جرمان عياش والتأريخ للمغرب الحديث
ابراهيم العلاف
حظي تاريخ المغرب الحديث بإهتمام المؤرخين العرب : المشارقة والمغاربة .كما حظي بإهتمام المؤرخين والكتاب الاجانب .وكان من الطبيعي ان تتعدد الرؤى بشأن هذا التاريخ ؛ فصار لدينا رؤية استعمارية كولنيالية ورؤية وطنية حماسية ورؤية علمية أكاديمية .
ومن هنا فالتاريخ المغربي الحديث –شأنه في ذلك شأن كل تاريخ - بحاجة دائمة الى اعادة كتابة في حالة العثور على وثائق جديدة أو في حالة ظهور رؤية جديدة .ومن المؤكد ان هناك من المؤرخين من ركز على التاريخ السياسي وهناك من ركز على التاريخ الاقتصادي والاجتماعي .ومن ابرز المؤرخين الذين اهتموا بتاريخ المغرب من الاجانب ليفي بروفنسال وهوداس وهنري تيراس وجاك بيرك وروبير مونتاني وميشوبلير وجي دراكو وشارل دوفوكو وغيرهم ومن هؤلاء من ركز على دراسة التاريخ الديني ومنهم من درس تاريخ القبائل ومنهم من إهتم بدراسة الطرق الصوفية .
وفي المقابل كان لدينا مؤرخون متميزون في دفاعهم عن وطنهم يقف المؤرخ والسياسي علال الفاسي في مقدمتهم - وكان السلاوي من قبله وهو من مؤرخي القرن التاسع عشر - قد أشر البداية الوطنية في الاهتمام بتاريخ المغرب .والذي اريد ان اقوله ان المؤرخين المعاصرين ومنهم جرمان عياش لم ينطلقوا من فراغ وانما استندوا الى اسس منهجية راحت تتطور يوما بعد آخر لتعطي الصورة الصادقة للمدرسة التاريخية العربية المعاصرة بشقها المغربي .
جرمان عياش مع انه ولد ونشأ ودرس في الدار البيضاء بالمغرب منذ سنة 1937 وحتى سنة 1950 الا انه وجد نفسه مبعدا بسبب نشاطاته السياسية الى فرنسا . ولكن ما يلبث ان عاد ليخدم بلده في مجال التاريخ من خلال عمله في كلية الاداب والعلوم الانسانية في الرباط وقد استفاد من تجربته في العمل بالمركز الوطني للبحث العلمي في باريس في الاهتمام بالبحث التاريخي وهكذا زاول التدريس وقدم عدة ابحاث وكتاب عن حرب الريف فضلا عن اشرافه على مجلة "اسبرس –تامودا " .
ومن خصائص منهج جرمان عياش اهتمامه ب" الوثيقة المغربية " كمصدر اساس من مصادر تاريخ المغرب الحديث وهو يحث طلبته على ان يأخذوا الوثائق الفرنسية بحذر ويعملوا على مقارنتها بما يتوفر لديهم من المصادر .ونرى جرمان عياش يؤكد في بعض مقالاته على الوثيقة المخزنية اي الوثائق التي تتعلق بالحكومة ومن هنا فهو يبرز الوظيفة التحكيمية للمخزن وهو رد ضمني على زعم المؤرخين الاجانب من ان دور المخزن كان هامشيا .وفي المقابل كان جرمان عياش يرى ان ما كتبه المؤرخون التقليديون ناقص اولا ولايمكن الوثوق بكل ما جاء فيه ثانيا ؛ ففيما يتعلق بالقرن التاسع عشر يقول اننا نتوفر على مجموعة من الكتب التي لم يتعمق مؤلفوها في الاحداث .
وقد كرس جرمان عياش كتابه :"دراسات في تاريخ المغرب "والمطبوع في الدار البيضاء سنة 1986 لدراسة جوانب اجتماعية واقتصادية من تاريخ المغرب ويقع هذا الكتاب في 349 صفحة .. والكتاب يضم بحوثا ومقالات سبق ان نشرها عبر( 20) سنة في مجلات الكاديمية وثقافية وفيها عالج مواضيع مختلفة من تاريخ المغرب تتعلق بالشؤون المالية والطباعة والعلاقات الخارجية ومما اورده في كتابه ان المورد الاساس للمغرب كان يتمثل بالضرائب وان المغرب كان يصدر الحبوب والصوف الى اوربا وان المغرب شهدت انهيار لعملتها خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وان هذا الانهيار ادلى الى ان تفقد العملة تسعة اعشار قيمتها بين سنتي 1844و1873 .
وفي ما يخص المجتمع الريفي يقول جرمان عياش ان المجتمع الريفي المغربي بدائي يتكون من مزارعين مرتبطين بالارض وان وسائل الزراعة كانت تتكون من المحراث الخشبي والرحى والمغزل والدواب .
في سنة 1981 صدرت للمؤرخ جرمان عياش اطروحته للدكتوراه بعنوان :" اصول حرب الريف " وقد ترجمها الاستاذ محمد الامين البزاز وعبد العزيز بن جلون .. وفي سنة 1996 اصدرت ابنته ايفلين مريم القسم الثاني من الاطروحة بعنوان :" حرب الريف " .
عن نفسي اقول ان البروفيسور جرمان عياش مؤرخ كبير، وكتاباته رصينة جدا ، وممتعة وقد اهتممت بكتاباته منذ زمن بعيد ووجهت طلبتي لقراءته .
ويقينا ان ما كتبه أسهم كثيرا في تعميق معرفتنا بتاريخ المغرب الحديث والمعاصر والاهم من ذلك انه قام بالرد على كثير من الاطروحات الغربية عامة والفرنسية خاصة .ولعل من احدث ما كتبه دفاعه عن موقف الملك محمد الخامس من يهود المغرب في مواجهة إفتراءات لمؤرخ الفرنسي جورج بنسوسان وقال المؤرخ جرمان عياش ان ادعاءات بنسوسان غير حقيقية وغير واقعية وان المعطيات التاريخية المتوفرة تؤكد عكس ذلك .وقال ان دور محمد الخامس لم يكن حاسما في انبعث المغرب فقط وانما كان لامعا في حماية يهود المغرب وانقاذهم من اعظم المخاطر التي هددتهم منذ طردهم من الاندلس في القرن الخامس عشر وذلك في ظروف الحرب العالمية الثانية الصعبة المتأتية من المد النازي . وقد جاء ذلك في ورقة قدمها الى الندوة الدولية حول محمد الخامس والتي عقدت في الرباط بين 16 -20 نوفمبر –نونبر –تشرين الثاني سنة 1987 .
عند وفاته قام زملاءه وطلبته بإستذكاره بكتاب تكريمي صدر سنة 1994 عن كلية الاداب والعلوم الانسانية بالرباط بعنوان :" دراسات تاريخية مهداة للفقيد جرمان عياش " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق