كلمة التاريخ في استفتاء كردستان العراق
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث -جامعة الموصل
أكثر من محب وصديق وزميل سأل عن موقفي من استفتاء اقليم كردستان العراق الذي جرى أمس 25 أيلول -سبتمبر سنة 2017 مع انهم يعرفون بأنني مع وحدة العراق من شمال زاخو الى جنوب الفاو ، وانني دائما أؤكد ان كلمة التاريخ في وحدة العراق واضحة ؛ فالعراق منذ ان خلقه الله ، عراقا واحدا وان كل حكام العراق وابتدأءً من لوكال زاكيزي الى حيدر العبادي ، كانوا وسيظلون ملزمين بتأكيد وحدة العراق ومنع تقسيمه والقضاء على كل من يخرج عن ذلك .
ويقينا ان كلمة التاريخ في موضوع الاستفتاء ايضا واضحة ، وهي انه ليس ثمة ضرورة لإجراءه ، لان المنطق يقول ان من حق الاكراد ان يعملوا من اجل ان تكون لهم دولة وهذا واضح ايضا من خلال اننا اذا تابعنا التاريخ الكردي الحديث ومنذ اواخر القرن التاسع نجد ان الكورد كانوا يناضلون كما ناضل العرب من اجل حقوقهم القومية .. ولكن ثوابت الجغرافية وحقائق التاريخ كانت تقول غير ذلك ؛ فالاكراد مبعثرين بين اكثر من دولة ففي ايران اكراد وفي تركيا اكراد وفي سوريا اكراد وفي العراق اكراد وهكذا لم تقر معاهدة سيفر ولم تتأسس للكورد دولة كما لم تتأسس دولة للارمن وهذا معروف .كما ان ظروف الدول الاقليمية واقصددول الجوار تركيا وسوريا وايران لاتسمح بالانصياع لرغبات الاكراد وامانيهم لسبب بسيط ان امن هذه الدول ووحدتها ومصالحها الاقتصادية يحول دون ذلك فالتقسيم ان بدأ في دولة لاينتهي الا وكل دول المنطقة مقسمة وهذا يخل بالتوازن الاقليمي والدولي .
من هنا ندرك لماذا كل دول العالم الكبرى الولايات المتحدة الاميركية وروسيا الاتحادية وبريطانيا ودول الاتحاد الاوربي كلها ضد الاستفتاء وقد اعرب مجلس الامن عن موقفه الواضح وهو انه ضد الاستفتاء .
اذا علينا ان نفهم انه ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، وليس كل ما يتمنى شعب ما يحققه ؛ فالعرب كانوا ولايزالون يتمنون الوحدة وحدة الوطن العربي من الخليج العربي الى المحيط الاطلسي لكن ذلك يواجه بصعوبات اقليمية ودولية فضلا عن وجود موانع وعقبات بنيوية .
لقد حقق الاكراد من خلال نضالهم الطويل كثيرا من المنجزات في العراق واكبرها حصولهم على الحكم الذاتي في عهد الرئيس العراقي الاسبق احمد حسن البكر 1968-1979 ومن بعده الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين 1979-2003 ولقد سمح لهم النظام السابق ومنذ 1991 تطوير حكمهم الذاتي بعد ان سحب الجيش والادارة العراقية من منطقة الحكم الذاتي وتركهم يضعون اسسا تشريعية وتنفيذية لمنطقة الحكم الذاتي كما كانت تسمى قبل 2003 .
وبعد 2003 حصل اهلنا في كردستان العراق الكثير من المكاسب الاقتصادية والسياسية والعسكرية والادارية ةالثقافية ، مما اتاح لهم تحقيق تنمية واسعة في مدن كردستان العراق وبشكل لم يتحقق مثله في كل مدن العراق الاخرى ومنها الموصل الحبيبة التي باتت بعد تحريرها من سيطرة الظلاميين مدمرة تئن تحت مشاكل وتدمير لم تشهده في كل تاريخها .
اقول ان على اهلنا في كردستان العراق ان يحمدوا الله على ما تحقق لهم ضمن العراق الواحد والذي لم يشهده اكراد كل دول المنطقة ، وان يعرفوا ان القوى الاقليمية والدولية لاتسمح لهم بأن ينفصلوا عن العراق ، وان العراقيين كذلك لايمكن ان يقبلوا بأن يفصل (رأسهم ) مهما كلف الامر ، واذا ما تم الاصرار على ذلك فلنتوقع حدوث ما لايحمد عقباه واهم ما يمكن ان يحدث ان نعود الى (نقطة الصفر التاريخية ) وهي تجريد حملة عسكرية من اجل الحفاظ على وحدة العراق .. هكذا فعل العثمانيون، وهكذا فعل الانكليز حين احتلوا العراق 1914-1932 ، وهكذا فعل الحكم الملكي 1921-1958 في حركات بارزان الاولى والثانية ، وهكذا فعل الزعيم عبد الكريم قاسم 1958-1963 وهكذا فعل الرئيس العراقي الاسبق عبد السلام محمد عارف 1963-1966 ، وهكذا فعل الرئيس العراقي احمد حسن البكر 1968-1979 وهكذا فعل الرئيس العراقي صدام حسين 1979-2003 .
المشكلة الحقيقية هي ان الاكراد مبعثرين في عدة دول ، وان الاكراد انفسهم غير متفقين على الانفصال عن جسم العراق ، وان الظروف الوطنية العراقية وهو يواجه قوى الارهاب لاتسمح بالانفصال ، وان الظروف الاقليمية ودول الجوار العربية وغير العربية لاتسمح بالانفصال ، وان الظروف الدولية لاتسمح بالانفصال ، وان المنظمة الدولية المسؤولة عن الامن الدولي اقصد الامم المتحدة ، ومجلس الامن لاتسمح بالانفصال .
والحل ان يظل الاكراد مع اخوتهم العرب ومع اخوتهم التركمان والاخرين متحابين موحدين ؛ ففي هذا قوتهم الاسلام اعطى للعرب والترك والكورد تاريخا والعراق اعطى للكرد تاريخا من خلال وحدتهم مع اخوتهم العرب معززين مكرمين والكورد ليسوا فقط في اقليم كردستان بل هم في كل مدن العراق ، وهذه هي كلمتنا وهذا هو موقفنا الذي يمليه علينا ضميرنا ؛ فدم العراقيين وعرق العراقيين امتزجا - عبر التاريخ - فأصبحا عسلا شهيا كما يقول الشاعر العراقي الكردي المرحوم عبد الله كوران في قصيدته (أخي العربي ) ونصها :
آه ٍ أخي العربيٍ
كم من عباءة ٍ
كم من لبـّاد ٍ
مزقـْنا
آنَ كنا نعمل بالسخرة للظالمين
آه ٍ كم مسحنا العرق من جباهنا
ونحن مثقلون بالأحمال
أخي العربي
ياذا العينين السوداوين
مـُرّاً كان نصيبك
مُـرّاً كان نصيبي
قد جرعنا المرارة من كأس واحدة
فأضحت أخوتنا عسلاً شهيـّا
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث -جامعة الموصل
أكثر من محب وصديق وزميل سأل عن موقفي من استفتاء اقليم كردستان العراق الذي جرى أمس 25 أيلول -سبتمبر سنة 2017 مع انهم يعرفون بأنني مع وحدة العراق من شمال زاخو الى جنوب الفاو ، وانني دائما أؤكد ان كلمة التاريخ في وحدة العراق واضحة ؛ فالعراق منذ ان خلقه الله ، عراقا واحدا وان كل حكام العراق وابتدأءً من لوكال زاكيزي الى حيدر العبادي ، كانوا وسيظلون ملزمين بتأكيد وحدة العراق ومنع تقسيمه والقضاء على كل من يخرج عن ذلك .
ويقينا ان كلمة التاريخ في موضوع الاستفتاء ايضا واضحة ، وهي انه ليس ثمة ضرورة لإجراءه ، لان المنطق يقول ان من حق الاكراد ان يعملوا من اجل ان تكون لهم دولة وهذا واضح ايضا من خلال اننا اذا تابعنا التاريخ الكردي الحديث ومنذ اواخر القرن التاسع نجد ان الكورد كانوا يناضلون كما ناضل العرب من اجل حقوقهم القومية .. ولكن ثوابت الجغرافية وحقائق التاريخ كانت تقول غير ذلك ؛ فالاكراد مبعثرين بين اكثر من دولة ففي ايران اكراد وفي تركيا اكراد وفي سوريا اكراد وفي العراق اكراد وهكذا لم تقر معاهدة سيفر ولم تتأسس للكورد دولة كما لم تتأسس دولة للارمن وهذا معروف .كما ان ظروف الدول الاقليمية واقصددول الجوار تركيا وسوريا وايران لاتسمح بالانصياع لرغبات الاكراد وامانيهم لسبب بسيط ان امن هذه الدول ووحدتها ومصالحها الاقتصادية يحول دون ذلك فالتقسيم ان بدأ في دولة لاينتهي الا وكل دول المنطقة مقسمة وهذا يخل بالتوازن الاقليمي والدولي .
من هنا ندرك لماذا كل دول العالم الكبرى الولايات المتحدة الاميركية وروسيا الاتحادية وبريطانيا ودول الاتحاد الاوربي كلها ضد الاستفتاء وقد اعرب مجلس الامن عن موقفه الواضح وهو انه ضد الاستفتاء .
اذا علينا ان نفهم انه ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، وليس كل ما يتمنى شعب ما يحققه ؛ فالعرب كانوا ولايزالون يتمنون الوحدة وحدة الوطن العربي من الخليج العربي الى المحيط الاطلسي لكن ذلك يواجه بصعوبات اقليمية ودولية فضلا عن وجود موانع وعقبات بنيوية .
لقد حقق الاكراد من خلال نضالهم الطويل كثيرا من المنجزات في العراق واكبرها حصولهم على الحكم الذاتي في عهد الرئيس العراقي الاسبق احمد حسن البكر 1968-1979 ومن بعده الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين 1979-2003 ولقد سمح لهم النظام السابق ومنذ 1991 تطوير حكمهم الذاتي بعد ان سحب الجيش والادارة العراقية من منطقة الحكم الذاتي وتركهم يضعون اسسا تشريعية وتنفيذية لمنطقة الحكم الذاتي كما كانت تسمى قبل 2003 .
وبعد 2003 حصل اهلنا في كردستان العراق الكثير من المكاسب الاقتصادية والسياسية والعسكرية والادارية ةالثقافية ، مما اتاح لهم تحقيق تنمية واسعة في مدن كردستان العراق وبشكل لم يتحقق مثله في كل مدن العراق الاخرى ومنها الموصل الحبيبة التي باتت بعد تحريرها من سيطرة الظلاميين مدمرة تئن تحت مشاكل وتدمير لم تشهده في كل تاريخها .
اقول ان على اهلنا في كردستان العراق ان يحمدوا الله على ما تحقق لهم ضمن العراق الواحد والذي لم يشهده اكراد كل دول المنطقة ، وان يعرفوا ان القوى الاقليمية والدولية لاتسمح لهم بأن ينفصلوا عن العراق ، وان العراقيين كذلك لايمكن ان يقبلوا بأن يفصل (رأسهم ) مهما كلف الامر ، واذا ما تم الاصرار على ذلك فلنتوقع حدوث ما لايحمد عقباه واهم ما يمكن ان يحدث ان نعود الى (نقطة الصفر التاريخية ) وهي تجريد حملة عسكرية من اجل الحفاظ على وحدة العراق .. هكذا فعل العثمانيون، وهكذا فعل الانكليز حين احتلوا العراق 1914-1932 ، وهكذا فعل الحكم الملكي 1921-1958 في حركات بارزان الاولى والثانية ، وهكذا فعل الزعيم عبد الكريم قاسم 1958-1963 وهكذا فعل الرئيس العراقي الاسبق عبد السلام محمد عارف 1963-1966 ، وهكذا فعل الرئيس العراقي احمد حسن البكر 1968-1979 وهكذا فعل الرئيس العراقي صدام حسين 1979-2003 .
المشكلة الحقيقية هي ان الاكراد مبعثرين في عدة دول ، وان الاكراد انفسهم غير متفقين على الانفصال عن جسم العراق ، وان الظروف الوطنية العراقية وهو يواجه قوى الارهاب لاتسمح بالانفصال ، وان الظروف الاقليمية ودول الجوار العربية وغير العربية لاتسمح بالانفصال ، وان الظروف الدولية لاتسمح بالانفصال ، وان المنظمة الدولية المسؤولة عن الامن الدولي اقصد الامم المتحدة ، ومجلس الامن لاتسمح بالانفصال .
والحل ان يظل الاكراد مع اخوتهم العرب ومع اخوتهم التركمان والاخرين متحابين موحدين ؛ ففي هذا قوتهم الاسلام اعطى للعرب والترك والكورد تاريخا والعراق اعطى للكرد تاريخا من خلال وحدتهم مع اخوتهم العرب معززين مكرمين والكورد ليسوا فقط في اقليم كردستان بل هم في كل مدن العراق ، وهذه هي كلمتنا وهذا هو موقفنا الذي يمليه علينا ضميرنا ؛ فدم العراقيين وعرق العراقيين امتزجا - عبر التاريخ - فأصبحا عسلا شهيا كما يقول الشاعر العراقي الكردي المرحوم عبد الله كوران في قصيدته (أخي العربي ) ونصها :
آه ٍ أخي العربيٍ
كم من عباءة ٍ
كم من لبـّاد ٍ
مزقـْنا
آنَ كنا نعمل بالسخرة للظالمين
آه ٍ كم مسحنا العرق من جباهنا
ونحن مثقلون بالأحمال
أخي العربي
ياذا العينين السوداوين
مـُرّاً كان نصيبك
مُـرّاً كان نصيبي
قد جرعنا المرارة من كأس واحدة
فأضحت أخوتنا عسلاً شهيـّا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق