الأحزاب السياسية في العراق*
أسماء جميل* وفالح عبد الجبار**
مدخـل
تشكل دراسة الأحزاب السياسية في العراق - وربما في المنطقة العربية عامة - تحدياً هائلاً أمام الاختصاصيين في العلوم الاجتماعية. فالأحزاب والحركات السياسية اليوم هي كيانات بالغة التعقيد، من حيث شكلها التنظيمي، وأنماط زعاماتها، ومصادر شرعيتها، وأيديولوجيتها، وتركيبتها الاجتماعية، وممارساتها ومواقفها السياسية، وغاياتها ومراميها، ومصادر تمويلها، وأنماط التعبئة التي تعتمدها، ونطاق نشاطها، بل تنوع أوجه هذا النشاط، وأسلوب إدارتها للأعضاء كسباً، وضبطاً، وتوجيهاً، ناهيك عن علاقتها بالدولة كمجتمع سياسي وعلاقتها ببقية الأحزاب، ثم علاقتها بالمجتمع ككل. ويمكن إجمال هذه الأبعاد المتداخلة من حياة الأحزاب إلى ثلاثة حقول هي: الحزب في ذاته (الحزب كتنظيم قائم بذاته)، الحزب في علاقته بالمجتمع، ثم الحزب في علاقته بالدولة. لكن صعوبة دراسة الأحزاب والحركات السياسية لا تتوقف عند هذا الحد، بل تتعداها إلى الشروط السياسية والاقتصادية والاجتماعية القانونية والثقافية التي تنشط هذه الأحزاب في ظلها، وهي شروط متغيرة، متحولة، تترك أثرها على بنية وزعامة ونشاط هذه الأحزاب، وبخاصة وجود أحزاب وحركات في حال من السرية، أو في تنظيم شبه سري - شبه علني، أو وجود أحزاب في حالة العمل المسلح، الذي يضع حواجز أمنية أمام أي بحث جاد.
وتنشأ صعوبة أخرى، أكبر من واقع أن هذه الأحزاب - في النموذج العراقي - لم تتحول بعد إلى مؤسسات، بمعنى التسجيل القانوني، ووجود هيئات محددة قانونية، وسجلات نظامية بالمداخيل والعضوية - باستثناء سجلات الناخبين - أو حتى وجود نظام داخلي ودستور منظِّم.
وترتبط جل هذه الصعوبات بواقع آخر، لعله خاص بالعراق، يتصل بوجود العراق في حالة نزاع بعد سنة 2003 وهو يتفرع الى احتراب داخلي مسلح يشمل كل مناحي الحياة، ويلقي بظلاله على عمل ونشاط الأحزاب وعلى البحث الميداني في شؤونها، واحتراب خارجي ناشئ عن الاحتلال.
إننا نضع هذه الصعوبات أمام أنظارنا لكي نمضي بهذا البحث بتدرّج من الوصف العام، وجمع المعلومات - التي تبقى ناقصة ومفتوحة على الإغناء - وصولاً إلى وضع الافتراضات الأولية، وتطويرها إلى تحليل متماسك.
تعتمد خطة البحث على عناصر متفق عليها، وهي:
أولاً: الإطار التاريخي للظاهرة الحزبية في العراق ابتداءً من تأسيس الدولة العراقية عام 1921.
ثانياً: نظرة تحليلية في الأدبيات المتاحة عن الأحزاب، وما يدور فيها من مناقشة فكرية، وحصر أولي لهذه الأدبيات.
ثالثاً: الإطار القانوني للأحزاب (قانون الكيانات السياسية والقانون الإنتخابي وقوانين الحريات العامة) في الوقت الحاضر.
رابعاً: مسح للأحزاب في المرحلة الراهنة (2003 وحتى الآن) على الأسس التالية:
1- الأحزاب السياسية في العراق منذ 2003: أحزاب الداخل وأحزاب الخارج.
2- النمو الكمي للظاهرة الحزبية وأسبابها.
3- البنى التنظيمية وأنماط الزعامة
4- التحالفات والائتلافات على أساس الهويات الطائفية والإثنية.
5- التصنيف الأيديولوجي للأحزاب.
6- علاقة الأحزاب بالسلطة المركزية وتمثيلها في البرلمان.
7- الإستقطابات والصراعات حول القضايا السياسية والدستورية.
أولاً: الإطار التاريخي للحياة الحزبية في العراق: نشأتها ومراحل تطورها في القرن العشرين
مقدمة
دشّن العراق عهد الحياة الحزبية عشية تأسيس كيان الدولة العراقية، إثر الاحتلال البريطاني للعراق وانسلاخه عن الدولة العلية (العثمانية) التي كانت إمبراطورية دينية، يتوزع رعاياها على شتى الجماعات الثقافية والإثنية، ويعيش هؤلاء الرعايا في ولاء مزدوج: ولاء للتنظيم الاجتماعي الصغير القرابي أو الأولي، مثل الجماعة الدينية، والأصناف الحرفية، والعوائل، والقبائل والعشائر والبيوتات الشريفة من جانب، والولاء للدولة العلية الذي يتخذ شكل دفع الضرائب، والمشاركة في الحملات العسكرية، والدعاء للسلطان - في الجوامع السنية - من جانب آخر.
وكانت المدن والأرياف في حالة احتراب بين "الحضر" و"البدو"، مثلما كانت المدن نفسها مقسمة إلى إحياء مغلقة، تقوم على عصبية المحلة. وقد لاحظ عالم الاجتماع العراقي علي الوردي أن هناك ثلاث عصبيات أساسية سادت المجتمع العراقي لحظة تأسيس الدولة وهي: عصبية القبيلة (في الريف) وعصبية المدينة، ثم عصبية الحارة (المحلة) وهذه الأخيرة كانت تتخذ أشكال عصبيات جزئية أخرى: الدين، المذهب، الحرفة، أو الجهة. وكان نظام الملل العثماني يمنح لغير المسلمين حرية اختيار ممثليهم، والتعبير عن مصالح الجماعات المختلفة (النصارى، الموسويون)، ولما كانت الإمبراطورية العثمانية سنية - على المذهب الحنفي - فإن الاستخدام في إداراتها ومؤسساتها اعتمد التوافق الديني أساساً للاختيار. بقي النشاط السياسي في جل هذه الفترة يعتمد على الزعامات التقليدية، في المدن مثل التجار (الممثلون في نقابات)، وأقطاب الحياة الصوفية، وكبار رجال الدين (فقهاء وقضاة)، ونقباء الأشراف، ونقباء الحرف المنظمة في هيئات وتسمى "الأصناف". أما في الأرياف والبوادي، فإن الزعماء "الطبيعيين" هم شيوخ العشائر وشيوخ مشايخ القبائل، الذين طور بعضهم اتحادات قبلية نشأت منها إمارات محلية، تحوز على قوة عسكرية كافية لفرض سلطتها. وكان حكام الولايات العثمانية يحكمون بالتعاون مع الزعماء المحليين (الوجهاء) بمن فيهم قادة الجماعات المحلية المسلحة التي تحمي المدن كنوع من التنظيم الذاتي.
لكن هذا الوضع سرعان ما بدأ بالتغير لحظة بدء الإصلاحات العثمانية بإنشاء جهاز إداري مركزي، وجيش دائم، وخدمات اجتماعية (طباعة، نقل بحري، وخطوط تلغراف) وبعض الصناعات المحلية وخصوصاً العسكرية، علاوة على إنشاء نظام تعليم مركزي حديث (المدارس الرشدية).
وقد أدت شبكة المواصلات الحديثة وخطوط التلغراف، وسكك الحديد إلى تثبيت وتقوية السلطة المركزية للدولة على حساب القوى المحلية، التي كانت تعيش في حالة من الحكم الذاتي المستقل عن الدولة. وأدّى إدخال ملكية الأرض (الطابو) إلى خلق نواة طبقة "ملاّك أرض" ذات مصلحة في بسط الأمن وحماية حقوق الملكية، كما أن فرض الأمن مركزياً وفّر الحماية على طرق التجارة التي أخذت بالازدهار، ونمت معها المدن إلى درجة أن السكان الحضر عام 1900 بلغوا 24 في المئة من سجلات نفوس ما صار لاحقاً "المملكة العراقية". في حين أن استقرار القبائل في الزراعة سجل التفكك الأولي للقبائل البدوية، وتحويلها من الرعي وحروب النهب إلى الإنتاج الزراعي المستقر، والهجرة إلى المدن. وأدّى الاحتلال البريطاني للعراق وفشله اللاحق في كسب الحضر والعشائر، إلى إنشاء حكم أهلي دفع عجلة بناء الدولة المركزية الحديثة. هذا الانتقال الحضاري فتح الباب أمام نشوء الحركات والأحزاب السياسية الجديدة التي اندفعت إلى المطالبة بالاستقلال، ودخول المعترك السياسي لكن معظم هذه الأحزاب اعتمد زعامات تقليدية، كما التمست أنماطاً من التحريك والتعبئة ذات طابع ديني مثل: استخدام المولد النبوي، و/ أو المواكب الحسينية وسيلة للتظاهر. وكذلك استخدام الجوامع نقاط انطلاق للتحشيد. إلا إنها استخدمت المنشورات والصحافة الحديثة أيضاً بشكل أولي أخذ يتسع تدريجاً.
وبموازاة الاحتلال البريطاني، أخذ العراق يحتك عن طريق الصحف والكتب أولاً، ثم عن طريق الإذاعة والسفر ثانياً، بالعالم المحيط وبالمنطقة المحيطة (تركيا الكمالية، العالم العربي، وإيران الشاهنشاهية)، ليتشرب أفكاراً رائجة مثل: النزعة الوطنية (العراقية)، القومية العربية، والاشتراكية (الماركسية).
حصلت هذه الإنتقالات في فترة سريعة نسبياً، أدّت إلى تداخل أشكال التنظيم والزعامات وأنماط الولاء تداخلاً مكيناً، لا تزال آثاره ومعالمه ماثلة حتى اليوم.
ونجد أن الأحزاب الحديثة مثلاً التي تقوم على الانتماء الطوعي وانتخاب الزعماء، تتحجر في قيادات ثابتة (موروثة أحياناً) بتأثير أنماط القيم والتنظيمات الاجتماعية التقليدية التي تقوم على القرابة (العائلة). من هنا نجد مثلاً حزباً شيوعياً في سوريا يقف على رأسه زعيم لخمسين عاماً، لا لشيء إلاّ لترثه زوجه أو ابنه في المنصب. والتعبئة، القديمة، والحديثة، مراحل تأسيس الأحزاب ويمكن القول أن الحياة السياسية في العراق مرت بعدة أطوار، هي:
- مرحلة الزعامات التقليدية، حيث لا أحزاب ولا كيانات سياسية منظمة.
- مرحلة الأحزاب الحديثة ذات الملامح التقليدية، مثل الحزب الوطني لجعفر أبو التمن، أحد رواد الاستقلال.
- مرحلة الأحزاب البرلمانية في العهد الملكي، وهي أحزاب كثيرة انتظمت حول سياسيين نافذين، بهدف تشكيل كتل برلمانية وانتخابية، وتعتمد كلياً على قوة الزعيم، وموقعه في الدولة، مثل "حزب الإخاء" و"حزب العهد"، وغيرهما، من أحزاب "الصالونات وأحزاب "الوجهاء" التي تتشكل وتختفي بين عشية وضحاها، منقسمة بانقسام السياسيين الطامحين، ومتحدة باتحادهم.
- مرحلة الأحزاب الأيديولوجية: يمكن تأريخ هذه الأحزاب مع بداية الثلاثينات من القرن العشرين بظهور "جماعة الأهالي" (جماعة وطنية يسارية) و"الحزب الشيوعي العراقي" (1934) و"الحزب الوطني الديمقراطي" (ليبرالي – فابي) و"حزب البعث العربي الاشتراكي" (مطلع الخمسينات) و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، فضلاً عن أحزاب وحركات أخرى: "حركة القوميين العرب" (مع صعود عبد الناصر في مصر عام 1952 ولاحقاً) و"حركة الإخوان المسلمين"، و"حزب الدعوة الإسلامية" (1959).
أدّى نشوء هذه الأحزاب إلى تغيير اللوحة السياسية والنشاط السياسي في المدن، أساساً، وفي الأرياف بحدود معينة.
مرحلة الأحزاب الأيديولوجية (1930 – ولاحقاً) يعد ظهور الأحزاب الأيديولوجية نقلة نوعية في تطور عمل الأحزاب. فأولاً باتت أحزاباً مستقرة ذات كيان ممركز، وانتماء صارم، والتزام برنامجي. وخلافاً لأحزاب الصالونات كانت هذه الأحزاب ذات هيكل تنظيمي لينيني (مركزي ومنضبط). كما سنّت لها أنظمة داخلية، وبرامج محددة، ومطبوعات (سرية أو علنية)، وتوجه أيديولوجي محدد: ليبرالي، قومي، اشتراكي، إسلامي. استطاعت هذه الأحزاب تعبئة جمهرة أبناء المدن، والامتداد في الأرياف، أو حتى تعبئة العشائر (في حالة الحزب الديمقراطي الكردستاني) وتمكنت بسهولة من مدّ نفوذها واكتساح أحزاب الصالونات أو الأحزاب البرلمانية، التي فقدت الكثير من تأثيرها السابق ولم يكن ذلك بمعزل عن نمو الطبقات الحضرية الجديدة.
بيد أن الأحزاب الأيديولوجية لم تحظ بالشرعية القانونية، ولجأ معظمها إلى العمل السري، وبناء التنظيمات العسكرية داخل القوات المسلحة، وأرست علائق مع التنظيمات السرية للضباط الأحرار في داخل الجيش العراقي. وأدّت أجواء الحرب الباردة، والتي اتسمت بتصعيد العداء للشيوعية، والعداء للحركات القومية الراديكالية (الناصرية)، دور في دفع السلطات إلى الإمعان في منع الأحزاب الأيديولوجية ودفعها إلى العمل السري والمسلح والعمل التآمري.
وكانت هذه الأحزاب تمثل القوى الاجتماعية الجديدة الصاعدة: الطبقات الوسطى الحديثة وطبقة العمال الصناعيين، والأوساط الطلابية الراديكالية في المدن، إضافة إلى الفلاحين المفقرين في الأرياف. وكانت بهذا المعنى تمثل قوى اجتماعية تعيش غربة فكرية وثقافية عن الطبقات التقليدية الممسكة بزمام الحكم في العهد الملكي، ناهيك عن تصادمها في إطار المصالح الاقتصادية والاجتماعية مع هذه الطبقات.
وكانت عموم المعارضة تنشط باتجاه المطالبة بحريات الأحزاب، وحرية الصحافة، وتحرير المرأة، وحل المسألة القومية الكردية، والوحدة العربية، وإجلاء القواعد الأجنبية، ومعارضة سياسة التكتلات العسكرية (حلف بغداد). لكن قواعد هذه الأحزاب بقيت أقلية نسبياً. فالطبقات الوسطى والعمالية لم تزد على 30 في المئة من سكان المدن ذات الطابع الحرفي والتقليدي. كما أن سكان المدن بقوا، حتى عام 1958، أقل من نصف سكان البلاد. وبهذا المعنى كانت هذه القوى المجتمعية الجديدة أقلية من سكان المدن، وكان سكان المدن أقلية من سكان البلاد.
وكان انسداد إشكال المشاركة السياسة وانسداد قنوات الحريات المدنية والسياسية، علاوة على الضعف النسبي للحركات الثورية، عاملاً أساسياً في تغذية ميول التغيير العنيف السري: الانقلاب العسكري. بتعبير آخر، لم تسمح الحياة السياسية للأحزاب بممارسة عملها وتطويرها السلمي على الإطلاق. ونلاحظ أن برامج الأحزاب الأيديولوجية (الشيوعي، البعث، الديمقراطي الكردستاني، الوطني الديمقراطي) كانت تخلو من أي إشارة إلى "إسقاط" الحكم بوسائل العنف. وإن أول إشارة وردت في هذا الشأن جاءت عام 1956 (المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي). كما انتقل حزب البعث من النشاط البرلماني (المميز له في سوريا) إلى النشاط التنظيمي داخل الجيش (الانقلاب) وسيلة للتغيير.
وبذا تخلت الأحزاب الحديثة عن فكرة العمل البرلماني – الشرعي، واتجهت إلى الشرعية الثورية – الذاتية، أي المبررة بالأهداف وليس بالتفويض الشعبي. ولا ريب أن انتشار أيديولوجيا "العنف الثوري" وأفكار "الطلائع" ذات المسحة النخبوية، ساهم في هذا التحول، الذي أدّى إلى تقويض العهد القديم، وصعود منظمي العنف (الضباط الأحرار) إلى السلطة.
أدّى سقوط النظام الملكي إلى انهيار القوى التقليدية وتحولت الحياة السياسية إلى ظهور ما سمّاه حنا بطاطو الجندي – السياسي، حامل السلطة الجديد، في جانب، واندفاع الأحزاب الأيديولوجية إلى ساحة التعبئة في الشارع في جانب أخر.
ومن جديد، أدّى منع الأحزاب من العمل السياسي السلمي (الامتناع عن تطبيق قانون الأحزاب والجمعيات لعام 1960)، إلى استمرار مشكلة انسداد السبل أمام العمل السياسي المؤسساتي. وأدّى الإحتراب المتصل بين الاتجاهات الأيديولوجية إلى انقسامات مماثلة في صفوف النخب العسكرية، وحصول سلسلة انقلابات عسكرية وانقلابات مضادة، انتهت عام 1968 بانقلاب عسكري جديد أدّى فيه حزب البعث الدور الأساسي.
دشّن عهد البعث (1968 – 2003) نظام الحزب الواحد الشمولي، المتميز بإلغاء تقسيم السلطات، والتماس الشرعية الثورية، والسيطرة على السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع، وحصر الحياة السياسية بالحزب الواحد والأيديولوجية الواحدة.
وعلى الرغم من أن الفورة النفطية ساعدت على تقوية أركان نظام الحزب الواحد، الذي أمكن له تحسين الخدمات الاجتماعية ورفع مستوى مداخيل السكان، وتطوير الصناعة والتعليم، إلا أن المغامرات العسكرية والحصار اللاحق، قضت على فترة الإزدهار الوجيز التي ترافقت مع إلغاء شبه تام للحريات السياسية والمدنية.
بقيت الاحزاب السياسية في هذه المرحلة في العمل السري، غير الشرعي مهددة بجملة من احكام الاعدام (قانون العقوبات) والصلاحيات المطلقة لاجهزة الامن بالقضاء على كل معارض او مخالف.
ولم يتغير هذا الوضع الا بعد سقوط الدولة البعثية على يد القوات الاميركية- الريطانية ربيع 2003.
ثانياً: نظرة تحليلية في أدبيات الأحزاب وتقويمها
تضم قائمة الأدبيات التي تتناول الأحزاب السياسية في العراق عدداً ضخماً من المجلدات والكتب، وتغطي هذه الأدبيات حقبة مديدة – جل القرن العشرين- وتمتد إلى فترة العهد الملكي (1921-1958) والعهد الجمهوري- العسكري (1958-1968) ثم فترة حكم البعث الشمولي (1968- 2003). لكن هذه الأدبيات لا تتركز على دراسة الأحزاب حصراً، فهي أساساً تعد دراسات تاريخية أو سياسية أو اقتصادية عن العراق، وتأتي دراسة الأحزاب في سياق معاينة التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد. وتنحصر فائدة هذه المراجع في تقديم لوحة سياسية شاملة تشكل خلفية نشاط هذه الأحزاب. كما أنها تحوي معطيات تتعلق بمواقف الأحزاب من شتى القضايا. وهناك دراسات أخرى محددة تتعلق ببعض القادة والزعماء من مؤسسي الأحزاب، مثل حياة جعفر أبو التمن، مؤسس "الحزب الوطني" (1921) أو حياة كامل الجادرجي، زعيم "الحزب الوطني الديمقراطي"، أو يوسف سلمان يوسف (فهد) مؤسس "الحزب الشيوعي العراقي" أو حياة السيد محمد باقر الصدر، الأب الروحي لـ"حزب الدعوة الإسلامية".
تفيد هذه السير في قراءة مزدوجة لتطور الأحزاب وتطور الزعامات. وينطبق ذلك بوجه خاص على فترة العهد الملكي والعهد الجمهوري، أي حقبة الأحزاب التقليدية والأحزاب الأيديولوجية.
ثمة مجموعة دراسات أخرى عن مجموعة أحزاب مصنفة بحسب توجهها الأيديولوجي، أو الإثني: الحركات الإسلامية، التيارات القومية، الأحزاب الكردية... الخ، كما أن بعض الدراسات تتناول حزباً معيناً على سبيل التأريخ، مثال ذلك كتاب نصير الكاظمي: الحزب الشيوعي والمسألة الزراعية، حيث يقتصر الكتاب على تناول الإصلاحات الزراعية ودور الحزب الشيوعي فيها، بإزاء الأحزاب الأخرى (الوطني الديمقراطي، البعث...الخ)، أما كتاب حنا بطاطو فيقدم لوحة مفصلة عن الحزب الشيوعي، والحزب الوطني الديمقراطي، وحزب البعث منذ خمسينات القرن العشرين حتى سبعيناته.
أما الأحزاب الإسلامية الراديكالية، التي نمت خلال حقبة البعث، في ظروف العمل السري والعمل في المنفى، فهناك دراسات مفصلة عنها مثل: الحركات الشيعية في العراق، لفالح عبد الجبار (راجع الملحق رقم (1)). تقدم هذه الدراسات معطيات مفيدة عن الأفراد والفئات التي بادرت إلى تأسيس الأحزاب، كما تقدم تفصيلات عن تطور وبنية هذه الأحزاب ومواقفها، وانقساماتها، ومواجهاتها.
أما دراسة النخب السياسية وأنماط الزعامات فهي الجانب الأضعف، اذ لا نجد سوى كتاب بطاطو، وكتاب جبار، يتناولان البنى التنظيمية وتحولاتها. بيد أن هناك دراسات متخصصة عن النخب السياسية مثل دراسة فيب مار عن النخب السياسية في العهدين الملكي والجمهوري، أو دراسة أماصيا بارام عن النخب في عهد البعث.
وعلى الرغم من ما أنجزته هذه المؤلفات في مجال البحث، فإن ظروف العمل السري، والفتك بنشاط المعارضة، وانتشارها في المنفى، أضعف إمكانات البحث وترك فراغات كبيرة لا تزال بحاجة إلى علاج.
لكن الصعوبة الأكبر تكمن في قراءة وتحليل الأحزاب السياسية التي اندفعت إلى ميدان العمل السياسي بعد نيسان/ أبريل 2003، أي بعد سقوط بغداد. فالهيئة العليا المستقلة للانتخابات سجلت وجود أكثر من 300 كيان سياسي دخل حلبة السباق البرلماني عام 2005. وإن دراسة هذا الكم الهائل ما زالت في بدايتها الأولى، ولا تخرج عن التصنيفات العامة، ووصف الاستقطابات والمواقف من القضايا الرئيسية: كالموقف من الاحتلال، الموقف من الفيدرالية، الموقف من الدين، الموقف من المرأة، الموقف من دول الجوار... الخ. وعلى الرغم من توافر كم هائل من مطبوعات هذه الأحزاب، ووجود مواقع الكترونية لها تحمل الكثير من المعطيات، فإن الدرس والتحليل لا يزالان في بدايتهما.
بقي أن نشير إلى أن كتاب رعد الجده تشريعات الجمعيات والأحزاب السياسية العراقية هو نص وثائقي مهم يحوي كل التشريعات الخاصة بتنظيم الأحزاب منذ العهد العثماني حتى عام 2003.
أما التشريعات الجديدة فتتوافر نصوصها على موقع "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" كما أن كتاب الجدة عن دساتير العراق، يوفر مادة وثائقية غزيرة لكل الدساتير منذ عام 1908، وما تتضمنه من تشريعات بخصوص الانتخابات، وتقسيم الدوائر الانتخابية، وتنظيم البرلمانات، وما شاكل، مما يتصل بالحياة السياسية العامة.ويوضح الملحق (1) أهم الدراسات والأدبيات التي تناولت الأحزاب السياسية في العراق.
ثالثاً:الإطار القانوني للأحزاب
قبل التعرف على التشريعات والقوانين الخاصة بالأحزاب التي سنت بعد عام 2003، لابد من الوقوف قليلاً على التشريعات الصادرة قبل هذا التاريخ وذلك لإعطاء صورة مقارنة عن الضوابط التشريعية والقانونية التي نظمت العمل الحزبي في العراق.
تشترك التشريعات والمراسيم الناظمة للعمل الحزبي منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وحتى سقوطها عام 2003، في قضيتين أساسيتين، الأولى، تقييد العمل الحزبي من خلال وضع ضوابط على حرية تأسيس الأحزاب وتوسيع دور السلطة في التدخل في حياتها الداخلية، والثانية، حظر وتحريم أي تنظيم سياسي قائم على أساس ديني أو طائفي أو قومي أو مناطقي. فقد اشترط قانون الجمعيات والأحزاب السياسية الصادر عام 1922 وهو أول قانون يهدف إلى تنظيم عمل الأحزاب، اشترط الحصول على إذن الحكومة لإنشاء حزب سياسي (المادة 4) وحظرت المادة ذاتها تأليف الجمعيات التالية: ذات الأغراض المنافية للقوانين والآداب العامة، والتي تبث الانشقاق بين العناصر العراقية، والتي تحاول تغيير شكل الحكومة المقرر، والجمعيات المؤسسة على أسس القوميات والمذاهب العراقية، السياسية، والجمعيات التي لا يستدل من عنوانها على غرضها والسرية التي لا تبوح بغرضها. وأعطت المادة (10) وزير الداخلية حق الإشراف والمراقبة على جميع أمور الجمعيات وإبطال رخصها المجازة. وبقي هذا القانون ساري المفعول حتى صدور المرسوم (19) عام 1954 الذي لا يختلف كثيراً عن سابقه في المحددات والضوابط التي تمنع تأسيس وتأليف جمعيات وأحزاب بعينها (المادة 3)، واستثنت المادة (5/أ) من عضوية الأحزاب الطبقات المتعلمة من طلاب المدارس والكليات والموظفين والمستخدمين في الدولة ومن تقل أعمارهم عن 18 سنة، كما نص القانون على إسقاط الجنسية عن الشيوعيين وألغت (المادة 25) الجمعيات المؤسسة قبل نفاذ هذا المرسوم. وفي عام 1960 أثناء العهد الجمهوري الأول (بعد انقلاب 1958) صدر قانون جديد للجمعيات حٍٍٍول صلاحية إجازة الأحزاب ومراقبتها من وزارة الداخلية إلى السلطة القضائية (محكمة التمييز)، وسمح لكل راشد بالاشتراك في ممارسة العمل الحزبي ومنهم الطلبة والموظفين واستثنى أفراد القوات المسلحة والسلك الدبلوماسي (المادة 2/31) لكن القانون لم يوضع قيد التطبيق. وفي عام 1970-1971 أرسى الدستور المؤقت نظام "الحزب القائد" الذي سمح بمشاركة محدودة في إطار "الجبهة الوطنية" الرسمية، كما سمح بإلغاء هذه المشاركة وفرض نظام الحزب الواحد، وفي عام 1991 صدر قانون الأحزاب السياسية رقم (30) سمح فيه لكل عراقي وعراقية بتأسيس حزب سياسي (المادة 2)، واشترط على الحزب الجديد أن لا تتعارض مبادئه مع مبادئ ثورة 17 تموز وأن لا يعارض تحقيق الوحدة ويعتز بما حققته سلطة الثورة (الحزب الحاكم). كما حظر هذا القانون تأسيس أحزاب إقليمية تخص طائفة أو عنصراً أو ديانة. إلا أن هذا القانون لم يفضِ إلى تعددية حزبية في العراق، ولم يتشكل استناداً إليه أي حزب سياسي.
