مقالي في مجلة الكاردينيا http://algardenia.com/maqalat/30124-2017-05-23-17-51-39.html
الموجة الصاخبة في الدراسات التاريخية العراقية المعاصرة
الموجة الصاخبة في الدراسات التاريخية العراقية المعاصرة
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
استاذ متمرس –جامعة الموصل
قبل قليل وصلتني رسالة من اخي العزيز المؤرخ الاستاذ الدكتور محمود عبد الواحد محمود القيسي Mahmoud Al-qaysi يقول فيها :" استاذي الدكتور ابراهيم العلاف انها مسالة تحيرني دائما وقد ناقشت ذلك في كتابي عن مدرسة الحوليات الفرنسية . الا تجدنا نحن قبيلة المؤرخين العراقيين قد واصلنا السير على المدرسة التقليدية رغم التحولات التي شهدها الادب والمسرح والفن .فالستينات قد شهدت موجات متفاعلة أسس لها سامي مهدي وجيله وفائق حسن وجيله وعلي جواد الطاهر وجيله. اما نحن وحنى الان مازلنا نسير على درب الرواد الدوري والعلي وجواد علي.الا نحتاج لموجة صاخبة في عصر التكنولوجيا المتسارع.دمت لنا استاذي" .
وقد وعدته انني سأكتب مقالا جوابا على سؤاله فأقول : أخي العزيز الاستاذ الدكتور محمود عبد الواحد القيسي ، كما تعلم فإن الدراسات التاريخية الحديثة في العراق ابتدأت مع القرن التاسع عشر ، وكان ثمة مؤرخين كثيرين .. لكن تميز منهم الاستاذ سليمان فائق الذي كتب كتبا عديدة عن :"تاريخ بغداد " و"تاريخ المماليك " ولسنا بحاجة الى ان نقول ان ماميز كتابات سليمان فائق ومعه ياسين العمري وعبد الله السويدي انها كانت تنتهج طريقة واسلوب الحوليات في التوثيق وهي الطريقة التقليدية عند مؤرخينا المسلمين ومنهم الطبري وابن الاثير .وفي مطلع القرن العشرين .
وتزامنا مع ظهور النزعات القومية ظهر لدينا مؤرخين هواة ابرزهم الاستاذ عباس العزاوي الذي كتب كتبه المعروفة بروح وطنية اساسها ابراز دور العراق، ومن اهم ما كتب "تاريخ العراق بين احتلالين " والرجل لم يستطع الخروج عن مدرسة الحوليات الا قليلا في كتبه الاخرى عن النقود والضرائب والادب العربي في العراق والتعريف بالمؤرخين .
وجاء السيد عبد الرزاق الحسني الذي أعده انا المؤرخ الرسمي للعراق في الثلاثينات والاربعينات واصدر كتبه المشهورة وابرزها :"تاريخ الوزارات العراقية " بمجلداته العشرة .
وهكذا عندما افتتحت الدراسات العليا في التاريخ في اواخر الستينات واوائل السبعينات من القرن الماضي لم نجد امامنا الا كتابات العزاوي والحسني وبعض كتابات اخواننا في مصر ومنهم استاذنا الدكتور عبد العزيز نوار ، وتوكلنا على الله وبدأنا نلج موضوعات كانت محرمة من قبل .
تصور عندما انجزت اول رسالة في الماجستير للدكتور محمد مظفر الادهمي وكانت عن " المجلس التأسيسي " واحيلت الى الاستاذ عبد الرزاق الحسني وهو ليس مؤرخا اكاديميا ، لكننا كنا نحترمه ونحترم كتاباته الموضوعية أعجب بالرسالة وقال انه علم من خلالها ان هناك مركزا وطنيا للوثائق في العراق . واضاف يقول ان كتب في التاريخ عندما لم يكن هناك احدا يكتب وقال قولته الشهيرة لنا نحن طلاب الدراسات التاريخية العليا في السبعينات :"اننا كنا نحفر بالمجرفة وانتم تحفرون بالابرة !!" .
والان اقول على من نحن درسنا ؟ومن هم الذين اشرفوا علينا " اننا درسنا على اساتذة درسوا في الغرب حصرا :الدكتور زكي صالح والدكتور فاضل حسين والدكتور ياسين عبد الكريم والدكتور عبد القادر احمد اليوسف والدكتور عبد الوهاب القيسي والدكتور عبد الامير محمد امين . وفي التاريخ الاسلامي كان الدكتور عبد العزيز الدوري والدكتور صالح احمد العلي والدكتور جعفر خصباك . وهكذا في التاريخ القديم الدكتور فيصل الوائلي والاستاذ طه باقر ..وهكذا عندما بدأنا نحن الذين تخرجنا في الستينات وكتبنا رسائلنا في السبعينات أخذنا نثور على من درسنا اذا كنا نحن اصحاب الموجة الصاخبة ونحن من احدث التغيير ليس في شكل الكتابات التاريخية بل في مضمونها واهدافها . وتقول لي كيف أقول لك التالي :أحد الاساتذة الذين تخرج من جامعة لندن اعترض عللى كتاباتنا في موضوعات معاصرة وقال لي كيف تكتب في موضوع معاصر لك ؟ قلت لماذا ؟ قال لابد ان تنظر 25-30 سنة حتى تطلق الوثائق من دائرة السجلات العامة في لندن P.R.O وعندئذ تكتب ان ما تكتبه ليس تاريخا بل سياسة .
وعندما بدأنا نسجل موضوعاتنا عن (التعليم ) و( النفط ) و( الاراضي) و( الجيش) و( الصحافة) استغرب اساتذتنا واعترض علي احدهم في المقابلة عند تسجيل موضوعي :"تطور السياسة التعليمية في العراق في عهدي الاحتلال والانتداب 1914-1932 " وقال لي - والله - بالنص :هذا موضوع تربوي مالك أنتَ ومال هذا الموضوع ، فناقشته امام اساتذتي ، واقنعته وهكذا فعل الدكتور عماد الجواهري عندما كتب عن "مشكلة الاراضي " والدكتور نوري العاني عندما كتب عن "النفط " .
هذه واحدة من ثورتنا على اساتذتنا الذين اقتنعوا بما أردنا ثقة بنا ، ومحبة لنا ، وباركوا توجهنا مع العلم انهم وعندما بدأنا كانوا قليلي الانتاج ، زاهدين في النشر ولكن ما ان رأونا ونحن نمتلك الارادة على تغيير نهج الدراسات التاريخية حتى اقدموا هم على النشر.. كنا نحاججهم لماذا لاتنشرون ؟ لماذا لاتصدرون كتبا مع انكم قادرين على ذلك ولكم محاضرات في موضوعات يمكن ان تتحول الى كتب بسهولة ؟ .وكان جوابهم ان النشر ليس عملية سهلة ..كانوا يتهيبون النشر .
أعود الى ثورة اخرى حدثت في قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة بغداد في السبعينات ، وكان لها بطلان هما : الاستاذ الدكتور حسين قاسم العزيز والاستاذ الدكتور فاروق عمر فوزي .الاول راح ينشر افكاره ورؤاه التاريخية المستمدة من التفسير الماركسي للتاريخ وراح يرد عليه الثاني بآراء مستمدة من التفسير القومي ، وحدث حراك شديد وجاء كوتلوف الروسي الذي كتب عن ثورة العشرين 1920 وفسرها تفسيرا ماديا ديالكتيكيا والقى محاضرات في قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة بغداد .. وممازاد الحوار احتداما التحاق المؤرخ المصري الاستاذ الدكتور محمد أنيس بقسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة بغداد وهو المعروف بكتاباته في التاريخ الاقتصادي –الاجتماعي .
وكان في قسم التاريخ انذاك من كان يدعو الى تبني التفسير الاسلامي في التاريخ واعني به الاستاذ الدكتور عبد الرحمن الحجي وصار له تلاميذ وهكذا كان قسم التاريخ في السبعينات يموج بتيارات قومية وليبرالية وماركسية واسلامية كلها تهدف الى تغيير اسلوب تناول التاريخ وتفسيره وفق رؤى مختلفة وظهر من يدعو الى تبني مبدأ التعددية في التفسير .
وعندما تخرجنا التحقنا بجامعاتنا ونحن نحمل رؤى جديدة ومتطورة بل وثورية واتذكر انني والاستاذ الدكتور عماد الجواهري والاستاذ الدكتور حسن زعين كنا مسؤولين عن وضع مناهج جامعية لاقسام التاريخ تختلف كثيرا عن تلك التي درسناها في الخمسينات والستينات فإستحدثت مواد دراسية لم تكن من قبل في المناهج من قبيل تاريخ حركات التحرر وتاريخ الفكر الاشتراكي وفلسفة التاريخ وتاريخ الوطن العربي الحديث كنا في السابق ندرس تاريخ اوربا بالتفصيل وندرس تاريخ مايسمى بالشرق الادنى ولانركز لاعلى تاريخ العراق ولاتاريخ الوطن العربي .
ومثلما حدث في التاريخ الحديث حدث في التاريخ الاسلامي فلقد قاد الاستاذ الدكتور جعفر خصباك الدعوة الى انصاف الفترة المظلمة او الفترة المظلومة الواقعة بين سقوط بغداد على يد المغول 1258 الى بدء السيطرة العثمانية في النصف الاول من القرن السادس عشر وكتب في هذا وصار له تلاميذ اتجهوا الى دراسة هذه الفترة ومنهم الاستاذ الدكتور طارق نافع الحمداني .كما قاد الاستاذ الدكتور نزار عبد اللطيف الحديثي والاستاذ الدكتور عبد الرحمن عبد الكريم العاني وزملاءهم ثورة في قسم التاريخ الاسلامي وقد تميزت تلك الثورة بإبتداع مصطلحات جديدة والتركيز على فترات من التاريخ الاسلامي مهمة واتذكر ان بعض الاطروحات والرسائل اثارت جدلا من قبيل ما كتب عن الشيعة الامامية وثورة زيد بن علي والزنج والقرامطة والخوارج والاصناف .
وفي التاريخ اقديم حدثت ثورة مشابهة لما حدث في التاريخ الاسلامي والتاريخ الحديث وكان الاستاذ الدكتور سامي سعيد الاحمد وزملاءه يشجعون طلبتهم على الولوج في ميادين بحثية كانت حكرا على الكتاب والمؤرخين الاجانب .
ولازلت أتذكر اننا كنا ونحن في قسم التاريخ بكلية الاداب نتابع ما يحدث في اقسام الاجتماع والفلسفة والاعلام وعلم النفس والتربية ولعل من المناسب ان اشير الى انني وعندما انجزت اطروحتي للدكتوراه عن "السياسة التعليمية في العراق " وكان لي مشرفان احدهما مؤرخ والاخر تريوي ناقشني اربع اساتذة اثنان من قسم التاريخ واثنان من قسم العلوم النفسية والتربوية .
وما ان دخلت سنوات الثمانينات من القرن الماضي الا وكانت الدراسات التاريخية في العراق قد استقرت على اسس جديدة وصار لها اعمدتها ورموزها واتضحت معالمها لكن الشيء المهم الذي ظلت تحتفظ به ونريد ان تظل محتفظة به مع تدفق هذا الكم الكبير من المتخرجين في الدراسات التاريخية ، ان تظل متمسكة بالمنهج العلمي التاريخية الذي يهتم بالوثائق والعودة الى الاصول والينابيع الرئيسة والتحليل والتنصيص والتهميش مع الاخذ بتعددية الاسباب المحركة للاحداث التاريخية .واؤكد على انه ليس من المعقول ولا المنطقي ان لايكون هناك اهتمام بلغة اجنبية واحدة ولنقل الانكليزية فليس من الصحيح ان يكتب طالب في موضوع عن تاريخ بريطانيا وهو لايعرف الانكليزية جيدا او ان يكتب عن اليابان وهو لايعرف اليابانية وهكذا .كما يجب ان لايترك الطلبة اسرى الانترنت فيلجأون في كتابة موضوعاتهم الى طريقة القص واللصق وبذلك يفسدون الدراسات التاريخية ويخرجونها عن مسارها العلمي وتلك كارثة ومصيبة كبيرة
*http://algardenia.com/maqalat/30124-2017-05-23-17-51-39.html
وقد وعدته انني سأكتب مقالا جوابا على سؤاله فأقول : أخي العزيز الاستاذ الدكتور محمود عبد الواحد القيسي ، كما تعلم فإن الدراسات التاريخية الحديثة في العراق ابتدأت مع القرن التاسع عشر ، وكان ثمة مؤرخين كثيرين .. لكن تميز منهم الاستاذ سليمان فائق الذي كتب كتبا عديدة عن :"تاريخ بغداد " و"تاريخ المماليك " ولسنا بحاجة الى ان نقول ان ماميز كتابات سليمان فائق ومعه ياسين العمري وعبد الله السويدي انها كانت تنتهج طريقة واسلوب الحوليات في التوثيق وهي الطريقة التقليدية عند مؤرخينا المسلمين ومنهم الطبري وابن الاثير .وفي مطلع القرن العشرين .
وتزامنا مع ظهور النزعات القومية ظهر لدينا مؤرخين هواة ابرزهم الاستاذ عباس العزاوي الذي كتب كتبه المعروفة بروح وطنية اساسها ابراز دور العراق، ومن اهم ما كتب "تاريخ العراق بين احتلالين " والرجل لم يستطع الخروج عن مدرسة الحوليات الا قليلا في كتبه الاخرى عن النقود والضرائب والادب العربي في العراق والتعريف بالمؤرخين .
وجاء السيد عبد الرزاق الحسني الذي أعده انا المؤرخ الرسمي للعراق في الثلاثينات والاربعينات واصدر كتبه المشهورة وابرزها :"تاريخ الوزارات العراقية " بمجلداته العشرة .
وهكذا عندما افتتحت الدراسات العليا في التاريخ في اواخر الستينات واوائل السبعينات من القرن الماضي لم نجد امامنا الا كتابات العزاوي والحسني وبعض كتابات اخواننا في مصر ومنهم استاذنا الدكتور عبد العزيز نوار ، وتوكلنا على الله وبدأنا نلج موضوعات كانت محرمة من قبل .
تصور عندما انجزت اول رسالة في الماجستير للدكتور محمد مظفر الادهمي وكانت عن " المجلس التأسيسي " واحيلت الى الاستاذ عبد الرزاق الحسني وهو ليس مؤرخا اكاديميا ، لكننا كنا نحترمه ونحترم كتاباته الموضوعية أعجب بالرسالة وقال انه علم من خلالها ان هناك مركزا وطنيا للوثائق في العراق . واضاف يقول ان كتب في التاريخ عندما لم يكن هناك احدا يكتب وقال قولته الشهيرة لنا نحن طلاب الدراسات التاريخية العليا في السبعينات :"اننا كنا نحفر بالمجرفة وانتم تحفرون بالابرة !!" .
والان اقول على من نحن درسنا ؟ومن هم الذين اشرفوا علينا " اننا درسنا على اساتذة درسوا في الغرب حصرا :الدكتور زكي صالح والدكتور فاضل حسين والدكتور ياسين عبد الكريم والدكتور عبد القادر احمد اليوسف والدكتور عبد الوهاب القيسي والدكتور عبد الامير محمد امين . وفي التاريخ الاسلامي كان الدكتور عبد العزيز الدوري والدكتور صالح احمد العلي والدكتور جعفر خصباك . وهكذا في التاريخ القديم الدكتور فيصل الوائلي والاستاذ طه باقر ..وهكذا عندما بدأنا نحن الذين تخرجنا في الستينات وكتبنا رسائلنا في السبعينات أخذنا نثور على من درسنا اذا كنا نحن اصحاب الموجة الصاخبة ونحن من احدث التغيير ليس في شكل الكتابات التاريخية بل في مضمونها واهدافها . وتقول لي كيف أقول لك التالي :أحد الاساتذة الذين تخرج من جامعة لندن اعترض عللى كتاباتنا في موضوعات معاصرة وقال لي كيف تكتب في موضوع معاصر لك ؟ قلت لماذا ؟ قال لابد ان تنظر 25-30 سنة حتى تطلق الوثائق من دائرة السجلات العامة في لندن P.R.O وعندئذ تكتب ان ما تكتبه ليس تاريخا بل سياسة .
وعندما بدأنا نسجل موضوعاتنا عن (التعليم ) و( النفط ) و( الاراضي) و( الجيش) و( الصحافة) استغرب اساتذتنا واعترض علي احدهم في المقابلة عند تسجيل موضوعي :"تطور السياسة التعليمية في العراق في عهدي الاحتلال والانتداب 1914-1932 " وقال لي - والله - بالنص :هذا موضوع تربوي مالك أنتَ ومال هذا الموضوع ، فناقشته امام اساتذتي ، واقنعته وهكذا فعل الدكتور عماد الجواهري عندما كتب عن "مشكلة الاراضي " والدكتور نوري العاني عندما كتب عن "النفط " .
هذه واحدة من ثورتنا على اساتذتنا الذين اقتنعوا بما أردنا ثقة بنا ، ومحبة لنا ، وباركوا توجهنا مع العلم انهم وعندما بدأنا كانوا قليلي الانتاج ، زاهدين في النشر ولكن ما ان رأونا ونحن نمتلك الارادة على تغيير نهج الدراسات التاريخية حتى اقدموا هم على النشر.. كنا نحاججهم لماذا لاتنشرون ؟ لماذا لاتصدرون كتبا مع انكم قادرين على ذلك ولكم محاضرات في موضوعات يمكن ان تتحول الى كتب بسهولة ؟ .وكان جوابهم ان النشر ليس عملية سهلة ..كانوا يتهيبون النشر .
أعود الى ثورة اخرى حدثت في قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة بغداد في السبعينات ، وكان لها بطلان هما : الاستاذ الدكتور حسين قاسم العزيز والاستاذ الدكتور فاروق عمر فوزي .الاول راح ينشر افكاره ورؤاه التاريخية المستمدة من التفسير الماركسي للتاريخ وراح يرد عليه الثاني بآراء مستمدة من التفسير القومي ، وحدث حراك شديد وجاء كوتلوف الروسي الذي كتب عن ثورة العشرين 1920 وفسرها تفسيرا ماديا ديالكتيكيا والقى محاضرات في قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة بغداد .. وممازاد الحوار احتداما التحاق المؤرخ المصري الاستاذ الدكتور محمد أنيس بقسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة بغداد وهو المعروف بكتاباته في التاريخ الاقتصادي –الاجتماعي .
وكان في قسم التاريخ انذاك من كان يدعو الى تبني التفسير الاسلامي في التاريخ واعني به الاستاذ الدكتور عبد الرحمن الحجي وصار له تلاميذ وهكذا كان قسم التاريخ في السبعينات يموج بتيارات قومية وليبرالية وماركسية واسلامية كلها تهدف الى تغيير اسلوب تناول التاريخ وتفسيره وفق رؤى مختلفة وظهر من يدعو الى تبني مبدأ التعددية في التفسير .
وعندما تخرجنا التحقنا بجامعاتنا ونحن نحمل رؤى جديدة ومتطورة بل وثورية واتذكر انني والاستاذ الدكتور عماد الجواهري والاستاذ الدكتور حسن زعين كنا مسؤولين عن وضع مناهج جامعية لاقسام التاريخ تختلف كثيرا عن تلك التي درسناها في الخمسينات والستينات فإستحدثت مواد دراسية لم تكن من قبل في المناهج من قبيل تاريخ حركات التحرر وتاريخ الفكر الاشتراكي وفلسفة التاريخ وتاريخ الوطن العربي الحديث كنا في السابق ندرس تاريخ اوربا بالتفصيل وندرس تاريخ مايسمى بالشرق الادنى ولانركز لاعلى تاريخ العراق ولاتاريخ الوطن العربي .
ومثلما حدث في التاريخ الحديث حدث في التاريخ الاسلامي فلقد قاد الاستاذ الدكتور جعفر خصباك الدعوة الى انصاف الفترة المظلمة او الفترة المظلومة الواقعة بين سقوط بغداد على يد المغول 1258 الى بدء السيطرة العثمانية في النصف الاول من القرن السادس عشر وكتب في هذا وصار له تلاميذ اتجهوا الى دراسة هذه الفترة ومنهم الاستاذ الدكتور طارق نافع الحمداني .كما قاد الاستاذ الدكتور نزار عبد اللطيف الحديثي والاستاذ الدكتور عبد الرحمن عبد الكريم العاني وزملاءهم ثورة في قسم التاريخ الاسلامي وقد تميزت تلك الثورة بإبتداع مصطلحات جديدة والتركيز على فترات من التاريخ الاسلامي مهمة واتذكر ان بعض الاطروحات والرسائل اثارت جدلا من قبيل ما كتب عن الشيعة الامامية وثورة زيد بن علي والزنج والقرامطة والخوارج والاصناف .
وفي التاريخ اقديم حدثت ثورة مشابهة لما حدث في التاريخ الاسلامي والتاريخ الحديث وكان الاستاذ الدكتور سامي سعيد الاحمد وزملاءه يشجعون طلبتهم على الولوج في ميادين بحثية كانت حكرا على الكتاب والمؤرخين الاجانب .
ولازلت أتذكر اننا كنا ونحن في قسم التاريخ بكلية الاداب نتابع ما يحدث في اقسام الاجتماع والفلسفة والاعلام وعلم النفس والتربية ولعل من المناسب ان اشير الى انني وعندما انجزت اطروحتي للدكتوراه عن "السياسة التعليمية في العراق " وكان لي مشرفان احدهما مؤرخ والاخر تريوي ناقشني اربع اساتذة اثنان من قسم التاريخ واثنان من قسم العلوم النفسية والتربوية .
وما ان دخلت سنوات الثمانينات من القرن الماضي الا وكانت الدراسات التاريخية في العراق قد استقرت على اسس جديدة وصار لها اعمدتها ورموزها واتضحت معالمها لكن الشيء المهم الذي ظلت تحتفظ به ونريد ان تظل محتفظة به مع تدفق هذا الكم الكبير من المتخرجين في الدراسات التاريخية ، ان تظل متمسكة بالمنهج العلمي التاريخية الذي يهتم بالوثائق والعودة الى الاصول والينابيع الرئيسة والتحليل والتنصيص والتهميش مع الاخذ بتعددية الاسباب المحركة للاحداث التاريخية .واؤكد على انه ليس من المعقول ولا المنطقي ان لايكون هناك اهتمام بلغة اجنبية واحدة ولنقل الانكليزية فليس من الصحيح ان يكتب طالب في موضوع عن تاريخ بريطانيا وهو لايعرف الانكليزية جيدا او ان يكتب عن اليابان وهو لايعرف اليابانية وهكذا .كما يجب ان لايترك الطلبة اسرى الانترنت فيلجأون في كتابة موضوعاتهم الى طريقة القص واللصق وبذلك يفسدون الدراسات التاريخية ويخرجونها عن مسارها العلمي وتلك كارثة ومصيبة كبيرة
*http://algardenia.com/maqalat/30124-2017-05-23-17-51-39.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق