أيام الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
في الموصل ، أيام مبهجة عشناها وعاشها الموصليون منذ خمسين سنة وأكثر ولا اعتقد ان ثمة من لايعلم بها خاصة من ابناء جيلي جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية .البعض من المؤرخين الموصليين كتبوا عنها ولعل من ابرز من كتبوا الاستاذين الفاضلين المرحومين أحمد الصوفي وسعيد الديوه جي .قالوا ان الموصليين كانوا يخرجون الى ظاهر المدينة ويحتفلون ويبتهجون ويقضون اوقاتا ممتعة وخاصة في ايام الربيع حيث يرق النسيم ، ويعتدل الجو ، وتصطبغ الارض باللون الاخضر .
عندما تمطر السماء يخرجون الى ظاهر المدينة ، ويشكرون الله وعندما ينحبس المطر يخرجون الى تل التوبة حيث النبي يونس ، ويؤدون صلاة الاستسقاء ويدعون الله ان ينزل الغيث وهم لم ولن يقنطوا من رحمة الله .
في رمضان المبارك ، ومنذ ان يحل شعبان يتبادلون التهاني . وفي رمضان يقيمون الامسيات الرمضانية .وفي العيدين الصغير :الفطر والكبير :الاضحى يخرجون الى الصحراء في رأس الكور والى تل ريمة في الباب الجديد والى تل الذهب في الغزلاني أي عند جامع الشيخ محمد الغزلاني .
عند قضيب البان، أي جامع قضيب البان ، يقيمون ( الحريفانات ) كل صنف وحرفة يقيم حارة لنفسه ولمنتسبي الصنف ويحتفلون ويمارسون الالعاب وينصبون مسرحا يقدمون فيه ادوارا كوميدية تبهج الناس والموائد تمتد هنا وهناك وتضم ما لذ وطاب من الطعام والشراب ذلك عيد في الربيع يقيمه الموصليون منذ سنين .
في آحاد الايام ، حيث أعياد الاديرة التي تضمها الموصل وتزخر بها : دير الشيخ سعيد ودير مار ميخائيل ودير مار كوركيس ودير مار ايليا ودير السيدة ودير الشيخ متي وكنيسة الطاهرة ودير ما حودامة ودير الربان هرمز ودير مار بهنام .. ولكل دير عيد يخرج الموصليون لافرق بين ايا منهم يأكلون ويشربون ويتمتعون بالطبيعة ويتعرفون على بعضهم البعض وقد ينتج عن ذلك الاتفاق على الزواج بين الشباب والصبايا وبعلم الاهل والاحباب والاقرباء .
الشعراء يقولون الشعر وهذا ابو عثمان الخالدي الموصلي يقول في حق الشيخ سعيد قرب مرقد الشيخ محمد الغزلاني :
يا حسن دير سعيد إذ حللت به ***والارض والروض في وشي وديباجِ
حمعة الخضر واحدة من الجمع التي يحتفل بها الموصليون ، وهي أول جمعة تنبئ بدخول الربيع وتصنع في أيامها حلاوة الخضر الشهيرة وتوزع على الناس .
وعيد مار كوركيس القريب اليوم من حي العربي .. كنا نخرج اليه ونحتفل في رابع احد صوم الخمسين وهكذا لكل دير موصلي يومه ليس ثمة فرق بين المسلمين والمسيحيين الكل يحتفلون اليسوا هم موصليون ؟! والموصل هي أم الربيعين .. أم العلا .. البيضاء .. الحدباء المحروسة بإذن الله .
في الاعياد تلك وفي الاحتفالات الدينية والوطنية يحتفلون .. يقيمون السرادقات وأقواس النصر .. كل صنف يقيم قوسا ويختار له شارعا لكي يعبر عن نفسه والقوس مُزين بالشعارات والاعلام العراقية ، وكلها تؤكد وحدة العراق وقوة العراق ودور العراق .
كنت وأنا طفل وصبي وشاب أرى الناس وقد علت وجوههم البسمة .. أراهم يحنون بعضهم على بعض.. يطربون على أغانيهم الجميلة (يردلي ) و(ياقضيب البان ) و(يا سماق ياسماق أكلي دهيني وما تنضاق ) .
ويأتي الصيف ، فتشد الرحال الى حمام العليل الكبريتية ليؤجروا (العرازيل ) و(البيوت ) فيبقون هناك شهرا ويعودون بعد ان يكونوا قد تمتعوا بالاستحمام في عيون حمام العليل : عين علي ، وعين زهرة ، وعين فصوصة .
تلك وغيرها مما لم نذكر لضيق المجال والوقت ، أيام الموصل البهيجة .. وأملنا كبير في ان تعود ويعود اهل الموصل الى سابق وحدتهم وتلاحمهم ومحبتهم ولهذا انا اقول وأكرر ان الموصل ليست مدينة عادية فحسب انها تاريخ ، وتراث ، ومواقف ، وفكر ، وحياة .
* صورة للعيد في تل ريمة -الباب الجديد من أيمن الموصل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق