بقلم
محددات السياسة الاردنية تجاه العراق
رائد فوزي احمــــود
المعهد العربي للبحوث
والدراسات الاستراتيجية/قسم البحوث والدراسات/ عمان/ الأردن
بحث منشور في نشرة متابعات اقليمية -مركز الدراسات الاقليمية -جامعة الموصل
أن أي مراجعة تاريخية للعلاقات بين الأردن والعراق ستكشف عن أن هذه
العلاقات كانت دوما أقوى من أي رياح مهما كانت
شدتها. الحكومات الأردنية المتعاقبة والشعب الأردني كانوا ولا يزالون مدركين أن
العراق يعد الظهير القوي للسياسة والاقتصاد الأردنيين، إضافة إلى أن العراق هو
البلد الذي يمثل العمق الاستراتيجي للأردن عندما تحيط به المخاطر. ولقد لعبت حكمة
البيت الهاشمي دورا أساسيا في تحقيق مثل هكذا مفاهيم مستفيدة من الانتماء القومي
العربي للعراق.
على الجانب
العراقي الوضع مختلف قليلا. العراق بوصفه الدولة الأكبر والأكثر قدرة على المستوى
السكاني والاقتصادي والعسكري على صعيد دول المشرق العربي، كان يشعر أن من واجبه
تقديم المساعدة لأشقائه العرب. مثل هذه المساعدات أرتبط تقديمها بأوضاع العراق
الداخلية وموقف الدول العربية من قضايا العراق والقضية الفلسطينية، وحتى هذا
العامل الأخير تراجع حجم تأثيره خصوصا بعد انشغال العراق بحربه مع إيران.
انشغال العراق
بحربه مع إيران نجم عنه تقارب عراقي أردني كبير وأصبحت المملكة منذ ذلك الوقت بوابة
العراق للعالم الخارجي بعد أن بات متعذرا على العراق استخدام موانئه البحرية.
استمرت الوظيفة الأردنية هذه قائمة وبشكل أكثر اتساعا بعد احتلال الكويت عام 1990
.
بعد انتهاء حرب
الخليج الثانية وما تلاها من حصار وعزلة دولية لم يسمح للعراق ولوقت طويل سوى
استخدام البوابة الأردنية. مع الزمن أصبحت عمان الموضع الاقتصادي الأول والرئيس
للعراق بعد بغداد ذاتها.
لقد حققت
الأردن منافع اقتصادية كبيرة جدا بسبب مواقفها السياسية المؤيدة للعراق، ويكفي
للتذكير فقط كميات النفط الكبيرة التي كانت تحصل عليها المملكة مجانا من العراق ولسنوات
طويلة جدا والتي توقفت مع سقوط بغداد بيد القوات الأمريكية، والتي حكومتها على
علاقة وثيقة بالحكومة الأردنية. في المقابل أيضا دفعت الاردن ثمن سياسي مهم بسبب
حرصها على أبقاء العلاقة جيدة مع العراق.
في ظل هذه المصلحة المتبادلة تشكلت
العلاقة الأردنية العراقية واستطاعت الاستمرار طوال هذه السنين. لكن كان كل من
العراق والأردن على موعد جديد مع التاريخ؛ بحيث قلبت الصفحة بينهما تماماً مع تغير
أطراف المعادلة العراقية، ووجود أطراف خارجية تطمح إلى بناء جديد في العراق، حتى
لو اقتضى الأمر قلب صفحة التاريخ في العلاقات العراقية مع العالم العربي، والأردن
تحديداً.
أحزاب عراقية
ذات توجهات دينية أصبح لها دور أساس ومهم في تشكيل المعادلة الداخلية العراقية
ودور أكثر أهمية في رسم سياسة العراق مع أشقائه العرب. وسبق هؤلاء تنامي دور إيران
ذات الطموحات التاريخية في العراق والمنطقة، التي ما فتئت تخرج بين الفينة والأخرى
بتصريحات تؤكد على حقوق إيران التاريخية في العراق، يجدر بالأطراف الأخرى (ومن
ضمنهم الأردن) التعامل معها كمحدد أساس في العلاقة. هذه التوجهات الجديدة للقيادة
العراقية الجديدة أثارت مخاوف الأردن وقيادته.
وتنامي الخوف
أكثر عندما تجاهلت الإدارة الأمريكية مخاوف حلفائها أو شركائها في المنطقة ورفضها
الاستجابة إلى نصائح قدمت لها من جانبهم، مثل تأجيل الانتخابات التي أجريت في
يناير 2005 بمقاطعة واسعة من العرب السنة لمدة ست أشهر، ثم رفض الأخذ بنصائحهم في
عدم الاستعجال بإقرار الدستور في ظل استمرار مقاطعة أطراف عراقية كبيرة.
