الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

يونس بحري ..حقائق مثيرة من سيرته أ. د. ابراهيم خليل العلاف

يونس بحري ..حقائق مثيرة من سيرته *
أ. د. ابراهيم خليل العلاف
رجل  موصلي، عراقي، عربي، عالمي، عرفه البعض على انه السائح -   الاسطورة....كاتب، وصحفي، وإمام جامع، وسباح اولمبي، ومحاور، ومذيع،  وسياسي  وصديق للنبلاء والامراء والشيوخ والملوك...إنه  يونس بحري....
والحقيقة  التي لابد من ذكرها، ان شخصية يونس بحري المثيرة  للجدل، كانت خلال  السنوات الخمسين الماضية موضوعا لكتابات عدد كبير من الباحثين والكتاب  والمؤرخين 

 ومنهم  على سبيل المثال الدكتور محمد صديق الجليلي والاساتذة حسن خير الدين العمري ومعن عبد القادر آل زكريا وسمير عبد الله الصائغ ونزار محمد زكي الجبوري، وولده الفنان الدكتور سعدي يونس، ومحمد سعيد الطريحي، وعبد السلام العجيلي، وعبد الرحمن الشبيلي، ووديع فلسطين، وسمير عطا الله، ويوسف صلاح الدين، وقاسم الخطاط، والاستاذ الدكتور عمر محمد  الطالب و الاستاذ الدكتور سيار كوكب الجميل، و الاساتذة  خالد العاني، وياسين الحسيني، وجمال زويد..والان باتت تتوفر عنه في الشبكة العالمية للمعلومات –الانترنت، معلومات جمة  قد تكون هي وغيرها مادة لاطروحة  دكتوراه تكتب عنه في إحدى الجامعات العراقية او العربية او حتى الاجنبية.
يونس صالح بحري الجبوري، من مواليد   الموصل سنة 1903 وقيل سنة 1904  وقيل سنة 1900 . وقد توفي ببغداد سنة 1979 وبين ميلاده ووفاته كانت ثمة حياة حافلة بالاحداث وبالذكريات، وبالوقائع،  وبالمآسي وبالافراح، بالانتصارات، والانتكاسات..الرجل ملأ الدنيا، وشغل الناس وهم لايملون من الحديث عنه، وعن حياته، ومواقفه، وطرائفه و(قفشاته)....عن ذكائه، وأريحيته، ولباقته، وقدراته الخارقة، وعن زيجاته،  واولاده المنتشرين في اصقاع الارض..عن علاقاته بالملوك والرؤساء والقادة والامراء والشيوخ.. عن  مؤلفاته، وعن احاديثه في اذاعات العراق والمانيا...انه من عشيرة  الجبور وهم عشيرة عراقية واسعة الانتشار على أرض العراق وكثيرا ما يُسمى ابناءها (ملح الارض) ؛ فأينما توجهت في العراق شماله ووسطه وجنوبه تجد  الجبور...
قيل انه تسمى بالبحري لانه دخل مسابقة لعبور المانش لم يكن مستعدا لها  وفاز فيها.
تلقى  يونس صالح بحري الجبوري علومه الاولى في الكتاب (الملا) بمدينة الموصل، وبعد ذلك التحق بالمدارس الرسمية  واكمل الدراستين الابتدائية والمتوسطة، وبعد تخرجه من المدرسة المتوسطة سافر سنة 1920 الى بغداد ليلتحق ب (دار المعلمين الابتدائية) الا انه ضاق ذرعا بالدراسة  فترك المدرسة، وتوجه نحو الوظيفة، وعين كاتبا  في وزارة المالية  لكنه سرعان ما أظهر ملله من الوظيفة  كعادته فتركها في سنة   1923، وقرر مع نفسه السفر خارج العراق  سائحا في عدد من الدول الأوروبية والآسيوية  ولم يكن يمتلك الكثير من المال لذلك كان يعمل بأعمال بسيطة وتسلل الملل الى نفسه ايضا، فعاد سنة 1925 الى الموصل ولم يبق فترة قصيرة الا وسافر ثانية الى خارج العراق.
تزوج يونس لأول مرة من امرأة موصلية أسمها (مديحة) وأنجب منها أبنين وبنت.. الابنين هما الاستاذ  الدكتور لؤي بحري وهو الان  يعمل في احدى الجامعات الاميركية وقد التقيته اواسط الثمانينات  من القرن الماضي في جدة يدرس في جامعة الملك عبد العزيز، وهو زوج المؤرخة الاميركية المتخصصة بتاريخ العراق المعاصر البروفيسورة (فيبي مار)، والثاني  هو الدكتور سعدي يونس الفنان الأكاديمي المتخصص في الفنون المسرحية (المسرح الشعبي) ويحمل ميولاً يسارية  تقدمية ويدرس  حالياً في جامعة السوربون في فرنسا ودعي آخر مرة الى مهرجان بابل حيث قدم مسرحية مثلها لوحده وهي (المجنون) وبإسلوب فن البانتومايم ، والبنت هي الاستاذة  الدكتورة  منى بحري الأستاذة المتقاعدة حالياً من جامعة بغداد والمتخصصة بعلم النفس والتي تعيش في عمان العاصمة الاردنية.
كانت علاقة يونس بحري بأولاده ضعيفة لأنه تركهم صغاراً قربتهم جدتهم لأمهم  واسمها مريم خانم  والتي كانت تملك في الثلاثينيات  من القرن الماضي في مدينة الموصل دارا  لتعليم الخياطة. وقد لحقت به (أي بيونس) أمهم  مديحة  إلى باريس وصارت تمتلك صالون حلاقة هناك...وقد لاحظت مرة اثناء لقاء لي مع ابنته الاستاذة الدكتورة منى يونس بحري  في بغداد انها كانت تحب والدها وان عينيها تدمع عند ذكره.
 قيل ان يونس بحري كان يعرف ستة عشر لغة..وقيل ان  عدد زوجاته وصل  إلى أكثر من أربعين،  وقيل ان له من الاولاد ما لايعد ويحصى.. وكان يقول  متباهيا امام اصدقاءه:" لقد بدأت بشهريار الإيرانية وانتهيت بشهرزاد السورية".
ومن طرائف ما يروى عنه انه في فترة من حياته في الهند كان يعمل كراهب في النهار وراقص في ملهى بالليل ويجد مع ذلك وقتاً ليقوم بعمل إضافي مراسل لأحدى الصحف الهندية، وفي وقت آخر أصبح مفتيا في أندونسيا ومرة جاءه أحد سكان الجزيرة المعروفين مُصطحباً معه فتاة في منتهى الجمال يريد منه ان يعقد قرانه عليها.. فأستحيفها  يونس لأن الرجل كان مُسناً ودميماً وافهمه انه لا يجوز شرعاً عقد قرانه عليها، فصدقه الرجل  كيف لا وهو   مفتي  وترك الفتاة فتزوجها المفتي.
وفي 29  شباط سنة 1929 قيل انه إلتقى بفتاة هولندية في مدينة نيس الفرنسية، وقد أراد الزواج بها، ولكنها لم ترد السفر الكثير وأرادت الاستقرار، والفتاة اسمها جولي فان در فين (julie van der veen).
كان والده صالح أغا الجبوري ضابطا في الجيش العثماني برتبة يوزباشي وقد عمل في وحدة وظيفتها تأمين البريد بين إسطنبول مركز الدولة العثمانية وولاية الموصل.  له أخوان  هما: صادق أفندي الجبوري والذي توفي سنة  1947 وكان قائمقاماً لعدة أقضيه في وسط وشمال العراق ومنها دلي عباس وشرانش والعاصي وكان يونس يزوره في هذه المناطق زيارات طويلة وتعلم خلالها العديد من اللغات المحلية والأخ الاخر  طه الجبوري وكان مُعقباً في محاكم الموصل.
         
وفي سنة 1930 ذهب إلى أندونيسيا واشترك مع الأديب الكويتي الشيخ عبد العزيز الرشيد بإصدار مجلة  هناك باسم:" الكويت  والعراقي، كما أصدر مجلة أخرى هي:" الحق والإسلام".
و في  سنة  1931 عاد إلى العراق،  فأصدر جريدة باسم جريدة " العقاب"  يقول الاستاذ قاسم الخطاط ان يونس بحري دخل ميدان الصحافة في العراق وأصدر جريدة العقاب.  وفي نيسان من سنة  1939 وفي اليوم الذي وقعت فيه حادثة اصطدام سيارة الملك غازي ملك العراق بعمود الكهرباء ووفاته، صدرت جريدة العقاب وصفحتها الأولى كلها مجللة بالسواد، وعنوانها بالخط العريض أعلى الصفحة:
ـ مقتل الملك غازي.
وتسبب ذلك في مظاهرات صاخبة ونجم عن هذه المظاهرات هجوم المتظاهرين على القنصلية البريطانية في الموصل وحين خرج القنصل البريطاني مونك ميسن قتله عدد من المهاجمين.
وحين ذهب رجال الشرطة الي بيت يونس بحري لالقاء القبض عليه وتقديمه الي المحاكمة، كان قد وصل الي برلين بطائرة لوفتهانزا بجواز سفر أصدرته له السفارة الألمانية في بغداد.
لقد أشار يونس بحري في  مقالة له الى  وجود أصابع اانكليزية  وراء الحادث،  للتخلص من الملك الوطني الشاب الذي كان يدعو الى التخلص من الاستعمار، وأقام اذاعة في قصر الزهور الملكي يدعو فيها الى الوحدة. وكان يونس بحري هو المذيع الأول في تلك الاذاعة.
       
وخلال الحرب العالمية الثانية عمل مذيعا في محطة برلين العربية الإذاعية في ألمانيا، جنباً إلى جنب مع تقي الدين الهلالي، وكان يبدأ خطاباته ب (هنا برلين) (حي العرب)، وقد طبع ما أذاعه في  سنة  1956 في بيروت تحت عنوان: (هنا برلين) وبعدة أجزاء، وخلال تلك الفترة عمل إماما وخطيبا في عدد من الدول الأوروبية
يقول الاستاذ سمير عبد الله الصائغ معلقا على عمل يونس بحري في الاذاعة الالمانية:" يونس بحري.. الخيال.. وظل الحقيقة  يونس بحري.. ربما سمعنا عنه جميعاً.. لكننا عرفنا عنه النزر اليسير والمتفرق. نعرف انه عمل في إذاعة برلين واخرج منها بقرار من الحاج أمين الحسيني بعد ان كان العامل الرئيسي في نجاحها واستحوذ على آذان المستمعين العرب في كل مكان وقد قرر الحسيني إخراجه لانه لم يكن يلتزم بنصوص البيانات والتعليقات التي كان يعدها المكتب العربي في القدس فقد كان ينفعل ويضيف عبارات قاسية غير مكتوبة في النص وكان يخص الوصي عبد الإله بالقسم الأكبر من شتائمه وكذلك نوري السعيد والملك عبد الله في الأردن".
   
و بعد ثورة 14 تموز 1958  جيء به شاهدا في المحكمة العسكرية العليا الخاصة  المعروفة بمحكمة المهداوي في قضية  الفريق الركن رفيق عارف رئيس اركان الجيش يوم 30 آب 1958. كما اعتقل  ايضا مع  عدد من رجالات  الحكم الملكي وقدم الى المحكمة العسكرية العليا الخاصة وحكم عليه بالاعدام وتحول الحكم الى المؤبد لعدم كفاية الادلة ثم اطلق سراحه بعد وساطات من زعماء وقادة عرب واجانب، ظل معاديا لنظام عبد الكريم قاسم، وبعد حركة سنة  1963 التي اطاحت بحكم الزعيم عبد الكريم قاسم، استدعاه الرئيس  العراقي الاسبق  عبد السلام  محمد عارف ورد اعتباره وكرمه.وقد اصدر يونس  بحري كتابا عن حركة 8 شباط بإسم: " أغاريد ربيع".
                                             
حين جيء به شاهدا على الفريق الركن رفيق عارف رئيس اركان الجيش في المحكمة العسكرية العليا الحاصة كان عمره كما قال 50 سنة وعرف نفسه على انه صحفي يسكن بيروت –لبنان (بمعنى انه من مواليد سنة 1908).ومما قاله انه استدعي من قبل العقيد صالح السامرائي الملحق العسكري في السفارة العراقية في بيروت للسفر الى العراق وقابل رئيس اركان الجيش رفيق عارف الذي اخبره بأن هناك فكرة لتأسيس وزارة الانباء والتوجيه وانه يحتاجون لخبرته في هذا المجال وقد كلف من قبل خليل ابراهيم وكيل مدير الاذاعة والتوجيه العام لاذاعة احاديث ضد الرئيس جمال عبد الناصر والجمهورية العربية المتحدة وقال في المحكمة:" ان تلك الاحاديث التي تعلمون امرها كانت السبب في ازالة الرصيد او الجانب الاكبر من الرصيد الوطنب العربي التحرري الذي كان لي في بنك الامة العربية، فقد غرروا بي وجاؤوا بي الى الاذاعة من دون ان يكون لي اي ذنب جنيته والظاهر انهم كانوا يريدون الانتقام مني من أيام برلين فكان الامير عبد الاله يضمر لي الشر لانه لايمكن لانسان عاقل ان يأتي بمثل تلك الظروف ويقبل بأن يذيع في اذاعة مثل اذاعة بغداد في ذلك الوقت بدون قيد او شرط وبدون أية مخصصات ويأتي ويزج نفسه بهذا المأزق اللعين الخسيس الذي لطخت اسمي به ".وقد اعترف يونس بحري انه كان يتسلم من السفارة العراقية في بيروت 100 دينار شهريا كمساعدة لجريدة (العرب) التي كان يصدرها في بيروت.وقال انه عندما عرف بأنه قد تورط في التعليقات التي لم تزد على ال12 تعليقا سحب نفسه منها وانتهى الامر.
يقول احد اصدقاءه ممن كتب عنه معلقا على وضعه بعد الثورة: لقد ضاع حقه فعلاً حيث قبل ثورة 14 تموز1958 مباشرة وصل الى العراق فأرسل في طلبه نوري السعيد وكان هناك خلاف بين السعيد وعبد الناصر فطلب إليه نوري السعيد أن يذيع مقالاته ضد عبد الناصر.. ففعل..  فأعتبر بعد الثورة كأحد أنصار نوري السعيد في حين انه حارب الاستعمار والسياسة البريطانية والوجود الأجنبي في العراق سنين طويلة، وأعتقل بعد الثورة لفترة تقارب السبعة أشهر وأطلق سراحه دون محاكمة لعدم كفاية الأدلة وعدم وجود قضية أصلاً وذلك بعد مقابلة حامية مع عبد الكريم قاسم.. وقد تعرف أثناء إعتقاله الى رئيس عرفاء في السجن فقال له مرة: لماذا لا تقوم بانقلاب، وتستولي على السلطة؟ فأجاب: كيف وأنا رئيس عرفاء؟ فقال: وكيف استطاع رئيس عرفاء في دولة أفريقية القيام بثورة.. وحين سمع عبد الكريم قاسم هذه المحادثة أرسل في طلبه وقال له: أتريد أن تفسد عليّ جنودي؟.
وبعد إطلاق سراحه أفتتح مطعماً في منطقة الكرادة ببغداد، وأخذ يرتاده كبار الشخصيات السياسية والفكرية والسفراء فكان أشبه بالمنتدى،  وكان يونس يقوم بطبخ الأكلات المختلفة التي تعلمها أثناء سفراته.. ولم تجد أجهزة أمن عبد الكريم قاسم ريبة في هذه المسألة فسمحوا له بالسفر بعد أن أخذ عبد الكريم قاسم منه وعداً بعدم مهاجمة نظامه بعد مغادرته الأراضي العراقية. وقد تم تخصيص راتب له بعد سفره الى لبنان قدره مائة دينار يستلمه من السفارة العراقية في بيروت ولكنه لم يتوقف عن نشاطه فأصدر  كتابا  يشرح فيه وضعه في موقف أبي غريب والموقف العام في باب المعظم .
وكان من أبرز أصدقائه  الدكتور محمد صديق الجليلي الذي كان يدعوه دائماً لمجالسته، كما كان من اصدقاءه الاستاذ حسن خير الدين العمري، وكذلك  الاستاذ عبد الجواد الطوبجي والاستاذ عبد الوهاب الخياط. وكان الأدباء في السنوات الأخيرة يدعونه ويجالسونه في الموصل مثل القاص الدكتور نجمان ياسين والقاص  الدكتور محمد عطاء الله والشاعر سالم الخباز.وقد حضرت احدى تلك الجلسات في مكتبه الذي افتتحه في شارع نينوى.. كان متحدثا لبقا يقنع سامعيه.
                
من النوادر التي حدثت له في الموقف العام  اثناء اعتقاله بعد ثورة 14 تموز 1958 إنه وتوفيق السويدي رئيس وزراء العراق الاسبق في العهد الملكي كانـا في قاعة واحدة وكان كلاهما يُكنى  ب(أبي  لؤي)  وفي يوم جاء ضابط السجن صائحاً: من (أبو لؤي)،  فخاف السويدي لانه توقع أن يكون وراءه شراً ولم يجب.. وأجابه يونس بحري وكانت المفاجأة أن الضابط أحضر مظروفاً يحوي مائة دينار فوقع بحري وإستلمها.. وبعد أيام جاءت رسالة الى توفيق السويدي تقول: هل استلمت المائة دينار؟
ومن طريف حديثه قبل وفاته بفترة قصيرة أن جاءه أحد الزوار وكان يتحدث بشكل بطولي عن مقدرته حيث خدع أحد أفراد شرطة الحدود وهرب بعض المواد حين دخوله العراق من الحدود التركية.. وبعد مغادرة هذا الرجل قال بحري: "  ضحكنا على ذقون ملوك ورؤساء سنين طويلة وهذا يتفاخر بأنه خدع شرطياً..! ".
            
 ولم يكن خائفاً من السجن لأنه لم يكن خائناً وقد سبق أن حُكم ثلاث مرات بالإعدام خارج الوطن وداخله حيث أصدر نوري السعيد حكم الإعدام بحقه غيابياً.. وفي أثناء الحرب العالمية الثانية حكمه الحلفاء أيضا.. وحُكم مرة في أفريقيا أثناء الحرب أيضاً حيث أرسل مبعوثاً عن الحكومة الفرنسية لمفاوضة إحدى القبائل الحاكمة وحين رأوا إسمه على الجواز (JOHANS BAHRI) تصوروه عميلاً فرنسياً وحكموه بالإعدام.. وحين سأله الضابط المسؤول عن رغبته قبل ان ينفذ فيه الحكم في اليوم التالي طلب قنينة ويسكي.. فقال له: كيف تطلب مشروباً وتستسيغ شربه وأنت مقبل على موت محتم؟ فأجابه أنا مجنون حيث جئت هنا.. فلماذا لا أطلب المشروب؟ فضحك الضابط وجلب ماطلبه وفي الهزيع الأخير من الليل جاءه لا ليقتاده الى ساحة الإعدام بل ليهربه.
        
يونس بحري كاتب، وصحافي، ومذيع ومغامر وسائح.كان هاويا في كل تلك الاشياء ولم يكن محترفا خذلته في هذا كثرة الاهتمامات وطبيعة التمرد الذي جُبل عليه. وكان رهين الظرف يضعه وحيث يكون وحيث يكون المغنم وما يخدم الموقف. فكانت ابداعاته عشوائية مرتجلة مع وجود بوادر نبوغ وطموح طاغ لديه - كما يقول  الصديق الاستاذ أسامة غاندي في مقال له عن الصعلكة والصعاليك في الموصل نشر في احدى الصحف.
  
جاب أوروبا وآسيا واشتغل في عدة مهن وسجن في باريس وزار تونس وليبيا ووحضرموت وجاوة والهند وإيران وأفغانستان ورجع إلى العراق سنة 1933  وعندما عاد حرص على ان ينسج  حول اسفاره قصصا أسطورية تصلح حديثا للمجالس.
عمل في محطة برلين العربية الداعية لتحرير البلاد العربية من الاحتلالين  البريطاني والفرنسي. وكانت ليونس بحري علاقات متميزة بالحاج  محمد أمين الحسيني الشخصية العربية المعروفة ومفتي فلسطين ورشيد عالي الكيلاني باشا الشخصية العراقية الوطنية ورئيس وزراء العراق ابان ثورة مايس 1941 وكانا حلفاء للالمان ضد الانكليز. وبعد اندحار ألمانيا توجه إلى امارة شرق الاردن التي وصلها بما يشبه المعجزة وهناك التجأ إلى الامير(الملك فيما بعد) عبد الله أمير شرقي الأردن.
عاد إلى بغداد في السبعينات بعد أن ادركته الشيخوخة ولم يكن يذكره الا القليل  من مؤلفاته:
•أسرار 2 ثورة /مايس/1941، أو الحرب العراقية الإنكليزية. (بغداد 1968)
•تاريخ السودان. (القاهرة 1937)
•تونس. (بيروت 1955)
•ثورة 14 رمضان المبارك. (بيروت 1963)
•الجامعة الإسلامية. (باريس 1948)
•الجزائر. (بيروت 1956)
•الحرب مع إسرائيل وحلفائها. (بيروت 1956)
•دماء في المغرب العربي. (بيروت 1955)
•سبعة أشهر في سجون بغداد. (بيروت 1960)
•صوت الشباب في سبيل فلسطين الدامية والبلاد العربية المضامة. (1933)
•العراق اليوم. (بيروت 1936)
•العرب في أفريقيا. (بيروت)
•العرب في المهجر. (بيروت 1964(
•ليالي باريس. (باريس 1965(
•ليبيا. (بيروت 1956(
•محاكمة المهداوي. (بيروت 1961(
•المغرب. (بيروت 1956(
•موريتانيا الإسلامية. (بيروت 1961(
•هنا برلين: حيّ العرب. (1 – 8 بيروت 1956(
•هنا بغداد. (بغداد 1938(
•وحدة أم اتّحاد؟ 3 سنوات تخلق أقداراً جديدة: سورية – العراق – اليمن – الجزائر – الجمهورية العربية المتحدة. (بيروت 1963(
كتب عن يونس بحري كثيرون منهم استاذنا الدكتور عمر الطالب ويستعد الكاتب والمؤرخ  الصديق الاستاذ  معن عبد القادر آل زكريا إلى نشر كتاب يتحدث عن حياة السائح  يونس بحري يتضمن أكثر من(1000) صفحة  واكثر من (500 )صورة ووثيقة تخص بحري،  كما سبق لصديقنا الدكتور سيار كوكب الجميل ان كتب وحاضر عن يونس بحري ولعل اخر مرة تحدث فيها كانت في نادي السلام بمدينة تورنتو بكندا مساء يوم 30 نيسان سنة 2011 ومما قاله:أن يونس بحري  أسس 16 اذاعة، وأتقنّ 17 لغة.. وحمل  15 جنسية.. وتزوج  90 امرأة زواجا شرعيا .. وأكثر من 200 زواجا مدنيا.. انجب 365 ذكرا، ولا يعلم عدد الاناث.. كان عنده اكثر من 1000 حفيد.. قابل معظم رؤساء العالم، وله معهم صداقات.. حكم عليه بالإعدام اربع مرات.. وقد ولد في اول القرن العشرين، وفي الشهر الاول منه! وسواء صدق في ما قاله او صدق في عشر معشار ما قاله، أسأل: الا يعتبر هذا الانسان اعجوبة من الاعاجيب؟  وهل انجب العرب مثله في القرن العشرين؟  السنا في حاجة ماسة للتعرّف عليه معرفة دقيقة.. ونقف لا لنشيد به فقط، بل لندقق في سيرته وفصول حياته؟  لقد نال من اتهامات النظم السياسية والحزبية الكثير من التهم، ووصف من قبل البعض بصفات العظمة الخارقة في حين وصف من قبل آخرين بالدعارة والتجسس وانعدام الاخلاق.. اما قضية زيجاته، فيبدو انه قد سبق الرحالة ابن بطوطة في هذا الجانب.. اذ تفوّق على الجميع في عدد الزوجات.

كان يونس بحري في مجلس الملك السعودي  الراحل عبد العزيز آلسعود حين جاء من يبشر الملك بمولوده الثالث والستين. 
نظر الأمير فيصل ـ الملك فيصل بعد ذلك ـ الى يونس بحري وابتسم،
وكان الملك عبد العزيز لماّحا، فلاحـظ نظـرة ولده وابتسامته، فسأله عما عنده فقال الأمير فيصل:
- يبلغ عدد أولاد يونس بحري أربعة وستين.
فسأله الملك عبد العزيز:
- هل صحيح يا يونس أن عدد أولادك أربعة وستين؟ فرد يونس بحري قائلا:
- الذكور منهم فقط يا طويل العمر!
* المقال منشور في جريدة (المدى ) البغدادية والرابط :http://almadasupplements.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة

  عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة -ابراهيم العلاف ولا اكتمكم سرا ، في أنني احب القاص والروائي العراقي الراحل عبدالستار ناصر 1947-2013 ، واقرأ ...