وغزو واحتلال
انعكس على وضع التعليم فاسهم في زرع مداميك التدهور والتخلف العلمي والتعليمي
والتربوي مع ان محاولات بذلت لإنعاشه خلال
سنوات محددة ، لكن ذلك لم يجد نفعا؛ فالتعليم في العراق بات يعاني من اشكالات ، وضعف خطير في بناه
التحتية والعلمية .
ما اريد ان اقوله ؛
ان التعليم الحكومي وصل الى درجة متقدمة من التطور سنة 1979 حتى ان العراق تسلم
عدة جوائز من اليونسكو وهي منظمة دولية ، بسبب خلوه من الامية ، وازدهار نظامه
التربوي والتعليمي .
في مقال لي بعنوان
( اتجاهات وابعاد الثورة التربوية في العراق) نشرته مجلة (الجامعة ) التي كانت
تصدرها جامعة الموصا السنة (12) العدد (7) نيسان 1982 قلت ان هناك في العراق ملامح
عامة لفلسفة تربوية تبناها الحزب الحاكم
منذ سنة 1968 ، وان هناك تطورات تعليمية وتربوية شهدها العراق من سنة 1958 الى سنة
2003 وكانت السلطة آنذاك تدرك ان اهم ما
كان يفتقر اليه النظام التعليمي في العراق ، والذي ترجع جذوره التاريخية الى منتصف
القرن 19 ، انه كان يفتقر الى فلسفة اجتماعية وسياسية وتربوية وتعليمية محددة وهذا
مما كان سببا في فشل وزارة المعارف – التربية في رسم سياسات وخطط تربوية واضحة
المعالم . ومن هنا نلحظ ان النظام التعليمي والتربوي في العراق منذ سنة 1968 وحتى
2003 تبنى فلسفة تربوية عكست ايديولوجية الحزب الحاكم وافكاره التي تبلورت من خلال
عدة مؤتمرات تربوية عقدت بإشراف ما كان يسمى (هيئة التخطيط التربوي ) ، والتي
تشكلت في العراق سنة 1969 وقد نجمت كل تلك الفعاليات ومنها الحلقات الدراسية
الثلاث التي اشترك فيها تربويون عراقيون وعرب ومسؤولون من مختلف الوزارات ذات
العلاقة بالتعليم والتي نظمت بين سنتي 1970-1971 بهدف اعادة النظر في النظام
التربوي بصورة عامة وللتخطيط للتعليم بصورة خاصة وذلك باعتبار ان العملية
التخطيطية هي حجر الزاوية في اصلاح العملية التربوية برمتها ومنطلقا لتوجيه
التعليم وربطه بخطة التنمية الوطنية الشاملة بما يضمن توفير القوى البشرية اللازمة
لهذه الخطط وتلبية احتياجات المجتمع في تطوره اللاحق .
الذي يهمني ان
اقوله هنا ، ان التعليم تطور في العراق فقد ارتفع عدد التلاميذ المسجلين من
الملزمين في عمر (6 ) سنوات وفي عموم البلد الى ( 673000) تلميذا وتلميذة في السنة
1978-1979 وارتفع عدد اعضاء الهيئة التعليمية الى ( 92644) معلما ومعلمة في السنة
1979-1980 واصبح عدد المدارس الابتدائية
(11316 ) مدرسة في سنة 1979-1980 بعد ان كان في السنة التي قبلها (10560) مدرسة .
هذا بالنسبة
للتطور الكمي .اما بالنسبة للتطور النوعي الذي رافق التعليم الابتدائي الالزامي
فيتلخص بما يلي : شمول مشروع التغذية المدرسية لجميع المدارس الابتدائية في الريف ،
وبلغ عدد التلاميذ المشمولين بالتغذية المدرسية حوالي مليون تلميذ وتلميذة .
كما جرت عملية
توفير وتحديث الوسائل التعليمية وطرق التدريس واساليبه وتنقيح العديد من الكتب
الدراسية المقررة وزيادة عدد المختبرات في المدارس واعادة النظر في اساليب التقويم
والامتحانات وفي صياغة الاسئلة الامتحانية وتطبيق مشروع البطاقة المدرسية وزيادة
عدد دور المعلمين والمعلمات وجعلها (47) دارا ومعهد فضلا عن زيادة عدد الدورات
التدريبية والتخصيصات المقررة لها بغية تدريب المعلمين والمعلمات ورفع كفاءتهم
وخبراتهم وتجديد معلوماتهم .
طبعا رافق ذلك كله التأكيد على مجانية التعليم وديموقراطيته ومحو الامية والتعليم
الالزامي ، والغاء المدارس الاهلية والاجنبية
وتنمية التعليم المهني ، واجراء تغييرات في المناهج والكتب الدراسية وفي كل
المراحل وتطوير التعليم الثانوي وتنويعه والتركيز على التدريب اثناء الخدمة
والتوسع في التعليم العالي والدراسات العليا وفي ضوء كل هذا التطور الكمي والنوعي
تمت مناقشة ( ورقة عمل قطاع التربية والتعليم العالي ) خلال الفترة من 1-5 تموز
سنة 1981 وقد شكت تلك الورقة بعد اقرارها برنامجا كان هدفه النهوض بقطاع التعليم
وتضمنت الورقة (اتجاهات ومؤشرات مسيرة القطاع التعليمي والتربوي في العراق خلال
السنوات الخمس 1981-1985 وبدأت الاطراف المعنية بالعملية التعليمية والتربوية
المتمثلة بوزارات التربية والتعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الحكم المحلي
باتخاذ الخطوات من اجل تحويل تلك الورقة الى واقع عملي وبما يؤمن رفع المستوى
التعليمي والتربوي في العراق .
في كتاب (العراق
25 عاما من مسيرة الخير) والذي اصدرته دار المأمون للترجمة والنشر سنة 1993 ، معلومات
مهمة عن ما اسماه الكتاب ( خدمات التربية والتعليم في العراق من سنة 1971 الى سنة
1990 ) ، ومن ذلك خدمات التربية والتعليم حظيت بالاهتمام ، وارتفع عدد دور الحضانة
من (71) الى (119) بين سنتي 1979 و1990 بزيادة
نسبية قدرها قرابة (68%) وارتف عدد الاطفال فيها من (6817) الى (8214)
وارتفع عدد رياض الاطفال من (135) الى (646) وارتفع عدد المدارس الابتدائية من (
5137) الى ( 8725) خلال الفترة من 1969-1991 وارتفع عدد التلاميذ فيها من (1017050
) الى ( 3335699) تلميذ وتلميذة بين 1969-1991وارتفع عدد المدارس الثانوية للفترة
ذاتها من (840 ) الى ( 2700) مدرسة بنسبة زيادة قدرها 221% وازداد عدد مدارس
التعليم المهني من (44) سنة 1969 الى (289) سنة 1991 وازداد عدد الطلبة في دور
ومعاهد المعلمين والمعلمات المركزية من ( 10861) الى (30962) طالبا وطالبة وارتفع
عدد الجامعات من (5) جامعات الى (12) جامعة بين 1969-1991 وارتفع عدد طلبة
الدراسات العليا للفترة ذاتها من ( 742) الى ( 3628) طالبا وطالبة وحقق التعليم
المهني تقدما ملموسا بين 1971-1991 فازداد عدد المدارس المهنية من (6) الى (34)
مدرسة وارتفع عدد الطلبة من (974) الى (13201) طالبا وطالبة بنسبة زيادة قدرها
(1255%) خلال الفترة ذاتها .
نعم كان للحروب
وللحصار الذي ابتدأ سنة 1990 واستمر حتى 2003 دور كبير في التأثير على مسيرة
التربية والتعليم ، والتعليم العالي والبحث العلمي ، وحصل تراجع كبير في مجال قلة
التخصيصات المالية والتوسع في مجال بناء المدارس والمعاهد وبذلك جهود كبيرة من اجل
معالجة النواقص واتخذت اجراءات للحد من التدهور الذي اصاب بنية وهيكل وروح التعليم
والتعليم العالي في العراق لكن التحدي كان اكبر من القدرات والامكانات المتوفرة ؛ فرواتب
المعلمين والمدرسين واساتذة الجامعات باتت قليلة وقليلة جدا بحيث لم تعد تسد
احتياجات الكوادر التعليمية والتدريسية ، واضطر كثير منهم الى العمل خارج الدوام
كما هاجر عدد منهم الى خارج البلد وترك الكثيرون وظائفهم وانصرفوا لكسب العيش في مهن
وحرف بعيدة عن تخصصاتهم وطبيعي ان كل ذلك انعكس على التربية والتعليم خاصة في ظل
ترك الكوادر التعليمية والتدريسية العمل لدى الحكومة وزيادة تسرب التلاميذ من
المدارس وتدني هيبة المعلم والمدرس واضمحلال دوره التنويري الرسالي وقد استمر هذا
حتى سنة 2003 وما بعد 2003 حيث للأسف الحكومات المتعاقبة في العراق منذ
2003 لم تمتلك اي ستراتيجية واضحة لتطوير القطاع التعليمي والتربوي بكافة مراحله، لهذا لم تكن الاخت الدكتورة جمان كبة بعيدة
عن الواقع عندما عنونت كتابها عن التعليم
في العراق بعد 2003 ب(عصر الظلمات : التعليم في العراق بعد عام 2003) .