في ظل انعدام تجاوب الولايات المتحدة للمخاوف الأردنية ورفضها التعامل مع
النصائح، بدت إيران أكثر نفوذاً عن ذي قبل، حينها شهدت العلاقات بين العراق وعدد
من الدول العربية تدهوراً سريعاً.
* الأردن جزء
من السياسة العربية:
عند الرجوع إلى السياسة العربية في تعاملها مع العراق بعد الغزو يجد الباحث
انها اتخذت في العموم موقفاً حذراً إزاء التطورات التي شهدها العراق منذ بدأ
الاحتلال وحتى نهاية العام الماضي. سياسة انتهجت نهجا بعيدا عن تحديد إستراتيجية
واضحة المعالم طالما أن الصورة بالعراق لا زالت لم تكتمل، بل أنها أخذت توحي بأكثر
من معنى. والأردن أحد هذه الدول، الذي اقتصر دورها على مراقبة الأوضاع عن بعد دون
التورط بمخاطرة غير محسوبة النتائج والعواقب. تدرك الأردن جيداً بحكم التاريخ
والجغرافيا حقيقة ما يجري بالعراق وهي قادرة على رسم مصالحها وتحقيقها بصورة
مناسبة لكن إمكانياتها المحدودة تقف حائلاً دون تحقيقها لمديات نهائية.
وعليه شهدنا
دور أردني في العراق في إطاره الجماعي أكثر من كونه فردي (رغم وجود هذا الدور وإن
كان بصورة محدودة).
أخذت السياسية الأردنية تتجه تدريجياً للخروج من مأزق الإمكانيات المحدودة
للتغلب عليها طالما أن تداعيات الملف العراقي أخذت تطل برأسها فارضة أجندة واقعية
لا يمكن التغاضي عنها أو السكوت عنها؛ فالملف الأمني أبرز ما يؤرق الحكومة والشعب
الأردني على حد سواء نظراً لارتباطاته المتعددة، بدأً بالحراك الاقتصادي وصولاً
إلى الاستقرار السياسي؛ لذلك شكلت أحداث
تفجير بعض فنادق العاصمة عمان في العام 2005 نقطة تحول في السياسة الأردنية تجاه
الانغماس أكثر بالوضع العراقي، والكف عن لعب دور المراقب ريثما تنضج الصورة في
العراق كما جرت عليه السياسة العربية إزاء العراق منذ الاحتلال.
تتعدد الهواجس الأردنية تجاه العراق في الوقت الحاضر، وتتزايد الهواجس مع
ارتفاع احتمالات الانسحاب الأمريكي منه. لكن سنحصر بحثنا على نقطتين أساسيتان
تؤرقان صانع القرار السياسي في الأردن أكثر من غيرها، في حال تنفيذ الولايات
المتحدة انسحابها من العراق.
أولاً: الهواجس
الأمنية
فالأردن أخذ يخشى من الانفلات الأمني في العراق. وعليه كان لا بد من الخروج
من عنق الزجاجة المتمثلة بمحدودية الإمكانيات للعب دور أكبر في الشأن العراقي. لا
يمكن القطع بأن الأردن استطاع الخروج من معضلة محدودية الإمكانيات بصورة مكنتة أو
تمكنه للعب دور أكبر سواء في تشكيل المعادلة الداخلية العراقية، أو في ضمان أمنه
الداخلي والاقتصادي أو السياسي.
لكنه في سبيل تجاوز هذه المعضلة كان عليه الدخول في لعبة توازنات بين مختلف
الملفات التي تعنيه والمقايضة بينها في سبيل تأمين كيانه الوطني ومصالحه
الاقتصادية والسياسية. لذلك فهو اتخذ إستراتيجية خلط الأوراق (الملفات) في المنطقة
وفي هذا الإطار اتخذ الآليات التالية لتجاوز معضلة الإمكانيات المحدودة:
1.
أهم هذه
الآليات الاستمرار في دعم حليفه الإستراتيجي واللاعب الأساس في المنطقة بالعموم
والعراق بالخصوص أي الولايات المتحدة، حتى لو شكل هذا الأمر ضغوطاً عليها تتجاوز
الحد المقبول على صعيد التوازنات بين القوى الوطنية، والمعارضة داخل الأردن،
ومكونات المجتمع الأردني، وبين مصالحها القومية ودورها العربي.
2.
المغامرة
باستخدام الصورة التي ظهر بها لدى المجتمع الدولي كونه بلد يتمتع بمصداقية عالية؛
بحيث أخذ يراهن على هذه السمعة التي حظي بها نتيجة إسهامات قيادته، وذلك لأجل ضمان
مصالحه داخل العراق.
3.
الدور الأمني
والمخابراتي المتنامي والذي تجلى بوضوح بإعلان أكثر من مسؤول أردني حول نشاط
مخابراتي أردني داخل العراق.
4.
التنسيق بين
الدول العربية ليكون الأردن بمثابة المحرك الأساس أو الواجهة المعبرة عن رغبات
مجتمع الدول العربية، خصوصاً تلك التي دخلت في حلف غير رسمي بينها. وتدرك هذه
الدول أنها لن تستطيع أو إنها لا تريد الظهور في واجهة الأحداث لاعتبارات مختلفة
–لا مجال لذكرها هنا، وعليه يكون دور الأردن الممثل أساس لهذا التنسيق العربي تجاه
التعامل مع العراق. بالإضافة إلى حاجة الأردن إلى تنسيق هذه المواقف فهو يسعى كذلك
إلى أن يضمن لنفسه داعم مستمر لايدير الظهر له عندما تتغير السياسات في المنطقة
كما حدث معه نتيجة موقفه من غزو العراق للكويت في العام 1990 ومقاطعة دول الخليج
والولايات المتحدة له. لذلك سيكون الأردن حريص على إيجاد الضمانات والتأكيدات بدعم
ومساندته اقتصادياً وسياسياً إزاء تطورات الأحداث في العراق.
5.
تعميق العلاقات
مع مختلف الأطراف العراقية، خصوصاً تلك التي تشترك مع الأردن بذات المخاوف، أي خلق
علاقة مصالح عضوية لا يمكن لأحد الأطراف فكها دون شعوره بجسامة الخسارة وراء فك
الارتباط معها.
إن تفعيل النقاط السابقة من جانب القيادة الأردنية يعتبر أمراً حيوياً في
ضمان التغلب على الإمكانيات المحدودة ويدفعه أكبر تجاه رسم المعادلة العراقية بما
يحقق مصالحه الوطنية.
ثانياً: الملف
الاقتصادي وأثاره الاجتماعية
النقطة الأساسية الثانية التي تؤرق الأردن هو ملفه الاقتصادي الضعيف. وقد
أضيف لهذا الملف أعباء جديدة يفوق قدرة الأردن على الاستيعاب، تمثل بتداعيات
استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين العراقيين تقدر أعدادهم بحدود ثمانمائة ألف مواطن
عراقي ترفض الأردن وصفهم باللاجئين أو النازحين لاعتبارات مختلفة لا مجال لذكرها
هنا.
* أثار
الانسحاب الأمريكي من العراق على الأردن
ليس سراً الإشارة إلى أن الأردن يقوم بتنسيق مواقفه مع كل من الولايات
المتحدة والدول العربية (المعتدلة) لصالح ضمان مصالحه السياسية والاقتصادية. أي
أنه (الأردن) ارتبط ارتباطا عضوياً مع كل منهما. السؤال الذي يثار الآن أين سيقف
الأردن في حال قيام الإدارة الأمريكية الحالية بالالتزام ببنود اتفاقيتها الامنية
مع العراق والانسحاب من العراق ؟ في ظل استمرار الأوضاع الأمنية المتردية في
العراق؛ إذ أن أكبر المتضررين في هذا الأمر سيكون الأردن.
الأردن القريب للعراق والذي يحتوي تركيبته على قنبلة موقوته (اللاجئين
العراقيين) أكثر الدول الخاسرة إزاء الانسحاب الأمريكي سواء تمثلت الخسارة أمنياً
وهو الهاجس الأهم حالياً أو خسارة اقتصادية تتحمله تبعات نفقة العراقيين المقيمين
في المملكة. وإذا أرادت الدولة الأردنية اتخاذ قرار سيادي لا يخلو من مخاوف أمنية
بترحيل هؤلاء فإن عليه تحمل نتائج خسارة الاستثمارات الضخمة العراقية العاملة في
الأردن والتي بموجبها استطاع الأردن استيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئين طوال
العقدين الفائتين. أي أن الأردن عليه في هذه الحالة اتخاذ قرار خطير ومصيري إزاء
التعامل مع العراق أو تحديد شكل وطبيعة محتوى علاقته مع العراق، قرار لا يستطيع
فيه الاستمرار بلعبة التوازنات السابقة التي فرضت عليه؛ حيث استطاع بكفاءة
الموازنة بين مخاوفه الأمنية وبين تطلعاته (واحتياجاته) الاقتصادية، وعليه حينها
اختيار أحداهما أو خلق معادلة توازن جديدة في ظل انعدام شبه كامل للإمكانيات.
