الاثنين، 10 فبراير 2020

القدس بين محاولات التهويد ...واجراءات المواجهة ................ا.د. ابراهيم خليل العلاف

القدس بين محاولات التهويد .. وإجراءات المواجهة
أ.د. إبراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
        تشغل القدس مكانة متقدمة في الفكر والوجدان العربيين منذ زمن بعيد، ويمكن أن نتلمس ذلك في ماورد من آيات قرآنية وأحاديث نبوية بحق القدس ومسجدها الأقصى، وفي كتب فضائل القدس، الكثير من الإشارات على أهمية القدس. وقد ارتفعت مكانة القدس باتخاذها القبلة الأولى، إذ لما بنى المسجد الأول في المدينة، كانت وجهته إلى بيت المقدس ثم جعلت القبلة إلى الكعبة، وحبذ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم  زيارة بيت المقدس قائلا:(وصلاة هناك تعادل عشرة آلاف في غيرها). وقد كان لأحاديث الرسول الكريم دور كبير في ترسيخ حرمة القدس في ضمير الأمتين العربية والإسلامية.
        فضلا عن الأهمية الدينية للقدس، فان لها أهميتها التاريخية ،والجغرافية ،والتجارية، والعسكرية. ففلسطين جزء لايتجزأ من الوطن العربي، وسكانها عرب، ولغتهم عربية،وعاداتهم عربية، وموقع فلسطين من خريطة الوطن العربي، موقع القلب من الجسد الحي، وقد أدرك الغرب الاستعماري قيمة فلسطين فزرع اسرائيل  لتفصل بين المشرق العربي والمغرب العربي، ويحول دون تحقيق الوحدة بين العرب .
القدس: معناها، موقعها، مكانتها
        جاء في لسان العرب أن معنى التقديس: تنزيه الله عز وجل، فحينما نقول ننزه الله تعالى عن كذا فهي كلمة مؤدبة تعني أن الله عز وجل منزه عما يحيطه أو يشينه من صفات .. لذلك فهو القدس القدوس .. و القدس والقدوس اسمان من أسماء الله تعالى. وبيت المقدس يعني المكان الذي يتطهر فيه الإنسان من الذنوب. وفي لغة العرب( القدس) معناها (الإناء الذي يحمل فيه الماء للطهارة)، ومنه اخذ بيت المقدس معناه (البيت المطهر) أو (الأرض المطهرة). والمسجد الأقصى هو بيت المقدس، ونسبة الأقصى ترجع إلى انه وسط الدنيا لا يزيد شرقه على غربه ولا ينقص. وفي مدينة القدس مكان أمين مقدس فيها منذ القدم، وهو قبة الصخرة.
        تقع القدس  على خط عرض 31/12 درجة شمالا وعلى خط طول 35/12 درجة شرقا وتبلغ مساحتها 19231كم2 . وقد أقيمت المدينة على أربعة جبال هي: جبل سوريا ، وجبل اكرا وجبل صهيون وجبل تبريتا. وارتفاع المدينة عن سطح البحر يبلغ 2598 قدما. وقد انعم الله على مدينة القدس وأضفى عليها جمال الطبيعة وطيب المناخ ووفرة الثروات والخيرات، فأصبحت بحق، زهرة المدائن.
        وبشان مكانتها التاريخية النضالية، فان منزلة القدس ارتفعت باتخاذها القبلة الأولى قبل الكعبة وبقيت كذلك حتى السنة الثانية للهجرة عام 642م ويعد حرمها ثالث الحرمين الشريفين.
        وقد فتحت القدس سنة 17 هجرية (637م) وقد زارها الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ، وقرر شروط الصلح مع أهلها وكان لهذه الزيارة أثرها الكبير خاصة، وأنها تعبر عن منزله القدس الشريفة وقد عين الخليفة (عبادة بن الصامت) ليكون قاضيا فيها ويدل هذا التعيين على وجود عربي كبير فيها.. وتشير الدراسات التاريخية المتعددة أن من العشائر العربية التي سكنت فلسطين قيل الفتح (جذام ولخم) وحين زارها الأسقف اركولف سنة 50 هـ (760م) وجد فيها مسجدا كبيرا يتسع لثلاثة آلاف مصل. وقد حظي بيت المقدس باهتمام الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، ثم الخلفاء الأمويين ومن ذلك أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بنى فيها قبة الصخرة وقد بدأ ببنائها سنة 72هـ (692م) وكان في بنائة لقبة الصخرة تأكيدا على الهوية العربية الإسلامية للدولة التي كان على رأس قيادتها، وكان معظم الخلفاء الأمويين يحرصون على زيارة بيت المقدس حتى أن سليمان بن عبد الملك فكر باتخاذها عاصمة له.
        وعندما انتقل مركز الحكم إلى العراق بمجئ العباسيين، وجدت القدس عناية خاصة فقد زارها الخليفة أبو جعفر المنصور مرتين الأولى سنة 140هـ (779م)،وأمر بتوسيع ارض المسجد واهتم الخليفة المأمون بالحرم القدسي الشريف، وفي عهده كان تعمير الباب الشرقي والباب الشمالي والتفت الفاطميون أبان حكمهم لفلسطين إلى القدس وكانت في عهدهم قبلة العلماء والتجار والحجاج وقد شهد القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) نشاطا في الكتابة عن (فضائل القدس)، ويعود هذا إلى بدايات ظهور الأطماع الاستعمارية الصليبية وازدياد حرمتها وقدسيتها حتى أنها صارت رمزا للجهاد والتحرير بالنسبة للمسلمين كافة.
        لقد أدرك العرب المسلمون أن الغزو الصليبي لفلسطين الذي ابتدأ سنة 1095ميلادية -يعد امتداد للإطماع والغزوات البيزنطية . وقد ابتدأ التحرك الرسمي لمواجهة هذه الأطماع الصليبية بدا في عهد عماد الدين زنكي، صاحب الموصل وحلب، ثم جاء المجاهد نور الدين زنكي ابن عماد الدين فأكد على حرمتها وأشار إلى إن ذلك لا يتحقق إلا بالوحدة الإسلامية، وارتفع صوت الجهاد زمن صلاح الدين الأيوبي وصارت القدس والأقصى شعار صلاح الدين لتكوين جبهة عربية إسلامية تمتد من تكريت إلى الموصل فحلب فدمشق فالقاهرة. وجاءت معركة حطين التحريرية للقدس سنة 583هـ (1187م) لتشير إلى القدس وبفتح القدس بلغ صلاح الدين أوج الجهاد.
        وفي أول صلاة جمعة بعد الفتح، وبحضور السلطان صلاح الدين نفسه ، واحتشاد الناس في كل مكان بدا الخطيب ابن المزكي قوله: (( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)).ومما قاله الخطيب: إشارة للأقصى : فهو موطن أبيكم إبراهيم، ومعراج نبيكم محمد،وقبلتكم التي كنتم تصلون إليها في ابتداء الإسلام، وهي مقر الأنبياء ومقصد الأولياء ومقر الرسل ومهبط الوحي، وهو في ارض المحشر وصعيد المنشر، وهو في الارض المقدسة التي ذكرها الله في الكتاب المبين، وهو المسجد الذي صلى فيه رسول الله بالملائكة المقربين.. الجهاد فهو أفضل عباداتكم.. انصروا الله ينصركم).
        واستمرت القدس سببا في إذكاء روح الجهاد.. وخلال العهد العثماني 1516- 1918 عادت القدس مرة أخرى لتصبح ساحة للصراع بين العرب والمسلمين من جهة والمستعمرين من جهة أخرى .. الذين بدأوا منذ أواخر القرن التاسع عشر يعملون من اجل التسلل إليها.. وفي نيسان 1920 وضع مجلس الحلفاء الأعلى، فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وجاء موعد تحقيق الانكليز للوعد الذي قطعوه لقادة الحركة الصهيونية  بوعد بلفور لإنشاء (وطن قومي لليهود في فلسطين).. وقد تم تنفيذ وعد بلفور في ظل وثيقة سميت (صك الانتداب) أقرتها عصبة الأمم ،سنة 1920 ،وبعدها  ساعدت بريطانيا جموعا كبيرة من اليهود على الهجرة إلى فلسطين، وقام الفلسطينيون بثورات عديدة سنة 1920 و1929 وفي سنة 1935 قام الشيخ عز الدين القسام بانتفاضة مسلحة ضد الوجود البريطاني_الصهيوني. وفي سنة 1936 ثار الفلسطينيون ثورتهم الكبرى وفي عام 1947 أوصت الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين : عربية ويهودية وتدويل منطقة القدس.
عروبة القدس
        يتحدث احد أبناء القدس وهو المرحوم جبرا إبراهيم جبرا ، عن مدينته التي عاش فيها ردحا من الزمن قبل أن تقع تحت الاحتلال الصهيوني فيقول:((أن القدس كانت في الأصل حتى أواخر القرن التاسع عشر هي المدينة المسورة بأبوابها السبعة وأنها بدأت تفيض شيئا فشيئا بالضواحي المحيطة بها من جهاتها الأربع، وقد اخذ هذا التوسيع بالتسارع بعد هدم قسم من السور عند باب الخليل سنة 1898، فكان ذلك تحقيقا للاتصال العضوي بين امتدادات المدينة وقسمها المسور)). ويضيف المرحوم جبرا إلى ذلك قوله : ( كان أقدم امتداد للمدينة خارج السور يتمثل في محلة النبي داود جنوبي المدينة، وهي تعود إلى بضعة قرون خلت، غير أن امتداد المدينة الأكبر جعل يتكامل بين (1920و 1984 إلى الشمال والغرب والجنوب في آن واحد).
        أما القدس الجديدة، فقد نشأت أجزاءها امتداد من شارع يافا من جهة ومن جهة أخرى امتداد من شارع مأمن الله ومقبرة مأمن الله وشارع القديس يوليان ولاسيما بعد انجاز بناء جمعية الشبان المسيحية في شارع القديس يوليان في الثلاثينات الأولى وبذلك أقيمت الصلات المباشرة بين المناطق المتباعدة من القدس الجديدة وبين البلدة القديمة نفسها. وفي أواسط القرن التاسع عشر كان الألمان قد انشاوا كولونية الألمان، وتليها كولونية اليونان، وعلى بضعة كيلومترات من السور ثم نشأت أحياء وأديرة هنا وهناك تابعة للكاثوليك والروم والروس الارثودكس وغيرهم، ونشأت عندها كذلك بعض الأحياء اليهودية بأموال من احد اليهود الانكليز هو (موسى مونتفيوري ). وكانت مناطق البقعة الفوقانية والطالبية والقطمون منذ ذلك الوقت حتى أواخر العشرينات من القرن أماكن نزهة واصطياف لأهالي القدس يملكها أفراد من القدس وبيت لحم غير أن هذه كلها في الثلاثينات من القرن الماضي  كانت قد خططت وتم عمرانها ضمن رقعة فسيحة واحدة تحط بالمدينة السور ثم معظم نواحيها وبذلك تم نشوء القدس المعاصرة بشقيها القديم والجديد.
        أن ما يجب أن يقوله المرء عن القدس يذكر الأستاذ جبرا هو أنها مدينة عربية عريقة في عروبتها رغم ان الصهاينة احتلوا نصفها الجديد، فنصفها الجديد المحتل عربي عروبة نصفها القديم، وعروبة بقية فلسطين المحتلة وعندما يتحدث احد أبناء القدس عن مدينته يستحيل عليه أن يقصر الكلام عن المدينة المسورة وما نشأ حولها من بناء وتوسيع في قترة ما بعد نكبة 1948، فالقدس في أرجاءها كلها وحدة عضوية ليس من الحق والمنطق أن تشطر هذا الشطر  الخبيث الذي ابتدعه الاسرائيليون.
القدس ومحاولات التهويد
        يدعى الاسرائيليون أن القدس هي عاصمة لهم لذلك فهم يعمدون كل يوم من اجل خلق واقع جديد، ويجري ذلك في صورة تحولات جغرافية وسكانية تؤدي في النهاية إلى تهويد القدس.  
        وبذلك يكون مصيرها مثل مصير مدينة يافا الفلسطينية الذي اختفت من الخرائط وظهرت مكانها مدينة تل أبيب الصهيونية. إن ارض فلسطين ارض وقف إسلامي لإتباع ولا تشترى ومن وجهة نظر قومية فهي جزء من ارض الأمة العربية ولا يحق لأحد أن يتنازل عن جزء منها. إن القدس التي نتحدث عنها هي القدس بكاملها بشرقيتها وغربيتها: بالطالبية والشيخ جراح.. هذه كلها القدس.
        لقد واجهت القدس ثلاث ضربات مؤلمة كانت الضربة الأولى هي احتلال ما عرف بالقدس الغربية من قبل العصابات الصهيونية في 11كانون الأول 1949 .والضربة الثانية أن معظم قضاء القدس والقرى والبلدان المحيطة وقعت أيضا بأيدي الصهاينة وأصبحت القدس تضم فقط قلب المدينة والمدينة القديمة وما حولها من أحياء، وتلقت القدس الضربة الثالثة بعد أن فقد الفلسطينيون اكثر من نصف المدينة ومعظم قضائها عندما فقدت القدس مكانتها كعاصمة وادي ذالك الذي تحول القدس (شرقي القدس) من مدينة كبيرة إلى قرية كبيرة أو مدينة صغيرة ولكن ولان القدس هي بالفعل عاصمة الفلسطينيين ونظرا لمكانتها الدينية عربيا وإسلاميا فقد عادت هذه المدينة لتأخذ مكانها الذي يتناسب مع تاريخها لكن الكيان الصهيوني احتل (القدس الشرقية) في حرب 5 حزيران عام 1967 وقد قررت السلطات الاسرائيلية أن تضم  أراضي القدس ويعدها أراضي إسرائيلية تاركة باقي الضفة الغربية باعتبارها اراض محتلة .وبعد الاحتلال قامت اسرائيل  بخطوات عديدة لتهويد المدينة بدأت الخطوة الأولى بالضم واعتبرت الفلسطينيين مواطني مدينة القدس مجرد اجانب يقيمون بموجب قانون صدر سنة  1954 أي انها اعتبرت ان كل المواطنين الفلسطينيين في القدس قد قرروا بشكل جماعي وفي ليلة واحدة الدخول الى الكيان الصهيوني متجاوزت الاعتلراف بحقيقة ان الجيش الصهيوني هو الذي دخل الى هذه المدينة محتلا وهكذا وجد ابناء القدس انغسهم يعاملون كاجانب في مدينتهم ويحصلون على حق الاقامة في وطنهم ولكنهم ليسوا مواطنين في هذه المدينة بموجب القوانين العنصرية الصهيونية ، ثم بدا الكيان الصهيوني مباشرة بعد عام 1967 بتوسيع حدود بلدية القدس وضمت اليها اكبر مساحة من الارض وباقل عدد من السكان ما امكن ذلك وبالتاي وسعت الحدود البلدية من 6كم2 الى بلدية مساحتها 72 كم2 وعدتها كلها جزء من الكيان الصهيوني وانطلفت في محاولات متواصلة لتغيير الوضع القائم كذلك من خلال اجراء تغيرات جغرافية وسكانية تستهدف تهويد القدس أو ( اسر لتها)  على حد تعبير الكاتبة البريطانية ( كيت ماجواير ) التي قدمت دراسة قيمة حول ( الخطوات الاسرائيلية للاستيلاء على القدس ) وتقول ماجواير ان الصهاينة يعملون لتغيير طابع مدينة القدس بحيث تصبح يهودية من الناحيتين الادارية والسكانية.كما بدأ الاسرائيليون بتوسيع حدود بلدية القدس وضم أراضي جديدة إليها وعدها جزء من كيانهم وقد ارتفع عدد اليهود لكي يصبحوا أكثرية . وتشير بعض الدراسات الى أن عدد اليهود في القدس وصل إلى 433 أي بنسبة 74% وتخطط السلطات الاسرائيلية لكي يصل عدد اليهود  المهاجرين إلى مليون يهودي في القدس يقابله (200) ألف فلسطيني لقد اصد الكنيست في 30 تموز 1980 قانونا ينص على أن القدس الموحدة هي عاصمة اسرائيل ، وان القدس هي مقر (رئيس الدولة) والكنيست والحكومة والمحكمة العليا بالرغم من شجب وإدانة الأمم المتحدة والمحافل الدولية لهذا القانون فانه ظل المنطلق في تحديد سياسات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ تشريعه حتى الوقت الحاضر وقد اتخذت حكومة مناحيم بيغن (1977_1985) منه مرتكزا لمشاريعها الاستيطانية في القدس والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات:
1_المشاريع المستهدفة للأحياء العربية في القدس نفسها بما يحقق طغيان العنصر اليهودي على الطابع العربي الإسلامي للمدينة  وتحقيق التفوق العسكرية المستند لسياسة  التطويق والعزل.
2_توسيع المدينة وربطها مع المستوطنات المقامة حولها على أراضي القرى العربية القريبة من القدس في شعفاط والعيسوية والعيزرية وابو ديس وبيت صفافا شرفات وصر باهر وكذلك التدرج في قضم المدينة بالاتجاه شمالا وشرقا وجنوبا بمصادرة المزيد من الاراضي والتوسع في بناء المستعمرات بهدف عزل القرى العربية وتفكيك أصلها وعزلها عن مركز مدينة القدس وباقي المدن وقرى الضفة الغربية ولهذا السبب تم الاستيلاء على قرى في سكاريا  وارطاس وبيت ساحور.
3- استكمال عملية التهويد الشاملة للقدس الشرقية من خلال إقامة الحي اليهودي فيها وهذا الحي شكل حزاما من البنايات الحجرية المصممة على اسس عسكرية من طرف الكنائس والبيوت المتبقية في حارة الارمن من الجهة الغربية للقدس الى المسجد الاقصى في جانبها الشرقي وربط الحي اليهودي مع مجموعة الطرق الالتفافية ( الاستيطانية ) اليهودية في كل أحياء وحارات المدينة القديمة وصولا إلى السيطرة الكاملة  على الشطر الشرقي من القدس في نهاية المطاف.
وفي عهد حكومة شيمون بيريز- اسحق شامير الثنائية 1985-1992 اتسمت السياسة الصهوينة تجاه القدس بالجمود بفعل الانتفاضة  وبدء ماسمي بمؤتمر مدريد للسلام في 30 تشرين الاول 1991 لكن هذا لم يمنع من مواصلة بناء المزيد من المستعمرات وتوسيع القائم منها واستكمال تهويد القدس بهدف اخراجها من جدول اعمال المفاوضات والزام الطرف الفلسطيني بالاعتراف بسياسة الأمر الواقع عند بحث مسالة القدس فيما سمي بمفاوضات الوضع النهائي.
        وفي 21 تشرين الاول 1993 سن الكنيست الصهيوني في عهد حكومة اسحق رابين الثانية 1992_ 1996، قانونا يقضي بالتزام الحكومة بالحصول على موافقة ثلثي اعضاء الكنيست أي بموافقة 80 عضوا من مجموع 120 عضوا (لاجراء أي تعديل على حدود مدينة القدس او مكانتها). وقد جاء ذلك القانون كما قيل في حينه من اجل الحيلولة دون اقدام اية حكومة على الاستجابة للضغوط الدولية المحتملة، كما اقر الكينيست في 10 ايار (1994 قانونا اخر يقضي بان تبقى ((مدينة القدس موحدة الى الابد تحت سيادة اسرائيل)). وفي مطلع 1995 افصحت حكومة رابين عن عزمها على مصادرة اكثر من (22) هكتارا من اراضي الفلسطينيين في (القدس الشرقية) لبناء مجمع سكاني لليهود ومركزا للشرطة. ولم يستطع مجلي الامن ان يحول دون عملية المصادرة الواسعة النطاق هذا بفضل (الفيتو) الامريكي في 17 ايار 1995 حيث بررت المندوبة الامريكية انذاك مادلين اولبرايت الفيتو الامريكي بالقول: ( اننا لم نصوت ضد القرار لاننا نؤيد مصادرة اسرائيل اراضي القدس، ولكن حكومتي اضطرت لمعارضة القرار لان مجلس الامن علية ان يقول رايا في الوضع الدائم للقدس بينما يتحدد هذا بالمفاوضات بين الاطراف المعنية بالقضية).
        وجاءت حكومة بنيامين نتنياهو ايار 1996_1999) لتدعو الكنيست الصهيوني لسن قانون يقضي بعدم جواز الانسحاب من أي شبر من القدس الا بعد اجراء (استفتاء شعبي) على ذلك وان لاعودة الى خطوط الرابع من حزيران 1967.  وعند فوز نتنياهو  في الانتخابات قال: ( لقد تم انتخابنا حتى نسهر على القدس) و(ان القدس ان تكون موضع تفاوض) و (لااحد يريد اعادة بناء سور برلين في القدس) و(سوف تستمر القدس غير مقسمة وتحت سيادتنا وان نعيد تقسيم القدس).
        وسار ايهود باراك على نهج من سبقه بعدما وصل الى السلطة في  الكيان الصثهيوني (6 حزيران 1999_10 كانون الاول 2000) وؤكدا على (ان القدس عاصمة اسرائيل الابدية). وقد تابع باراك سياسه تهويد القدس وكان يردد بان القدس (قلب اسرائيل) و(اسرائيل) لايمكن الن تعيش بقلب منقسم.
        وفي عهد شارون (2001) استمرت عملية التهويد بابشع صورها ومن ذلك ان لجنة امن القدس التي شكلتها الحكومة الصهيونية اوصت بسلسلة من الاجراءات ضد مدينة القدس والاقصى منها منع البناء في المسجد الاقصى وساحته ومنع دخول مواد البناء الى ساحة الحرم وايقاف خطب التحريض في يوم الخمعة ضد الاحتلال وهذا فضلا عن سياسة القتل والتشريد وجرف المزارع العائدة لاهلنا في فلسطين وحتى كتابة هذه السطور فان عملية التهويد مستمرة وحكومة بنيامين نتنياهو الحالية تواصل العملية ولعل من ابرز مااقدمت عليه منع ابناء القدس من الاعداد للاحتفال بمدينتهم عاصمة للثقافة العربية.
اجراءات الحفاظ على هوية القدس العربية الاسلامية
        قاوم الفلسطينيون محاولات التهويد واخذوا يدافعون عن عروبة مدينتهم وكانت خطوتهم الاولى انشاء (الهيئة الاسلامية العليا) التي انطلقت في عملها استنادا الى فتوى شرعية مضمونها (انه اذا احتلت اراضي المسلمين من قبل غير المسلمين فعلى المسلمين ان يديروا شؤون انفسهم بانفسهم). وبناء على ذلك تم انشاء المدارس الشرعية والمحاكم الشرعية. وقد نجحوا في اخراج الجيش الصهيوني من المسجد الاقصى ومن دوائر الاوقاف كما انشاوا مدارس الايتام الاسلامية واسسوا (المقاصد الخيرية الاسلامية) التي فتحت بضعة مستشفيات ويناضل الفلسطينيون من اجل ان يبقوا مدينتهم ويناضل الفلسطينيون من اجل ان يبقوا مدينتهم عربية اسرللامية ويدرك الصهاينة ان كل محاولاتهم للاستيلاء  على بيوت داخل البلدة القديمة باءت بالفشل لذلك يسعى الصهاينة لاقامة مستعمرات خارج مدينة القدس ليحاصروا بها المدينة .
        تحدث ابن القدس والمسؤول عن ملفها المرحوم فيصل الحسيني عن ( القدس منذ حزيران 1967) في محاضرة القاها في 22 كانون الاول 1997 فقال: ( ان معارك عنيفة خاضها الفلسطينيون من اجل الاحتفاض بمؤسساتهم الاثقافية والاجتماعية في القدس وعملوا بكل قوة لمنع الحاق هذه المؤسسات بالمؤسسات الاسرائيلية وقد مكنت هذه المعارك والمواجهات الفلسطينيين من الحفاظ على الشخصية العربية الاسلامية في القدس كما هي، ولم تسمح بان تكون اسرائيل هي المسيطرة. فالتجار الفلسطينين رفضوا الانضمام الى الغرقة التجارية (الاسرائلية) كما احتفظ الفلسطينيون بمؤسساتهم الصحية والدينية والتعليمية وقد توجت كل هذه الجهود في التسعينات عندما اصبح الفلسطينيين عنوان سياسي بمدينة القدس هو (بيت الشرق) استكمالا للتواجد الفلسطيني في هذه المدينة. واضاف الحسيني يقول ان ابناء القدس لايزالون يقاومون سياسة العزل والتهويد وصد عملية التقدم الاستعماري في البلدة القديمة وينظم الشبان في لجنة القدس وفروعها وهم في صراع دائم مع الصهاينة الذين مانفكوا يعملون من اجل توسيع حدود بلدية المدينة لتصبح 72كم2 والهدف هو جلب المزيد من المستعمرين الى مدينة القدس ومنافسة الاغلبية العربية فيها.
        ويعتمد الصهاينة سياسة العزل والطرد عزل القدس عن محيطها العربي والدولي وطرد السكان العرب وترحيلهم وهدم مساكنهم وتخريب مزارعهم وتقيم السلطات الصهيونية نقاط تفتيش حول المدينة لمنع كل من لايحمل تصريحا من الدخول ، وحرم ابناء الضفة الغربية وغزة من زيارة المدينة المقدسة ومنع الفلسطينيون من اعمار محدودة من الصلاة في المسجد الاقصى .
إن القدس مازالت تتعرض منذ احتلالها سنة 1967 لأكثر الحملات المبيتة شراسة لمحو صبغنها العربية الإسلامية ولم يخفف من غلواء تلك الحملات ما يسمى بمفاوضات السلام ، فبعد مدريد 1991 واوسلو 1993 تفاقم المخطط الإسرائيلي واتسعت ( عملية ألاسرلة ) فالاستيطان جار على أشده وابتلاع المدينة مازال قائما ، فعلى سبيل المثال بلغت الأراضي المصادرة بعد اوسلو 1993 نحو 45 ألف دونم . لقد عمل الاسرائيليون على تكوين جدار استيطاني سكاني على شكل قوس يحيط بمدينة القدس الشرقية ويتصل من خلال قاعدتي بالقدس الغربية ومد السنة استيطانية من هذا القدس الى القدس الغربية حتى يقسموا القدس الشرقية الى جزر منفصلة ثم ياتوا الى هذه الجزر ويزرعوا في داخلها نقاط استعمارية كي يتم التهام هذه المدينة قطعة قطعة بعد تغيير معالمها السكانية وخلق اغلبية عديدة من السكان اليهود وذلك من خلال بناء مستعمرات تستوعب المهاجرين اليهود على الارض العربية التي تم احتلالها بحيث يعمل ذلك على تكريس الوجود الصهيوني وضرب اية محاولة لاقامة دولة عربية فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس
ان القدس العزيزة مازالت تتعرض منذ احتلالها سنة 1967 للتهويد على الرغم من أن أحدا على المستوى الدولي، لم يعترف بضم القدس إلا القلة القليلة التي اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهذا يتطلب من العرب ومن المسلمين أن يرتقوا إلى مستوى المسؤولية، ويعملوا على كافة الأصعدة لمنع إسرائيل من التهويد، والسعي باتجاه الحفاظ على هوية القدس العربية بشتى الوسائل الممكنة ويقينا أنهم قادرون على ذلك إن أرادوا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...