أما القوانين والأوامر التي سنت بعد الاحتلال عام 2003 فتختلف عن سابقاتها في أنها لا تنطوي على أي تدخل من قبل الدولة في تشكيل الأحزاب أو في حياتها الداخلية، كما لم تحدد أي شروط لقيام أو عمل الأحزاب. وكانت هذه التشريعات تنطلق من حاجة سلطة الائتلاف المؤقت الى اقامة ديمقراطية ليبرالية على اساس اقتصاد السوق، وصديقة للولايات المتحدة، وأهم هذه الأنظمة والقوانين:
1- قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية 2003
يتألف هذا القانون من (62) مادة حاول خلالها أن يضع الأسس لسريان العملية السياسية في العراق، ورسم تقسيم السلطات بين مؤسسات الحكومة المؤلفة من الجمعية الوطنية ومجلس الرئاسة الثلاثي ومجلس الوزراء والسلطة القضائية، ورسم آليات إجراء الانتخابات النيابية وضوابط الترشيح لها، وحدد شكل الحكومة باعتماد النظام البرلماني (وليس الرئاسي) مما كان له انعكاساته على الحياة الحزبية في العراق، إذ سمح لبعض الأحزاب بإقصاء عدد كبير من الأحزاب المنافسة، ذلك لأن الأحزاب المهيمنة هي أحزاب فئوية - طائفية وقومية تقتصر العضوية فيها على المنتمين وراثياً لمذهب أو لقومية أو لمنطقة، واعتماد النظام البرلماني أعطى الأحزاب التي تمثل الطائفة الأكبر عدداً الفرصة للهيمنة على سلطات الدولة وتهميش باقي الأحزاب (التي لا تمثل فئة أو طائفة) من الحياة السياسية وصنع القرار. كما نص قانون إدارة الدولة على صون الحريات العامة والحق بحرية التعبير والاجتماع وتأليف الجمعيات والانضمام لها وحق التظاهر والإضراب واحترام مؤسسات المجتمع المدني، غير أنه حرم على أعضاء قيادات حزب البعث المنحل وأعضاء الأجهزة الأمنية في العهد السابق من الترشيح للبرلمان. وشجع هذا القانون على إقامة التحالفات بين الكتل إذ نصت المادة (35) على أن التصويت داخل الجمعية الوطنية اللازم لاتخاذ القرارات المهمة يعتمد على الأغلبية الموصوفة (أغلبية الثلثين أو أغلبية ثلاثة أرباع الجمعية) مما يجعل من العسير على أي كتلة أو حزب أن يحقق إرادته السياسية دون التحالف مع كتل أو أحزاب أخرى. إلا إنه لم يحدد ضوابط لهذه التحالفات ولم يذهب لتحريم الاتحادات القائمة على أسس طائفية وقومية وإثنية ومناطقية كما ذهبت قوانين العديد من الدول وهو ما حوَّل البرلمان إلى ساحة لصراع المصالح الضيقة.
2- قرار سلطة الائتلاف المؤقت رقم 96 لعام 2004/ القانون الانتخابي
صدر هذا الأمر عن الحاكم المدني، رئيس لسلطة الائتلاف المؤقت، بول بريمر عام 2004 وحددت الغاية من صدوره كما جاء في جزءه الأول وضع إطار قانوني لانتخابات عضوية المجلس الوطني للحكومة العراقية الانتقالية (التي سيتم تأليفها بعد انتخابات كانون الثاني/ يناير 2005)، وعرّف هذا القرار في الفقرة (5) من الباب الثاني قانون الأحزاب والكيانات السياسية بأنه القانون الذي سيحكم الاعتراف بالكيانات السياسية في العراق خلال المرحلة الانتقالية، وأبرز ما يميز القانون الانتخابي فيما يتعلق بالأحزاب السياسية، هو اعتماده على نظام التمثيل النسبي واعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة وتحديد نظام القائمة المغلقة في الانتخابات، فقد اعتمد القانون على نظام التمثيل النسبي وليس نظام الأغلبية البسيطة، ويسمح هذا النظام بتمثيل مختلف التيارات السياسية من خلال إتاحته لجميع الكتل المتنافسة فرصة الحصول على مقعد في البرلمان بحسب نسبة الأصوات التي يحصلون عليها، ولا يضع مجالاً واسعاً لهدر الأصوات، فكل حزب طبقاً لهذا النظام يحصل على 30 ألف صوت يحوز مقعداً في البرلمان خلافاً لنظام الأغلبية البسيطة، الذي يسمح للحزب الحاصل على أكبر عدد من الأصوات حتى وإن كان الفارق صوتاً واحداً بأن يشكل أغلبية برلمانية ويحظى بكل المقاعد. ولا يشترط النظام المعمول به في العراق نسبة معينة يحصل عليها الكيان المرشح كشرط لدخول البرلمان كما هو الحال في بعض الدول التي تشترط حصول القائمة على 5 أو 10 في المئة من أصوات الناخبين، مما يعني أن ليس هناك ما يمنع الأحزاب الصغيرة من المشاركة الفعلية في العملية السياسية - على الأقل من الناحية القانونية - وهو ما يشجع على ظهور أحزاب وتجمعات سياسية جديدة وصغيرة، ومن المفترض أن يزيد من حدة تنافس الأحزاب في برامجها الانتخابية مما يساهم في تنمية وعي سياسي جماهيري. إلا أن الواقع السياسي أفرز معطيات مختلفة جداً وقد ألقى هذا النظام بأعبائه على تكوين حكومة ائتلافية أو حكومة توافق وهذا يعني غياب مبدأ المعارضة والمساءلة وبروز مبدأ جديد هو التوافق، كما أخذ قانون الانتخابات رقم (96) بنظام الدائرة الانتخابية الواحدة وكان الغرض من ذلك هو السماح للأحزاب والأقليات المتوزعة على أرض العراق بأن تمثل داخل الجمعية الوطنية، إلا أن اعتبار العراق منطقة انتخابية واحدة ساعد في ظهور قوائم قومية وطائفية ودينية، كما أن الغاية منه لم تتحقق بل ترتب عليه تمثيل غير عادل لبعض المناطق لمصلحة تضخم تمثيل محافظات ومناطق أخرى. وقد ألغي هذا النظام في الانتخابات الثانية وقسم العراق تبعاً لعدد محافظاته إلى 18 دائرة انتخابية، وكان لهذا التغيير أثره البالغ على موازين القوى بين الأحزاب ذلك لأن رهان الأحزاب الوسطية اعتمد على تحالفها مع القوى والأحزاب الكردية ودخولها مع هذه الأحزاب ضمن قائمة واحدة، وعند إعلان تعدد الدوائر الانتخابية تبعاً لمحافظات العراق قبل أيام قليلة من إجراء الانتخابات انفصم هذا التحالف وأعلنت الأحزاب الكردية أنها ستدخل الانتخابات بقائمة خاصة بها، وتركت القوى الديمقراطية الوسطية لجمهور الناخبين العرب الذين حددت هوياتهم الطائفية اتجاه أصواتهم واختاروا الأحزاب الطائفية. ونص قانون الانتخابات على مفهوم المقاعد (التعويضية)، إذ تم تخصيص (45) مقعداً للكيانات السياسية التي لا تمتلك قاعدة انتخابية متمركزة إقليمياً بل مبعثرة في البلاد بمقاعد على مستوى المحافظة لكنها وصلت إلى الحد المعين، غير أن هذا المفهوم وضع ضمن آلية لم تستفد منها إلا الكتل الكبيرة حيث اشترط نسبة (50000) صوت كحد أدنى يحصل عليه الكيان السياسي للحصول على مقعد تعويض، وبالتالي فإن معظم المقاعد التعويضية ذهبت إلى الكتل الكبيرة كما يوضح الجدول التالي:
جدول رقم (1)
توزيع المقاعد التعويضية والكيانات الفائزة وعدد المقاعد في الانتخابات الاولى التأسيسية 2005
ونصت الفقرة (1،2) من الجزء الرابع على نظام القائمة المغلقة واشترطت أن يقدم الكيان السياسي المرشح قائمة مرتبة حسب الاستحقاقات، كما حظر تغيير ترتيب المرشحين في القائمة أو تغييرهم بعد تاريخ معين تحدده الهيئة العليا للانتخابات، وكل قائمة يجب أن تحتوي على ما لا يقل عن 12 مرشحاً شرط أن يكون الاسم الثالث في القائمة امرأة. وقد كان لاعتماد القائمة المغلقة تأثيراً سلبياً على الأحزاب ذلك انها أخضعت الأسماء المرشحة ضمن القوائم لدكتاتورية رئيس القائمة الذي اختار أسماء مرشحيه ضمنها، كما أنه حدّ من فرصة الأحزاب في الحصول على أصوات الناخبين حيث خضع خيار الناخب لاسم رئيس القائمة (وهو الشخص الوحيد المعروف للناخبين) وكان ذلك على حساب البرنامج السياسي الانتخابي للحزب.
كما أن اعتماد القائمة المغلقة جعل من أي خطأ في الأداء السياسي لرئيس القائمة ينعكس على الحزب الذي يمثله مما يحدد التجاوب السياسي الشعبي مع الحزب.
3- قانون الأحزاب أو الهيئات السياسية / الأمر رقم 97
صدر هذا الأمر عن سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق ليشكل جزءاً مكملاً للإطار القانوني للانتخابات كما جاء في قسمه الأول، اعترف الأمر في القسم الثاني، فقرة (1) بالكيانات السياسية المشكلة في العراق وعرّف الكيان السياسي بأنه أي منظمة أو أي حزب سياسي يتكون من ناخبين مؤهلين يتآزرون طواعية على أساس أفكار أو مصالح أو آراء مشتركة بهدف التعبير عن مصالحهم ونيل النفوذ وتمكين مندوبيهم من ترشيح أنفسهم شريطة استيفاء المنظمة على الشروط المطلوبة (رقم التسجيل من المفوضية العليا للانتخابات). وبذلك يكون قانون الأحزاب قد اعتبر أي كيان سياسي مصادق عليه - ما عدا الأفراد- تنظيمات سياسية قانونية يجوز لها امتلاك العقارات وإبرام العقود وعدّهم متساويين أمام القانون (القسم الثالث، فقرة 1،2،3،4)، وحّرم القانون على هذه الكيانات الارتباط مع أي قوة مسلحة أو ميليشيا أو وحدة عسكرية، كما حظر عليها الحصول على تمويل مباشر أو غير مباشر من أي ميليشيا مسلحة. (القسم الرابع فقرة 3 أ، 5)، ومع أن هذا القانون قد حدد عقوبة من يرتكب أفعالاً مخلة بالانتخابات تتمثل بالإنذار القضائي والغرامة المالية وتعليق التصديق أو سحبه، إلا أنه لم يحدد عقوبة للكيانات المرتبطة بالميليشيات كما لم يحدد الجهة التي تتولى معاقبتها، وبقيت هذه المادة غير فاعلة إذ كشفت القوائم الانتخابية عن دخول ميليشيات بأسماء منظمات سياسية إلى البرلمان*.
4- دستور العراق الدائم 2005
أعطت المادة (20) من دستور العراق الدائم لعام 2005 الحق للعراقيين في المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح.
ونصت المادة (39) من الدستور على حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية والانضمام إليها وعدم إجبار أحد على الانضمام أو الاستمرار في عضوية أي حزب. وحددت المادة (7) شروط التعددية السياسية إذ نصت على حظر أي كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يروج لها، وتستثني المادة حزب البعث العربي وما أسمته (البعث الصدامي) من أن يكون ضمن التعددية السياسية وتحت أي مسمى، ويعني تطبيق هذه المادة وبخاصة في جزئها الأول إلغاء معظم الأحزاب المهيمنة على الساحة السياسية سواء الأحزاب القومية الكردية (التي تقتصر العضوية فيها على الأكراد، أو الأحزاب الدينية سنية كانت أم شيعية، والتي تقتصر العضوية فيها على أعضاء الطائفة التي تمثلها هذه الأحزاب).
بيد أن أبرز ما يميز الدستور في ارتباطه بموضوع الأحزاب السياسية هو أنه يسعى في كثير من مواده لبناء دولة ثيوقراطية (دينية) تقوم على الحق المقدس والإرادة الإلهية التي تلغي (من الناحية العملية) قيام أي سلطة على أساس إرادة الشعب، وهو ما قد يترتب عليه بناء نظام سياسي ذي أيديولوجيا دينية جامدة تؤدي إلى شمولية تلغي الرأي الآخر واتجاهاته.
رابعاً: مسح الأحزاب السياسية في العراق منذ عام 2003في المرحلة الراهنة
1- الأحزاب السياسية في العراق منذ عام 2003: أحزاب الداخل وأحزاب الخارج استؤنفت الحياة الحزبية في العراق في إثر سقوط حكم البعث في نيسان/ أبريل 2003، وشهدت الساحة العراقية فورة سياسية اندفعت خلالها القوى والشخصيات إلى تشكيل أحزاب وتكتلات شبه حزبية حملت أسماء مختلفة لتعبر عن توق كبير لممارسة العمل السياسي. وفي ظل الفوضى والإرباك وضعف مؤسسات النشر والاتصال، اضطرت هذه التشكيلات إلى التعبير عن نفسها من خلال الشعارات والمسميات التي اكتظت بها جدران الأبنية. وقد شهدت مؤسسات الدولة السابقة تعليق يافطات تحمل عناوين لأحزاب وتنظيمات لم يألفها الشارع العراقي. وكان ظهور هذا الطوفان من الأحزاب بمنزلة رد فعل على حال الاختناق السياسي الذي خلفته عقود من سيطرة الحزب الشمولي الواحد والحرمان المطلق من فرص العمل السياسي داخل العراق منذ فشل تجربة الجبهة الوطنية أواخر السبعينات، فضلاً عن الفراغ السياسي لأي شكل من أشكال السلطة وما ترتب عليها من فوضى انطلقت معها الإرادات الفردية والجمعية لتأسيس تكتلات سياسته. كما كان لأجواء الديمقراطية والدعوة للانتخابات والامتيازات البرلمانية دافع قوي لرغبة الشخصيات في ممارسة اللعبة السياسية من خلال تكوين الأحزاب. معظم الأحزاب التي أنشئت في مرحلة ما بعد سقوط النظام الشمولي وهيمنة الحزب الواحد هي أحزاب قديمة، حاولت أن تعيد صلاتها مع أعضاءها القدامى وكسب تعاطف الجيل الجديد من عائلات أنصارها، مثل "الحزب الشيوعي العراقي"، و"حزب الدعوة"، و"الحزب الوطني الديمقراطي"، و"حزب الاستقلال" و"الحزب الاشتراكي"؛ وبعضها أحزاب فئوية دفعها الشعور بالتهديد فتشكلت في كيانات سياسية صغيرة للمطالبة بحقوق الفئات الدينية والعرقية التي تمثلها، غير أن الأحزاب التي هيمنت على المشهد السياسي في هذه المرحلة هي أحزاب ما كان يسمى "المعارضة الجديدة"15 التي تأسس أهمها خارج العراق بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، والتي كانت جزءاً من مؤتمر لندن الذي عقد في كانون الأول/ ديسمبر 2002 وما عقبه من مؤتمرات كان أهمها مؤتمر صلاح الدين في كردستان في آذار/ مارس 2003 حيث انتخبت لجنةُ المؤتمر خمسة أحزاب هي "حزب المؤتمر الوطني"، و"حركة الوفاق الوطني"، و"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية"، والحزبان الكرديان "حزب الاتحاد الوطني الكردستاني" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني"، وأصبحت تعرف فيما بعد بـ"الهيئة الخماسية" أو "مجموعة الخمسة"، وقد حاولت هذه الهيئة أن توسِّع قاعدتها بإضافة حزبين آخرين، هما "حزب الدعوة الإسلامية" و"الحزب الوطني الديمقراطي"، لما يتمتع به هذان الحزبان من تاريخ سياسي. وشكلت هذه الأحزاب السبعة الأركان الأساسية لمجلس الحكم الانتقالي في العراق، الذي شكّلته سلطة الائتلاف الموقتة (CPA)، والذي يؤشر بداية العملية السياسية وقد اصطلح على هذه المجموعة اسم "أحزاب الخارج" على الرغم من عدم دقة التسمية.
ولم يكن "لأحزاب الداخل"، سواء القديمة منها أو الجديدة التي تأسست بعد عام 2003، والتي أخذت تعرف بأحزاب (موديلات 2003) فرصة مهمة للعمل السياسي خارج نطاق المشاركة في العملية السياسية الرسمية، في حين كان لوجود بعض الأحزاب في مجلس الحكم فرصة لبسط نفوذها والسيطرة على مصادر الدعم المادية والمعنوية، وهو ما جعلها أحزاباً رئيسية، وقد اتهمت أحزاب (الداخل) أحزاب (الخارج) بالاستحواذ على كعكة السلطة وعدم دعوتها لأحزاب الداخل للمشاركة في المفاوضات التي تعقد لتقرير مستقبل العراق.
تميز المشهد الحزبي بعد عام 2003 بالسرعة في التطور، فالتشكيلات التي ظهرت كانت تعبيراً مباشراً عن محاولة الاشتراك في السلطة، فلم يكن لمعظم الأحزاب الجديدة برنامج سياسي أو قاعدة جماهيرية أو إطار تنظيمي ولجان سياسية؛ وبعض الأحزاب لم تكن تملك مقراً لها بل اتخذت من غرف الفنادق عنواناً تشير فيه إلى "مكاتبها". وكل شخص كان بإمكانه أن يجمع حوله عدداً من المؤيدين ويعلن نفسه أميناً عاماً لحزب جديد، وبعض الأحزاب شاركت في البرلمان وحصلت على مقاعد، أما أعضاء كتلتها فهم مسؤولو الحماية وأفراد من أقارب الأمين العام.
وعلى خلفية هذه التحولات ظهرت شريحة مهنية من المتعهدين والشعراء وعمال المطابع اقتصرت وظيفتهم على إقامة التظاهرات المؤيدة لحزب ما وطبع البوسترات والشعارات المعبرة عن أهدافه وشعراء شعبيون ينظمون أهازيج لزعمائه، وبعض المثقفين والمحامين امتهنوا كتابة الأنظمة الداخلية والبرامج السياسية للأحزاب لكسب رزقهم.
أما بعض الأحزاب القديمة فلم تقدم ما يوحي بأنها تعمل على تجديد نفسها وتقويم تجربتها وظلت تعاني من الانقسامات والتشتت، ولم تستطع أن تتواصل مع قواعدها الجماهيرية السابقة، ولا سيما أن أغلبها يعبر عن طبقات سياسية قديمة أو لم تعد موجودة، كما هو الحال بالنسبة إلى الحزب الوطني الديمقراطي (حزب الطبقة البرجوازية) وحزب الأمة (سعد صالح جبر) والأحزاب الناصرية والقومية وحزب الإستقلال وهي من أحزاب خمسينات القرن الماضي. ويصح هذا حتى على الأحزاب الدينية التاريخية ذات القاعدة الجماهيرية مثل حزب الدعوة الذي بقّي يراهن على أنصاره القدامى وقد انصرفت قطاعات معينة عنه: إما بترك العمل الحزبي أو بتحويل انتماءهم إلى أحزاب أخرى مثل "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" أو "حركة الصدر" بما يمتلكه الإثنان من مرجعية وقيادة رجال دين يجيدون استخدام الشفرة التاريخية في كسب تأييد الجماهير. في حين كانت أغلب قيادات الأحزاب التي تأسست خارج العراق غير معروفة، الأمر الذي أصبح من الصعب معه أن تجمع لها قاعدة جماهيرية في السرعة والارتجال التي تحركت خلالها العملية السياسية إلا من خلال شفرات الاتصال التاريخية مُعبّر عنها بالرموز الدينية التي أصبحت معبرة عن هوية هذه الجماعة، كما حدث بالنسبة إلى الأحزاب الإسلامية الشيعية العائدة من المنفى. وباستثناء تأثير الأحزاب الإسلامية، فقد غاب الفعل السياسي المؤثر في التكوين الجمعي للرأي العام العراقي، ولوحظ تهميش نسبي للأحزاب الأيديولوجية – التاريخية، أما الأحزاب الصغيرة فقد بدت بمنزلة تجمعات مكتبية لا يزيد عدد أعضاؤها على أعداد موظفي مكاتبها. ولم تنشأ أحزاباً جديدة بالمفهوم الحديث تعتمد على مبدأ التخصص الوظيفي والإنتماء الطوعي والمصالح المشتركة.
2- النمو الكمي للظاهرة الحزبية وأسبابها
يتضح التزايد المتسارع في عدد الأحزاب والتنظيمات السياسية التي تمارس العمل الحزبي من عدد الكتل والكيانات السياسية المسجلة في المفوضية العليا للانتخابات، التي أطلقت على نفسها مفاهيم مختلفة مابين الحزب والتجمع والحركة. وهناك ما يقارب (56) حزباً (62) تجمعاً سياسياً يضم أكثر من حزب و(4) تنظيمات أطلقت على نفسها صفة تيار و(48) اتخذت تعبير الحركة عنواناً لتنظيمها و(8) أطلقت على نفسها اسم جبهة، ولكل من هذه العناوين تنظيم هيكلي من الناحية الشكلية وتمارس عملية التنافس على السلطة، وقد بلغ عدد الكتل السياسية المسجلة في المفوضية العليا للانتخابات حتى نهاية عام 2005 (467) بينها (249) تنظيم سياسي. وكانت هذه التنويعات في التسمية نتيجة لازدحام الساحة بالتنظيمات وتشابه أسماءها فاختارت علامات لغوية فارقة دون أن تعكس طبيعة التنظيم أو تعبر عن اختلاف حقيقي في التوجه. وقليل من هذه التنظيمات فهمت الفرق بين هذه المصطلحات واختارت منها ما يعبر عن ماهيتها، كما كان لعدم قدرة الجمهور العراقي على التعاطي مع مفردة الحزب بسبب اقتران التسمية بالتجربة السابقة لنظام الحزب الشمولي سبباً آخر وراء تعدد التسميات (جبهة، تيار، حركة، تجمع، حزب). ويعبر هذا العدد الهائل من الأحزاب عن تصاعد في حجم التناقضات الاجتماعية والسياسية، كما أنها تعكس فوضى فكرية وتعددية في القناعات وتناقض في المصالح ساعد في ارتفاع حدة التوتر النسبي في النظام السياسي.
وثمة عوامل ساهمت في نمو هذا العدد المتزايد من الأحزاب السياسية أهمها: التشظي الاجتماعي وتعدد الهويات، التأثيرات الخارجية، التشريعات الجديدة، وهو ما سنتناوله تباعاً.
أ- التشظي الاجتماعي وتعدد الهويات
من أهم العوامل التي أدت إلى طوفان الأحزاب السياسية في العراق هو التشظي الاجتماعي وتعدد الهويات الفرعية (القومية والطائفية) في مقابل غياب مرجعية قادرة على أن تجمع كل الأطياف في هوية عراقية واحدة. وعلى خلفية هذا التشظي ظهرت أحزاب تسعى لضمان حقوق الأقليات الإثنية والدينية التي تمثلها وإن كانت صغيرة من الناحية الديمغرافية، ففي العراق هناك أربع قوميات أساسية هي العربية والكردية والتركمانية والكلدوآشورية، وداخل هذه الهويات هناك هويات أخرى فرعية مثل الكرد الفيليين وهم الأكراد الشيعة والايزيديين وهم ديانة داخل القومية الكردية، والشبك الذين لا يعترفون بانتمائهم للقومية الكردية. وداخل أفراد الديانة المسيحية الذين طرحوا أنفسهم سياسياً كقومية تحت ضغط شعورهم بالتهديد من قيام دولة إسلامية تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية (أهل الذمة)، هناك مجموعة من الطوائف غير المنسجمة فيما بينها وكل من هذه الطوائف سعت إلى تشكيل كيان سياسي أو حزب يمثلها، فتشكلت أحزاب تعبر عن هوية مركبة (عرقية/ دينية) وقد بلغ عدد التنظيمات السياسية للكرد الفيليين التي رفضت الاندماج بالجسم الشيعي أو الكردي خوفاً من استهلاكهم وابتلاعهم (4) شاركت جميعها في العمليتين الانتخابيتين، كما بلغ عدد الأحزاب والتنظيمات السياسية لأتباع الديانة المسيحية (12) توزعوا بين حزب واتحاد ومنظمة سياسية وحركة، أما التركمان فقد انتظموا في (14) تكتل سياسي.
ويشير هذا الكم من التنظيمات السياسية داخل الأقليات العراقية - والتي لا تتجاوز نسبتها إلى السكان 1 في المئة - إلى الانقسامات السياسية والتشظي الاجتماعي حتى داخل المجموعة الاجتماعية الواحدة.
ب- التشظي والانقسامات داخل الأحزاب العامل الآخر الذي ساهم في تكاثر الأحزاب في العراق إلى الحد الذي أصبحت فيه تشكل ظاهرة اجتماعية، يعود إلى طبيعة الأحزاب نفسها وما تعانيه من تشظي وانقسامات، ففي العراق اليوم أكثر من 20 حزباً قومياً، وانقسم الحزب الناصري إلى أربعة أحزاب وتنظيمات هي "الحزب الاشتراكي الناصري" و"الحزب القومي الناصري الموحد" و"الحزب الطليعي الاشتراكي الناصري" و"الحزب الوحدوي الناصري". وتنطبق ظاهرة التشظي والانقسامات على كل أشكال التنظيمات السياسية في العراق وبمختلف الاتجاهات، سواء كانت إسلامية أو ليبرالية، حديثة أم قديمة، كما تنطبق على الأحزاب القومية العربية وغير العربية، مما يعكس عدم استقرار زعامتها وبناها التنظيمية وحدة الانقسامات داخلها.
جدول رقم (2)
الانقسامات داخل الأحزاب
ويعكس التشظي والانشطارات التي تشهدها الأحزاب عدم وجود حياة حزبية صحيحة وأن هناك صراعاً على الزعامة، وأصبحت بعض الأحزاب نتيجة لذلك أقرب إلى "دكاكين" لأشخاص يطمعون في الزعامة التي تمنحهم فرصة للحصول على منصب في السلطة أو حقيبة وزارية في الحكومة بوصفهم أمناءً عامين لحزب ما. كما تعكس هذه الانقسامات غياب الديمقراطية داخل الأحزاب نفسها ودكتاتورية القيادة الحزبية حيث تهمش القيادة من قبل رئيس الحزب عند صنع القرار، مما يؤدي بالآخرين إلى الإنفصال عن الحزب وهي واحدة من سمات الحياة الحزبية في العراق، إضافة إلى تفكك وانشطار الأحزاب نتيجة الأزمات الأيديولوجية وضعف التنظيم كما حدث بالنسبة إلى الحزب الشيوعي العراقي وحزب الدعوة.
ج- دور التشريعات والقوانين المنظمة للعملية السياسية
ساهمت التشريعات التي نظمت العملية السياسية في العراق بعد عام 2003 في تعزيز ظاهرة التزايد في عدد الأحزاب ومنها قانون إدارة الدولة وقانون الأحزاب والكيانات السياسية رقم 97 عام 2004 وقانون الانتخابات رقم 96 عام 2004، فقد أعطى قانون الأحزاب الحق لكل فرد بأن يكوِّن كياناً سياسياً مؤهلاً للتنافس في العملية الانتخابية إذا قدم تأييداً وتوقيعاً من (500) ناخب مؤهل، وهذا يعني أن أي شخص بإمكانه أن يترشح للانتخابات منفرداً كان أو ضمن تكتل يحمل عنوان سياسي.
شجعت هذه التسهيلات التشريعية على تأسيس الأحزاب وتكاثرها إذ وفرت بعض الضمانات والامتيازات لتصبح هذه التنظيمات، أحياناً، أطرافاً فاعلة في العملية السياسية ومساهمة في المرحلة الانتخابية وإعادة توصيفها من أحزاب هيكلية إلى قوى مشاركة في عملية صنع القرار وهي الغاية التي يتشكل من أجلها أي حزب سياسي، إلا أن المعطيات الواقعية التي أفرزتها الانتخابات الأولى وخروج أعداد كبيرة من الأحزاب بدون أي مكاسب في ظل الاستقطابات الطائفية التي كشفت عنها هذه الانتخابات قوضت فرصة هذه الأحزاب في الإفادة من المزايا التشريعية. مما دعا عدد كبير منها إلى إيجاد بديلاً أخر، وقد اختارت بعض الأحزاب انسحابها وتجميد عملها الحزبي على الأقل في المرحلة الراهنة، فهناك العشرات من الأحزاب التي أغلقت مكاتبها وتوجه قادتها إلى خارج العراق تحت ضغط الظرف الأمني، وتكشف قوائم الكتل المرشحة للانتخابات الثانية الصادرة عن المفوضية العليا للانتخابات عن غياب (56) حزب وتنظيم سياسي وانكفائهم عن الترشيح للانتخابات الثانية بعد فشلهم في الانتخابات الأولى، والبعض من رؤساء هذه الكيانات حّل كيانه ودخل بصفته الشخصية ضمن تحالف أو قائمة انتخابية جديدة، منهم: (وائل عبد اللطيف – ممثل حركة السلام والتنمية الذي دخل بصفته الشخصية ضمن القائمة العراقية في الانتخابات الثانية، وعبد الخالق زنكنة الذي خاض الانتخابات الأولى كممثل للحركة الشعبية الكردستانية، ثم خاض الانتخابات الثانية بصفة شخصية بعد أن انضم إلى قائمة التحالف الكردستاني. في حين اختارت كيانات أخرى الدخول في ائتلافات وتحالفات جديدة لتضمن لها بعض المكاسب السياسية.
د- العامل الخارجي
ثمة عامل موضوعي آخر في كثرة الأحزاب يتمثل بوجود إرادات خارجية ودول تدفعها مصالح مختلفة في مقدمها سلطة الائتلاف، التي حكمت العراق لأكثر من سنة قبل تأليف الحكومة العراقية الإنتقالية ونقل السيادة إليها. وقد أدّى الحاكم المدني في العراق بول بريمر دوراً مهماً في ظهور عناوين سياسية لشخصيات وكتل عديدة لا خبرة لهم في العمل السياسي، فقد شجع رؤساء ووجهاء عشائر معروفة في العراق لتشكيل تكتلات وأحزاب سياسية مثل عشيرة الجبور والتميم مقابل وعود بمكاسب مهمة في الدولة العراقية الجديدة (طور التشكيل)، وتكشف بعض المصادر عن وجود مؤسستين ملحقتين بوزارة الدفاع الأميركية هما المعهد الديمقراطي الدولي للشؤون الدولية (NDI) والمعهد الجمهوري الدولي (IRI) خصصت مكاتبهما في العراق بمبالغ لتمويل الأحزاب. وقد اختلفت التفسيرات حول دوافع الحاكم المدني في العراق من وراء تشجيع قيام هذا الكم الواسع من التنظيمات السياسية، فالبعض يرى في هذه التوجهات رغبة أميركية في تفكيك الجبهة الداخلية للقوى السياسية ومنع قيام جبهة واحدة متحدة تتعامل وتتعاطى معهم من خلال إيجاد أحزاب متعددة، وبالتالي، قناعات ومصالح متعددة بل ومتضاربة أحياناً، يمكن أن تخلقها التعددية الحزبية وبذلك فإن فكرة التعدد الواسع للأحزاب وفي العراق بحسب أصحاب هذا الرأي هي فكرة خارجية تسعى لتحقيق هدف واحد وهو غياب جبهة عراقية موسعة، أما الرأي الآخر فيفسر تشجيع التعددية على أنه يمثل رغبة الدولة المنتصرة (أميركا) بإعطاء انطباع خاص عن تطبيق المبادىء المعلنة خلال الحرب على العراق حول الديمقراطية وتسويغ قيام الحرب ضده أمام شعوبها. ولا يقتصر دعم تشكيل الأحزاب على الطرف الأميركي فالمعروف أن جهات إقليمية عربية وإسلامية متعددة تقدم دعماً كبيراً لبعض الأطراف العراقية تحقيقاً لمصالح معينة منها إيران وسوريا والسعودية، بل وحتى ليبيا التي تمول حزبين على الأقل وقد ساهم وجود هذه الأطراف الداعمة في نمو أحزاب جديدة.
3- البنى التنظيمية وأنماط الزعامة
تتوافر الأحزاب العراقية على بنى تنظيمية مختلفة، تتنوع بين بنى هرمية (لينينية) وبنى عسكرية (أحزاب الميليشيات)، وبيروقراطية (مكاتب)، وكاريزمية لاتحتوي على جهاز حزبي وإنما تعتمد على هالة الزعيم (الكاريزما) اوالقاعدة التابعة، والأغلبية منها نخبوية (أحزاب صالونات) لا يتجاوز عدد أعضاؤها على عدد موظفي مكتبها.
والملاحظ على الأحزاب في الحالة العراقية أن هناك تداخلاً وخلطاً مابين هذه الأنماط. فتنظيم سياسي مثل المجلس الأعلى يجمع في بناءه التنظيمي بين النمط الكاريزمي والنمط البيروقراطي فضلاً عن النمط العسكري بوجود ميليشيا (فيلق بدر) تابعة له.
وتشير الأنظمة الداخلية لأكثر من 20 حزباً (خضعت للدراسة) بأن لجميع الأحزاب هيكلية تنظيمية تتألف من الأمانة العامة أو الهيئة العامة (كما وردت في نظام حركة الوفاق الوطني والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية)، المؤتمر العام والمكتب السياسي الذي تختلف أهميته ضمن البنى الهيكلية للأحزاب إذ يمثل أعلى سلطة أو جهة تنفيذية وهو المسؤول عن إدارة سياسة الحزب عند بعضها كما هو الحال مع حزب الفضيلة (الإسلامي الشيعي) وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني (القومي) وحركة الوفاق الوطني (ليبرالي)، بينما لا يمثل هذا المكتب إلا جزء من سلسلة اللجان التي تشتمل عليها هيكلية الحزب كما هو الحال في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية والمؤتمر الوطني الذي استبدل المكتب السياسي بأمانة عامة تتألف من (13) عضو منتخبين من الهيئة العامة. وتتبنى الأحزاب الدينية مفهوم الشورى، ويمثل مجلس الشورى جزء من هيكلية هذه الأحزاب، مثل الاتحاد الإسلامي الكردستاني ومنظمة العمل الإسلامية وحزب الدعوة الإسلامية إذ يمثل مجلس الشورى أعلى سلطة تشريعية، وتمثل "الشورى المركزية" في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية أعلى هيئة داخل المجلس ويترأسه رئيس المجلس الذي تنتخبه الشورى المركزية، كما تضمنت بعض الأنظمة الداخلية للأحزاب الإسلامية مناصب مثل المرشد والأمير والفقيه، كما هو الحال في الجماعة الإسلامية الكردستانية، وفيما يلي وصفاً لأهم الأنماط التي توافرت عليها الأحزاب الرئيسية في العراق:
أ- النمط اللينيني: وهو نظام شديد المركزية يتألف من بناء عنقودي (هرمي) من المراتب وكل مرتبة تخضع للمرتبة الأعلى منه. وتمثلت الأحزاب القديمة ذات الامتداد التاريخي في هذا النمط مثل الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث المنحل وحزب الدعوة الإسلامية، الذي يتألف من مراتب حزبية هرمية يقع المؤتمر في قمتها والحلقات الحزبية في قاعدتها ويقوم على مبدأ الالتزام والطاعة. وتمثل الحلقة مفهوم مرادف للجان أو المكاتب، وكل لجنة تنظيمية أو اختصاصية في الحزب تعتبر حلقة وتتكون من مسؤول وأعضاء، ويعد الاتحاد الوطني الكردستاني نموذجاً للبنية الهرمية اللينينية إذ يتألف بناءه من الخلايا في قاعدة الهرم، وترتبط هذه الخلايا بالفرقة التي تشرف عليها، ويوجد على رأس الفرقة قاطع التنظيم، وعلى رأسه لجنة التنظيم المسؤولة عن إدارة القطاعات التنظيمية في حدود الرقعة الجغرافية يليه في مرتبة أعلى مركز التنظيم، ويتألف من مسؤولي لجان التنظيم يليه مكتب التنظيم وهو هيئة قيادية تدير جميع تنظيمات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ثم اللجنة القيادية وهي أعلى سلطة بين مؤتمرين تتألف من (35) عضو ومسؤولة عن انتخاب المكتب السياسي. أما المكتب السياسي فيتألف من (9-11) عضو والسكرتير العام وعلى قمة هذا البناء الهرمي يقع المؤتمر الذي ينتخب الرئيس أو السكرتير العام للحزب.
ويضمن هذا النمط استمرارية الحزب (خلافاً للنمط الكاريزمي)، كما تؤمن السهولة في حالة أحزاب العراق، التفاوض مع القيادة فيستجيب الحزب إليها كجسم. إلا أن هذا النمط معرض للانقسامات ولا يتيح فرصة للمبادرات الفردية. ب- النمط البيروقراطي: يقوم هذا النوع من البنى على سلسلة مكاتب وكل مكتب مساوٍ للآخر ولا يوجد ترابط هرمي فيه فهو تنظيم مفتوح. ويعد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية نموذجاً عن هذا النمط من البنى التنظيمية، إذ يتألف من الهيئة العامة التي تشمل رئيس ونائب الهيئة وهي مؤلفة من(300) عضو وتقوم بانتخاب الشورى المركزية ويتولى الأخير انتخاب الرئيس. وتنبثق عن الشورى خمسة مكاتب ولكل مكتب جهاز إداري وموظفين يتقاضون رواتب وقد بدأ هذا النمط في الحسينيات حيث جعلت الأحزاب الإسلامية الشيعية من أماكن العبادة نواة لاجتماعاتها للدعوة إلى تبني أفكار ومواقف الحزب وخطه السياسي التنظيمي.
ج- النمط الكاريزمي: يعتمد هذا النمط على الهياكل الدينية الكاريزمية ويمثل التيار الصدري نموذجاً لهذا النوع من التنظيمات السياسية حيث لا يوجد جهاز حزبي أو تنظيم هيكلي وإنما هناك زعيم (رجل دين يتمتع بقدسية موروثة من بيت الصدر وموارد مالية). إلا أن هناك نوع من التداخل فيما يتعلق بهذا التيار بين النمط الكاريزمي والنمط العسكري اللامركزي، إذ إن اعتماده على الميليشيات (جيش المهدي) التي تحولت إلى جماعات مسلحة غير مسيطر عليها منذ حادث تفجير مرقد الإمامين في سامراء في شباط/ فبراير 2006، وكل مجموعة بدأت تعمل لتنفيذ حساباتها الخاصة ولا يملك زعيم التيار قدرة السيطرة على هذه الجماعات.
د- النمط العسكري: هناك مجموعة من التنظيمات الموالية للعملية السياسية أو المعارضة لها اتخذت أسلوب العمل العسكري، واعتمدت بعض الأحزاب الرئيسية على ميليشياتها الخاصة في فرض برامجها بالقوة وتعزيز قدراتها على التعبئة، واعتبرت الميليشيات عنصر ركيزة أساسي، في حين تحولت بعض الميليشيات إلى منظمات حزبية ودخلت المنافسة السياسية مثل فيلق بدر وحركة حزب الله في العراق، وقد أعطت هذه الميليشيات الاتجاه العام للحزب وتكتيكه وشكله.
هـ- النمط النخبوي: تعد أغلب التنظيمات في المشهد الحزبي سواء الوسطية منها أو القومية العربية أحزاباً نخبوية (هيكلية) تتألف من هيكل يشكله كادر الحزب وهو محدود العدد وليس لديها أي امتداد شعبي، وعلى الرغم من أن أنظمتها الداخلية تشير إلى وجود هيكل تنظيمي إلا أنه خالٍ من المحتوى، ويشير رئيس جبهة الحوار الوطني (صالح المطلك) وهو واحد من الأحزاب القليلة التي تشكلت بعد عام 2003 وحظيت بـ (11) مقعداً في البرلمان، يشير إلى وجود فراغ في هيكل حزبه التنظيمي إضافة إلى مواقع شاغرة بسبب عدم توافر شخصيات تتمتع بمعايير معينة يمكن أن تملؤها دون أن يقع الحزب في فخ الهوية الطائفية.
ولعل أحد أهم مؤشرات ضعف الأداء الحزبي في العراق هو عجز الأحزاب عن استقطاب مختلف الشرائح والمكونات الاجتماعية (عرقية ودينية)، وهذا ينطبق بصورة أساسية على الأحزاب التي حظيت بأغلب الأصوات وتسلمت السلطة من خلال استعمالها للتعبئة الإثنية والدينية أثناء الانتخابات مستثمرة الولاءات الطائفية لتحريك الناخبين، الأمر الذي أصبح معه موقف الفرد الطائفي هو المحدد الأول لصوته وقد استعانت هذه الأحزاب بالجوامع والحسينيات بوصفها مركز النشاط التعبوي لتلقين جماهيرها لمصلحة الرأي الواحد. وضاعف وجود هذه الأحزاب داخل السلطة من رصيدها الانتخابي حيث وظفت إمكانات الوزارات التي تهيمن عليها هذه الأحزاب لكسب وشراء صوت الناخب.
ومما ضاعف من أزمة هذه الأحزاب هو عزوف الجمهور العراقي عن العمل الحزبي ، إذ إن معظم الذين انخرطوا في التنظيمات السياسية بعد عام 2003 هم أبناء الأنصار القدامى لبعض الأحزاب مثل الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي (باستثناء التيار الصدري الذي شهد إقبالاً من قبل فئات اجتماعية مهمشة معظمها من الشباب). وخلاف ذلك فإن هناك رد فعل عند العراقيين إزاء الأحزاب وقد أظهر استطلاع للرأي في حزيران/ يونيو 2005 أجراه المعهد المستقل للدراسات الإدارية والمجتمع المدني، أظهر نسباً تشير إلى فشل الأحزاب في استقطاب الرأي العام العراقي وكشف عن تدني ثقة المواطنين بالأحزاب عموماً، حيث أجاب 49.84 في المئة من المستطلعين أنهم لا يثقون إطلاقاً بالأحزاب السياسية و11.77 في المئة لا يثقون إلى حد ما و16.93 في المئة يثقون إلى حد ما و6.30 في المئة يثقون تماماً. كما أجاب 78.02 في المئة بأنهم لا يؤيدون أي حزب أو حركة. وأظهر 90.3 في المئة بأنهم لم يتلقوا أي اتصال من أي حزب أو حركة.
و- أنماط الزعامة: تكشف الأنظمة الداخلية للأحزاب أن جميع التنظيمات تتبنى منهجاً ديمقراطياً في اختيار قياداتها وجميعها تشير إلى وجود مؤتمر عام يضم أعضاء (مندوبين) يجري خلاله انتخاب القيادات والأمين العام، غير أن الواقع يكشف قراءة مختلفة تماماً، ففي ما يتعلق بالقيادات يتضح أن الزعامة في معظم الأحزاب هي تاريخية دائمة (مدى الحياة)، كما أن الوجوه القيادية تتكرر داخل الحزب الواحد دون أن يجري أي تجديد عليها، حتى بالنسبة إلى الأحزاب التي تعقد مؤتمرات على فترات زمنية متباعدة. مما يعني غياب الآلية الديمقراطية التي تحكم العمل التنظيمي للحزب، ويمكن تحديد نمطين من الزعامات الحزبية في الحالة العراقية:
(1) زعامات تقليدية دينية/ عشائرية
تتمحور الأحزاب في العديد منها حول الشخص الكاريزمي كما هو الحال في الأحزاب الإسلامية الشيعية منها والسنية، إذ يلتف الحزب حول رجل دين أو رمز ديني يمارس من خلاله تأثيره على الجماهير. وظاهرة الزعامات الدينية في المشهد الحزبي العراقي هي الأكثر وضوحاً فقد استثمرت الأحزاب رموزها الدينية في التعبئة العاطفية للجمهور واستغلت الهياج العاطفي عندهم وسيلة للكسب السياس.
وتحظى الأحزاب ذات الزعامات الدينية بهيمنة واضحة على الساحة السياسية في العراق اليوم ومن الأمثلة على هذا النوع من التنظيمات التي تلتف حول رجل الدين حركة التيار الصدري التي يرأسها السيد مقتدى الصدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي يتزعمه بيت السيد الحكيم وهي عائلة دينية، وحزب الفضيلة التي تعتبر السيد محمد اليعقوبي مرشدها الأعلى ومنظمة العمل الإسلامي التي يترأسها السيد محمد تقي المدرسي، وهيئة علماء المسلمين التي يتزعمها رجل الدين حارث الضاري. كما برز العديد من التكتلات والكيانات السياسية التي تنافست على مقاعد البرلمان يتزعمها شيوخ عشائر ممن يطمحون بدور سياسي مستفيدين من نفوذهم العشائري وتأثيرهم على رعاياهم من أفراد العشيرة ولديهم القدرة على تمويل حملاتهم الانتخابية، مثل زعيم كتلة عراقيون غازي الياور ورئيس مجلس الحوار خلف العليان ومسعود البارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، إلا أن تأثير هؤلاء الزعماء القبليين يختلف نوعاً وكماً عن الزعماء الدينيين ويرتبط هذا التأثير بالتحول في دور مؤسسة العشيرة وتقدم المؤسسة الدينية عليها.
(2) زعامات غير تقليدية
أما الزعماء غير التقليديين فإن بقاءهم في رئاسة الحزب يتم إما بالتوارث أو بالانتخابات المسيطر عليها أو بالإصطفاء من قبل النخبة (الطغمة الأوليغارية)، التي تهيمن على قيادة الحزب ووفق اعتبارات سياسية واجتماعية ومالية ويشكل الأخير عاملاً مهماً يرتبط بمشكلة تمويل الأحزاب والتي غالباً ما تكون (في الحالة العراقية) بيد الأمين العام، وتتوقف على قدرته في الحصول على مصادر التمويل لحزبه سواء كان من مورده الخاص كما هو حال الحزب الوطني الديمقراطي الذي يموله نصير الجادرجي ومجلس الحوار الذي يموله صالح المطلك وتجمع الديمقراطيين المستقلين الذي يموله عدنان الباججي، أو من علاقاته وقدرته على إقناع جهات داعمة لتمويل الحزب مثل حركة الوفاق الوطني والمؤتمر الوطني، وقادة هذه الأحزاب مستمرين في رئاستها ما داموا هم الوحيدين القادرين على تمويلها.
ولعل أحد المظاهر الحزبية في العراق هو ارتباط الحزب بشخصية مؤسسه أو رئيسه وهناك أحزاب تختزل برئيسها، مثل حزب الأمة العراقية الذي حصل على مقعد برلماني واحد وهو ما يمثّل استثناءً، ذلك أن هذا الحزب لا يعبر عن هوية طائفية أو قومية، إلا أن أنصاره تجمع حول شخص الآلوسي (رئيسه) وليس على نهجه الحزبي أو برنامجه السياسي. ولم تنجح الانتخابات التي أجراها عدد من الأحزاب كآلية لتداول السلطة فيها، في تغيير القادة الدائمين، فالمؤتمر الذي عقده الحزب الشيوعي العراقي عام 2006 لانتخاب قيادته ورؤساء لجانه تمخضت عن اختيار حميد مجيد موسى الذي يترأس الحزب منذ عام 1993، كما أن الانتخابات التي أجراها حزب الدعوة الإسلامية كانت عاجزة عن تغيير الوجوه (القيادات) ويبرر رئيس الحزب نوري المالكي هذه الحالة بأن عملية تنمية الكادر تحتاج إلى عمل ميداني يحتاج إلى سنوات طويلة، كما أعاد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية انتخاب عبد العزيز الحكيم رئيساً للمجلس بعد أن تقلد هذا المنصب خلفاً لأخيه محمد باقر الحكيم. تكرار الوجوه في قيادات الأحزاب ووجود شخصيات محورية تستمر لحقبة زمنية طويلة هي السمة الغالبة على التنظيمات السياسية. مما يعني أن الأساليب الديمقراطية التي تنتهجها بعض الأحزاب غير ديمقراطية بالكامل، وأن الانتخابات التي تجريها هي انتخابات مسيطر عليها، إذ يتم اختيار القائد نفسه باستمرار وفق أساليب تتضمن إما إكراه الأعضاء على إبداء رأي يتعارض مع قناعاته، أو تقليل المساحة الرافضة لوجود الزعيم أو استخدام صيغ الترغيب لكسب قناعات الآخرين، أو يكون حق انتخاب الأمين العام محصوراً بعدد من القياديين المقربين من هذا الأمين والمسيطر عليه سلفاً من قبله.
أما صنع القرارات الحزبية فيقوم على أسس فوقية وليس هناك ما يدل على أن المنتمين للتنظيم (القاعدة) رأي فيها، فلا يزال الأتباع يتلقون التوجيهات من الزعامات والقيادات الوسطية، ووصف أحد قياديي حزب الدعوة انطلاقاً من تجربته بأن الأحزاب تعاني من دكتاتورية قياداتها وأن نزعة التجديد (الديمقراطية) غير منتشرة بين القيادات الرئيسة للأحزاب، لكنها بدأت تتوسع في قيادات الدرجة الثانية أو الثالثة وبين هؤلاء من يؤمن بالديمقراطية أكثر من قياديي الدرجة الأول.
4- التحالفات والائتلافات على أساس الهويات الطائفية والإثنية
مع اقتراب العملية الانتخابية في مطلع عام 2005 لجأت الأحزاب السياسية إلى إقامة التحالفات لغرض توحيد وتنسيق جهودها في العملية السياسية وهي آلية فرضتها الطبيعة الهيكلية (النخبوية) للنسبة الغالبة من الأحزاب. واندفعت القوى الصغيرة إلى التحالف إما مع قوى أكبر في ظل التبعية المالية وغياب مصادر الدعم أو مع تنظيمات أخرى صغيرة لتنسيق جهودها تحت إطار جديد تتفق فيه الأحزاب المتآلفة على أهداف مشتركة مع احتفاظ كل حزب بإطاره التنظيمي الخاص به. ومن الأمثلة على الائتلافات التي تكوّنت وفق هذا المفهوم: اللقاء الديمقراطي (قبل إنشاء المجلس الوطني المؤقت) الذي ضم أحزاباً وتنظيمات لها تاريخ طويل في العمل السري، إلا أن ملامح ظاهرة التحالفات توضحت بصورة أكبر مع بداية أول عملية انتخابية لتشكيل الجمعية التأسيسية حين تحالفت مجموعة من الأحزاب والتنظيمات السياسية ضمن قوائم انتخابية واحدة بهدف تشكيل كتلة أكبر لتحظى بفرصة أوفر في السلطة ونسبة أعلى من المقاعد داخل الجمعية الوطنية، وقد ضمت الانتخابات الأولى التي جرت في كانون الثاني/ يناير 2005 (9) تحالفات وضمت الانتخابات الثانية (20) تحالفاً، إلا أن هذه التحالفات كانت لأغراض انتخابية وليست تحالفات سياسية، إذ لم يكن لدى أكبرها وهو الائتلاف العراقي الموحد أرضية فكرية تجمع المتحالفين على الرغم من أنه ضم أكبر الأحزاب الإسلامية الشيعية بمن فيها أحزاب تركمانية وكردية، إلا أنه ضم أحزاب علمانية ويسارية لا تؤمن بالدولة الإسلامية وحكم الشريعة مثل المؤتمر الوطني برئاسة أحمد الجلبي وهو حزب ليبرالي والحزب الوطني الديمقراطي الأول وهو حزب اشتراكي، مما يؤشر إلى أن الائتلافات لم تجتمع على أساس البرامج والأهداف وإنما على أسس طائفية وعرقية، ذلك أن ما يجمع بين هذه الكتل هو الهوية الطائفية التي تم توظيفها حتى من قبل الأحزاب التي تتعارض أهدافها واتجاهاتها مع فكرة الطائفية السياسية. وقد وجدت هذه الظاهرة تعبيراً أوضح لها في قائمة التحالف الكردستاني الذي حاول أن يجمع الأحزاب الكردية بمختلف توجهاتها علمانية ويسارية وإسلامية تحت مظلة الهوية الإثنية (القومية الكردية). وبنفس الآلية تحالفت بعض الأحزاب السنية في الانتخابات الثانية على أساس هويتها الطائفية. وهو ما وفر فرصة أكبر أمام هذه الأحزاب للاستحواذ على النسبة الأعلى من مقاعد البرلمان (225) مقعداً من أصل (275) مقعداً وعلى حساب الأحزاب الليبرالية واليسارية، التي لم يأتِ تحالفها القائم على أساس الأهداف والبرامج بنتائج مرضية ولم تحظَ أغلبها بأي مقعد في البرلمان، وفي حين كانت هذه التحالفات نتيجة لحال الاستقطاب والاصطفافات الطائفية والعرقية فقد ساهمت في الوقت نفسه في تعميق وتعزيز هذه الاستقطابات والانقسامات الاجتماعية، وهيأت مناخاً من التوتر السياسي والاجتماعي يهدد بقيام حرب أهلية في العراق. وقد ساعد قانون الأحزاب رقم (97) عام 2004 في تعزيز هذه الاستقطابات إذ سمح بتشكيل الائتلافات، إلا أنه لم يحدد الشروط ولم يضع الضوابط لها مما ترك الباب مفتوحاً أمام الأحزاب السياسية لتستغل طبيعة المرحلة الحرجة التي يمر بها المجتمع والتشظي الاجتماعي الذي كانت طرفاً فاعلاً في استفحاله. وقد استطاع بعضها أن يحقق مكاسب مهمة من خلال تحالفها داخل البرلمان العراقي مع كتل أخرى وإن كانت تختلف معها أيديولوجياً كما حصل في تحالف الأحزاب الكردية في كتلة التحالف الكردستاني مع الأحزاب الشيعية الإسلامية في كتلة الائتلاف العراقي الموحد.فعندما لم تحصل الكتلة الأولى على تأييد القوى الديمقراطية التي تلتقي معها في كثير من الأمور المشتركة على بعض القضايا والمكاسب لممثليهم الأكراد ائتلفت مع قائمة الائتلاف بعد أن حصلوا على تأييده. لقد أدركت القوى والتيارات الأخرى بعد أن انكشفت الأزمة السياسية في العراق وظهر عدم قدرة الانتخابات وإعلان الدستور على تحقيق الاستقرار السياسي ولو نسبياً في العراق، وانفراط التحالفات الكبيرة للقوى المشتركة في العملية السياسية بعد التحولات الاستراتيجية التي نشأت في مواقف بعض الأحزاب، أدركت النتائج الخطيرة للتحالفات التي قامت على أساس طائفي وعرقي ودورها في تعميق الانقسام الاجتماعي. وعلى خلفية هذه الظروف نشطت بعض التنظيمات السياسية لإعادة بناء وتشكيل تحالفات سياسية جديدة منها حلف ما يسمى بـ"المعتدلين" في المنطقة التي دعت إليه الإدارة الأميركية باقتراح من السفير الأميركي السابق زلماي خليل زاد والقائم بين الحزب الإسلامي والتحالف الكردستاني (الأحزاب الكردية الكبرى) والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، والذي أريد منه عزل التيار الصدري (وهو أكبر الكتل المنضوية تحت الائتلاف العراقي الموحد) عن العملية السياسية. وخارج العملية السياسية الرسمية، نشطت تحالفات جديدة بين الأحزاب والتنظيمات السياسية للضغط أو لتشكيل جبهة عمل مشتركة إزاء الأوضاع التي يشهدها العراق، منها "تجمع حقوق وجبهة الإنقاذ الوطني" التي تجمع ما بين (30) تكتلاً سياسياً بعضها داخل العملية السياسية والبعض الآخر من خارجها، والذي لم يعلن عنها في مؤتمر تأسيسي حتى الآن بسبب الفشل في إيجاد دعم من إحدى الدول المجاورة للعراق لاحتضان هذا المؤتمر، و"تحالف التيارات القومية" المؤلف من (20) حزب قومي اجتمعوا في سوريا لعقد مؤتمرهم، إلا أن هذه التحالفات لم يكتب لها النجاح بسبب الصراعات الداخلية على المناصب وتوزيعها، كما حدث في الائتلاف العراقي الموحد والصراعات التي يشهدها والتي انسحب على أثرها حزب الفضيلة من هذا الائتلاف. كما أن التحالفات التي شهدتها الأحزاب الكبرى مثل تحالف الأحزاب الكردية مع الأحزاب الإسلامية الشيعية هي تحالفات تكتيكية وليست استراتيجية، وهي تحالفات فوقية بين القيادات وليس لها امتداداتها القاعدية، فضلاً عن التغيرات المستمرة في خارطة التحالفات، الأمر الذي أصبح معه حلفاء اليوم أعداء الأمس وبالعكس، كما حدث مع تحالف التيار الصدري (الشيعي) مع السنة وهيئة علماء المسلمين (حركة سنية)، ثم تحول إلى الحرب عليهم بعد أن تحالف مع الائتلاف العراقي الموحد ودخول السنة العملية السياسية.
5- التصنيف الأيديولوجي والسياسي للأحزاب
أ- التوجهات الفكرية والبرنامجية
لا يمكن تقديم حصر دقيق لعدد الأحزاب والتنظيمات السياسية في العراق، وذلك لكثرة عددها وللسرعة الكبيرة التي تنبثق خلالها بعض الأحزاب أو تغلق مكاتبها وتتلاشى، والأهم غياب جهة رسمية أو مؤسسة مسؤولة عن تسجيل أو منح رخصة للأحزاب باستثناء المفوضية العليا للانتخابات التي تسجل الأحزاب لأغراض الانتخابات فقط، وبالتالي فإن الأحزاب المسجلة فيها هي تلك التي دخلت للعمل السياسي.
وتشير بعض المصادر الإعلامية غير الرسمية إلى أن عدد الأحزاب قد تجاوز المائتان، فيما رصدت إحدى المحاولات أكثر من (250) تنظيماً سياسياً بعضها يشارك في العملية الانتخابية وأكثرها لم يشارك. وبلغ عدد الكيانات السياسية المسجلة في المفوضية العليا للانتخابات في كانون الثاني/ يناير 2005 والتي تمارس بشكل أو بآخر النشاط الحزبي وتتنافس في العملية الانتخابية (167) كياناً سياسياً توزعوا بين حزب وحركة وتجمع وكتلة من أصل (226) كياناً من ضمنهم الأشخاص المستقلين، أما في الانتخابات الثانية في كانون الثاني/ ديسمبر 2005 فقد بلغ عدد الكيانات المسجلة (249) تنظيم من أصل (467)، علماً أن أكثر من (56) كياناً سياسيا ممن تنافسوا على مقاعد البرلمان في الانتخابات الأولى لم يشارك في الانتخابات الثانية ولم يسجل في قوائمها. ومن بين هذا الكم الكبير من الأحزاب تبرز مجموعة قليلة من الأحزاب الأساسية أو الرئيسية ذات التاريخ والنشاط السياسي الملحوظ على الساحة السياسية العراقية، أما العدد الأكبر فهو مجرد عناوين سياسية. ويبدو من الصعب أيضاً إيجاد إطار تصنيفي محدد لهذه الأحزاب بحسب توجهاتها، ذلك أن الكثير منها وبخاصة التجمعات التي ظهرت بعد عام 2003 لا تمارس نشاطاً سياسياً واضحاً يمكن الاستدلال من خلاله على اتجاهاتها الأيديولوجية وعدد كبير منها ليس لديه وسائل اتصال (صحف، إذاعة، محطات تلفزيون) تكشف عن توجهات هذا الحزب أو ذاك، بل إن قسماً منها وهو الأغلب ليس له مقار يمكن للباحث في هذا المجال أن يتوجه إليها ويحصل على إجابات عن أسئلته. ويضاف إلى ذلك التحولات الأيديولوجية لعناصر وقيادات هذه الكتل، فحين يقوم عدد من الشيوعيين القدامى بتأسيس حزب جديد فإن معالمه تختلط بين ديمقراطي ويساري، الأمر الذي يصعب حصره ضمن اتجاه معين. أما عناوين الأحزاب فكلها تشتمل على تعابير الديمقراطية والوطنية والعراقية مع تقديم وتأخير في هذه المفردات، بل إن المسميات تضعنا أمام مشكلة جديدة في عملية التصنيف، الأمر الذي يجعل من صعوبة البحث في الأحزاب السياسية جزء من المشهد الحزبي في عراق ما بعد عام 2003.
بيد أن المعطيات التي ظهرت على الساحة العراقية فرضت أطراً معينة للتصنيف، فهناك من حاول أن يصف الأحزاب العراقية تبعاً لتأييدها للعملية السياسية وموقفها من الاحتلال، إلى أحزاب معارضة للعملية السياسية وأحزاب مؤيدة لها، كما استدعت الاستقطابات الطائفية تصنيفاً آخر يقسمها إلى أحزاب وقوى طائفية وقوى غير طائفية. وفرضت قوة الأحزاب وهيمنتها على المشهد السياسي في العراق تصنيفاً يضعها ضمن ثلاثة اتجاهات رئيسية، الأول إسلامي والثاني قومي والثالث يضع جميع الاتجاهات الأخرى ليبرالية ويسارية واشتراكية في سلة واحدة نظراً إلى هامشيتها في المشهد.
وتكشف القراءة المكثفة للخريطة الحزبية العراقية أن الأحزاب تتوزع من ناحية اتجاهاتها إلى (5) اتجاهات أساسية: إسلامية وقومية، وقومية دينية، وأحزاب ليبرالية، ويسارية اشتراكية وماركسية، ومن شأن هذا التصنيف أن يعطي صورة أوضح من الناحيتين الكمية والنوعية عن المشهد الحزبي في العراق.
(1) الأحزاب الإسلامية
تسيدت الأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية المشهد السياسي في الجزء العربي من العراق من ناحية القدرة على التأثير وتوجيه الفعل والرأي العام من جهة، والهيمنة على الدولة ومؤسساتها من خلال حصولها على النسبة الغالبة من الأصوات من جهة أخرى.
وأبرز ما يميز الخارطة الحزبية بعد عام 2003 هو العدد المتزايد للأحزاب الدينية/ سنية وشيعية، إذ بلغ عدد الكيانات السياسية ذات الصبغة الإسلامية في القوائم الانتخابية (38) كياناً بين تكتل وحركة وميليشيا تحولت إلى منظمات حزبية. وتتوزع الأحزاب الإسلامية إلى إسلامية سنية وأخرى شيعية وأحزاب كردية إسلامية وأخرى تركمانية إسلامية.
وتعكس هيمنة التيار الديني الإسلامي على الساحة السياسية، تحولات اجتماعية وسياسية كبيرة في العراق، إذ لم يكن لهذه التيارات مساحة للتحرك السياسي حتى بداية الثمانينات من العقد الماضي ولم تجد لها متسعا للعمل والانتشار في ظل المد اليساري (الماركسي) الذي اجتاح حتى الأماكن الدينية (المقدسة) مثل النجف وكربلاء في العقد الخامس والسادس والسابع من القرن الماضي44. إلا أن الحركة الإسلامية (الشيعية بوجه خاص) اتسعت في العراق في إثر الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وكان ما حققته هذه الثورة من تحول ديني في اتجاهات الناس يضاهي ما أنجزته الحركة الإسلامية في العراق منذ بدايتها في الثلاثينيات من القرن الماضي. وكانت سنوات التسعينات قد وفرت بيئة مناسبة لتجد الحركة الإسلامية مؤيديها فالظروف المعيشية الصعبة التي شهدها المجتمع إبان العقوبات الاقتصادية (الحصار الاقتصادي) إضافة إلى الإفلاس الأيديولوجي للحزب القومي الحاكم وخلو الساحة العراقية من أحزاب سياسية فاعلة ومؤسسات ديمقراطية مدنية، والحملة الإيمانية التي دعا إليها نظام حزب البعث الحاكم حينها والانهيار والتراجع الحضاري الثقافي الذي رافق سنوات الحظر الاقتصادي والذي رافقه نمو وازدهار في البنية الثقافية الدينية. ذلك أن سياسة حزب البعث قد أبقت على المنابر (مساجد وحسينيات ومعاهد دينية) التي ثقفت أجيال عديدة على القيم والرموز الدينية ونمّت المخيال الديني التاريخي قد وفَّر قاعدة جماهيرية جاهزة أمام الأحزاب الإسلامية التي استأنفت نشاطها بعد سقوط النظام السابق، واستمرت هذه المنابر التثقيفية أمام الأحزاب الإسلامية دون أن تبذل الأخيرة أي جهد، وأصبحت الاجتماعات فيها أسبوعياً لتعبئة جماهيرها من خلالها. وما حدث بعد عام 2003 هو أن هذه الأحزاب الإسلامية سواء كانت سنية أم شيعية أصبحت هي المعبر الوحيد عن هوية الطائفة التي تمثلها مما ضاعف من رصيدها الشعبي.
ويمكن تصنيف الأحزاب الإسلامية في العراق إلى صنفين:
(أ) الأحزاب الإسلامية الشيعية
بلغ عدد الكيانات السياسية المسجلة لدى المفوضية العليا للانتخابات والتي تحمل اتجاهاً إسلامياً شيعياً (33) كياناً، وتنشط في مناطق التواجد الشيعي في جنوب العراق ووسطه والمناطق ذات الأغلبية الشيعية في بغداد، وأصبحت تمثل التعبير السياسي عن هوية هذه المجموعة السكانية التي تبلغ نسبة سكانها 60 في المئة حيث بلغ عدد الأصوات التي حصلت عليها قائمة الائتلاف العراقي الموحد التي تضم 18 تنظيماً سياسياً بينها 9 تنظيمات شيعية/ إسلامية (5021137 صوتاً) وتراوحت نسبة الأصوات في مناطق الوسط والجنوب بين 76.08 في المئة في محافظة كربلاء و86،74 في المئة في محافظة ذي قار التي كانت معقل الشيوعيون حتى سبعينات القرن الماضي.
ومن أبرز الأحزاب الإسلامية المصنفة على الطائفة الشيعية:
- حزب الدعوة الإسلامية: وهو من أقدم الأحزاب الإسلامية الشيعية حيث تأسس عام 1959 في النجف ويهدف إلى إقامة دولة إسلامية وتطبيق الشريعة، وقد استلم الحزب رئاسة الوزراء لدورتين انتخابيتين. تعرض الحزب إلى عدة انشقاقات منها كوادر حزب الدعوة، وحزب الدعوة تنظيم العراق، وجماعة الدعوة الإسلامية.
- المجلس الأعلى للثورة الإسلامية: تأسس في طهران عام 1982 وتكوّن في بداية تأسيسه من ائتلاف حركات وأحزاب إلا أنها انسحبت منه، يؤمن المجلس الأعلى بنموذج الحكم الإيراني ويعده نقطة انطلاق الثورة الإسلامية، ويحاول تكراره في العراق. إلى جانب محاولته مسايرة الديمقراطية45 التي ادعتها أغلب القوى في العراق، وقد أعلن مؤخراً عن تخليه عن تقليد المرجع الإيراني علي الخامنئي، واعتماد علي السيستاني المقيم في النجف مرجعاً للتقليد، وهذا تحول يوحي بالتخلي عن مبدأ حكم الفقيه.
- حزب الفضيلة الإسلامي: تأسس في العراق عام 2003، وقد انشق عن التيار الصدري ويضم النخبة المثقفة من الصدريين وينشط في البصرة جنوب العراق. ويعد آية الله اليعقوبي المرشد الروحي لحزب الفضيلة، دخل الحزب مع قائمة الائتلاف العراقي الموحد؛ ثم خرج منه في آذار/ مارس 2007.
- منظمة العمل الإسلامي: تأسست في العراق عام 1979 والمعروف عنها أنها حزب الجالية الإيرانية في العراق وقد أسسها محمد الحسيني الشيرازي، ويتزعمها حالياً محمد تقي المدرسي.
- حزب الله العراق: هو تنظيم لجماعة من المقاتلين الذين عملوا ضد النظام العراقي السابق والمعروفين بـ"جماعة الأهوار" ينشط الحزب في محافظات الجنوب وتحديداً في محافظة العمارة والبصرة، وقد اشترك الأمين العام للحزب عبد الكريم ماهود المحمداوي في تشكيلة مجلس الحكم.
- التيار الصدري: تعود بداية هذا التيار إلى التسعينات حين بدأ محمد صادق الصدر وهو الأب الروحي للحركة بتحرك استقطابي للجماهير بدأ يتسع شيئاً فشيئاً، فاستغل ملتقيات الدروس الدينية في النجف وكذلك مبادرة صلاة الجمعة وهي خطوة استثنائية في التحرك الشيعي في عراق ما قبل السقوط، وهكذا أخذت الظاهرة تحمل في نواتها خصوصية معينة تميزها عن مشروع محمد باقر الصدر في توسيع البيت الصدري وتسليك خطوط امتداد له في مختلف محافظات العراق وخصوصاً الجنوبية منها46.
عاد التيار الصدري بعد عام 2003 بزعامة مقتدى الصدر نجل محمد صادق الصدر الذي اغتيل من قبل أجهزة النظام السابق، ويعد من أكبر التنظيمات الشيعية من ناحية امتداده الجماهيري، وتعد المناطق الشيعية في بغداد وبعض مناطق الجنوب أماكن نفوذه، وهو حزب إسلامي راديكالي شعبوي يعتمد العنف المسلح.
(ب) الأحزاب الإسلامية السنية
يصعب تمييز أحزاب أو تنظيمات ذات هوية سنية بوجه عام وسنية إسلامية بوجه خاص، فباستثناء الحزب الإسلامي العراقي لا يمكن تصنيف أي من الجماعات أو التكتلات العديدة التي اتخذت صبغة إسلامية وتمارس العمل المسلح وتتخندق في حدود الطائفة السنية على أنها أحزاب أو تنظيمات سياسية، ذلك إن السنة لم يتمكنوا خلال تاريخ الحياة الحزبية في العراق من أن يشكلوا حزباً على أساس الهوية المذهبية وذلك خلافاً للطائفة الشيعية، وترتبط هذه القضية بعلاقة الطائفة بالدولة العراقية والمعروف عنها أنها ومنذ حكم الدولة العثمانية (قبل أن تتأسس كدولة) هي متمذهبة سنياً، وعلى الرغم من وجود عوامل جغرافية وديمغرافية بل وحتى طبقية تحكمت في شكل الدولة العراقية من ناحية الهيمنة العددية للطائفة السنية فيها، إلا أن هناك شعوراً تاريخياً لدى شيعة العراق بأنهم مقصوون ومعزولون عن هذه الدولة، أما السنة فلم يستطيعوا أن يفكروا إلا أنهم جزء منها وأنهم ليسوا أقلية وتقبلوا الحكومات المتعاقبة دون أن ينتظموا ضمن أحزاب سياسية ذات هوية طائفية. أما الإسلاميين السنة فقد شكلوا تاريخياً حزبين هما "الحزب الإسلامي العراقي" و"حزب التحرير" الذي وصلت تنظيماته إلى العراق أواسط الخمسينات على يد عناصر أردنية وفلسطينية، وتمكّن من إيجاد قاعدة له بين عدد من الشباب المتديّن الذي لم تنسجم طريقة الإخوان المسلمين (الحزب الإسلامي العراقي فيما بعد) مع تفكيرهم، والقضية المهمة أن عدداً من شبان الشيعة انخرطوا في هذا الحزب على الرغم من كونه سنياً في قواعده الفكرية ونزعته المذهبية وقياداته، ويرى البعض أن من هذا الحزب انبثقت أولى جماعات الإسلام السياسي الشيعي، إلا أن حزب التحرير بقي في حالة انغلاق ولم يهتم بإنشاء قواعد جماهيرية فظل معزولاً47. وقد استأنف نشاطه بعد عام 2003 (ولا توجد معلومات عن طبيعة هذا النشاط ذلك لأنه لم يشترك في العملية السياسية) إلا أنه ينشط في المناطق السنية في بغداد.
ويشترك الحزبان الإسلاميان (التحرير والحزب الإسلامي العراقي) في أن كليهما يعد امتداداً لأحزاب إسلامية عربية خارج العراق.
أما الحزب الإسلامي العراقي فقد تأسس عام 1960 وهو امتداد لحزب الإخوان المسلمين في مصر والعراق وفي عام 2003 شارك الحزب في مجلس الحكم ممثلاً عن الطائفة السنية ولم يشارك في انتخابات الجمعية المؤقتة في كانون الثاني/ يناير 2005 بعد مطالبته بتأجيلها بسبب تعرض مدينة الفلوجة إلى هجوم من القوات الأميركية والعراقية. ومؤيدوا هذا الحزب يتوزعون في مناطق التواجد السني في بغداد وسامراء والموصل، إلا أن الكثيرين يرون أن مشاركته في العملية السياسية وقبوله الإنضواء في تشكيلة مجلس الحكم أفقدته تأييد ودعم الأوساط التابعة له فكرياً وطائفياً وبخاصة في مناطق غرب العراق. يتبنى الحزب الإسلامي المفاهيم الإسلامية ويستمد مناهجه منها من ناحية الغاية والوسيلة ويسعى لتطبيق أحكام الإسلام في تنظيم شؤون المجتمع48، أما موقفه من الاحتلال فقد شهد تحولاً من المطالبة بالاتفاق على جدول زمني على إنهاءه إلى التصريح مؤخراً بأن خروج الاحتلال من العراق ليس في مصلحة العراقيين. ويدعو الحزب إلى الاعتراف بدور المقاومة العراقية التي يرى أنها دفعت الإدارة الأميركية إلى إعادة النظر في حساباتها وأهدافها، ويتحفظ ويطالب بإلغاء قانون اجتثاث البعث وحل الجيش العراقي49، شارك الحزب في الانتخابات الثانية التي جرت في كانون الأول/ ديسمبر 2005 ضمن تحالف ضم تنظيمين سنيين آخرين هما "مؤتمر أهل العراق" و"مجلس الحوار الوطني" وشكلوا جبهة التوافق العراقية التي دعت إلى إنهاء المقاطعة السنية للانتخابات والمشاركة فيها.
أما المؤتمر العام لأهل العراق الذي أسسه الدكتور عدنان الدليمي رئيس ديوان الوقف السني سابقاً فقد تشكل في منتصف عام 2005 باسم مؤتمر أهل السنة في العراق.
وتعد هيئة علماء المسلمين بزعامة حارث الضاري من أكبر القوى السنية الناشطة في الساحة والمعارضة للعملية السياسية ومن أشد المناوئين للوجود الأجنبي وللتقاسم الطائفي والفدرالية. وهي حركة ذات طابع ديني تعد بمنزلة المرجعية السنية، تأسست بعد الحرب في العراق عام 2003 مباشرة وتعاطت الشأن السياسي.
(2) التيار الوسطي
على الرغم من اتساع عدد الحركات والأحزاب التي تمثل الاتجاه الوسطي من علمانية وديمقراطية وتنظيمات قبلية، إلا أن هذا العدد لا يقابله أداء سياسي قوي ومؤثر في توجيه الأحداث وصوغ ملامح المشهد الحزبي في العراق، ذلك أن هذه التنظيمات ضعيفة بمعظمها وليس لديها رصيد شعبي أو امتداد تنظيمي أو ميليشيات مسلحة تضمن لها موقعاً مؤثراً في الخارطة السياسية العراقية50، ولم تستطع هذه القوى أن تواجه قضيتين أساسيتين، القضية الأولى: هيمنة الأحزاب الإسلامية وما تركته من استقطابات طائفية، وخصوصاً بعد أن تقاسمت مؤسسات الدولة فيما بينها، مما سمح لها بتوسيع نفوذها على حساب التيارات الوسطية. والقضية الثانية: هجرة وانقسام الطبقة الوسطى العراقية التي تمثل الركيزة الأساسية لأحزاب الوسط بوصف الأخيرة التعبير السياسي الأبرز لهذه الطبقات، والتي ذابت وتفتت بسبب اضطراب قاعدتها المعيشية وتعطيل هياكل الصناعة والتجارة الوطنية خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، ولم تسمح التغييرات السريعة التي رافقت العملية الانتقالية بأن تأخذ الطبقات الوسطى مداها، كما حال دون تمكن التيارات الممثلة لهذه الفئات من أن تجمع صفوفها وتستقطب جماهيرها.
وما زاد من صعوبة مواجهة هذين التحديين أن هذه الأحزاب في معظمها صغيرة ومشتتة وغير قادرة على إقامة تحالفات فيما بينها وتنسيق جهودها إزاء الأحداث المتسارعة بسبب الصراعات والتناحرات بين الأطراف التي تشكل هذا التيار. فعندما اجتمعت هذه القوى في كردستان قبل الانتخابات الثانية بهدف الاتفاق على تأجيلها (وهذا مثال واحد على غياب القدرة على التنسيق) تراجعت معظم الكتل عن اتفاقها مما جعل القوى التي أصرت على التأجيل معزولة وفي موقف ضعيف51. والأمر الجدير بالملاحظة هو أنه لم يعد هناك حدود وحواجز واضحة بين الأحزاب الوسطية إذ لم تعد الخلافات بينها أيديولوجية بقدر ما هي صراع على الزعامة، والمشكلة الرئيسية التي تعاني منها الأحزاب الوسطية في المرحلة الحالية من التاريخ السياسي للعراق، هي أنها غير مصنفة على أساس الهويات (دينية أو عرقية) وهو في مقدمة العوامل التي أدت إلى انحسار دور الأحزاب العلمانية والليبرالية. ذلك أن طبيعة المرحلة ومناخ الاستقطابات الطائفية والإثنية الذي هيأت له الأحزاب الممثلة للمذاهب والقوميات، قد حتمت على أي حزب لكي يكون فاعلاً ومؤثراً في التشكيل الجمعي للرأي العام وبالتالي لديه الفرصة في الوصول إلى مراكز صنع القرار، أن يتخذ له هوية طائفية، وتمثل جبهة الحوار الوطني التي يترأسها صالح المطلق نموذجا للتنظيم السياسي الذي تحول من حزب ليبرالي ممثل لكل القوميات والمذاهب إلى حزب ذي هوية طائفية. إذ لم يتعامل الناخب في العراق مع هذا الحزب إلا بوصفه حزباً سنياً ونسبة الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات الثانية جاءت معظمها من المحافظات السنية. وهكذا تجري عملية التصنيف للأحزاب والتنظيمات.
وتفسر بعض الزعامات السياسية غياب تأثير التيار الوسطي بأنه نتيجة التأثير الأميركي الذي فسح المجال أمام الأحزاب الطائفية المتناحرة، سواء كانت سنية أم شيعية ولم يعطِ الفرصة نفسها للأحزاب الليبرالية52، إلا أن قادة آخرين يرون بأن هناك إرادات إقليمية أيضاً تريد لنظام الحكم في العراق أن تكون له هوية طائفية مركبة تتمثل بالنخب السياسية الطائفية التي وجدت مصلحتها في نظام المحاصصة53. ويبدو واضحاً أن الانقسامات الطائفية قد انعكست حتى على التيارات الوسطية، وكانت واحدة من أسباب الانشقاقات التي تعرضت لها هذه التيارات، إذ انقسم أعضاء الحزب الليبرالي الواحد تبعاً لطوائفهم ليؤسسوا حزباً جديداً، ويطرح المشهد الحزبي نموذجين لهذا النوع من الانشقاق، الأول، ما تعرض له حزب المؤتمر الوطني الذي انشق عنه مثال الآلوسي (وهو سني) ليشكل حزب الأمة العراقية، والثاني، الحزب الوطني الديمقراطي، الذي انفصلت قياداته من الشيعة في تنظيم جديد أطلقت عليه "الحزب الوطني الديمقراطي الأول". أما أهم الأحزاب الوسطية فهي: - حركة الوفاق الوطني: تعتبر الحركة عام 1991 بداية تأسيسها في لندن، وفي عام1996 نقلت نشاطها إلى عمان ومارست العمل السياسي بوصفها حزباً معارضاً لحزب البعث في العراق وأصدرت صحيفة بغداد وإذاعة المستقبل. شاركت الحركة في تشكيلة مجلس الحكم بعد عام 2003 وأصبح زعيمها أياد علاوي أول رئيس وزراء في الحكومة الانتقالية. وقفت الحركة ضد قانون اجتثاث البعث، وهي تدعو إلى العلمانية والتعددية السياسية وحصلت قائمتها على المرتبة الثالثة في الانتخابات الأولى، ولم يحقق تحالفها مع أكثر من 15 تنظيم وحركة يسارية وعلمانية وعشائرية إلا المرتبة الرابعة في الانتخابات الثانية. تعارض الحركة قيام فيدرالية في جنوب العراق، كما تعارض انسحاب القوات متعددة الجنسيات، وللحركة فروع ومكاتب في بغداد وفي أنحاء متعددة في العراق.
- المؤتمر الوطني العراقي: تأسس في لندن عام 1992 وكان عند تأسيسه عبارة عن تجمع لأحزاب معارضة عراقية ثم تحول إلى حزب تابع لأحمد الجلبي (رئيسه) الذي تمكن من إعادة ترميم صفوف المؤتمر بعد انسحاب معظم الأحزاب المشكلة لنسيجه. شارك الحزب من خلال رئيسه في تشكيلة مجلس الحكم وتحالف مع الائتلاف العراقي الموحد (الشيعي)، وبادر إلى تأسيس (البيت الشيعي) الذي أريد منه تكتيل الأعضاء في مجلس الحكم (من الطائفة الشيعية وعددهم 13) لاتخاذ القرارات وكانت هذه النواة التي تشكل وفقها تحالف "الائتلاف العراقي"، وعلى الرغم من دعوته للعلمانية والديمقراطية، إلا أنه دخل في تحالف مع الأحزاب الشيعية الإسلامية الكبرى في قائمة واحدة خلال الانتخابات الأولى وأصبح زعيمه نائب لرئيس الوزراء في حكومة الجعفري، ثم انسحب من التحالف في الانتخابات الثانية معترضاً على قلّة المقاعد المخصصة له ولم يحصل من خروجه عن الائتلاف على أي مقعد برلماني. يعارض الحزب خروج القوات متعددة الجنسيات ويؤيد قيام فيدرالية في الجنوب وتربطه علاقة طيبة مع إيران وهو من أول الداعين إلى اجتثاث البعث. وقد حاول عند دخوله العراق بعد عام 2003 أن يستميل شيوخ العشائر.
- تجمع المستقلين الديمقراطيين: هو ليس حزباً سياسياً بالمعنى (الملموس) وإنما تيار يضم مجموعة من النخب والتكنوقراط، تأسس في بغداد بعد عام 2003، إلا أن فكرة التجمع تكوّنت قبل هذا التاريخ في لندن، دخل رئيسه عدنان الباججي في مجلس الحكم الانتقالي وكان مرشحاً قوياً لرئاسة الجمهورية في الحكومة الانتقالية، وكان يؤمل لهذا التجمع أن يكون له دوراً مهما في مستقبل العراق، انضم إلى القائمة العراقية التي يرأسها أياد علاوي بعد أن خرج من الانتخابات الأولى بدون أي مقعد برلماني، أما التجمع كتنظيم فقد تلاشى وذاب في الكتلة العراقية، يدعو التجمع إلى فصل الدين عن الدولة ويتحفظ على قانون اجتثاث البعث كما يتحفظ على إقامة فدرالية في جنوب العراق.
- الحزب الوطني الديمقراطي: هو حزب تاريخي قديم تأسس عام 1946تمتع بثقل سياسي كبير وقاعدة جماهيرية واسعة، عرف كحزب الطبقة الوسطى وأحياناً حزب الطبقة البرجوازية، كما عرف بمواقفه الوطنية والكاريزما التي تمتع بها رئيسه الأسبق كامل الجادرجي (عام 1969). أنهى الحزب نشاطه عام 1963، وبعد عام 2003 عقد من تبقى من قيادييه القدامى اجتماعا لمناقشة تعديل منهج الحزب ونظامه الداخلي تمشياً مع المرحلة. واختاروا نصير الجادرجي رئيساً للحزب وهو (نجل مؤسس الحزب)، شيوعي سابق، شارك في تشكيلة مجلس الحكم بوصفه ممثلاً عن الطائفة السنية. يصنف الحزب ضمن التيار الليبرالي إلا أن قياداته تصنفه كحزب يساري اشتراكي/ فابي وقد تعرض الحزب إلى انشقاق بسبب خلاف على الزعامة اتخذ ذريعة دخول الشيوعيين ضمن قياداته.
(3) التيار الماركسي:
رغم ان الحركة الشيوعية في العراق هي من بين اقدم الاحزاب الحديثة (1934) فانها شهدت خلال الفترة العقد السابق للاحتلال ، انحساراً متواصلاً من جراء القمع المستمر ، حيث كانت أجهزة الامن في النظام البعثي تركز على افراغ الساحة السياسية من الحزب الشيوعي والقوى اليسارية الاخرى .
ونجحت فعلاً في اجبار الحزب الشيوعي ( حشع ) الى اللجوء للعمل السري ، والمنافي القريبة والبعيدة ، ثم الى العمل المسلح في الجبال الكردية ( حركة الانصار ) ، لكن هذه الاخيرة توقفت عام 1988 – 1989 .
وبقي الحزب يعمل في المنطقة الكردية الحرة من الوجود الحكومي البعثي ( 1991 – 2003 ) بعد مشاركته في الانتفاضات المعارضة لحكم البعض خلال ربيع 1991.
________________________________
* المصدر : موقع :" دراسات عراقية "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق