حوار مع الدكتور ابراهيم العلاف
أجراه الصحفي الاستاذ ذنون قره باش
أنقره -تركيا
س1_ من من الشخصيات التاريخية الإسلامية
والمعاصرة قريبة الى نفسك وتعجبك ؟
من الشخصيات القريبة الى نفسي وتعجبني شخصية
الرئيس الخالد جمال عبد الناصر (1952-1970 ) . هذا الرجل الذي ايقظ الامة العربية
من سباتها ، وخلق فيها روحا جديدة من النهوض والاعتزاز بالكرامة وبالنفس ، وذلك من
خلال قيادته للتغيير في مصر الذي ابتدأ بثورة 23 يوليو –تموز 1952 ، وبناءه قاعدة
صناعية كبيرة في مصر واشاعته للثقافة، وتيسيره الصحف والمجلات والكتب بأثمان زهيدة
جدا ، وكذلك مقاومته للاستعمار ليس في مصر وانما في اسيا وافريقيا وامريكا
اللاتينية وتأميمه قناة السويس ، واهتمامه بالمفكرين والمثقفين وافساحه المجال لهم
لكي يكتبوا . وهكذا كان عصر عبد الناصر هو عصر نجيب محفوظ الروائي الكبير الذي حصل
على جائزة نوبل وعصر توفيق الحكيم صاحب (عودة الروح ) ، وعصر كاتب العبقريات عباس محمود العقاد ..كان عصر ام
كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ..
س2_ من يكتب التاريخ تحديدا ؟ المنتصرون أم
المؤرخون أم الأكاديميين أم المشاهير من العظماء ؟
التاريخ يكتبه المنتصرون مقولة شائعة ، لكنها ليست دقيقة مع انها صحيحة من بعض جوانبها
حيث ان المنتصر يفرض نفسه ، ويعمل من اجل ان يكتب المؤرخون ما قام به . لكن التاريخ الحقيقي هو من يكتبه المؤرخون
الثقاة المؤمنين بالحقيقة ولاشيء غير الحقيقة .وعنما يكتب هؤلاء التاريخ فإنهم
يلتزمون بما يسمى المنهج التاريخي وهو مجموعة الخطوات العلمية التي توصل الباحث لى
الحقيقة من خلال التنصيص والتهميش ، والعودة الى الاصول اي الى المصادر المعتمدة
وانا شخصيا مع المؤرخ الالماني ليوبولد رانكه أي الذي يقول ان على المؤرخ ان يعيد
تشكيل الحدث كما وقع أي بدون تزييف او ترتيش وهكذا هي المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة التي لاتزال
محافظة على تقاليد الكتابة التاريخية من خلال اعتماد المصادر الرئيسة، وعدم الالتزام بنظرية احادية في التفسير ، وانما
الاخذ بتعددية الاسباب والعوامل .
س3_ هل هناك قيود على الحريات في المجتمعات
العربية ولاسيما على كتابة التاريخ بشكل حقيقي وواقعي ؟
طبعا هناك قيود سياسية، وهناك قيود دينية ، وهناك قيود اجتماعية .ولكن
قوة هذه القيود او ضعفها تتراوح بين فترة زمنية وفترة زمنية اخرى .عندما يكون
الحاكم في السلطة لايسمح لاحد ان يكتب تاريخه واذا سمح فيجب ان تكون الكتابة وفق
ما يشتهي لذلك لابد من انتظار انتهاء الحدث ومرور فترة زمنية وتوفر المصادر
والمظان الرئيسة حتى يستطيع المؤرخ
الموضوعي ان يكتب تاريخا حقيقيا بعيدا عن تدخلات الحكام او الطبقة الحاكمة او
المتنفذون في السلطة .
س 4_ هل التاريخ يحتمل التزوير من قبل المؤرخين
والمعنيين بتاريخ البلدان العربية ؟ وكيف يتم حمايته من التزوير وخصوصا في الظروف
السياسية المتغيرة ؟
نعم كما يقول المؤرخ العربي الاسلامي الكبير عبد
الرحمن بن خلدون فإن التاريخ (مطية ) يسهل ركوبها .انت لاتستطيع ان تمنع احدا من
ان يكتب تاريخا ، وليس كل من كتب التاريخ يمكن ان نسميه مؤرخا .. وهناك مؤرخين
ارتبطوا بالسلطة وزوروا التاريخ ، وهناك مؤرخين ارتبطوا بحزب معين فزوروا التاريخ
لهذا نرى في المكتبة التاريخية العالمية ومنها العربية كتبا تاريخية رصينة واخرى
مزيفة ولابد للقارئ ان يميز الغث من السمين وهذا يعتمد على ثقافته ومرجعيته
الفكرية والسياسية والاجتماعية .
س5_ هل ترى المؤرخون طبقيون وقوميون في كتابة
التاريخ وفق مزاجهم أم يستندون الى أدلة ومعطيات تاريخية من واقع الأمة ؟
المؤرخ الحقيقي الذي تلقى تدريبا اكاديميا لايمكن
الا ان يكون متنورا ، وتقدميا ، ومهموما بالمظلومين والمضطهدين ولايمكن ان يكون
طبقيا ولا طائفيا بل منحازا الى الحقيقة والى الناس وليس الى الحاكم او الطبقة
التي ينتمي اليها .لكن هذا لايمنع من ان يكون هناك مؤرخون طائفيون او قوميون او
عنصريون او طبقيون .المؤرخ الحقيقي لابد ان يستند الى معطيات حقيقية والى ادلة
للحكم فلا تاريخ بلا مصادر والمصادر لابد ان تطبق عليها قواعد الجرح والتعديل اي
ما نسميه اليوم بالنقد الداخلي والنقد الخارجي اي نقد المتن ونقد السند .
س6_ هل هناك خطوط حمراء أمام المؤرخون ؟
نعم في بعض البلدان هناك قيود حمراء وهناك بلدان
ليس ثمة قيود او خطوط حمراء في بلداننا مشكلة التاريخ الاسلامي هو الدين ومشكلة
التاريخ الحديث هو الايديولوجية .طبعا لايمكن المس بالمقدسات ولايمكن المس
بالاعراف ولايمكن المس بالطبقات الحاكمة .لكن اذا زالت القيود اصبج بإمكان المؤرخ
ان يكتب تاريخا حقيقيا موضوعيا قدر الامكان .
س7 _ هل التاريخ حقيقة يراد فيها نتائج على الأرض
أم مجرد تدوين في يطون الكتب ؟
كما ان للطبيعة قوانين تتحكم فيها فإن للتاريخ
قوانين تتحكم في احداثة وقد اشار الى ذلك كثيرون منهم المؤرخ البريطاني كولنجوود
في كتابه (فكرة الطبيعة )و( فكرة التاريخ ) . التاريخ ليس عبثا انه كالقدر هناك
عوامل وراء كل حدث وهذه العوامل تتفاعل مع بعضها لتخلق تاريخا .
س8 _ هناك من يحكم على التاريخ من منظور قومي أو
إيديولوجي أو شخصي أو فئوي وعلما أن التاريخ الطويل لا يمكن إزالته من الأذهان
بسهولة ، فماهي مقومات الحكم على التاريخ ؟
نعم هناك مدارس .هناك رؤى ..هناك نوافذ يطل منها
المؤرخ وهذه المدارس والرؤى والنوافذ تتأثر بخلفية المؤرخ السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية .قد يتأثر
المؤرخ بقوميته او مذهبه او ايديولوجيته لكن المؤرخ الحقيقي يجب ان لايضع ذلك
بالحسبان ويحاول ان يكون موضوعيا .ومع هذا ليس من الصحيح ان يكتب مؤرخ بعثي عن حزب
البعث او مؤرخ شيوعي عن الحزب الشيوعي او مؤرخ له صلة بتنظيم الاخوان
المسلمين عن جماع الاخوان المسلمين لانه
سوف يتأثر حتما .
س 9_ هل احتلال فلسطين من قبل الصهاينة واسرائيل
تمثل تاريخ جديد في حياة الأمة العربية والإسلامية ؟
طبعا القضية الفلسطينية هي القضية التي تشغل
العرب والمسلمين منذ 100 سنة انها قضيتهم المركزية والرئيسية لانها قضية اثرت على
حياتهم ومستقبلهم وما نشاهده اليوم ليس الا انعكاسا للصراع العربي –الصهيوني .الصهيونية
اغتصبت فلسطين واقامت دولة اسرائيل واسرائيل ليس لها حدود رسمية وهي تطمح ان تتوسع
لتشمل المناطق الواقعة بين نهري النيل والفرات .التاريخ الجديد هو تاريخ الصراع
وديموته وصيرورته واستمراريته وهو من يؤثر على مستقبل الامة .اقول لك وبصراحة مثلا
ان مشاكل العراق يمكن ان تنتهي اذا اعترف بإسرائيل وازال حالة الحرب معها
فالعراق هو الوحيد الذي لم يعترف بإسرائيل
ولاتزال حالة الحرب قائمة بينه وبين الصهيونية ودولة اسرائيل .
س 10 _
كيف يحلل التاريخ الوجود العثماني في العراق وفي بعض الدول العربية ؟
انا شخصيا ومنذ 40 سنة درست مادة تاريخ الوطن
العربي في العهد العثماني في جامعة المول والفت كتابي سنة 1982 وهو كتاب منهجي
يدرس لطلبة اقسام التاريخ في كل الجامعات العراقية وعنوانه ( تاريخ الوطن العربي
في العهد العثماني 1516-1916 ) لنا اميز بين فترتين الفترة العثمانية الاولى من
القرن 16 الى 1908 والفترة من 1908-1918 من تايخ الامبراطورية العثمانية . العرب
في البلدان العربية استقبلوا العثمانيين ولم تكن ثمة مشكلة لانهم مشتركين معهم في
الدين والتاريخ والمصالح المشتركة .لكن بعد مجيء حزب الاتحاد والتركي والتمسك
بالفكرة القومية واتباع المركزية والتتريك والطورانية ابعد العرب والعراقيين منهم
عن الاتراك لذلك حدثت الثورة العربية الكبرى 1916 والتي دعت الى الاستقلال عن
الدولة العثمانية خاصة بعد اعدام الناشطين العرب القوميين في بيروت ودمشق .
س11 _ هناك آراء مختلفة حول اعادة التاريخ وعدمها
، في رأيك أي الرأي أقرب إلى الصواب أو أرجح ؟
التاريخ دائما وابدا بحاجة الى اعادة كتابة ولكن
بشرطين اما لظهور مصادر جديدة او لظهور رؤى وتفسيرات جديدة وهكذا كل امة تكتب
تاريخيها وتعيد كتابته وفق هذين الشرطين ولدينا اليوم مئات من الكتب عن الثورة
الفرنسية وكل كتاب ينظر للثورة من منظار وتفسير معين .
س12_ هل
ترى انه توجد أزمة قراءة في المجتمعات العربية بشكل عام وخصوصا في قراءة التاريخ ؟
نعم والسبب هو ابتعاد الناس عن القراءة وضعف في
البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية العربية المعاصرة وظهور قوى ظلامية
متقنعة بالدين وظهور صراعات مذهبية
وطائفية وعرقية فرعية .
س13 _ لماذا تتقدم شعوب العالم الى التطور
والنهوض ، في الوقت الذي اخذت الشعوب العربية في الانتكاس الى الخلف.، ماهو تحليلك
ذعلى ذلك بمنظور تاريخي ؟
السبب ان المجتمعات العربية تعرضت وتتعرض لاطماع
الدول الكبرى بسبب اهمية موقعها الاستراتيجي وثراها الاقتصادي والبشري وانعكاس
الصراع العربي –الصهيوني على مستقبلها .المنطقة العربية هي قلب العالم وملتقى
الاديان الثلاث وبؤرة الصراع التاريخي منذ العصور القديمة حتى يومنا هذا بين الشرق
والغرب ومن المؤكد ان هذا الصراع مستمر ودائم وما نلاحظه في سوريا والعراق يثبت
ذلك .كان صراعا بين الساسانيين والبيزنطيين وكانت ساحته ارضنا ومنطقتنا وكان صراعا
بين العرب والصليبيين وكانت ساحته ارضنا
ومنطقتنا وكان صراعا بين الروس والغرب وها نحن نشهده في سوريا عيانيا .ان منطقتنا
العربية منطقة صراع STRAGGLE ابدي ودائم وهذا هو قدرنا ارضنا مهد الاديان
وارضنا ارض اللبن والعسل وارضنا ارض الفكر
والثقافة وارضنا ارض النفط وارضنا ارض
دجلة والفرات والنيل والاردن وبردى والعاصي .
س14 _ هل
من كلمة تاريخية تود تضيفها ؟
اود ان اقول لمن لايؤمن بحقيقة التاريخ ولايؤمن بأهمية
الدرس التاريخي ولايؤمن بوظيفة التاريخ ان التاريخ ليس كما يقول البعض مجرد احداث
التاريخ هو الماضي البشري ودراسته واجبة ومهمة
والتاريخ هو ذاكرة الامة والتاريخ مفيد في شحذ همم الشباب لحب الوطن والامة
ولكن في الوقت نفسه فإن للتاريخ مضار
ويكون ذلك عندما نغل التريخ العبء على التاريخ الحافز وعندما نتخذ من التاريخ متكأ
للاحقاد والفتن وعندما نعد اليه لالكي نتخذه اساسا ومرتكزا للنهوض بل وسيلة للهدم
وعندما ندع الاموات يحكموننا من وراء القبور .
س15_ من من الشخصيات التاريخية الإسلامية
والمعاصرة قريبة الى نفسك وتعجبك ؟
من الشخصيات القريبة الى نفسي وتعجبني شخصية
الرئيس الخالد جمال عبد الناصر (1952-1970 ) . هذا الرجل الذي ايقظ الامة العربية
من سباتها ، وخلق فيها روحا جديدة من النهوض والاعتزاز بالكرامة وبالنفس ، وذلك من
خلال قيادته للتغيير في مصر الذي ابتدأ بثورة 23 يوليو –تموز 1952 ، وبناءه قاعدة
صناعية كبيرة في مصر واشاعته للثقافة، وتيسيره الصحف والمجلات والكتب بأثمان زهيدة
جدا ، وكذلك مقاومته للاستعمار ليس في مصر وانما في اسيا وافريقيا وامريكا
اللاتينية وتأميمه قناة السويس ، واهتمامه بالمفكرين والمثقفين وافساحه المجال لهم
لكي يكتبوا . وهكذا كان عصر عبد الناصر هو عصر نجيب محفوظ الروائي الكبير الذي حصل
على جائزة نوبل وعصر توفيق الحكيم صاحب (عودة الروح ) ، وعصر كاتب العبقريات عباس محمود العقاد ..كان عصر ام
كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ..
س16. من يكتب التاريخ تحديدا ؟ المنتصرون أم
المؤرخون أم الأكاديميين أم المشاهير من العظماء ؟
التاريخ يكتبه المنتصرون مقولة شائعة ، لكنها ليست دقيقة مع انها صحيحة من بعض جوانبها
حيث ان المنتصر يفرض نفسه ، ويعمل من اجل ان يكتب المؤرخون ما قام به . لكن التاريخ الحقيقي هو من يكتبه المؤرخون
الثقاة المؤمنين بالحقيقة ولاشيء غير الحقيقة .وعنما يكتب هؤلاء التاريخ فإنهم
يلتزمون بما يسمى المنهج التاريخي وهو مجموعة الخطوات العلمية التي توصل الباحث لى
الحقيقة من خلال التنصيص والتهميش ، والعودة الى الاصول اي الى المصادر المعتمدة
وانا شخصيا مع المؤرخ الالماني ليوبولد رانكه أي الذي يقول ان على المؤرخ ان يعيد
تشكيل الحدث كما وقع أي بدون تزييف او ترتيش وهكذا هي المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة التي لاتزال
محافظة على تقاليد الكتابة التاريخية من خلال اعتماد المصادر الرئيسة، وعدم الالتزام بنظرية احادية في التفسير ، وانما
الاخذ بتعددية الاسباب والعوامل .
17._ هل هناك قيود على الحريات في المجتمعات
العربية ولاسيما على كتابة التاريخ بشكل حقيقي وواقعي ؟
طبعا هناك قيود سياسية، وهناك قيود دينية ، وهناك قيود اجتماعية .ولكن
قوة هذه القيود او ضعفها تتراوح بين فترة زمنية وفترة زمنية اخرى .عندما يكون
الحاكم في السلطة لايسمح لاحد ان يكتب تاريخه واذا سمح فيجب ان تكون الكتابة وفق
ما يشتهي لذلك لابد من انتظار انتهاء الحدث ومرور فترة زمنية وتوفر المصادر
والمظان الرئيسة حتى يستطيع المؤرخ
الموضوعي ان يكتب تاريخا حقيقيا بعيدا عن تدخلات الحكام او الطبقة الحاكمة او
المتنفذون في السلطة .
س 18 هل التاريخ يحتمل التزوير من قبل المؤرخين
والمعنيين بتاريخ البلدان العربية ؟ وكيف يتم حمايته من التزوير وخصوصا في الظروف
السياسية المتغيرة ؟
نعم كما يقول المؤرخ العربي الاسلامي الكبير عبد
الرحمن بن خلدون فإن التاريخ (مطية ) يسهل ركوبها .انت لاتستطيع ان تمنع احدا من
ان يكتب تاريخا ، وليس كل من كتب التاريخ يمكن ان نسميه مؤرخا .. وهناك مؤرخين
ارتبطوا بالسلطة وزوروا التاريخ ، وهناك مؤرخين ارتبطوا بحزب معين فزوروا التاريخ
لهذا نرى في المكتبة التاريخية العالمية ومنها العربية كتبا تاريخية رصينة واخرى
مزيفة ولابد للقارئ ان يميز الغث من السمين وهذا يعتمد على ثقافته ومرجعيته
الفكرية والسياسية والاجتماعية .
س19_ هل ترى المؤرخون طبقيون وقوميون في كتابة
التاريخ وفق مزاجهم أم يستندون الى أدلة ومعطيات تاريخية من واقع الأمة ؟
المؤرخ الحقيقي الذي تلقى تدريبا اكاديميا لايمكن
الا ان يكون متنورا ، وتقدميا ، ومهموما بالمظلومين والمضطهدين ولايمكن ان يكون
طبقيا ولا طائفيا بل منحازا الى الحقيقة والى الناس وليس الى الحاكم او الطبقة
التي ينتمي اليها .لكن هذا لايمنع من ان يكون هناك مؤرخون طائفيون او قوميون او
عنصريون او طبقيون .المؤرخ الحقيقي لابد ان يستند الى معطيات حقيقية والى ادلة
للحكم فلا تاريخ بلا مصادر والمصادر لابد ان تطبق عليها قواعد الجرح والتعديل اي
ما نسميه اليوم بالنقد الداخلي والنقد الخارجي اي نقد المتن ونقد السند .
س20_ هل هناك خطوط حمراء أمام المؤرخون ؟
نعم في بعض البلدان هناك قيود حمراء وهناك بلدان
ليس ثمة قيود او خطوط حمراء في بلداننا مشكلة التاريخ الاسلامي هو الدين ومشكلة
التاريخ الحديث هو الايديولوجية .طبعا لايمكن المس بالمقدسات ولايمكن المس
بالاعراف ولايمكن المس بالطبقات الحاكمة .لكن اذا زالت القيود اصبج بإمكان المؤرخ
ان يكتب تاريخا حقيقيا موضوعيا قدر الامكان .
س21 _ هل التاريخ حقيقة يراد فيها نتائج على الأرض
أم مجرد تدوين في يطون الكتب ؟
كما ان للطبيعة قوانين تتحكم فيها فإن للتاريخ
قوانين تتحكم في احداثة وقد اشار الى ذلك كثيرون منهم المؤرخ البريطاني كولنجوود
في كتابه (فكرة الطبيعة )و( فكرة التاريخ ) . التاريخ ليس عبثا انه كالقدر هناك
عوامل وراء كل حدث وهذه العوامل تتفاعل مع بعضها لتخلق تاريخا .
س22 _ هناك من يحكم على التاريخ من منظور قومي أو
إيديولوجي أو شخصي أو فئوي وعلما أن التاريخ الطويل لا يمكن إزالته من الأذهان
بسهولة ، فماهي مقومات الحكم على التاريخ ؟
نعم هناك مدارس .هناك رؤى ..هناك نوافذ يطل منها
المؤرخ وهذه المدارس والرؤى والنوافذ تتأثر بخلفية المؤرخ السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية .قد يتأثر
المؤرخ بقوميته او مذهبه او ايديولوجيته لكن المؤرخ الحقيقي يجب ان لايضع ذلك
بالحسبان ويحاول ان يكون موضوعيا .ومع هذا ليس من الصحيح ان يكتب مؤرخ بعثي عن حزب
البعث او مؤرخ شيوعي عن الحزب الشيوعي او مؤرخ له صلة بتنظيم الاخوان
المسلمين عن جماع الاخوان المسلمين لانه
سوف يتأثر حتما .
س 23_ هل احتلال فلسطين من قبل الصهاينة واسرائيل
تمثل تاريخ جديد في حياة الأمة العربية والإسلامية ؟
طبعا القضية الفلسطينية هي القضية التي تشغل
العرب والمسلمين منذ 100 سنة انها قضيتهم المركزية والرئيسية لانها قضية اثرت على
حياتهم ومستقبلهم وما نشاهده اليوم ليس الا انعكاسا للصراع العربي –الصهيوني .الصهيونية
اغتصبت فلسطين واقامت دولة اسرائيل واسرائيل ليس لها حدود رسمية وهي تطمح ان تتوسع
لتشمل المناطق الواقعة بين نهري النيل والفرات .التاريخ الجديد هو تاريخ الصراع
وديموته وصيرورته واستمراريته وهو من يؤثر على مستقبل الامة .اقول لك وبصراحة مثلا
ان مشاكل العراق يمكن ان تنتهي اذا اعترف بإسرائيل وازال حالة الحرب معها
فالعراق هو الوحيد الذي لم يعترف بإسرائيل
ولاتزال حالة الحرب قائمة بينه وبين الصهيونية ودولة اسرائيل .
س24 _
كيف يحلل التاريخ الوجود العثماني في العراق وفي بعض الدول العربية ؟
انا شخصيا ومنذ 40 سنة درست مادة تاريخ الوطن
العربي في العهد العثماني في جامعة المول والفت كتابي سنة 1982 وهو كتاب منهجي
يدرس لطلبة اقسام التاريخ في كل الجامعات العراقية وعنوانه ( تاريخ الوطن العربي
في العهد العثماني 1516-1916 ) لنا اميز بين فترتين الفترة العثمانية الاولى من
القرن 16 الى 1908 والفترة من 1908-1918 من تايخ الامبراطورية العثمانية . العرب
في البلدان العربية استقبلوا العثمانيين ولم تكن ثمة مشكلة لانهم مشتركين معهم في
الدين والتاريخ والمصالح المشتركة .لكن بعد مجيء حزب الاتحاد والتركي والتمسك
بالفكرة القومية واتباع المركزية والتتريك والطورانية ابعد العرب والعراقيين منهم
عن الاتراك لذلك حدثت الثورة العربية الكبرى 1916 والتي دعت الى الاستقلال عن
الدولة العثمانية خاصة بعد اعدام الناشطين العرب القوميين في بيروت ودمشق .
س25 _ هناك آراء مختلفة حول اعادة التاريخ وعدمها
، في رأيك أي الرأي أقرب إلى الصواب أو أرجح ؟
التاريخ دائما وابدا بحاجة الى اعادة كتابة ولكن
بشرطين اما لظهور مصادر جديدة او لظهور رؤى وتفسيرات جديدة وهكذا كل امة تكتب
تاريخيها وتعيد كتابته وفق هذين الشرطين ولدينا اليوم مئات من الكتب عن الثورة
الفرنسية وكل كتاب ينظر للثورة من منظار وتفسير معين .
س26_ هل
ترى انه توجد أزمة قراءة في المجتمعات العربية بشكل عام وخصوصا في قراءة التاريخ ؟
نعم والسبب هو ابتعاد الناس عن القراءة وضعف في
البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية العربية المعاصرة وظهور قوى ظلامية
متقنعة بالدين وظهور صراعات مذهبية
وطائفية وعرقية فرعية .
س27 _ لماذا تتقدم شعوب العالم الى التطور
والنهوض ، في الوقت الذي اخذت الشعوب العربية في الانتكاس الى الخلف.، ماهو تحليلك على ذلك بمنظور تاريخي ؟
السبب ان المجتمعات العربية تعرضت وتتعرض لاطماع
الدول الكبرى بسبب اهمية موقعها الاستراتيجي وثراها الاقتصادي والبشري وانعكاس
الصراع العربي –الصهيوني على مستقبلها .المنطقة العربية هي قلب العالم وملتقى
الاديان الثلاث وبؤرة الصراع التاريخي منذ العصور القديمة حتى يومنا هذا بين الشرق
والغرب ومن المؤكد ان هذا الصراع مستمر ودائم وما نلاحظه في سوريا والعراق يثبت
ذلك .كان صراعا بين الساسانيين والبيزنطيين وكانت ساحته ارضنا ومنطقتنا وكان صراعا
بين العرب والصليبيين وكانت ساحته ارضنا
ومنطقتنا وكان صراعا بين الروس والغرب وها نحن نشهده في سوريا عيانيا .ان منطقتنا
العربية منطقة صراع STRAGGLE ابدي ودائم وهذا هو قدرنا ارضنا مهد الاديان
وارضنا ارض اللبن والعسل وارضنا ارض الفكر
والثقافة وارضنا ارض النفط وارضنا ارض
دجلة والفرات والنيل والاردن وبردى والعاصي .
س28 _ هل
من كلمة تاريخية تود تضيفها ؟
أود ان اقول لمن لايؤمن بحقيقة التاريخ ولايؤمن بأهمية
الدرس التاريخي ولايؤمن بوظيفة التاريخ ان التاريخ ليس كما يقول البعض مجرد احداث
التاريخ هو الماضي البشري ودراسته واجبة ومهمة
والتاريخ هو ذاكرة الامة والتاريخ مفيد في شحذ همم الشباب لحب الوطن والامة
ولكن في الوقت نفسه فإن للتاريخ مضار
ويكون ذلك عندما نغل التريخ العبء على التاريخ الحافز وعندما نتخذ من التاريخ متكأ
للاحقاد والفتن وعندما نعد اليه لالكي نتخذه اساسا ومرتكزا للنهوض بل وسيلة للهدم
وعندما ندع الاموات يحكموننا من وراء القبور .
س29 _ يحيلنا التاريخ على تجارب شعوب
سادت ثم باتت ، ويذكر أن الدولة العثمانية كانت واحدة من أقوى الدول واستمرت حكمها
لستة قرون وكانت قوة الاسلام في عهدها إلا أنها سقطت ، فماهي أسباب سقوطها بشكل
موجز ؟
الامبراطورية العثمانية عاشت سبعة
قرون من سنة 1299م الى سنة 1922 م وحكمت اراضٍ في ثلاث قارات هي : اسيا وافريقيا الا انها سقطت . وسقوط
الامبراطوريات حالة عادية في التاريخ ، خاصة اذا طبقنا النظرية العضوية ؛ فالدول
والامبراطوريات مثل الانسان تولد وتنمو وتكبر وتشيخ وتموت . الامبراطورية
العثمانية سقطت ، لانها تبنت القومية ، فظهر الاحتلاف بين شعوبها .
قبل تبنيها الفكر القومي كان الجميع
يقول اننا (عثمانيون) ، لكن بعد تبني
الفكر القومي صار هذا تركيا والثاني البانيا والثالث عربيا والرابع كرديا وهكذا . كما
ان وقوف السلطة الاتحادية الحاكمة مع
معسكر دول الوسط المتمثل بالمانيا وحلفاءها في الحرب العظمى ، لم يكن قرارا
صائبا . ولاننسى الفساد الداخلي ، وتدخل الحريم ، وانتشار الرشوة ، واخيرا اطماع القوى الدولية الكبرى في اراضيها حتى ان
القيصر الروسي بات يطلق عليها اسم (الرجل المريض ) ، ودعوته الى تقاسم ممتلكاتها
وهذا ما حصل بعد انتهاء الحرب العظمى (الحرب العالمية الاولى ) .
س 30_ كيف ينظر التاريخ الى موقف
السلطان عبدالحميد من قضية فلسطين ورفضه مطاليب اليهود وبيع أراضي في فلسطين مقابل
أموال ومنعه هجرة اليهود اليها وقال لهم(لايمكن أن يتم ذلك وانا حي ) مقارنة مع
حكام العرب اليوم ؟
للاسف الشديد الحركة الصهيونية
استطاعت التغلغل داخل فلسطين بحجة الحج الى بيت المقدس خلال فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني نفسه
واقامت بعض المستعمرا (المستوطنات ) واشترت اراض وتدخلت السلطات العثمانية متأخرة
فمنعت ذلك وحددت اقامة الحجاج . ووقف السلطان
عبد الحميد الثاني 1876-1909 وقفة شريفة وشهيرة ورفض عرض زعيم الحركة الصهيونية
تيودور هرتزل وقال قولته الشهيرة ان اراضي
فلسطين ملك للمسلمين وللاجداد ولايمكن بيعها .كان موقفا شريفا لهذ تعمدت الحركة
الصهيونية في العمل ضده ودفع الحركة الماسونية للعمل ضده واختاروا النائب في مجلس
المبوثان عمانوئيل قره صو لأن يكون من ضمن
الوفد الذي بلغه بالعزل فأجاب بكلمة واحدة هي (قسمت ) اي قسمة .
س31 _ لماذا كان بعض الخلفاء العباسين
على سبيل المثال( المعتصم بالله ) يختارون قيادة الجيش من القادة الأتراك ؟
الاتراك قوم معروفون بالشجاعة والقدرة
البدنية للقتال والاخلاص للدولة والطاعة العمياء لقادتهم .هذا هو السبب
س32 _ باعتبارك مؤرخ تاريخي ولك باع
طويل في هذا الاختصاص ، هل تجد أن هناك تاريخ مشترك بين العرب والترك ؟ وأين يلتقي
التاريخين ؟
طبعا بين العرب والاتراك اكثر من
وشيجة منها : الدين ، ومنها التاريخ المشترك ، ومنها الجيرة ، ومنها المصالح
المتبادلة. ولايوجد ما يعكر صفو العلاقة
بين العرب والاتراك الا الحكام والسياسيين المتنافسين . وقد عملت رئيسا لمركز الدراسات التركية (الاقليمية فيما بعد )
في جامعة الموصل لربع قرن 1985-2013 وكنت اعمل من اجل تطوير العلاقات العربية –التركية
، وكانت لمركزنا علاقات مع قسم التاريخ
بجامعة غازي ومع مركز اورسام ومركز اتاتورك ، وعقدنا ندوات مشتركة وانجزنا كتبا
كثيرة منها كتابي (نحن وتركيا ) ب ( 500
) صفحة وكان مثار اعجاب الاكاديميين الاتراك ، ومن قبله كتابنا (تركيا المعاصرة ) .
فضلا عن كم كبير من الكت والدراسات المنشورة عن تركيا وعلاقاتنا بها وكثيرا ما كنت ضيفا على لجنة العلاقات الخارجية
في المجلس الوطني العراقي –البرلمان قبل 2003 وكنتُ أنصح بضرورة (تشبيك ) العلاقات
مع تركيا واتباع اسلوب الحوار لحل المشاكل .اذا لابد ان تكون علاقاتنا مع تركيا
قوية وان لانسمح لا لجماعة الاخوان
المسلمين ولالغيرهم ان يفسدوا هذه العلاقة ابدا .علاقاتنا مع الاتراك تاريخية
وعريقة وقديمة جدا جدا .
س 33_ هناك من يؤمن بمقولة التاريخ
يعيد نفسه ، وهناك من يؤمن بأن التاريخ لا يعيد نفسه فبأي رأيك أي الرأي أرجح ؟
التاريخ لايعيد نفسه.. قد تتشابه الاحداث ، وقد تتكرر الاحداث لكنها
لا يمكن ان تكون متشابهة ابدا . وهذا ما
دعا المفكر كارل ماركس ان يقول ان الاحداث قد تتكر مرة بشكل ملهاة ومرة بشكل مأساة
وانا اكرر ان المياه هي ليست نفسها التي تمر من تحت الجسر .. نعم هي مياه لكنها
تختلف في ذراتها ومواصفاتها عن تلك التي مرت قبلها وستمر بعدها .
س34_ من أين يبدأ التاريخ الإسلامي ،
والتاريخ المعاصر ؟
التاريخ كالنهر مجرى واحد .. والحياة مستمرة ، والتاريخ يسجل مجريات هذه الحياة والمؤرخون هم من يصطنع فترات التاريخ ، وحقب التاريخ، وعصور التاريخ تسهيلا لدراسة التاريخ .
التاريخ الاسلامي يبتدأ من ظهور الاسلام : من اول يوم بشر فيه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالاسلام.. من اول لحظة نزل فيها الوحي عليه وقال له (إقرأ ) وعاد ليروي لزوجته السيدة خديجة القصة .والتاريخ الاسلامي يقع ضمنا ضمن ما يسميه الاوربيون (العصور الوسطى ) التي امتدت من القرن الخامس الميلادي حتى القرن الخامس عشر اي استمرت 1000 سنة وعندئذ ابتدأت العصور الحديثة MODERN HISTORY والتاريخ الحديث هو ما نعيشه اليوم لكن المؤرخين ابتدعوا ما يسمونه بالتاريخ المعاصر Contemporary History
وهو الذي يبدأ بسنة 1914 حين اندلعت الحرب
العظمى GREAT
WAR وهي التي سميت فيما بعد ب(الحرب العالمية
الاولى 1914-1918) ، تمييزا لها عن الحرب التي اندلعت بعدها وهي
الحرب العالمية الثانية 1939-1945 .
التوقيع
التوقيع
الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس
- جامعة الموصل – العراق ...الموصل
8-9-2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق