الأحد، 2 فبراير 2020

دير مار ايليا في الموصل ا.د. ابراهيم خليل العلاف



دير مار ايليا في الموصل 


ا.د. ابراهيم خليل العلاف 
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل 

هذا الدير سيء الحظ يقع بحدود خمسة كيلومترات جنوبي مدينة الموصل وداخل معسكر الغزلاني وقد دمر سنة 1743 عند حصار نادرشاه للموصل وعمر بعدها ودمر اخيرا على يد عناصر داعش عندما دخلوا الموصل 2014 ... دير مار إيليا (بالسريانيَّة: ܕܝܪܐ ܕܡܪܝ ܐܝܠܝܐ) هو دير يقع في الجانب الأيمن من نهر دجلة جنوب الموصل داخل معسكر الغزلاني ...ظل خاليا من الرهبان فترة طويلة من الزمن وهو من الاديرة القديمة العريقة أسسه الراهب ايليا الحيري في نهاية القرن السادس الميلادي وترك الدير وتوجه نحو نصيبين ثم بنى ديرا هناك .. وفي الدير زخارف ونقوش .
كتب عنه المطران سليمان صائغ في الجزء الثالث من كتابه ( تاريخ الموصل ) فقال ان اسمه ايضا ( دير السعيد ) وان مؤسسه بناه قريبا من ( حصنا عبرايا ) اي القلعة المقابلة التي منها يُعبر الى نينوى الجديدة وسماها ابن الشعار في قصيدة له (قسطرا ) اي الحصن او القلعة . وحصن عبرايا كما قال بج كان في الجانب الغربي وهو مدينة الموصل .
دير مار ايليا الحيري هو نفسه الذي يسميه الناس دير الشيخ سعيد وموقعه على بعد سبع كيلومترات من مركز مدينة الموصل وفي منخفض من الارض هذا المنخفض كان يسمى (وادي الدير ) والوادي دائما هو موضع لمجرى مائي قديم وتكتنف الدير وتحيط به تلال هذه التلال رأيتها في الخمسينات من القرن الماضي وقد اكتست في فصل الربيع بالخضرة لذلك عندما عدت ادرس تاريخ الدير اطلعت على الكثير من القصائد التي يتغنى فيها الشعراء بحسن جمال هذا الدير وموقعه وطيب هوائه .
وللشاعر الموصلي الخالدي عثمان قصيدة في دير سعيد مطلعها :
يا حسن دير سعيد اذا حللت به *** والارض ُوالروضُ في وشي وديباج 
وللاسف هذا الدير كان خلال ال100 سنة الماضية مهملا كما قلت ولم يبق منه الاهيكل عار من النقوش والكتابات القديمة مع بعض المساكن المتداعية وكنا نرى خارج جدران هيكل الدير اخربة كثيرة تتراوح مسافتها بين ال 6000 متر -7000 متر ويبدو انها انقاض الدير وتحتها الابنية القديمة وفي الحقيقة لااعلم حالة الدير الان .
مؤسس هذا الدير هو ايليا الحيري اي من الحيرة ايليا الحيري العبادي المعروف عند المؤرخين وقد وجدنا سيرته في كتب كثيرة منها كتاب ( المرجي ) وكتاب ( المجدل ) وكتاب ( التاريخ السعرتي ) وكتاب (معجم البلدان ) لياقوت الحموي وكتاب الثعالبي (يتيمة الدهر ) وذكره ابن المقدم في قصيدة له وكل من كتب عنه كان يؤكد انه اي ايليا الحيري عربي من اسرة عريقة في الحيرة وانه مال الى الزهد منذ حداثته فقصد مدرسة نصيبين المعروفة وتلقى دروسه فيها ثم قصد جبل الازل وترهب في دير ابراهام الكبير ويروي عنه المرجي فيقول ان بعض الرهبان تجاوزوا حدود مسلكهم الرهباني فأخذت مار ايليا اي القديس ايليا غيرة عربية وحاجج الرؤساء ونبههم على اهمالهم . 
القديس ايليا زار الاراضي المقدسة وارض الصعيد صعيد مصر حيث الاديرة ثم عاد الى الموصل ليؤسس ديره الشهير الذي اتحدث لكم عنه وهو دير مار ايليا وقد علق صاحب كتاب (التاريخ السعرتي ) على ذلك فقال ان مار ايليا قصد ارض نينوى وسكن في الجبل قريبا من نهر دجلة وكان هناك مكانا تكثر فيه السباع وقد قاد عددا من الرهبان اجتمعوا اليه وبنى ديره ايام هرمز بن كسرى انو شيروان (579- 590 ميلادية ) .
نعم عاد مار ايليا الحيري من فلسطين الى الموصل واعتزل في مكان بجوار مدينة الموصل بالقرب من ناسك شيخ كان يقيم في مغارة من الجبل وربما هي المغارة المعروفة ب( المعبدة ) في الجبل على بعد بضع دقائق من الدير وفي الحقيقة ان موقع الدير فيه تلال ومنها تل الغزلاني وتل الذهب وهما من التلال المعروفة في جنوب الموصل وهي الى التل اقرب من ان تكون جبلا . 
دير مار ايليا الحيري يسمى ايضا دير الشيخ سعيد ويرجع ياقوت الحموي صاحب كتاب (معجم البلدان ) سبب تسميته بهذا الاسم دير الشيخ سعيد الى والي الموصل الاموي سعيد بن عبد الملك بن مروان وكان الوالي سعيد وقد تقلد ولاية الموصل خلال حكم والده الخليفة عبد الملك بن مروان سنة 65 هجرية - 684 ميلادية قد مرض وجيء به الى دير مار ايليا وشفاه من علته طبيب من اهلنا المسيحيين اسمه سعيد ايضا كما تقول يعض المصادر التاريخية لذلك كافأه الوالي وهو الامير سعيد بأن بنى له ديرا بظاهر الموصل ووهبه ارضا .
ولنسمع ياقوت الحموي يقول : " غربي الموصل قريبا من دجلة دير سعيد ، حسن البناء واسع الفناء وحوله قلالي كثيرة للرهبان " .
ومن الاحداث التي شهدها الدير المعركة التي وقعت بين مؤنس الخادم او مؤنس المظفر وبين بني حمدان .ومؤنس المظفر احد كبار قادة الجيش العباسي في خلافة المقتدر بالله وقدخلع طاعة الخليفة وجاء الى الموصل بشتات من القبائل سنة 320 هجرية اي 932 ميلادية وكانت بينه وبين ناصر الدولة الحمداني صاحب الموصل وقائع شهيرة انصر فيها مؤنس المظفر ودخل الموصل ثم صالحه وسالمه ناصر الدولة الحمداني .
المؤرخ ابن خلكان في الجزء الاول من كتابه ( وفيات الاعيان ) كتب عن دير مار ايليا ونسبه الى سعيد بن عبد الملك بن مروان وقال :" كنت اظن ان دير سعيد منسوب الى سعيد بن حمدان من ملوك الموصل الحمدانيين حتى رأيت ما كتب عنه في كتاب (الديرة ) منسوبا الى سعيد بن عبد الملك حتى ان ابن المقدم وافق في قصيدة له نسبة الدير الى سعيد بن عبد الملك بن مروان والي الموصل الاموي وفصل في مرضه وشفائه من مرضه فبنى له ديرا واوقف عليه الاملاك وعُرف منذ ذلك الوقت بدير سعيد . وقال ان مار ايليا ادرك الوالي سعيد لانه عاش مئة ونيفا .
الذي اريد ان اقوله واختم به حديثي عن دير مار ايليا انه يقع داخل معسكر الغزلاني وقليل من الناس من يعلم به او انه قد زاره فالدير له تاريخ وتاريخ ثر اتسعت شهرته في الشرق من خلال رجاله وما كانوا يحملونه من علوم وقد ذكره المؤرخون والبطاركة ومنهم الحديابي وطيمثاوس الكبير وثمة مدونات تاريخية تشير الى ان الدير ظل عامرا طيلة اجيال حتى سنة 1732 ميلادية حين ارسل نادرشاه جيشا بقيادة نركس خان يتألف من ثمانية الاف جندي بعد ان رفض السلطان محمود بن السلطان مصطفى الثاني العثماني ان يتنازل لنادرشاه عن بعض اقسام العراق وقد خربت قوات نركز خان الدير ونهبت محتوياته و دمرت اجزاء منه ولم يبق منه الا ماترونه في هذه الصورة المرفقة .
لا أدري هل بالامكان إعادة بناء الدير او تعميره من جديد بإعتباره ديرا له تاريخ أم لا... والامر متروك لأولي الامر .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...