* الخلاصة: عدم
مراعاة مصالح الحلفاء
يشترك الأردن والولايات المتحدة على إيجاد عراق موحد مستقر حر لا يهدد
جيرانه بحيث ترسل أكثر من رسالة، من ضمنها على صعيد الضغوط الأمريكية تلك المتعلقة
بالإصلاح السياسي وربط المساعدات المقدمة له مع التطور الحاصل على هذا الصعيد. في
نفس الوقت تستشعر (الأردن) خطر النفوذ الإيراني المتنامي داخل العراق، وسيطرته على
أحزاب وهيئات سياسية فاعلة في العراق، مما يجعلها تتجه نحو استخدام علاقتها مع
الولايات المتحدة لإقناعها بضرورة استشعار خطورة الوضع، او بالأحرى المد الإيراني
في المنطقة الذي يعتبر من الخطوط الحمراء لدى حلفاء أمريكا في المنطقة، وعليه تجدر
بالإدارة الأمريكية مراعاة مصالح ومخاوف حلفائها.
لكن في ذات الوقت -وعلى الرغم- من وجاهة هذا الطرح إلا أن الولايات المتحدة
تدرك انها لا يمكن لها المجازفة بخسارة شريحة واسعة بل أغلبية كبيرة من الشعب
العراقي وهم الشيعة، ناهيك عن استعدائهم لطالما أنهم خدموا واشنطن في استكمال
احتلال البلاد ولم توجه بعد بنادقهم باتجاههم.
هكذا يقف الطرفان كل منهما في مواجهة الآخر، أو بالأحرى تتقاطع مصالح
الأطراف العربية والأردن مع مصالح الولايات المتحدة. مما يثار مجموعة من الأسئلة
يجدر الاهتمام بإجابتها لتحديد شكل العلاقة الأردنية والعربية مع العراق في حال
وجدت الولايات المتحدة أن مصالحها تقتضي الانسحاب من العراق أو فيما لو استطاعت
الإدارة الحالية تنفيذ توجهاتها نحو إيجاد إستراتيجية جديدة للمنطقة؛ بحيث لا يكون
للعرب في إطارهم الجماعي أو الفردي دور في هذه الإستراتيجية أو فيما لو انبرت
الإدارة على اعتبار أن مصالحها لها الأولوية على مصالح ومخاوف حلفائها. ما هي
محددات العلاقة الأمريكية مع العالم العربي؟ هل سنشهد إعادة رسم خريطة تحالفات
جديدة في المنطقة؟ وما هو الدور الذي يستطيع العالم العربي أن يلعبه بما يضمن
مصالحه؟ ما مساحة العلاقة بين العالم العربي وأمريكا؟ وما هي مستويات المصالح
بينهما؟ ومتى تتقاطع؟. وبالنسبة للعراق، ما هو شكل العلاقة المستقبلية بينهما؟. لعلنا نجيب على هذه الأسئلة في دراسات أخرى
لاحقة.
***
محددات السياسة
الأردنية تجاه العراق
رائد فوزي احمد
المعهد
العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية/قسم البحوث والدراسات/ عمان/ الأردن
ملخص
في هذا البحث، يحاول الباحث الأردني السيد
رائد فوزي أن يحلل السياسة الأردنية تجاه العراق بعد التاسع من نيسان 2003..وأكيد
ان محاولته هذه تجيئ وفق الرؤية الأردنية والتي تدفعه اليها كونه مواطناً
اردنياً.. ومع أنه يؤكد بأن بلده استفادت اقتصادياً من العراق في السنوات السابقة
للاحتلال ودفعت ثمناً سياسياً جراء حرصها على ابقاء العلاقات مع العراق جيدة ، إلآ
أنه يصف السياسة الأردنية تجاه العراق بعد ذلك بأنها كانت مشوبة بالحذر ويرجع ذلك
الى هواجس أمنية وسياسية ومخاوف مما يسميه هو (خطر النفوذ الايراني المتنامي داخل
العراق).. ولم يمنع هذا الباحث من أن يصل الى نتيجة مهمة مفادها ان الأردن يشترك
مع الولايات المتحدة الأميركية في رؤيتها بأهمية أن يكون العراق حراً موحداً
مستقراً.
Determinants of Jordanian Policy
Towards Iraq
By: Raed Fawzi Ehmud
Arab Institute For Researchs and
Strategic Studies
In this paper, the
researcher tries to analyze the Jordanian policy towards Iraq after April,9, 2003 . Surely, this
attempt comes with the Jordanian View being a Jordanian native. He tells us
that his country has got benefits during the previous years before the
occupation and paid a political price in Keeping good relations with Iraq . He Speaks
about the Jordanian Policy after the occupation describing it with caution due
to Security and political feelings and what he is Calling ((The danger of
Iran’s influence inside Iraq)). The researcher reachs to the important result
which says that Jordan Shares with U.S.A. in their Visions about Iraq being a
stable, united and free country.
رقم الإيداع في دار
الكتب والوثائق ببغداد 1032 لسنة 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق