الاثنين، 10 فبراير 2020

قصر الحاج توفيق الفخري بقلم : ا.د. ابراهيم خليل العلاف








                                                                             اليازلغ
                                                            مدخل القصر من جهته الغربية
                                           منظر عام لقصر الحاج توفيق افندي في الموصل 


قصر الحاج توفيق الفخري

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس  -جامعة الموصل

ومن .. من الموصليين من لايعرف قصر الحاج توفيق  افندي الواقع على ربوة قرب بناية المستشفى العام يراه الذاهب  يسارا بإتجاه حي النجار .وقصر الحاج توفيق افندي لايزال قائما بالرغم مما تعرض له خلال سيطرة عناصر داعش على الموصل 2014-2017 وحرب تحرير الموصل وكلنا كنا نتابع ما تعرضت له مكتبة صديقنا الاستاذ جنيد الفخري الذي كان يتخذه سكنا له .
وقصر الحاج توفيق افندي كما كتبت مرة وتحدثت عن قصور الموصل قلت انه من قصور الموصل المشهورة الموصل التي زخرت بالقصور ومنها قصر المنقوشة وقصر المطران وقصر الدكتور كريكور استارجيان  وقصر يحيى باشا الجليلي وقصر ناظم العمري وقصر الصيرمون وقصر الصابونجي وقصر الضيافة .
وللطرافة اقول ان في قصر الحاج توفيق افندي الفخري صورت احداث الفيلم الاميركي ( التعويذة ) سنة 1973 . كما انوه الى البحث  القيم  الذي اجراه الاستاذ الدكتور ذنون الطائي عن القصر وبعنوان ( من تاريخ وآثار قصور مدينة الموصل : قصر توفيق الفخري إنموذجا) .
ومما قلته مرة وانا اتحدث لكم في حلقة سابقة عن ( قصور الموصل ) بأن الموصليين اهتموا بمدينتهم فشيدوا الأبنية الفخمة ، وزينوها بزخارف جميلة ، وغرسوا في دورهم وقصورهم الرياحين والأزهار والأشجار المثمرة . ووصف  شاعر الموصل السري الرفاء المتوفى سنة 971 ميلادية مدينته بقصائد جميلة صورت لنا ما كانت عليه الموصل من جمال التنسيق..ودقة الفن .هذه هي الموصل كما أدركتها أنا على الأقل ومجايليي من أبناء ما بعد الحرب العالمية الثانية . واستطيع أن أقول أنها كانت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي أجمل وأرقى مما هي عليه الآن بالرغم من مرور أكثر من 50 سنة على تلك الفترة .
أريد اليوم ان اقدم لكم شيئا  عن الحاج توفيق افندي الفخري وقصره  . وكما قلت فإن الموصليين وخاصة كبار السن منهم يعرفون القصر الذي بني في الطرف الشمالي في الموصل والقريب اليوم من المستشفى العام في ايمن الموصل ويدعى (قصر الحاج توفيق افندي ) ويقال انه بني سنة 1914 وكان يسكنه قبل 2017 حفيد بانيه الصديق الاستاذ جنيد الفخري  والقصر على طراز القلاع في شكله الخارجي وعلى الطراز المعماري العثماني في هندسته من الداخل حيث الفناء الكبير والاواوين و( اليازلغات ) والغرف الكبيرة (الاودات جمع اوده ) ويبدو ان القصر بني ليس للسكن فيه حيث بيت الحاج توفيق الفخري كان في حضيرة السادة بل للاصطياف وخاصة في الربيع والصيف وباني القصر هو توفيق بن يونس افندي الفخري وقد تعرض القصر للترميم فيما بعد وخاصة في سنة 1928 الا انه اهمل بعد ذلك اهمالا شديدا ويبدو اليوم للناظر وكأنه أطلال عفا عليها الزمن ، وقد آل القصر بعد وفاة الحاج توفيق الفخري سنة 1917 الى ورثته وخاصة ولده نعمان وشقيقاته (زينت)  و( زهرية ) و( مرضية)  و( نعيمة)  و( رشدية)  والى زوجته ( خديجة بنت مصطفى الدملوجي ) .

والان اريد ان اقف قليلا عن باني القصر وهو الحاج توفيق افندي  الفخري واقول مع استاذي الدكتور عمر الطالب في موسوعته (موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين ) وهو يترجم لتوفيق افندي الفخري انه أي توفيق افندي بن يونس بن سليم بك الفخري من مواليد سنة 1279 هجرية أي 1863 ميلادية وهو من ال الفخري الكرام الاسرة الدينية التي انجبت الكثيرين ممن اسهوا في بناء العراق الحديث في مجالات الحياة كافة وخاصة في حقلي التعليم والقضاء .
كان والده من خبراء قوانين الاراضي والاملاك وقد شغل وظيفة ( مدير اراضي كربلاء ) . كما اختير ليكون رئيسا لبلدية الموصل سنة 1872  . تعلم في الكتاتيب القراءة والكتابة والنحو والصرف والعلوم الدينية واتقن اللغة العربية والتركية والكردية وجزءَ من الفارسية وتعلم آداب المجالس حيث كان يجتمع افاضل اهل وقته في مجلس والده،  ومجلس حسن افندي النقيب والحاج امين بك الجليلي وغيرها من المجالس.

امتلكت اسرة ال الفخري اراض وقرى وكان توفيق افندي الفخري هو من كان يساعد والده في ادارتها وبعد وفاة والده تفرغ كلياً لادارتها حيث ان شقيقه جميل كان منصرفاً للدراسة ثم توظف في دوائر العدلية وتوسع في عمله ومشاركاته الزراعية في الجانبين النباتي والحيواني والاتجار بالمواشي وقام بتنمية حصصه وحصص شقيقه في القرى المورثة لهما حيث اشتركا مناصفة حصصاً في قرى جكان ومشيرفة ودير هال وجزء من قرى عنزة والبقاق وحصص من الطواحين التي تعمل بقوة الماء في الباورسان والعميري والبقاق ومشرفة كما قاما بشراء حصص في قريتي تلموس وكهريز العائدتين الى ناحية زمار وكانا يرسلان الخراف بعد تسمينها الى الشام للاتجار بها بطريق (البرخانة) وكانت لهما مشاركات في الجمال والجاموس والخيول، كما كان يقوم بتضمين حصص كافة العائلة من البساتين المثمرة في كربلاء حيث يقوم بالسفر والبقاء هناك لادارتها بنفسه في حين يقوم شقيقه بادارة قرى الموصل وكانا يتبادلان المشورة في الشؤون الزراعية وتبادل اخبار الموصل وكربلاء بالرسائل المتواصلة والتي تحتفظ العائلة بجميع رسائلهما، والرسائل المذكورة اضافة الى سجلات الحسابات التي تركها بتاريخ 1321هـ– 1319 رومية قصد المترجم له بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج فسلك طريق الموصل الشام بيروت براً وركب الباخرة (الوابور) الى جده وادى مناسك الحج وعاد بنفس طريق الذهاب والرسائل والبرقيات المتبادلة مع شقيقه تشرح اوضاع السفر في تلك الايام وظروفها ومدة السفرة 1910-1913  

في 1912 م انتمى المترجم له الى حزب (الحرية والائتلاف) حيث يشير سجل الحسابات لتلك السنة بأنه دفع ليرة ذهب بدل الانتساب في حين انتمى الكثير من شخصيات الموصل في ذلك الوقت الى جمعية الاتحاد والترقي منخدعين بالشعارات التي رفعتها الجمعية المذكورة وقد كان حريصاً على الاطلاع على الاخبار والمعلومات الخارجية فقد دفع بدل الاشتراك في مجلتي  البلاغ والمفيد البيروتيتان وعلى الرغم من مشاغله فهو دائم الدراسة للكتب الدينية والفقهية

كانت له مكتبة عامرة  بكتب التفسير والفقه والمخطوطات النادرة في شتى المجالات وقد اودعت اسرته المخطوطات في مكتبة اوقاف الموصل سنة 1972  .

سجلاته الحسابية تشير الى انه اجرى رواتب شهرية الى بعض قراء القرآن الكريم في الجوامع ولمن يعمل في سبيلخانات الماء  في دور العبادة اضافة الى ان سجلاته مليئة بالقيود التي تشير الى تسليفه الغلال الزراعية في سنوات الجدب الى المحتاجين عين بعين (غلة بغلة) الى وقت الحصاد القادم دون ان يستغل الظروف الصعبة ويبيع الحبوب باسعار مضاعفة كما ان سجلاته الحسابية مليئة بمفردات العطايا والهدايا والمعونات والزكاة وتسليف المحتاجين من الاهل والاقارب والمعارف.

والحاج توفيق البكري  يعتبر اول من ادخل المكائن الحديثة في الزراعة  الى الموصل . فقد استورد هو ثلاثة مكائن حصاد تسحبها الحيوانات من اردنة 1907 ـ واستعان (بابن تبوني) في تنصيبها واصلاحها كلما حصل فيها عطل كما عمل على استبدال الطواقم القديمة في رحاتين (طاحونة الحبوب تعمل بقوة سقوط الماء) بأطقم (افرنجية) مستوردة ولاول مرة تدخل مكائن تعمل بالكاز الى الموصل فقد اشترى هو وشريكه في الاراضي ظاهر الباب العمادي سعدالله اغا التوحلة ماكنة لطحن الحبوب ونصبوها في الاراضي المشتركة بينها وجرى الاستيراد بدلالة التاجر المعروف شريف جلبي الدباغ الذي كان يعمل في التجارة في بغداد سنة 1909

  كما كان المرحوم الحاج توفيق يدخل في فض المنازعات التي تحدث بين الاشخاص وقد وجدت الكثير من الرسائل يطلب اصحابها  تدخله فقد وجدت رسالة من فرحان باشا من كبار شيوخ شمر يطلب فيها مشورته في موضوع النزاع الذي حصل بينه وبين اخيه حميدي بن الفرحان باشا وقد اشار عليه الحاج توفيق الفخري  ان يرسل اولاده للدخول في خدمة الدولة العثمانية حتى يضمن وقوفها بجانبه الا ان الشيخ حميدي واصل صراعه مع اخيه  وجلب العسكر العثماني لمعاونته في سلب مواشي العاصي وهناك رسائل اخرى تشير الى انه دخل في شراكات مع  العديد من التجار وخاصة  في مجال تجارة الاخشاب والعفص والحنطة والشعير والصوف كما كانت له تعاملاته الواسعة  مع (البنك الزراعي العثماني)  وبعض الصيارفة مثل عبدالله اليحيى وداؤد شلومو وعزرا طويك وخاصة في تحويل الليرات من كربلاء الى الموصل حصل الحاج توفيق افندي من الحكومة العثمانية على التزام جمع  اعشار قرى عديدة ففي 1909 التزم كافة محلات قصبة تلعفر فضلا عن بعض قراها ومنها قرى  ابو ماريا والمزرع وطشطة والعاشق وفقه وقرة تبه وهدوته والشيخ ابراهيم والعيرة وعين بلو وبيلان وتل السمن والكسك .
وفي السجلات  المحفوظة لدى ولده صديقنا الاستاذ محمد نستطيع معرفة اسماء ارباب العوائل في كل محلة من محلات تلعفر والقرى التابعة لها كما نستطيع تقييم الموسم الزراعي لتلك السنة.
على الرغم من مشاغل الحاج توفيق فقد اهتم بتعليم بناته الثلاث الكبريات لكي يضمن قيامهن بأدارة املاكه في حالة وفاته في حالة عدم ولادة من يرثه من الذكور حيث تأخر ولادة ذكر لحين ولادة ابنه الوحيد نعمان   سنة     1906 م فقام بتعليمهن القراءة والكتابة والحساب في حين اُوكل تدريسهن القرآن الكريم الى نساء بيت الشيخ علي وطيلة حياتهن كن على ثقافة تختلف عن مثيلاتهن في العمر فكن يحفظن اجزاء من القرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة بل ان الكبيرة منهن كانت تقرأ الصحف اليومية الى آخر ايام حياتها وبعد ولادة ابنه الموما اليه اهتم بتدريسه شخصياً ثم ادخله (الكتاتيب) في مسجد المكاوي ثم نقل الى المدرسة النظامية التي كانت تعرف بـ (رهبر ترقي) ثم في مدرسة (شمس المعارف).
 كان المرحوم الحاج توفيق افندي متمسكاً باداء الواجبات الدينية وذهب الى بامرني لأخذ الطريقة النقشبندية الخالدية على شيوخها . وبعد اخذه الطريقة عاد الى الموصل واعطى الطريقة الى والدته ايضاً ولم يكن يغادر الموصل الا بعد اخذ موافقة ومباركة شيخه على السفن والرسائل المتبادلة بينهما تفيض بالمعاني العالية وحينما ذهب الى الحج 1902-1904 نظم مضبطة لنسبه وقعها نقيب اشراف الموصل ووثقها قائمقام نقيب الاشراف في المدينة المنورة اشار فيها انه حنفي المذهب - اشعري المعتقد.
 كان الحاج توفيق افندي عضوا  في لجنة الاوقاف ( اوقاف  قومسيوني) في مدينة  الموصل وقد اوكلت  له  مسؤولية تنفيذ التعميرات في مرقدي الامام يحيى بن القاسم والجامع المجاهدي او جامع الخضر عليه السلام .

عندما دخل الانكليز الموصل في العاشر من شرين الثاني 1918 كان الحاج توفيق افندي الفخري قد غادر الموصل حيث كان لايطيق رؤية المحتلين وكان متعاطفا لاسباب دينية واجتماعية مع العثمانيين .وقد جمع اهله وقام بدفن بعض الاموال باماكن متفرقة من بيته (قصر الحاج توفيق) الا ان المنية قد عاجلته قبل الرحيل الذي اعد له الركائب والمستلزمات توفي في شتاء سنة 1918  وبوفاته افتقدت اسر السادة الاشراف رجلاً مهماً من رجالاتها فقد كانت له مواقف مشهودة مع الجميع واياد  بيضاء مع المحتاجين منهم كما كان لرأيه وزن في المواضيع المهمة وخاصة في اختيار نقيب الاشراف.  ففي سنة هجرية 1320-1903 ميلادية ـ كان له موقف وجمع الاراء لاختيار وترجيح كفة (السيد عبد الغني بن السيد حسن افندي النقيب) في النقابة وفعلاً فاز المذكور بالنقابة وبقي بالمنصب لحين وفاته رحمة الله عليه سنة  1942 .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...