اجتماع نادي «بيلدربيرغ»، الذي بدأت أعماله في مدينة دريسدن في ألمانيا الخميس وستنتهي غداً الأحد، يعيد من جديد طرح سؤال قديم هو: هل هناك حكومة سرّية تدير العالم؟
ليس اجتماع «بيلدربيرغ» وحده سبب طرح هذا السؤال فهناك الكثير من المنظمات السرّية الفاعلة في العالم التي ينكشف أحياناً نفوذها ويدفع هذا السؤال للتكرار، ومن ذلك مثلاً أن مرشحي عام 2004 للانتخابات الأمريكية، جورج بوش الابن، وجون كيري، وزير الخارجية الأمريكية الحالي، كانا عضوين في الجمعية السرّية «سكل آند بونز» في جامعة ييل، وهذه الجمعية يمكن اعتبارها مجرد مجموعة صغيرة من منظمات أضخم وأكبر مثل «إلوميناتي» التي تأسست في ألمانيا القرن الثامن عشر، أو «الماسونيون الأحرار» الذين يعتبرون أنفسهم أكبر وأقدم منظمة سرّية في العالم والتي تقول إن زعماء تاريخيين مثل جورج واشنطن كانوا من أعضائها.
إضافة إلى المنظمات السرّية فهناك مؤتمرات ومؤسسات كبرى لا يمكن الاستهانة بدورها في جمع أقطاب السياسة والمال والنفوذ وفي تقرير سياسات العالم مثل منتدى دافوس الدولي الذي يعقد في سويسرا، غير أن هناك ما يشبه الاجماع العام على أن بيلدربيرغ هو المؤتمر الأكثر أهمية في العالم، فحضوره يضمّ عدداً أكبر من قادة العالم، وكبار الساسة، والملوك، ومدراء كبار الشركات العالمية، من أي اجتماع عالميّ آخر، مثل دافوس أو غيره.
لكي تقدّم طلباً للحضور، يجب أن تكون مالكاً لبنك عالمي، أو مؤسسة عملاقة متعددة الجنسيات، أو زعيم دولة. وباختصار، فإن من يحضرون الاجتماع هم قادة العالم الحقيقيون، ولهذا السبب فإن قراراتهم تؤثر على أي شخص على الكرة الأرضية، ورغم ذلك فإن هذا الاجتماع لا يحظى بتغطية علنيّة لفعالياته.
الاجتماع الأول الذي عُقد تحت اسم مجموعة بيلدربيرغ كان عام 1953 ولكنه قد يكون أقدم من هذا التاريخ بكثير (تحقيق إذاعي لبي بي سي يقول إن قرار تشكيل الاتحاد الأوروبي تمّ في هذا الاجتماع الأول للنادي)، وبسبب إحاطة أسماء الحاضرين والمواضيع التي يتم نقاشها بالسرّية، ومنع الإعلام من تغطية الحدث أمور دفعت كثيرين للاستنتاج بأن «بيلدربيرغ» هو الحكومة السرّية التي تدير العالم، وليس المؤسسات الديمقراطية التي تنتخبها الشعوب الغربية.
وضعية «المؤامرة الكبرى» التي تنطبق على هذا الاجتماع تدفع أطرافاً شديدة التناقض، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار لمهاجمة «بيلدربيرغ»، وبحسب صحافي بريطاني سابق يقود حملة ضد المجموعة فإن قرار الهجوم على العراق اتخذ خلال اجتماع مجموعة بيلدربيرغ عام 2002، ولكن أشخاصاً آخرين كانوا من المحظوظين في حضور اجتماعات المجموعة، مثل اللورد دينيس هيلي، يقول إن المجتمعين «لا يعملون للوصول إلى قرارات وأن الاجتماع هو مكان للنقاش».
والحقيقة أن الوزن الكبير لمن يحضرون الاجتماع والسرّية التي تحوطه وما تم تسريبه من أنباء على مدار السنوات عن نقاش هذه المجموعة لقضايا خطيرة حدّدت مصائر بلدان ومناطق قبل إعلان حكومات العالم عنها يؤشر إلى النفوذ الخطير لهذه المجموعة ودورها في تصنيع سياسات العالم، وإذا كان وصفها بالحكومة السرّية للعالم قد يكون مبالغاً فيه بسبب الطبيعة المعقّدة التي تحيط بآليات صدور القرارات في البلدان الديمقراطية ولكنّه يوضّح أيضاً العلاقة الوثيقة بين الساسة وأصحاب الأموال، وهنا في الحقيقة تكمن المشكلة.
********************************************************************
*جريدة القدس العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق