أوراق مسرحية موصلية (33 ) فرقة التمثيل العربي
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث – جامعة الموصل
بعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة سنة 19211 ، وتنامي الوعي الوطني العراقي ، والقومي العربي ، شهدت الموصل تطورا في النشاط المسرحي الذي ترجع جذوره الى اواخر القرن التاسع عشر . وقد وجد بعض الكتاب وخاصة من اولئك الذي عملوا في الاحزاب والجمعيات السرية التي ناهضت السيطرة العثمانية والاحتلال البريطاني أن المسرح أداة تربوية لبناء جيل مؤمن بالله، ومؤمن بالعراق وطنا قويا ، ومؤمنا بالامة العربية وضرورة إعادة امجادها السالفة .
وكان من ابرز هؤلاء الكتاب الكاتب والمربي والمناضل الاستاذ يحيى قاف الشيخ عبد الواحد الذي سارع بإنشاء (دار التمثيل العربي ) في الموصل ، والتي أرخ لها المؤرخ الموصلي الكبير الاستاذ عبد المنعم الغلامي في كتابه (اسرار الكفاح الوطني في الموصل ) . وقد شاركه في التأسيس بعض الهواة ، وكما قال الاستاذ الدكتور عمر الطالب في مقالة له بعنوان ( الحرب في بدايات المسرحية التاريخية العراقية ) نشرها في مجلة (الجامعة ) الموصلية عدد نيسان 1982 ، فإن هذه الدار هي أول دار للتمثيل ظهرت في العراق كله ويضيف ان الحركة التمثيلية في بغداد كانت في هذه الفترة بالذات ضعيفة ، ومقتصرة على نشاط موسمي في مدرستي التفيض والجعفرية الاهليتين .
وقد قدمت على مسرح دار التمثيل العربي في الموصل مسرحيات عديدة معظمها مسرحيات تاريخية ، لكنها لاقت نجاحا باهرا . ومن هذه المسرحيات مسرحية (العفو عند المقدرة ) سنة 1923 وتدور حول امير عربي عفا عن قاتل والده وجرت احداث هذه المسرحية في الحيرة عاصمة المناذرة قبل الهجرة بقرابة (80 ) سنة .. وهي كما هو معروف حادثة الاسود بن المنذر ملك الحيرة مع النعمان ابن الحارث ملك الغساسنة .
كما قدمت على مسرح دار التمثيل العربي في الموصل مسرحية (شهداء الوطنية ) ، وفي السنة ذاتها 1923 وهي مسرحية ملخصة من مسرحية اجنبية هي مسرحية (ضخايا الوطنية ) الهولتدية وقد ترجمها الاستاذ سلامة حجازي .
ومن المسرحيات التي مثلتها الفرقة كذلك مسرحية (وفاء العرب ) سنة 19244 وتدور حول حادثة السمؤال بن عادياء الشهيرة عندما حفظ الامانة التي اودعها لديه الامير العربي الشاعر امرؤ القيس حين ذهابه الى بلاد الروم وقد قدم اعداء وخصوم الشاعر امرؤ القيس يطلبون تسليم الوديعة ، فرفض السمؤال تسليمها فحاصروا قصره الابلق وقتلوا ولده لكن رفض ما ارادوه .
وفي سنة 19244 قدمت فرقة التمثيل العربي مسرحية بعنوان (فتح الاندلس ) ، والتي كتبها المناضل والسياسي والمفكر مصطفى كامل . كما قدموا في السنة ذاتها مسرحية اخرى بعنوان ( فتح مصر ) كتبها الاستاذ يحيى قاف الشيخ عبد الواحد مؤسس الفرقة نفسه . ومن الطريف ان هذه المسرحية تعرضت للوحدة العربية واهميتها وكيف ان بروسيا كانت قائدة الالمان نحو الوحدة ، وان مصر لابد وان تكون قائدة العرب نحو الوحدة وقد عبر عن شيء من هذا القبيل المؤرخ والكاتب والمربي والمناضل القومي العربي الاستاذ عبد المنعم الغلامي الذي خاطب الشباب في حفل افتتاح المسرحية :" يا ابناء اولئكم الاجداد والامجاد هلموا الى الاقتداء بأعمال سلفكم الصالح واعملوا في سبيل إحياء مجدهم الغابر وبادروا لنيل الحرية على اتمها والاستقلال على وجهه الصحيح " .
ويبدو ان الحكومة انذاك ذاقت ذرعا بما كان يقدم من مسرحيات تعرض بها وتدعو الى التخلص من نفوذ المستعمرين الانكليز فأقدمت على تجميد نشاط فرقة دار التمثيل العربي ونقلت اعضائها من المعلمين الى اماكن بعيدة ومتفرقة .
لكن مع هذا ، فشباب الموصل عادوا ثانية واسسوا فرقة جديدة سنة 19266 اسسها الاستاذ عبد العزيز القصاب قدمت عددا من المسرحيات منها مسرحية (حرب البسوس) من تأليف محمد عبد المطلب ومحمد عبد المعطي ، ومسرحية ( ابو عبد الله الصغير ) ، ومسرحية (عنترة العبسي ) من تأليف سليمان القرطاجي ولكن اعضاء هذه الفرقة نقلوا ايضا وكان معظمهم من المعلمين الى اماكن ومدارس بعيدة فخمدت الحركة المسرحية في الموصل لتنشط في بغداد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق