صورة الحاج علي محمد رسول الموصلي الملقب بالبستانجي
بساتين الفستق في الموصل*
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل
وانا اتحدث الى الاخ المهندس الكيمياوي الاستاذ خالد علي محمد رسول الموصلي من محلة الشهوان بمدينة الموصل القديمة ،جاء ذكر الفستق الموصلي وبساتين الفستق في الموصل التي كانت تنتشر في مناطق عديدة من مدينة الموصل فضلا عن بعض اطراف الموصل في بعشيقة والفاضلية وبحزاني .
وقال انه كان يشتغل مع والده الحاج علي محمد رسول الموصلي في هذا المجال ، وان والده كان متخصصا في تطعيم وتقليم وتأجير بساتين الفستق وطرق جنيه ،ومعالجته وبيعه .واضاف يقول :" كان والدي رحمه الله الحاج علي محمد رسول متخصصا ماهرا في التطعيم ، وكان عنده نسبة نجاح التطعيم تفوق التسعين في المئة ، وكان يعمل على تطعيم معظم بساتين الفستق ؛ فيختار البراعم الجيدة من أشجار مختلفة ويطعمها على الأشجار الذكور ،اثناء عملية جني محصول الفستق والتي تبدأ من (15 ) آب –اغسطس ، وتمتد إلى أكثر من شهر .واضاف يقول انه كان يرى قسم من اشجار الفستق غزيرة الإنتاج فكل فرع أو غصن من الشجرة يحمل لونا مختلفا من الفستق عن الآخر فكان يعجب بذلك ويسأل والده عن سبب وجود الوان وانواع من حب الفستق على شجرة واحدة فيجيبه أن هذه الشجرة أصلها ذكر تم تطعيمها ببراعم قد يكون عددها أكثر من عشرة براعم وهذه البراعم من أشجار مختلفة وان الفستق بعد نضجه له الوان منها الابيض والابيض المائل للصفرة والبنفسجي والاحمر.
واتذكر وانا طفل صغير في الاربعينات من القرن الماضي انني كنت اشاهد بساتين الفستق تطوق مدينة الموصل من الشمال والجنوب والشرق والغرب وفي جانبي الموصل الايمن والايسر .
والفستق الموصلي ، وهو شبيه الفستق الحلبي يمتاز بنوعيته الراقية ، وطعمه الذي يتميز على الفستق المنتج في الدول المجاورة وهيتركيا وإيران وسوريا ،وأشجار الفستق الموصلي تعمر إلى مايزيد على المائة سنة وتكون الشجرة في هذا العمر بحجم كبير وإنتاجية عالية ،وعادة يكون الإنتاج وفيرا في سنة وضعيفا في سنة اخرى تبعا لحالة الطقس .
وانواع الفستق الموصلي من حيث الحجم هي أربعة:النوع الأول هو حجم الحبة يكون متوسط كالموجود الحالي من انواع الفستق في السوق ويمثل نسبة أكثر من 90 بالمئة من كل الفستق الموجود في الموصل،النوع الثاني تكون حبته كبيرة تساوي ضعف الحبة الاولى وكانوا يسمونه ب(الفستقة الحلبية) وعدد أشجاره قليلة جدا ،والنوع الثالث ويمتاز بحلته الكبيرة ولكنها بيضوية اقرب للكروية وتسمى ب (الفستقة العجمي) ،اما النوع الرابع فتكون حبة الفستق صغيرة جدا حجمها يعادل نصف حجم حبة الفستق العادي من النوع الأول ويسمى لسان العصفور ،وهذا ايضا يوجد بكميات قليلة جدا في الموصل .
كانت بساتين الفستق المنتشرة في الموصل تنتج عشرات الأطنان سنويا ، وكانت تؤجر من قبل أُناس متخصصين بجني المحصول حيث يقومون بخدمة أشجار الفستق ، والعناية بها مبكرا وتشمل اعمال الخدمة تقليم الأشجار والتي تقوم على اساس (إزالة الأغصان الميتة) وكذلك اعمال التطعيم ،واعمال إزالة الادغال والحشائش من تحت الاشجار،كذلك عمل احواض تحيط بالشجرة بعمق 15-20 سم لأغراض السقي والاحتفاظ بالماء ،ثم متابعة سقي الأشجار خاصة بداية الصيف حتى بعد جني المحصول بالكامل.
ان عملية زراعة الفستق الحلبي ليست سهلة ، وتصاحبها بعض المعوقات فعلى سبيل المثال تزرع حبات الفستق كاملة النضج مع قشرها اللحمي الذي يغطي القشر الصلب للحبة في ما يسمى (لاحات) . وبعد النمو وعندما تصبح الشتلة بطول حوالي 30-40 سم تصبح (داية) وتحول إلى (خطوط ) وتترك مسافة بين شتلة وأخرى مالا يقل عن 5 أمتار كذلك تكون المسافات بين خط وخط حوالي 5-6متر الذي اريد ان اقوله ان شجرة الفستق تحتاج إلى أكثر من سبعة سنوات حتى تُعطي المنتوج ،وهنا قد تظهر مشكلة وهي أن نسبة الأشجار الذكور قد تكون كبيرة جدا قد تصل إلى 70 بالمئة من مجموع الشتلات المزروعة أو بالعكس اي الأشجار الإناث تكون أكثر ، وهذا ما يرتاح له المزارع وهنا يمكن تلافي هذه المشكلة من خلال تطعيم كل الذكور ببراعم تؤخذ من ألاشجار الإناث وبعد نجاح التطعيم يبدأ الانتاج بغزارة من هذه الأشجار التي كانت بالاصل ذكور.
اعود لاقول ان مراكز بساتين الفستق في الموصل خلال ال (100 ) سنة الماضية كانت تتركز في اماكن عديدة لكن حركة العمران ، وظهور الاحياء السكنية اكتسحت هذه البساتين وزحفت اليها وانهتها من الوجود ولازلت اتذكر بساتين الفستق في محلة النبي يونس والتي تعود لبيت الحاج علاوي .
وهناك في الفيصلية وهو حي النصر حاليا بساتين الفستق التي تعود لآل حمو القدو ، وبساتين قرب حي دوميز وحي فلسطين الحالي وكانت تعود الى الحاج هيثم الدباغ .. ولاننسى بساتين حاوي النمرود التي تعود لآل النجيفي . وفي يارمجة كانت هناك بساتين للفستق تعود لبيت خضر الفركاحي . وكان مركز منطقة الدواسة الحالية وخاصة جنوب المنطقة يعج ببساتين الفستق وخاصة مقابل بناية سينما حمورابي وهناك بساتين الفستق التي تحيط بقصر المطران في الدواسة . واذا ما عدنا الى منطقة الجوسق فإن المنطقة سميت بالجوسق لكثافة اشجار الفستق فيها ؛ فهناك على سبيل المثال (بستان الخاتون) والخاتون المقصودة هنا هي زوجة الكاتب والصحفي يونان عبو اليونان رئيس تحرير جريدة ( الموصل ) بعد الاحتلال البريطاني للموصل سنة 1918 .. وهناك بستان بيت النجم ، وبستان بيت محمد طه الصوفي التي اصبحت حاليا ضمن قاعدة عباس بن فرناس الجوية والمرحوم محمد طه الصوفي هو والد صديقنا الاستاذ جاسم الصوفي مدير الاعدادية الشرقية السابق * وكذلك بساتين الفستق مقابل معمل السكر ، والتي اصبحت ضمن مدرج مطار الموصل .
في الجانب الايمن كانت هناك بساتين للفستق في حاوي الكنيسة عند دير مار ميخائيل والذي تحدثت عنه في حلقة سابقة ، وكانت هذه البساتين تعود للدكتور عيسى سرسم ونجيب سرسم ..وهناك في (حاوي الجنيسة) كما يسميه الناس (بستان الساعاتي) ، والتي اشتراها افراد من عائلة السرحان منذ اواخر الستينات من القرن الماضي من القرن الماضي ، وهناك بستان احمد الحاج خطاب والد المحامي تحسين النجار .
ومن المؤكد ان كل هذه البساتين سواء في جانب الموصل الايمن ام الايسر كانت عامرة بأشجار الفستق الجيد وكما سبق ان قلت فإن جني الفستق يبدأ في (15 ) من شهر آب من كل سنة ، ويستمر الجني الى شهر او اكثر من شهر حسب حجم البستان اوكمية الانتاج ،عملية الجني تبدأ من الصباح الباكر حتى منتصف النهار وتتم معالجة المحصول من خلال فصل الحبوب عن العناقيد ثم تجرى عملية التطويف بالماء لفصل الفستق الفارغ عن الممتلئ بواسطة قدور كبيرة ،تبدا بعدها عملية القشر لفصل الغلاف اللحمي للحبة عن الغلاف الصلب بعدها يتم الغسل والفصل اليدوي للحبوب،بعدها يتم النقع بقدور كبيرة تشبه قدور سلق الحنطة ايام زمان ولمدة ليلة كاملة ،وبعدها يوضع تحت أشعة الشمس على ساحة اسمنتية ويجف خلال يومين مع التقليب المستمر،بعدها يرسل للسوق وتتم المزايدة عليه وكان يباع بالمن وليس بالكيلو مع ملاحظة أن الفستق من النوع الثاني والثالث كان يباع أغلى من النوع الأول وكان يؤخذ كهدايا. واغلب من كان يتولى عملية جني الفستق هم من العمال والعاملات من بعشيقة ، وبحزاني .
ومن العاملين في مجال زراعة الفستق محمود خنجر ،والحاج ادريس ،والحاج اسماعيل كان عنده محل بيع كرزات في الميدان،الحاج عدنان الحلاوجي،الحاج جاسم ابن مراد،الشيخ وريد من بيت شيال العلم ،الحاج سلطان الحلاوچي،حكمت ال مراد ،رحمهم الله جميعا
ان من أسباب اختفاء بساتين الفستق من خارطة الموصل الزراعية: ١- اسباب حضرية كاحاطة البناء والاحياء الجيدة ببساتين الفستق والتجاوز عليها كما حصل في بساتين بيت الحاج علاوي في حي المالية ،وكذلك بستان الدواسة وبساتين الجوسق ،والمطار ٢- وفاة أصحاب البساتين وعدم اهتمام الورثة بها وبيعها على شكل اراضي سكنية. ٣- ارتفاع منسوب المياه الجوفية في الموصل بسبب إنشاء سد الموصل وبدء تخزين الماء منذ عام 1985 والذي أثر سلبا على الأشجار وجعلها تموت.
ادعو الفلاحين واصحاب المصالح الزراعية في محافظة نينوى الى الاهتمام بإعادة زرع اشجار الفستق في الموصل واستخدام الاساليب الحديثة في زراعة اشجار الفستق والسعي لجب نوعيات متطورة من دول معروفة وخاصة في مناطق اواسط اسيا خاصة وان زراعة وانتاج الفستق يعد من المهن المربحة والمفيدة للبلد .
هذه هي قصة بساتين الفستق في الموصل رويتها لكم لكي تتعرفوا على ان الموصل كانت تزخر ببساتين الفستق الذي كان يضاهي الفستق الحلبي في جودته ونوعيته .. وللاسف فإن معظم هذه البساتين التي ادركتها في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي قُطعت وتغير صنف اراضيها من زراعية الى ملك صرف ووزعت او بيعت لجمعيات بناء المساكن وتحولت الى احياء منها احياء المالية والضباط ودوميز والوحدة وغير ذلك من الاحياء السكنية التي تعرفونها .
________________________________
* من اليسار الحاج اسماعيل ابو غازي والحاج ادريس ابو غانم شركاء الحاج علي محمد رسول الموصلي في تأجير بساتين الفستق ،ثم المرحوم مدرس التاريخ حسن علي محمد،ثم احمد ابو شوارب نسيب الحاج ادريس ،وخالد علي جالس في وسط الصورة
من اليمين المرحوم اخو خالد حسن ،مع نايف اليزيدي من بعشيقة أثناء عملية جني الفستق وفي أيدي كل واحد منهم أداة جني الفستق الباكور أو الجاكون
المرحوم حسن اخو خالد مع غانم ابن شريك الحاج علي محمد رسول الموصلي، ادريس رحمهم الله جميعا في بستان الفستق أثناء موسم الجني
من اليمين المرحوم حيران هندوك البعشيقي مسؤول العمال مع المرحوم حسن في البستان
المرحوم حسن أثناء عملية جني الفستق من الأشجار مستخدما السلم المثلث وهو من أدوات القطف المهمة مع الباكور ،والشالات التي تفرش على الأرض تحت الشجرة حتى يسقط الفستق عليها ويسهل جمعه،والشال هو قماش من الجابان مستطيل الشكل بطول 4_5 متر وعرض3_4 متر
كوم من الفستق
مجموعة من العمال والعاملات
صورة المرحوم الحاج علي محمد رسول الموصلي وهو يقف في ساحة فرش الفستق في بستان المرحوم احمد الحاج خطاب المعاضيدي في حاوي الكنيسة
اسماء العاملين في بساتين الفستق مع الحاج علي محمد رسول الموصلي وهم شركاؤه :منهم المرحوم محمود خنجر ،والحاج ادريس ،والحاج اسماعيل كان عنده محل بيع كرزات في الميدان،الحاج عدنان الحلاوجي،الحاج جاسم ابن مراد،الشيخ وريد من بيت شيال العلم ،الحاج سلطان الحلاوچي،حكمت ال مراد ،رحمهم الله جميعا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق